س8 : ما هيَ أهمية علم الآثار في إثبات صحة ومصداقية ما جاء في الكتاب المقدس؟
ج: نحن نثق في كتابنا المقدَّس ثقة بلا حدود، ولذلك نحن لا نرهن إيماننا بنتائج البحث الأركيولوجي، بل نحن نؤمن بالكتاب المقدَّس ونصدق كل ما جاء فيه. لأننا نؤمن أنه موحى به من الله، وفى هذا نحن لا نبخس علم الأثار حقه، لأن فائدته عظيمة ولا سيما للمتشكّكين في الإيمان، وغالبًا ما يبدأ علم الآثار بالشك في حقائق الكتاب، ثم ينتهي إلى التيقن تمامًا من صحة كل ما جاء فيه، وقد بدأت عمليات التنقيب الرسمي في فلسطين سنة 1837م ونشطت سنة 1890م، حيث تم التنقيب في مناطق عديدة في جيزار، وتاناك، ومجدو، وبيسان، والسامرة، وبيت شمس، وتل دوير، وأريحا، وقمران، وحاصور، وتركز التنقيب في مدينة القدس على وجه الخصوص، حيث توسّعت فيه إسرائيل في العصر الحديث.
ومن خلال هذه التنقيبات تم اكتشاف أسلحة، وجرار، وفخار عليه بعض التواريخ والأزمنة، وجدران، وأنصاب مثل نصب سيتي الأول فرعون مصر في منطقة بيسان، ونصب الملك ميشع في ذبيان في الأردن، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ويقول "الدكتور ماسترمان" D. Masterman : "إن النور الذي سطع على روايات الكتاب المقدَّس عن الاكتشافات التي تمّت في الأراضي المقدَّسة لا يدانيه نور أية اكتشافات أخرى، ولا شك في أننا نتوقّع اكتشافات أخرى أهم تحت أنقاض التلال الكثيرة"(30).
وقال "تشارلس تري دريك" Charles Terry Drake (الذي عمل مترجمًا للمعنيين بالاكتشافات الأثرية، ولم يكن يؤمن بالمسيحية) "للقس جيمس نيل" James Neil : "يا له من أمر بديع، فنحن هنا نمتحن الكتاب المقدَّس بطريقة عملية لم تُعهَد من قبل، وكثيرًا ما كنا نظن بأننا سنجده كله خطأ ولكن ما كنا نمكث في أي مكان نحو ثلاثة أسابيع إلاَّ ونتحقق دقة الكتاب المقدَّس دقة متناهية... (كما قال القس جيمس نيل): إن الأرض المقدَّسة والكتاب المقدَّس يشهد كل منهما للآخَر كأمرين متممين بعضهما. فإن الحياة القديمة الثابتة للأرض المقدَّسة وعاداتها وأوضاعها الطبيعية ولغتها الدارجة هى بمثابة تفسير إلهي ثابت، وهى تسطع بنورها على رواية الكتاب المقدَّس وتؤيـد دقـة معاييره وتوضح معانيه"(31).
ولنأخذ مثليـن صارخين لعلماء الآثار الذين بدأوا بالشك وانتهــوا بالإيمـان، أحدهما هو "الأستاذ سايس" Praf. Sayc الذي اهتــم بالبحث فــي بعض الأمور الخاصــة بالعهـد القديم، والآخَر "السيد وليم رمزي" Ramsay الــذي اهتــم بالبحث في رحــلات بولس الرسول وكرازتــه، ويقـــول "الأستـاذ سايس": "عند بحـث التاريــخ القديـم تواجهنا طريقتان تختلفان عن بعضهما كل الاختلاف، الأولى إيجابية تستقر على حقائــق واقعية أكيدة والثانية سلبية تستقر على النظريات الفرضية الاستقرائية العصرية المزعزعــة، فالأولى طريقـــة البحث الأثري والثانية ما يسمونه طريقة النقد العالي ولست أظن أن العقل المثقف يتردد فـي اختيار أي الطريقتين" (Monument Facts and Higher Critieal Fancies، Prof. Sayce, PP. 17, 18) (32)
أما عن "وليم رمزي" فيقول "القمص مرقس داود": " السير وليم رمزي الذي بعد أن فحص كتابات لوقا على ضوء علم الآثار يشهد أخيرًا بلا تردد بأنه مؤرخ من الطبقة الأولى وذلك في كتابه "بولس الرحالة" (ص 4). أما في كتابه الذي وضعه أخيرًا "شهادة الاكتشافات الحديثة لصحة العهد الجديد" (ص 81) فنراه يبين سلسلة الحوادث التي غيرت اعتقاده تغيرًا كاملًا فأصبح يؤمن إيمانًا جازمًا بصحة العهد الجديد بعد أن كان قد بدأ حياته كتلميذ في مدرسة الانتقاد وكان يسود عليه الاعتقاد بأن تاريخ "أعمال الرسل" قد كُتب بعد الحوادث المدوَّنة فيه بحقبة طويلة وأنه غير موثوق بصحته... أن صراحة هذين العالمين وهما الاستاذ سايس Prof. Sayce والسير وليم رمزي Sir William Ramsay في الاعتراف بتغيير وجهة نظرهم، الأول نحو انتقاد العهد القديم، والثاني نحو انتقاد العهد الجديد بسبب ما وجدوه من الحقائق الهامة في علم الآثار تدل دلالة واضحة على أهمية هذا العلم وعلى قيمة شهادته. كان السير وليم رمزي قد كرّس حياته لدراسة المؤسسات الرومانية في اليونان الأسيوية وتأثير آسيا على الإدارة الرومانية اليونانية. وهناك في مجاهل آسيا الصغرى أكتشف ما أكد أن آراءه السابقة عن العهد الجديد كانت خاطئة. فقد تحقّق صدق تاريخ لوقا صدقًا لا تشوبه أي شائبة ولقد وجد في وصف رحلات بولس الرسول في أنحاء آسيا الصغرى مرشدًا -لا تقدر قيمته- من يهتدي به في أبحاثه لأنه لم يسبق لأي رحالة أن يدوّن وصفًا لرحلاته في أنحاء آسيا الصغرى كبولس الرسول"(33).
ويقول "سير وليم رمزي" : إن كل حادثة ذُكرت في سفر أعمال الرسل لا يمكن إلاَّ أن تكون مطابقة لحالة البيئة في ذلك الوقت. فالموظفون والولاة الذين احتك بهم بولس ورفاقه لا يمكن إلاَّ أن يكونوا كذلك. وكل شخص وُجِد حيث ينبغي أن يكون: كالولاة في المقاطعات والأنواع المختلفة من الحكام في كل من أفسس وفيلبي وتسالونيكي والسحرة والعرافين في كل مكان، وهكذا نجد أن التنوع لا حد له لأن الحياة الحقيقية تنوعت تنوعًا لا حد له. وهذا برهان آخَر على صدق رواية الكتاب. لقد اتخذت الإجراءات الرسمية ضد بولس الرسول ورفاقه في كل مكان، وكان محتمًا النظر إلى الشكاوى والتهم حسبما يقتضيه القانون الروماني...
ومما نلاحظه أيضًا أن لغة لوقا في أورشليم وفي فلسطين، عبرانية أصيلة في أسلوبها، وفى أثينا يُشتَم فيها رائحة أثينا، وأما في العالم اليوناني فأنه يستعمل اللهجة العادية... أما خطاب بولس في أريوس باغوس فإن لوقا يذكره بنفس الأسلوب واللهجة واللغة التي تتفق مع الزمان والمكان، وهذه الرواية تتفق تمامًا مـع ما كانت عليه أثينا" (The Bearing of the Recent Discovery on the trustworthiness of the New Testament, PP 69 – 306). (34)
_____
(30) أورده أ. م هودجكن - تعريب حافظ داود - شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 11، 12 .
(31) المرجع السابق ص 12، 13.
(32) المرجع السابق ص 39.
(33) أورده أ. م هودجكن - تعريب حافظ داود - شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 44، 45 .
(34) أورده أ. م هودجكن - تعريب حافظ داود - شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 46، 47.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/8.html
تقصير الرابط:
tak.la/vzq2hvh