س611: هل قصد اللَّه أن يُطرَح لعازر أمام بيت الغني (لو 16: 20) ليكون مصدر دينونة عليه وسببًا لهلاكه؟ وهل "حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ" (لو 16: 22) لا نهائي، حتى يكفي جميع المؤمنين؟ كيف يقول الرجل الغني لإبراهيم أن يُرسل لعازر ليبل طرف إصبعه ويبرّد لسانه لأنه مُعذب في اللهيب (لو 16: 24) بينما جسد لعازر بلسانه قد وُرىَّ في التراب؟ وهل فصل الأبرار عن الأشرار يتم قبل القيامة العامة والدينونة؟ وهل هناك إمكانية أن يخاطب أحدهما الآخر؟ وهل يطلب الأشرار عن ذويهم حتى لا يأتوا إلى مكان العذاب (لو 16: 23-31)؟ وهل هناك "هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ" بين الأبرار والأشرار" (لو 16: 26) لا يستطيع أحد أن يعبرها؟
ج: 1- هل قصد الله أن يُطرَح لعازر أمام بيت الغني (لو 16: 20) ليكون مصدر دينونة عليه وسببًا لهلاكه..؟ لماذا يظن البعض السوء تجاه اللَّه فيدعون أن اللَّه رتب وجود لعازر على عتبة باب بيت الغني لتكون دينونة عليه وسببًا لهلاكه؟! ولماذا لا يحسنون الظن ويقولون أن اللَّه رتب هذا الأمر كوسيلة خلاص للغني متى صنع رحمة مع لعازر البلايا... جاء في القصة: "وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ" (لو 16: 20)، ومعنى " طُرِحَ" أي أن آخر حمله ووضعه في هذا المكان دون أن يكون للعازر رأي في هذا، فهكذا جرت العادة بين اليهود، أنهم يحملون المُقعَد ويضعونه أمام باب الهيكل أو باب بيت أحد الأغنياء، حتى يجد من يحن عليه، ويجود عليه بلقمة العيش، فلا يهلك جوعًا، ولم يكن لعازر يشتهي شيئًا من ثروة الغني، إنما كان ينتظر الفتات الساقط من مائدة الغني: "وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ" (لو 16: 21) أو حتى الفتات الساقط من مائدة خدامه وعبيده، ولم يجد. إذًا القصة تسير في سياق منطقي جميل تجذب القلوب وتدعو العقول لعمل الرحمة لمستحقيها.
2- هل "حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ" (لو 16: 22) لا نهائي، حتى يكفي جميع المؤمنين..؟ المقصود بحضن إبراهيم مكان الراحة والعزاء والسعادة، فكان اليهود يعتقدون أن كل يهودي صالح سيتكئ في حضن إبراهيم، فحضن إبراهيم تعبير مجازي يعبر عن مكان الراحة، وليس بالمفهوم المادي، لأن إبراهيم ما زال كائنًا بروحه فقط أما جسده فقد دُفِن في الثرى، وتحوَّل إلى تراب الأرض، وما زالت الكنيسة تصلي في أوشية الراقدين: "تفضل يارب نيح نفوسهم جميعًا في حضن آبائنا القديسين إبراهيم وإسحق ويعقوب. عُلهم في موضع خضرة على ماء الراحة في فردوس النعيم.." (صلوات الخولاجي المقدَّس). ووضع لعازر وهو يتكئ في حضن إبراهيم يذكرنا بما كان يفعله يوحنا الحبيب: "وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ" (يو 13: 23).
3- كيف يقول الرجل الغني لإبراهيم أن يُرسل لعازر ليبل طرف إصبعه ويُبرّد لسانه لأنه مُعذب في اللهيب (لو 16: 24) بينما جسد لعازر بلسانه قد وُرىَّ في التراب..؟ سيحل العذاب الأبدي بالإنسان بعد القيامة العامة وعودة الأرواح لأجسادنا، وصدور الحكم بالدينونة على الإنسان ككل جسدًا وروحًا، فعندما صنع الإنسان الأعمال الصالحة أو الأعمال الشريرة، فقد صنع هذه أو تلك بروحه وجسده معًا، فمن العدل أن يكافئ الإنسان أو يعاقب جسدًا وروحًا، ولكن بمجرد أن تنطلق روح الإنسان من هذا الجسد فإنه يستشعر مصيره، عما إذا كان جاهد بأمانة الجهاد الحسن، فهو إذًا ينتظر المكافأة، أو أنه لم يكن أمينًا لسيده وبذر ماله بعيش مسرف وكان جلّ اهتمامه على ملذات الحياة والجسد وصرف نظره عن عمل الرحمة، فهو ينتظر في قلق العقوبة التي يستحقها، ولهذا ففي العالم الآخر تأخذ الأنفس العربون فتستريح نفوس الأبرار، وتشقى نفوس الأشرار، وإحساس الرجل الغني هنا بالعطش الشديد رغم أن جسده وُورى التراب، فهذا أمر مجازي، ويقول "القديس أُغسطينوس": "اللهيب الذي فيه يحترق الغني ونقطة الماء التي يطلبها ليسا ماديين، وإنما أشبه برؤيا بالنسبة للنائمين والأشخاص الهائمين (مختطفين) إذ تظهر لهم الأمور غير المادية كما لو كانت مُجسَّمة، فمع كون هذا الشخص وهو في هذه الحالة بدون جسد، أي روح مجردة، لكنه رأى نفسه كمن هو في جسده، إذ يستحيل عليه أن يميز حاله (ويعبّر عنه بغير ذلك)" (366).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
4- هل فصل الأبرار عن الأشرار يتم قبل القيامة العامة والدينونة؟ وهل هناك إمكانية أن يُخاطب أحدهما الآخر؟ وهل يطلب الأشرار عن ذويهم حتى لا يأتوا إلى مكان العذاب (لو 16: 23 – 31)..؟ لا يمكن تطبيق المَثل بجميع تفصيلاته على أرض الواقع. وليس المقصود بالمَثل أن يعبّر في جميع جوانبه على حقائق، وليس أيضًا المقصود من المَثل أن يجيب على جميع التساؤلات التي تُثار حوله، ولكن الهدف الأساسي من هذا المَثل أن يؤكد على أنه لا رحمة لمن لم يستعمل الرحمة.
5- هل هناك " هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ" بين الأبرار والأشرار" (لو 16: 26) لا يستطيع أحد أن يعبرها..؟ "الهوة العظيمة" في مَثل الغني ولعازر تشير إلى استحالة تغيير حالة الإنسان بعد الموت، فلا توجد أدنى فرصة لتوبة الأشرار مهما عضدهم الندم، وأيضًا لا توجد فرصة لإرتداد البار عن بره، ويقول "القديس أمبروسيوس": "يوجد بين الغني والفقير هوة عظيمة إذ لا يمكن تغيير المكافأة بعد الموت" (367).
ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": "هناك لا يكون بعد زمان للتوبة. كم من أمور حزن عليها الغني، لكن حزنه لم ينفعه شيئًا" (368).
_____
(366) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص424.
(367) المرجع السابق، ص427.
(368) المرجع السابق، ص427.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/611.html
تقصير الرابط:
tak.la/wjfs375