ظلت كنيسة روما العريقة التي أسَّسها القديس بولس الرسول مُخلِصة لكنيسة الإسكندرية التي أسسها القديس مارمرقس الرسول الإنجيلي إلى عصر البابا القديس كليستينوس بابا روما الذي عاصر القديس كيرلس الكبير بابا الإسكندرية.
ففي عصر القديس أثناسيوس الرسولي وقفت روما إلى جوار القديس أثناسيوس في كثير من الأوقات، واستضافته في فترات نفيه لسبب صراعه مع الأريوسيين.
وفي عصر القديس كيرلس الكبير وقف القديس كليستينوس مع البابا كيرلس في صراعه ضد نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، وأرسل إليه خطابا يقول له فيه أن ينبوع تعاليمه النقية قد غسل أوساخ تعاليم نسطور وقد أزال البلبلة التي حدثت في الأذهان، معتبرًا أن القديس كيرلس قد أنار له عقله في مواجهة تعاليم نسطور الحاملة للظلمات الروحية، وقد طلب بابا روما من بابا الإسكندرية أن يمثل كنيستي الإسكندرية وروما في مجمع أفسس المسكوني (431م)، وأن يقوم بالتوقيع عن الكنيستين في آن واحد على قرارات المجمع.
كانت ثقة كنيسة روما بابوات الإسكندرية لا تقدر ولا ممكن وصفها، وكان البابا الروماني يعتمد على البابا الإسكندري في الدفاع عن الإيمان، إلى جوار أن المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م قد فوض بابا الإسكندرية في تحديد موعد عيد القيامة المجيد لكل كنائس العالم في كل عام.
ولكن للأسف الشديد فإن بابا روما لاون الأول الذي كان شماسًا للقديس كليستينوس وعاصر اعتزاز معلمه بالقديس كيرلس الكبير فد انقلب ضد كنيسة الإسكندرية لرغبته في أن يكون هو المعلم الأول في الكنيسة بل أن تكون لروما الرئاسة على كل كنائس العالم.
وفي سعيه نحو هذا الغرض سعى لعقد مجمع خلقيدونية حيث تم عزل البابا ديسقورس خليفة القديس كيرلس الكبير الذي أكمل جهاد القديس كيرلس ضد النسطورية في الشرق، وللأسف فقد ساند البابا لاون أسقفين من المدافعين عن نسطور وهما ثيؤدوريت أسقف قورش وإيباس أسقف أديسا (الرها) ومنحهما حلًا بعد أن حرمهما المجمع المسكوني الذي انعقد في أفسس سنة 449م برئاسة البابا القديس ديسقورس وكان هذا هو السبب الرئيسي للخلاف بين البابا لاون والبابا ديسقورس.
ولأن " المعتزل يطلب شهوة نفسه. بكل مشورة يغتاظ" (أم18: 1) فقد تمادى الباباوات الرومانيون في البعد عن التعليم الأصلي والإيمان المسلَّم للقديسين، وانفردوا بتعاليم غريبة أدخلوها إلى الكنيسة الرومانية، أي إلى كنائس الغرب المسيحي في ظل مفهوم رئاسة بابا روما ورئاسة بطرس الرسول، وفي ظل مفهوم عصمة البابا الروماني، وبعيدًا عن التشاور مع باقي الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية منها وغير الخلقيدونية، فأضاف البابا الروماني في القرن الحادي عشر عبارة " والابن " Filoque إلى قانون الإيمان في النص اللاتيني للتأكيد على انبثاق الروح القدس من الآب والابن، وهي العقيدة التي رفضتها جميع الكنائس الأرثوذكسية حتى الآن.
وصارت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في عزلة وحدها بعيدة عن روح المجمع المسكوني، تضع عقائد جديدة عجيبة مثل عقيدة المطهر، وعقيدة الحبل بلا دنس في ولادة السيدة العذراء مريم من والديها، وعقيدة صكوك الغفران، وزوائد فضائل القديسين، وعقيدة الزواج بغير المؤمنين، وعقيدة خلاص غير المؤمنين، وأن الوثنيين يعبدون الله من خلال التماثيل والأصنام والخرافات التي يمارسونها، وأنهم يصلون إلى ذروة الاستنارة والتحرر الكامل بجهودهم الخاصة بدون الإيمان بالمسيح وبدون المعمودية.
وفي الآونة الأخيرة وللأسف بعد توقيع اتفاق حول طبيعة السيد المسيح بين كنيسة روما وكنيسة الإسكندرية، فإن روما المتعاطفة مع الوثنيين قد تعاطفت أيضًا مع النساطرة، ووقع بابا روما مع بطريرك الكنيسة الأشورية النسطورية التي تذكر نسطور كقديس في ليتورجياتها اتفاقًا حول طبيعة السيد المسيح، ومازالت هذه الكنيسة الأشورية تعلن ولاءها لنسطور، وأنه شهيد لغطرسة البابا كيرلس الكبير، وتدافع عن تعاليم نسطور باعتبارها تعاليم أرثوذكسية لا يمكن التنازل عنها.
أما الكاردينال كاسبر رئيس مكتب الوحدة المسيحية بالفاتيكان فقد زار قداسة البابا شنودة الثالث في القاهرة، وأعلن رغبة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في استئناف الحوار مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولم يمانع قداسة البابا شنودة الثالث في ذلك على أساس أن يكون في أولويات الحوار موقف كنيسة روما الحالي من الكنائس النسطورية، وأن يكون الحوار بين كنيسة روما وعائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بالشرق الأوسط.
وقد أوصى قداسة البابا شنودة الثالث أن تكون هناك اتصالات عاجلة مع مكتب الوحدة المسيحية في الفاتيكان بشأن علاقات روما مع الكنائس النسطورية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وذلك إلى أن يُستأنف الحوار الرسمي المذكور الذي سوف تسبقه ترتيبات عديدة، وبالفعل بدأت الاتصالات العاجلة في محاولة لإنقاذ تدهور الموقف الروماني في هذا المجال، ولإيضاح حقيقة الكنائس الأشورية لكنيسة روما.
بالإضافة إلى ذلك فإن كل نقاط الخلاف العقائدي مع روما تكون على قائمة الحوار بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وعائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط، وذلك بحسب قرارات المجمع المقدس لكنيستنا برئاسة قداسة البابا شنودة الثالث في أواخر الثمانينات من القرن العشرين.
إن البحث الذي قام به الأستاذ حلمي القمص يعقوب هو عمل كبير تحتاج إليه المكتبة القبطية في جيلنا هذا، وهو يشمل الجوانب التاريخية والعقائدية في العلاقات بين كنيسة روما وكنائسنا الأرثوذكسية، ونظرًا لأن قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته قد كلفني بتدريس مادة الحِوارات اللاهوتية المسكونية في الكلية الإكليريكية، فلهذا رأيت من واجبي أن أشكر الشماس حلمي القمص على هذا البحث الكبير الذي طالعت بعض فقرات منه، كما أعطيته الفرصة للإطلاع على ما لدينا من معلومات حول هذه القضية الكبيرة في تاريخ كنيستنا.
لم يمكنني مراجعة البحث بكامله، ولكن نظرًا لرغبة الشماس حلمى القمص في نشر هذا الكتاب لمنفعة القراء والمكتبة القبطية، فإننا نضعه بين أبدى القراء ويسعدنا أن تصلنا الآراء والتعليقات التي يمكن أن تساعد الباحث في صياغته من جديد مع ما يلزم من إضافات أخرى.
الإسكندرية / تذكار نياحة القديس موسى الأسود
في 24 بؤؤنه سنة 1717ش - 1 يوليو سنة 2001م
بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ وبراري القديسة دميانة
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/introduction-anba-bishoy.html
تقصير الرابط:
tak.la/28pypy5