St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

610- هل قصة "الغني ولعازر" (لو 16: 19-31) مَثَل أم قصة حقيقية؟ وهل المَلْبَس والطعام يعدان خطية يُعاقب عليهما الإنسان (لو 16: 19)؟

 

س610: هل قصة "الغني ولعازر" (لو 16: 19-31) مَثَل أم قصة حقيقية؟ وهل المَلْبَس والطعام يعدان خطية يُعاقب عليهما الإنسان (لو 16: 19)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- هل قصة "الغني ولعازر" (لو 16: 19-31) مَثَل أم قصة حقيقية..؟ لو كانت هذه القصة مَثلًا، فهذا هو المَثل الوحيد الذي ذُكِر فيه شخص بِاسمه، وهو "لعازر" أي "اللَّه يعينني" كما ذُكر فيه اسم "إبراهيم" بينما تغافل اسم الغني، وذلك لأن "الصِّدِّيقُ يَكُونُ لِذِكْرٍ أَبَدِيٍّ" (مز 112: 6).. " لأَنَّ الرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ الأَبْرَارِ أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ" (مز 1: 6) وقال البعض مثل القديس أمبروسيوس بأن قصة "الغني ولعازر" قصة حقيقية حدثت على أرض الواقع، ولا سيما أن الكتاب لم يذكر أنها مَثَل، ولم يقل السيد المسيح: اسمعوا هذا المَثل، ولم يرد أي حرف من حروف التشبيه، إنما بدأت القصة بالقول: "كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ"، هذا من جانب، ومن جانب آخر قال آخرون أنها مَثل ولا سيما أن الغني ولعازر فارقا الحياة في وقت واحد، وتناولت القصة عذاب الغني، مع أن العذاب الأبدي لن يبدأ إلاَّ بعد القيامة العامة وعودة الأرواح لأجسادها، والدينونة العامة حين يؤدي كل إنسان حسابًا عما صنعه بجسده وروحه سواء كان خيرًا أم شرًا، وقول الغني لإبراهيم أن يُرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ليُبرد لسانه، مع أن لسانه كان قد دُفِن في القبر، فمثل هذه الأمور ترجّح أن هذه القصة مَثل، وهناك احتمال ثالث أن تكون خليطًا بين الحقيقة والمَثل، فيقول "مارديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي": "جزءًا من المَثل جرى فعلًا... وأما الجزء الآخر الذي يحوي ما سيحدث (مستقبلًا بعد الدينونة العامة) فقد زاده المُخلص، وذلك لأن الأبرار لم ينالوا النعيم ولا الأشرار سقطوا في العذاب حتى يُقال أن لعاز يتلذَّذ مُتنعمًا وأن الغني يتعذَّب، لأن الرسول بولس يقول: "لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ... لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا" (عب 11: 39، 40).. المدلول بحضن إبراهيم هو الاشتراك معه بالتنعم. نعم أن الأنفس لا تقبل السعادة بالفعل إلاَّ أنها تشعر بالخيرات المُعدة لها، وكما انتقل لعازر من الحزن إلى الفرح انتقل الغني من الفرح إلى الحزن، وأخذ يشعر بأن سيتعذَّب في النار. وهنا لاحظ التمييز الذي يصنعه اللَّه الديان بين الأشرار والأبرار فمن الأكيد أن الأشرار يتعذَّبون ويصيحون من هول العذاب" (361).

وينبغي أن ما يشغلنا حقًا ليس كونها قصة حقيقية أو مَثلًا، بل أن نُدرك ونعي الهدف من القصة التي جرت أحداثها في فصلين، وفي عالمين مُختلفين:

الفصل الأول: في (لو 16: 19-22) وجرت أحداثه في هذا العالم. ويحتوي مشهدين، المشهد الأول، تظهر فيه حياة الغني في متعة ولذة وترف: "يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا" يلبس من الخارج الأرجوان ومن الداخل البز أي الحرير، كما تظهر في هذا المشهد أيضًا حياة لعازر الذي طُرِح على بيت الغني مضروبًا بالجروح والكلاب تلحس جروحه، وقد عامل الناس لعازر مثل كلب ضال، أما الكلاب فعاملته كصديق محبوب، كان لعازر يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني، ومع هذا كان يعيش في صبر ورضى وشكر دائم بلا تذمر ولا ضجر، وهذا ما أهله للميراث السمائي، فالفقر وحده لا يعتبر تذكرة للعبور للفردوس، وبالطبع ليس كل الفقراء سيخلصون، أما الفقير الصابر الشاكر فإنه يرث ملكوت السموات. وفي المشهد الثاني من هذا الفصل نرى لحظات الموت لكل من الغني ولعازر، موت الغني وترتج المدينة لموته وتُقام له جنازة ضخمة، وما أكثر عدد المشيعين والمعزيين؟!! ويُدفن في ثرى الأرض. ويموت لعازر وبالكاد يجد نفر قليل يتبرعون بدفنه ويوارون جسده التراب خوفًا من أن جثمانه يلوث البيئة، أما المنظر الخفي في هذا المشهد فهو هبوط روح الغني إلى العذاب، بينما حملت الملائكة روح لعازر بالتسابيح والتهاليل إلى حيث الراحة والنياح. يقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": "إن ملاكًا واحدًا، كانت له القوة ليقوم بحمل ذلك المسكين، ولكن يبدو أن جماعة الملائكة قد وجدت سرورها البالغ، في أن تأتي بهذا المسكين من المذبلة والقروح، إلى فردوس الراحة والنعيم" (362).

St-Takla.org Image: Rich Man and Lazarus: Lazarus sits at the gate of the rich man, who lives in luxury: (Luke 16) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل الرجل الغني ولعازر: جلس لعازر عند باب الغني الذي يعيش في ترف: (لوقا 16) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

St-Takla.org Image: Rich Man and Lazarus: Lazarus sits at the gate of the rich man, who lives in luxury: (Luke 16) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل الرجل الغني ولعازر: جلس لعازر عند باب الغني الذي يعيش في ترف: (لوقا 16) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

الفصل الثاني: في (لو 16: 23-31) وجرت أحداثه في العالم الآخر، في المشهد الأول يرى الغني إبراهيم من بعيد، وكل منهما يعرف الآخر، حتى أن إبراهيم يدعوه بابنه، رأى الغني إبراهيم أبيه ولعازر في حضنه متنعمًا بينما هو يتعذَّب ويستجير مُتهللًا لإبراهيم أن يرسل لعازر ليبل طرف أصبعه بماء ليُبرد لسانه، ويُجيبه إبراهيم " يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ" (لو 16: 25). وفي المشهد الثاني يجري الحوار بين الغني وإبراهيم، ويطلب الغني أن يرسل إبراهيم شخصًا من الموتى ليحذر إخوته حتى لا يأتوا إلى موضع العذاب، ويقول إبراهيم أن عندهم موسى والأنبياء أي الناموس وكتب الأنبياء " إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قامَ وَاحِد مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" (لو 16: 31) ويعلق "القديس يوحنا الذهبي الفم" على هذا قائلًا: "حقًا أن من لم يسمع للكتب المقدَّسة لا يُبالي بالميت الذي يقوم من الأموات. هذا ما يشهد له اليهود إذ أرادوا مرة أن يقتلوا لعازر (الذي أقامه الرب يسوع من الموت) ومرة أخرى ألقوا الأيدي على الرسل غير مُبالين بقيامة البعض من الأموات في ساعة الصليب. لاحظ أيضًا أن أي إنسان ميتًا يقوم إنما هو عبد، لكن ما يقوله الكتاب المقدَّس أصدق من الكل، فإن واضع الكتاب هو رب الملائكة، رب الأحياء والأموات. لو أن يعلم بأن قيامة ميت تغيّر الأحياء لما امتنع عن العمل بها، مُقدمًا كل شيء من أجل نفعنا" (363).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

2- هل المَلبَس والطعام يعدان خطية يعاقب عليهما الإنسان (لو 16: 19)..؟ هذا الرجل الغني: "كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا" (لو 16: 19)، والأرجوان نوع من القماش الجيد يُصبغ بصبغة غالية جدًا ويستعمل في الملابس الخارجية، والبز هو الحرير ومنه كانت تُحاك الملابس الداخلية، والجمع بينهما يشير للرفاهية والترف والبذخ، ولا بد أن رجل مثل هذا يسعى نحو المتعة، فإن مائدته تجدها زاخرة بأنواع وأصناف الطعام، كل ما لذ وطاب، ينام على الفُرش الوثيرة ويتمتع بالغطاء الدافئ، وفي مقابلة بسيطة بين الغني وحياته ولعازر وحياته نلاحظ الآتي:

أ– كان للغني قصره وخدمه وعبيده، أما لعازر فكان "هومليس" homeless بلا مأوى.

ب- لبس الغني أفخر الثياب، وتمتع بالفرش الوفيرة والغطاء الناعم الدافئ، بينما افترش لعازر الغبراء والتحف بالسماء.

جـ- مائدة الغني تفيض بكافة المشتهيات من المأكولات المختلفة، والفاكهة اللذيذة والمشروبات الروحية وغير الروحية، بينما يشتهي لعازر أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة عبيد الغني.

د– كان للغني أمواله وممتلكاته ما يكفيه ويفيض عنه، أما لعازر فلا يملك شيء على الإطلاق من طعام هذه الحياة.

هـ- كان للغني أسرته وأصدقائه ومجتمعه وأعماله وانشغالاته واهتماماته أما لعازر فلا صديق له ولا جليس ولا ونيس، إلاَّ الكلاب الوفية.

و– عندما مات الغني، ما أكثر المُعزيين والمُشيعين والمُجاملين، أما لعازر في موته لم يشعر به أحد.

ز– بعد الموت تغيرت الأوضاع، لكلا الطرفين، فالغني الذي تمتع في حياته وقد استوفى خيراته تحولت حالته إلى عذاب لا يُطاق وصار يحتاج إلى نقطة ماء في يد لعازر الذي طالما احتقره ونبذه، أما لعازر فوجد راحته في حضن إبراهيم.

والحقيقة أنه لا المَلبَس ولا الطعام يعدان خيرًا ولا شرًا، إنما الشر والخطية في الانهماك والانشغال بهذا وذاك، ولذلك أوصى بولس الرسول قائلًا: "أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى بَلْ عَلَى الله الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ" (1 تي 6: 17). لم تكن خطية الغني أنه رجل سارق أو لص أو زاني، إنما خطيته هيَ عدم الرحمة، ووصف أحد الأفاضل خطية الرجل الغني قائلًا: "لم يكن ما عمله الغني سبب البلاء الذي حلَّ عليه، بل أن الصالح الذي لم يعمله أدى به إلى جهنم" (364).. " فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَه" (يع 4: 17) ولم يقل الكتاب أن الرجل الغني كان سكيرًا عربيدًا، ولا سارقًا ولصًا، ولا زانيًا مُستبيحًا، إنما خطيته تتمثل في قلبه القاسي الذي لم يشفق ولم يحنو على لعازر البلايا.

ويقول "القديس جيروم": "لم يهتم الغني اللابس الأرجوان الفاخر بالطمع أو اغتصاب أموال غيره، أو باقتراف الزنى، أو بالوقوع في أي خطأ. رذيلته هيَ الكبرياء. أيها الأشقياء كيف ترون عضوًا من أعضاء جسدكم منطرحًا على أبوابكم ولا تعطفون عليه؟ إذا كانت شرائع اللَّه لا تعني لكم شيئًا فعلى الأقل اشفقوا على ذواتكم، وتهيبوا، فقد تصبحون مثله. اعطوا أعضائكم من فضلات موائدكم وتصدقوا بها على الجياع" (موعظة 86 على لعازر والغني)" (365).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(361) الدر الفريد في تفسير العهد الجديد جـ 2 تفسير بشارة لوقا ويوحنا، ص167، 168.

(362) أورده الدكتور عزت زكي - تفسير بشارة لوقا لكتَّاب مشهورين، ص211.

(363) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص429.

(364) أورده وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص279.

(365) التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدَّس - العهد الجديد جـ 3 الإنجيل كما دوَّنه لوقا، ص408.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/610.html

تقصير الرابط:
tak.la/4b8ybt9