St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

98- هل كان هدف المسيح أن لا تنفصل المسيحية عن اليهودية، أما بولس الرسول فقد نأى بالمسيحية بعيدًا عن اليهودية، كارزًا بين الأمم، ومقاومًا للتهود والختان وحفظ الناموس، وقد أذعن له الاثني عشر تلميذًا؟

 

س98 : هل كان هدف المسيح أن لا تنفصل المسيحية عن اليهودية (مت 5 : 17)، أما بولس الرسول فقد نأى بالمسيحية بعيدًا عن اليهودية، كارزًا بين الأمم، ومقاومًا للتهود والختان وحفظ الناموس، وقد أذعن له الاثني عشر تلميذًا؟

 يرى "شارل جينيبير" أن بولس نادى بخلاص الأمم الوثنية وأجبر التلاميذ على قبول هذا، فقال: " لا غرابة أن نرى الحواريين الاثنى عشر، وهم الذين أشربُّوا بتعاليم عيسى وظلوا على يهوديتهم العميقة، يستنكفون كثيرًا من مثل هذه النتائج التي توصَّل إليها بولس. ويبدون أمامها ترددًا قويًا، إلاَّ أنه فرضها عليهم فرضًا، إذا استطاع إيجاد البراهين المقنعة بشأنها معتمدًا على تحليل أوجه النشاط التي لمسها خلال رحلته التبشيرية الأولى في ربوع آسيا الصغرى. ثم أن مجتمع القدس كان يظن أن روحًا إلهيًّا تُسيّر الحواري الثالث عشر فيما يقوم به من أعمال... وكان بولس على علم بأن عملية الختان لا تتفق مع عاداتهم وأساليب تفكيرهم، فلم يلبث أن آمن بأن تعاليم هذه الشريعة قد نسختها تعاليم المسيح، بل بأن هذا المسيح أتى خصيصًا ليبدّل عهدًا قديمًا بعهد جديد. وأذعن الاثنى عشر لبولس مرة أخرى، فتقبلوا فكرة إعفاء الأتباع الجدد من ديار الوثنية من أحكام شريعة اليهود. وكان المعنى الضمني لهذا الإجراء: التفرقة بين المسيحية واليهودية ورفع الأولى إلى أن تصبح دينًا مميزًا" (742).

 ويستكمل "شارل جينيبير" فكرته، فيقول: "وبعبارة أخرى، فإن المسيحية، في مقتبل القرن الثاني، تظهر لنا في ثوب دين مستقل، يدرك أصحابه تمامًا انفصاله عن اليهودية... قد ابتعدت (المسيحية) كثيرًا عن الأفكار التي نادى بها عيسى والحواريون، وأصبحت تتجه إلى بني الإنسان جميعًا دون تفرقة بين الأجناس أو الطبقات الاجتماعية، لتدعوهم إلى حياة الخلود" (743).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : 1ـــ ليس الله إلهًا عنصريًا يتحيَّز للشعب اليهودي على حساب الشعوب الأخرى، إنما اختار الله إبراهيم أب جميع اليهود لكيما يبارك بنسله الأمم، وبينما انحرفت جميع الشعوب وسقطت في عبادات وثنية بشعة لازمها انحطاط خُلقي رهيب، وانحطت إلى قاع الرذيلة... حمل شعب الله شعلة الإيمان وسط غياهب وظلمة هذه الديانات، وليس معنى هذا أن الله أهمل تلك الشعوب، إنما كان يهيئها لقبول الخلاص، وعندما رأى الله قلب راحاب المستعد للتوبة أرسل إليها الجاسوسين فنالت الخلاص، ولو كان لأريحا قلب راحاب ما هلكت تلك المدينة، وعندما رأى الله في نينوى، التي صعد شرها لعنان السماء، بارقة أمل أرسل إليها يونان النبي، ولما رأى راعوث وإخلاصها ووفائها اتخذها جدة بحسب الجسد، وهلم جرا...

 وعندما تجسد ابن الله أعلن محبة الله للعالم كله، فقال: " لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة" (يو 3 : 16)، وقَبِل المرأة الكنعانية وامتدح إيمانها قائلًا: " يَا امْرَأَةُ عَظِيـمٌ إِيمَانُكِ" (مت 15 : 28)، وأشاد بإيمان قائد المئة الأممي قائلًا: " لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِـي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا" (لو 7 : 9).. إلخ.

 وبعد أن تمَّم يسوع المسيح الفداء على الصليب، ومات عن العالم كله أرسل تلاميذه ليكرزوا لجميع الأمم: " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُـمْ.." (مت 28 : 19).. " اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر 16 : 15)، وقال لتلميذي عمواس: " كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ" (لو 24 : 46، 47)، فهل بعد كل هذا، وغيره الكثير والكثير، الذي يثبت ويؤيد أن المسيح للعالم كله وليس لليهود فقط، يتجرأ إنسان ويقول أن السيد المسيح لم يقصد أن تخرج المسيحية خارج نطاق اليهودية..؟! ولو كان قصد السيد المسيح أن لا تنفصل المسيحية عن اليهودية لعطل خدمة بولس الرسول بين الأمم، ولكن هذا لم يحدث، بل حدث العكس، فيقول بولس: " فَقَالَ لِي اذْهَبْ فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيدًا" (أع 22 : 21).. " ثِقْ (يَا بُولُسُ) لأَنَّكَ كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا" (أع 23 : 11) كما أن قول الناقد بأن بولس الرسول لوحده هو الذي قاد المسيحية نحو العولمة، أي جعلها ديانة للعالم كله، قول مجافٍ للحقيقة، ومَن يطالع سفر الأعمال سفر نشأة الكنيسة يدرك الحقيقة جيدًا، فبينما كان بولس يتحسس طريقه في بداية كرازته بالمسيح، دخل بطرس الرسول بيت كرنيليوس قائد المئة الأممي، بناء على رؤية سماوية (أع 10)، ولأن هذا كان يمثل إرادة الله لذلك حلَّ روحه القدوس على هؤلاء الأمم كما حلَّ على المسيحيين من أصل يهودي في يوم الخمسين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حتى قال بطرس الرسول: " أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضًا" (أع 10 : 47).

 

St-Takla.org Image: "Paul dwelt two whole years in his own rented house, and received all who came to him, preaching the kingdom of God and teaching the things which concern the Lord Jesus Christ with all confidence, no one forbidding him" (Acts 28: 30-31) - by Paul Hardy. صورة في موقع الأنبا تكلا: "أقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كارزا بملكوت الله، ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة، بلا مانع" (أع 28: 30-31). - للفنان بول هاردي.

St-Takla.org Image: "Paul dwelt two whole years in his own rented house, and received all who came to him, preaching the kingdom of God and teaching the things which concern the Lord Jesus Christ with all confidence, no one forbidding him" (Acts 28: 30-31) - by Paul Hardy.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "أقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كارزا بملكوت الله، ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة، بلا مانع" (أع 28: 30-31). - للفنان بول هاردي.

2ــ كان الهدف من بدعة التهوُّد ربط المسيحية باليهودية، فلا يستطيع أحد أن يؤمن بالمسيحية إلاَّ بعد العبور على اليهودية وتتميم الختان وحفظ الناموس، والذين نادوا بهذه البدعة هم المسيحيون الذين كانوا من أصل يهودي، وهدَّدت هذه البدعة الكنيسة الناشئة حتى كادت تشقها نصفين، كنيسة من أصل يهودي وأخرى من أصل أممي، فأرشد الروح القدس الآباء الرسل لعقد مجمعًا في أورشليم لمناقشة وفحص هذه القضية، وحدثت مباحثة كثيرة تكلم خلالها بطرس الرسول وقال عن الأمم: " وَاللهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِيًا لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضًا. وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ" (أع 15 : 8، 9)، كما تكلم القديس يعقوب أخو الرب مؤكــد علـى افتقاد الله للأمم، قائلًا: " وَهذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ... لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ" (أع 15 : 15 - 17)، وانتهى المجمع إلى رفض بدعة التهوُّد قائلين: " لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ" (أع 15 : 28).. فمن أين جاء الناقد بأن التلاميذ أذعنوا لفكرة بولس في خلاص الأمم إذا كان قد سبقه بطرس في قبول كرينليوس؟!!

وفي هذا لا ننكر مدى رفض بولس الرسول لبدعة التهوُّد، وهذا يرجع إلى إعلانات الله له بأن زمن قبول الأمم قد حان، فأرسله إلى هؤلاء الأمم، ودُعِى بحق "رسول الأمم" الذي يكرز بإنجيل الغرلة، أي قد تخصص في بشارة الأمم الذين لم يختتنوا، وأوضح بولس الرسول أن قبول الله للأمم كان سرًا أعلنه الله له، لذلك يقول لمؤمني روما: " لِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ" (رو 16 : 25) وقال لمؤمني أفسس: " أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ" (أف 3 : 3)، وقال لمؤمني كولوسي: " السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ. الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ" (كو 1 : 26، 27)، ومؤمني هذه الكنائس من الأمم.

 

3ــ لم يقاوم بولس الرسول الناموس، بل شهد أن الناموس صالح، فقال: " وَلكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ صَالِحٌ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيًّا" (1تي 1 : 8).. " إِذًا النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ" (رو 7 : 12)، وما هاجمه بولس الرسول هو الاعتماد على أعمال الناموس لنوال الخلاص، وهذا موضوع يطول شرحه، لذلك يُرجى الرجوع إلى كتابنا: تفسير رسالة غلاطية هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.

 

4ـــ عاش التلاميذ مع السيد المسيح أكثر من ثلاث سنوات تتلمذوا على يديه، فكيف أذعنوا لآراء مخالفة لإيمانهم، هيَ وليدة أفكار بولس كما تصوَّر الناقد..؟! هل بهذه السهولة تخلوا عن إيمانهم..؟! ولو كان هؤلاء التلاميذ كريشة في مهب الريح فكيف تحدُّوا الاضطهادات المُرة، واستهانوا بالموت..؟! وكيف شهد القرآن لأخلاقهم ووفائهم وإيمانهم المستقيم (المائدة 5 : 111، والصف 61 : 14)؟!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(742) تقديم الإمام عبد الحليم محمود ــــ المسيحية نشأتها وتطورها ص 133.

(743) المرجع السابق ص 148.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/98.html

تقصير الرابط:
tak.la/68vagxx