س9: كيف اجتاح الإسكندر المكدوني الإمبراطورية الفارسية ومعظم العالم في سنوات قليلة ومات في ريعان شبابه؟ وكيف انقسمت مملكته إلى أربع ممالك؟
وُلِد "الإسكندر" في "بيلا" إحدى مدن مقدونيا يوم 19 يوليو سنة 356 ق. م، وهو ابن الملك المقدوني "فيليب"، وأمه هيَ "أوليمبيا"، ومعي اسم "إسكندر" أي مساعد للناس، تربى في القصر الملكي، وفي الثالثة عشرة من عمره تهذَّب على يد الفيلسوف اليوناني "أرسطو"، وفي السابعة عشر من عمره أشركه أبوه في الحروب، فتعلّم الفنون العسكرية، وكان الإسكندر جامح الخيال يعتقد أنه ابن الإله "زيوس"، واتسمت حياته بالحكمة واحترام الغير. وكانت بلاد اليونان منقسمة إلى ولايات صغيرة تتطاحن فيما بينها، بينما الإمبراطورية الفارسية بجيوشها الجرّارة تُهدّدها، فوحَّد الملك فيليب هذه الولايات، وفي سنة 336 ق. م، اُغتيل الملك فيليب، فتولى الإسكندر مسئولية العرش وله من العمر عشرون عامًا، فثبَّت أركان ملكه، وقضى على الفوضى في بلاده، وزحف بجيشه لصد الزحف الفارسي، فعبر بوغاز هلسبنت (الدردنيل)، واشتبك مع بعض قوات فارس فقهرها.
واتجه الإسكندر إلى الشرق فأخضع المدن والأقاليم وحاصر مدينة "صور" مدة طويلة سنة 332 ق. م.، لأن أهل صور تحصّنوا بجزيرة أمامهم، وهو لا يملك سفنًا كافية للهجوم، فألقى بأنقاض مدينة صور القديمة في البحر ليصنع جسرًا يصل به للجزيرة، ورغم تحطيم الصوريين للجسر إلاَّ أنه أستطاع أن يكمل هذا الجسر بطول نحو 800 مترًا وعرض 60 مترًا، وطلب من بعض المدن التي أخضعها أن ترسل إليه بعض السفن، فأرسلت إليه صيدا وأرفاد ورودس وسولي ومالوس وليكيه ومقدونيا وقبرص أكثر من مائتي سفينة، فاقتحم صور ونكَّل بأهلها، فصلب منهم ألفين، وقتل ثمانية آلاف، وأسر ثلاثين ألفًا باعهم كعبيد، وخرَّب المدينة وأحرقها بالنار، فتحقَّقت نبوة زكريا النبي عليها "قَدْ بَنَتْ صُورُ حِصْنًا لِنَفْسِهَا وَكَوَّمَتِ الْفِضَّةَ كَالتُّرَابِ وَالذَّهَبَ كَطِينِ الأَسْوَاقِ. هُوَذَا السَّيِّدُ يَمْتَلِكُهَا وَيَضْرِبُ فِـــي الْبَحْرِ قُوَّتَهَا وَهِيَ تُؤْكَلُ بِالنَّارِ" (زك 9 : 3، 4).
ولأن اليهود رفضوا إمداد الإسكندر بالمعونة في حصاره لصور اتجه لأورشليم ليفعل بها كما فعل بصور، وإذ برئيس الكهنة اليهودي يخرج بملابسه الكهنوتية بالرداء القرمزي والصدرة والتاج الذهبي ومعه جمع غفير بملابس بيضاء ينشدون نشيد صهيون، ويرحّبون به، وأطلعه رئيس الكهنة على نبوة دانيال النبي عنه، فقد رآه في شكل نمر مجنَّح له أربعة أجنحة وأربعة رؤوس علامة القوة وسرعة الانقضاض، وأُعطيَ سلطانًا من إله السماء، فابتهج الإسكندر وتلاشى غضبه، وقيل أنه سجد أمام رئيس الكهنة، وعندما لامه القريبون منه، أخبرهم بأنه عندما بدأ فتوحاته شاهد هذا المنظر في حلم فتشجع وأكمل طريقه. وقال يوسيفوس أن الإسكندر قدّم ذبيحة لإله إسرائيل (راجع م. سمير لطفي - عصر المكابيين ص 15).
ثم اتجه الإسكندر إلى مصر في خريف سنة 332 ق. م، ففرح به المصريون ونظروا إليه كمخلص ومنقذ من الظلم الفارسي الفادح، ودخل الإسكندر "منف" العاصمة في ديسمبر سنة 332 ق. م، وأبدى احترامه الشديد للديانات المصرية فأحبه المصريون وفرح به الكهنة وتوَّجوه فرعونًا بمعبد "فتاح" بمنف، وتكبّد الإسكندر مشقة السفر إلى واحة سيوه حيث معبد الإله "أمون" ليتلقى استشاراته قبل أن يُكمل غزو العالم، وفي رحلته تعرضوا للعطش فأمطرت السماء، وضلت قافلة الإسكندر فأرشدتهم بعض الطيور للواحة، فخرج الكهنة لاستقباله واصطحبه كبير الكهنة إلى قدس الأقداس فقدّم القرابين، وتوَّجوه الكهنة على أنه ابن أمون، ولأنهم يرمزون للإله أمون بالكبش المقدَّس، لذلك صوَّروا الإسكندر وعلى رأسه قرنين، ودُعي بذي القرنين، وأنشأ الإسكندر مدينة الإسكندرية كعاصمة جديدة للبلاد منفتحة على دول حوض البحر المتوسط.
وترك الإسكندر مصر في ربيع سنة 333 ق. م متجهًا صوب فارس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فوجد "دارا الثالث" ملك فارس في انتظاره بجيش جرار ومركبات حربية وفيلة، ولم يكن مع الإسكندر سوى سبعة آلاف فارس وأربعين ألفًا من المشاة، وفي أكتوبر سنة 333 ق. م انطلق الملك المكدوني الأبيض المجعَّد الشعر الجسور، انطلق كنمر مجنَّح له أربعة رؤوس وأربعة أجنحة وقد أُعطي سلطانًا من إله السماء فسحق دارا وجنوده، ودخل بلاد فارس ظافرًا منتصرًا، والأمر العجيب أنه قدّم كل الاحترام لآلهتهم ومعابدهم كما فعل في مصر، وتزوج من فتاة فارسية تُدعى "روكسانا" وشجع قادته للاقتران بفارسيات، فكل ما شغل ذاك القائد الفذ هو المزج بين الحضارات وليس الصراع بينها، ولذلك اتبع سياسة الانفتاح وصهر الدول في بوتقة واحدة من أجل وحدة العالم، ونشر الثقافة الإغريقية واللغة اليونانية كلغة التخاطب الأولى في العالم كله، ومن أجل هذه الأهداف السامية أكمل الإسكندر فتوحاته حتى وصل للهند سنة 327 ق. م، وفي أوائل سنة 325 ق. م أقام في فارس احتفالًا ضخمًا بالسلام العالمي في مدينة "سورا"، وقد ختمه الإسكندر بصلاة أقامها من أجل السلام... لقد كانت فتوحات الإسكندر إعدادًا إلهيًا لشعوب الأرض لتَقبُّل التجسد الإلهي، ونشر السلام في ربوع الإمبراطورية الرومانية.
كان الإسكندر الأكبر له مبادئه السامية، وقد تسلّط على العالم كله في عشر سنوات، وكان لا بد أن تتم النبوة عن موته في ريعان شبابه: "وَيَقُومُ مَلِكٌ جَبَّارٌ وَيَتَسَلَّطُ تَسَلُّطًا عَظِيمًا وَيَفْعَلُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ. وَكَقِيَامِهِ تَنْكَسِرُ مَمْلَكَتُهُ وَتَنْقَسِمُ إِلَى رِيَاحِ السَّمَاءِ الأَرْبَعِ" (دا 11 : 3، 4)، ففي 13 يونيو سنة 323 ق. م مات الإسكندر وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، وعقب موته اجتمع قادة الجيوش في بابل، وكالنبوة تم تقسيـم المملكة لأربعة ممالك: "فتَعَظَّمَ تَيْسُ المَعْزِ جِدًّا. وَلَمَّا اعْتَزَّ انْكَسَرَ الْقَرْنُ الْعَظِيمُ وَطَلَعَ عِوَضًا عَنْهُ أَرْبَعَةُ قُرُونٍ مُعْتَبَرَةٍ نَحْوَ رِيَاحِ السَّمَاءِ الأَرْبَعِ" (دا 8 : 8)، وهذه الممالك هيَ: 1ــ مملكة البطالمة في مصر وفلسطين - 2ــ المملكة السلوقية - 3ــ مملكة تراكيا - 4ــ المملكة المقدونية:-
وملك عليها "بطليموس الأول سوتر" (323 - 282 ق. م) فحكم مصر، وأسَّس دولة البطالمة في مصر، وجميع ملوكها تسمُّوا بِاسم بطليموس حتى بطليموس الثاني عشر، وجاءت كليوباترا (50 - 30 ق. م) كآخِر ملوك البطالمة، ونازعها الحكم أخيها بطليموس الثالث عشر، ثم أخيها بطليموس الرابع عشر، ولكنها انفردت بالحكم، وتزوجت بيوليوس قيصر، وأنجبت منه "قيصرون"، ثم تزوّجت بأنطونيوس وأنجبت منه إسكندر هيليوس (أي الشمس) وتوأمتـه كليوباترا سليني (أي القمر)، وعندما انتصر أوكتافيوس على غريمه أنطونيوس في معركة أكتيوم البحرية سنة 31 ق. م، وأراد أن يأخذ كليوباترا كأسيرة في روما فضَّلت الانتحار بثعبان الكوبرا، وبهذا انتهى عصر البطالمة وبدأ الحكم الروماني.
في سوريا وفارس، وملك عليها سلوقس "نيكاتور" أي الفاتح، فحكم سوريا والجزء الأكبر من آسيا الصغرى، وأسَّس الدولة السلوقية فدعيَ بعض ملوكها بِاسم سلوقس حتى سلوقس السادس، ودُعيَ البعض الآخر بِاسم أنطيوخس حتى أنطيوخس الثالث عشر، والبقية كانت لهم أسماء متفرقة، واستمرت الدولة السلوقية حتى بداية الإمبراطورية الرومانية عندما دخل القائد الروماني "بومبي" مدينة دمشق سنة 63 ق. م.
في آسيا الصغرى وتركيا وملك عليها "ليسيماخوس".
في مقدونيا وبلاد اليونان وملك عليها "كاسندر"، وقبض كاسندر على بروكسانا زوجة الإسكندر الفارسية وابنها "اللو" وألقى بهما في السجن، ثم قتلهما حتى لا يكون للإسكندر الأكبر وريث، وهذا ما سبقت نبوة دانيا وأخبرت به (دا 11 : 24).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/9.html
تقصير الرابط:
tak.la/jvp4djk