St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

591- إذا كان الرجل الناموسي ليس صادقًا في سؤاله، فكيف امتدحه المسيح (لو 10: 25، 28)..؟ ولماذا قال السيد المسيح عن الإنسان الجريح أنه كان: "نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا" (لو 10: 30) ولم يقل أنه "مسافرًا"؟ ولماذا امتنع الكاهن وأيضًا اللاوي عن إسعاف هذا الجريح، بينما أسعفه السامري الغريب الجنس (لو 10: 31-35)؟

 

س591: إذا كان الرجل الناموسي ليس صادقًا في سؤاله، فكيف امتدحه المسيح (لو 10: 25، 28)..؟ ولماذا قال السيد المسيح عن الإنسان الجريح أنه كان: "نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا" (لو 10: 30) ولم يقل أنه "مسافرًا"؟ ولماذا امتنع الكاهن وأيضًا اللاوي عن إسعاف هذا الجريح، بينما أسعفه السامري الغريب الجنس (لو 10: 31-35)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- إذا كان الرجل الناموسي ليس صادقًا في سؤاله فكيف امتدحه المسيح (لو 10: 25، 28)..؟ قال القديس لوقا: "وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلًا يَا مُعَلِّمُ.." وأول ما نلاحظه هنا التناقض اللفظي بين " قَامَ" وبين " يُجَرِّبُهُ" فمعنى قام أي أنه كان جالسًا وقام لأنه يكن للمعلِّم احترامًا لائقًا، بينما كان هدفه أن يُجرّبه، فهو يرتدي صورة التقوى بينما أفكاره إبليسية، وصار متشبهًا بالشيطان الذي يتخذ شكل نوراني. لم يكن قلبه سليمًا، بل مرائيًا يُظهِر الحب والاحترام والمودة وفي قلبه أن يصطاده بخطأ كمُعلِّم للناموس. هذا الرجل الناموسي الذي درس الناموس لسنين طويلة عندما رأى السيد المسيح الذي لم يدرس الناموس مثل غمالائيل وبقية مُعلمي عصره، يُبهر الناس بتعاليمه، فتحرك الحسد في قلبه تجاهه وحقد عليه، وتمنى أن يجد ثغرة ليكشف عن ضعفًا من ضعفاته. وإذ جرت المناقشات والمجادلات في ذلك العصر وتعددت الآراء حول كيف يرث الإنسان الحياة الأبدية، فسأله ذات السؤال: "يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟".. كان المُعلِّمون اليهود واليونانيون أيضًا يُعلمون عن طريق السؤال والجواب، واتبع الرجل الناموسي نفس المسلك إذ سأل يسوع، ولكنه للأسف سأل ليس بدافع المعرفة والاستفادة والاستنارة، إنما بدافع الحسد والغيرة، فسأله متوقعًا منه وصايا جديدة، وعندئذ يتهمه بتجاهل وصايا اللَّه في الناموس، وإذ بالسيد المسيح يُفاجئه بأن يحيله إلى روح الناموس، ولا عجب " إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ" (غل 3: 24). ومع توافر سوء النية لدى هذا الناموسي فإن السيد المسيح علام الغيوب استطاع أن يصطاده بحُسن تعاليمه وصادق محبته. فأجاب السؤال بسؤال: "مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأ؟" (لو 10: 26). وعندما أجاب الناموسي إجابة صحيحة امتدحه مُخلصنا الصالح " فَقَالَ لَهُ بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا" (لو 10: 28)، وقول السيد المسيح له " اِفْعَلْ هذَا" يوجه نظره للممارسة الفعلية، فلا فائدة من الإيمان النظري فإن الشياطين يؤمنون ويقشعرون، فلابد من الممارسة العملية، فمحبة اللَّه ومحبة القريب هما الجناحان اللذان يحلّق بهما الإنسان ليرث الحياة الأبدية: "لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ" (1 بط 1: 4)، فقول الناموسي " لأَرِثَ" قول إنجيلي صميم... ربط السيد المسيح بين الحقيقة اللاهوتية وبين التطبيق العملي، فمن المستحيل أن الإنسان يحب اللَّه وهو يكره قريبه الذي جُبِل على صورة اللَّه، ومن المستحيل أن يحب الإنسان قريبه مثل نفسه إلاَّ إذا كان يحب اللَّه من كل قلبه.

عظيم هو صلاح إلهنا ولطف مُخلصنا ومحبة ربنا يسوع المسيح، فبحكمته ولطفه بسط رحمته على من جاء يضمر له الشر ويود أن يصطاده بكلمة، فإذ به يصطاده بشباك لطفه ومحبته وصلاحه، وقد جاءت إجابة هذا الناموسي كاملة: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ" (لو 10: 27). القلب هو مركز المشاعر والعواطف والأحاسيس، وقد أوصى الرب قائلًا: "يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي" (أم 23: 26) ومتى تقدَّس القلب تقدَّست النفس والقدرة والفكر. ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد": "يتضمن الجزء الأول من الجواب (لو 10: 27) أربع كلمات رئيسية مسبوقة كل منها بكلمة " كُلِّ ".. وهذه الكلمات تعيّن درجة المحبة وشدتها، فالقلب هو النقطة المركزية في حياة الإنسان التي منها تتفرع قواه الأدبية المثلثة. النفس هيَ مركز الإحساس والتأثر، والقدرة هيَ مركز الإرادة المؤثرة والمدبّرة، والفكر هو مركز القوة العاقلة المفكرة. فكأنما القلب أشبه شيء بساق شجرة، منه تتفرع الأغصان... قالقلب يحب اللَّه، فتحوّل النفس هذه المحبة إلى عبادة، فتحوّلها الإرادة إلى طاعة، فيصيرها الفكر تأملًا وإعجابًا وإيمانًا حيًّا" (260).

وتساءل البعض: ألا يوجد تناقض بين ما جاء في (لو 10: 27) فذكر القلب والنفس والقدرة والفكر، بينما جاء في سفر التثنيبة " مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ" (تث 6: 5)..؟ جاء في "الكتاب المقدَّس الدراسي": "وسواء كان الحب رباعي الجوانب (القلب والنفس والقدرة والفكر كما هو مذكور هنا وفي مر 12: 30) أو ثلاثي الجوانب (تث 6: 5، مت 22: 37) فالمعنى المقصود هو ضرورة التكريس الكلي" (261).

 

St-Takla.org Image: Parable of the Good Samaritan: A man is beat and stripped of his clothes by robbers dressed as soldiers: (Luke 10) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل السامري الصالح: تعرض رجل للضرب والتجريد من ملابسه على يد لصوص يرتدون زي جنود: (لوقا 10) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

St-Takla.org Image: Parable of the Good Samaritan: A man is beat and stripped of his clothes by robbers dressed as soldiers: (Luke 10) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مثل السامري الصالح: تعرض رجل للضرب والتجريد من ملابسه على يد لصوص يرتدون زي جنود: (لوقا 10) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

2- لماذا قال السيد المسيح عن الإنسان الجريح أنه كان: "نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا" (لو 10: 30) ولم يقل أنه "مسافرًا"..؟ قال السيد المسيح: "إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ" وتعبير " نَازِلًا" يتفق تمامًا مع الطبيعة الطبوغرافية للمنطقة، فقيل أن أورشليم ترتفع عن سطح البحر نحو (2300) قدمًا، بينما تنخفض أريحا، التي تبعد عن أورشليم نحو (20) ميلًا مسيرة سبع ساعات، نحو (1300) قدمًا، أي أن فرق المستوى بين أريحا وأورشليم نحو (3600) قدمًا أي (1200) متر، وعلى أقل تقدير نحو (1000) متر، فجاء في "الكتاب المقدَّس الدراسي": "من أورشليم إلى أريحا مسافة تقدَّر بحوالي سبعة وعشرين كيلومترًا تقريبًا، مع نزول من ارتفاع 760 مترًا تقريبًا فوق سطح البحر إلى انخفاض 242 مترًا تقريبًا تحت مستوى البحر" (262). والطريق من أورشليم إلى أريحا طريقًا ضيقًا صخريًّا، متعرّجًا، به مكامن للصوص وقطَّاع الطريق فيهجمون على المسافرين ينهبون ويسلبون ما معهم، ويؤذونهم، وقد يسفكون دمائهم أيضًا، ولذلك كان المسافرون يحترسون من اللصوص فيسيرون في قوافل يصحبها رجال لحمايتها، وكان المسافر أحيانًا يدفع أجرة حراسته للشيوخ المحليين ليضمن سلامة وصوله، وقدر المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" في القرن الأول الميلادي أعداد هؤلاء اللصوص بالآلاف، فقال أن هناك نحو (30) ألفًا من اللصوص يترددون على هذا الطريق فيغنمون منه، ودعى القديس جيروم تلك الطريق بالطريق الحمراء أو "طريق الدماء". ومن طرائف هذا الطريق أنه أحيانًا يقوم أحد اللصوص بتمثيل دور الضحية، وأن اللصوص قد اعتدوا عليه وطرحوه أرضًا، وعندما يقترب أحد لينقذه ينقض عليه اللصوص ويسلبون ما معه، وهذا الرجل الذي تحدث عنه السيد المسيح في المثل ملوم، لأنه جازف بحياته وسافر بمفرده حاملًا أمتعته، ولم يحتمي بأحد القوافل، بل كان في عجلة من أمره.

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

3- لماذا امتنع الكاهن وأيضًا اللاوي عن إسعاف هذا الجريح بينما أسعفه السامري الغريب الجنس (لو 10: 30-35)..؟ امتنع "الكاهن" عن إسعاف هذا الرجل ربما بسبب الخوف والفزع لئلا ما فعله اللصوص بهذا الرجل يفعلونه معه، فيصير ضحية مثل هذا الرجل، ولذلك لاذ بالفرار، ويعلق "الدكتور القس إبراهيم سعيد" على موقف الكاهن، قائلًا: "فاتفق أن كاهنًا كان نازلًا في تلك الطريق، وكان في الغالب ذاهبًا إلى بيته، لأن أريحا كان موطن الكهنة حيث كان يسكن فيها اثنا عشر ألف منهم أيام المسيح. كانت أمام الكاهن فرصة سماوية ليعمل الخير... لكن هذه الفرصة الثمينة ولَّت عنه وعبرت... كان يعتقد أن الدين والرحمة شيئان منفصلان، وقد فاته أن الدين هو الرحمة متعبّده وأن الرحمة هيَ الدين خادمًا. ما أكثر الأصوات التي كانت تناديه لإغاثة هذا المسكين، وما أقواها:

(أ) صوت الوطن كان يناديه لأن ذلك الإنسان الجريح كان من جنسه.

(ب) صوت الرحمة كان يناجيه لأن ذلك الجريح كان مضرجًا بدمائه.

(جـ) صوت اللَّه كان يدعوه: "إني أريد رحمة لا ذبيحة".

(د) صوت الناموس كان يقرع أذنيه: "لاَ تَنْظُرْ حِمَارَ أَخِيكَ أَوْ ثَوْرَهُ وَاقِعًا فِي الطَّرِيقِ وَتَتَغَافَلُ عَنْهُ" (تث 22: 4).

لكنه صم أذنيه عن كل هذه الأصوات فلم يسمع صوت الإنسانية لأن صوت الأنانية كان أعلى. وربما أرضى ضميره بالقول أنه أتمَّ واجبه الديني في الهيكل، وانتهت نوبة فرقته، وقد نسى أن واجبه مُلازم له ملازمة الظل، وأن ذلك الطريق هيكل، وإغاثة الملهوف عبادة" (263). وربما ظن الكاهن أن هذا الجريح قد فارق الحياة فخشى أن يتنجس لمدة سبعة أيام: "مَنْ مَسَّ مَيْتًا مَيْتَةَ إِنْسَانٍ مَا يَكُـونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ" (عد 19: 11).

وامتنع "اللاوي" عن إسعاف هذا الرجل خوفًا من أن يكون اللصوص ما زالوا يكمنون في المنطقة، ولذلك أسرع بالهرب.

أما "السامري الصالح" فكان تصرفه مخالفًا لتصرف الكاهن وتصرف اللاوي:

أ– لم يضع اعتبارًا للمخاطر التي قد يتعرَّض لها، بل خاطر بحياته من أجل إنقاذ هذا الإنسان.

ب- تغلب هذا السامري على البغضة التي تفشت بين اليهود والسامريين، فلم يكن هذا الإنسان من جنسه، بل كانت هناك عداوة بين الجنسين، وصلت إلى حد أن اليهودي إذا وجد امرأة متعثرة في ولادتها لا يُقدم لها أي تسهيلات لأنها ستنجب أُمميًا للعالم.

جـ- لم يخشَ هذا السامري بأن يتهمه أحد بأنه هو الذي اعتدى على هذا الرجل اليهودي.

د– تحنن هذا السامري على الرجل اليهودي الجريح فأسرع بتضميد جراحاته، وربما مزق جزء من ثيابه ليستخدمها كأربطة، وذلك بعد أن صب على الجروح خمرًا ليُطهرها، وزيتًا ليُرطبها، فقد كان اليهود واليونانيون يستخدمون الخمر لتطهير الجروح، وزيت الزيتون لتخفيف الآلام.

هـ- حمل السامري الجريح وأركبه دابته، وسار هو بجواره مُترجّلًا يسنده، وكم كان الطريق شاقًا ومُرهقًا.

و– عندما وصل السامري مع الجريح إلى منطقة آمنة لم يتركه لحال سبيله، بحجة أنه فعل ما يجب فعله، وليأتِ إنسان آخر ليكمل معه المشوار، إنما اقتاده إلى الفندق ليُعالج من جروحه ودفع دينارين كمُقدم لعلاجه، وكان الدينار حينئذ يكفي وجبة لعدد (25) رجلًا. ولا بد أن سمعة هذا الرجل السامري طيبة ومصدر ثقة لدى صاحب الفندق فقبل أن يصرف عليه، وعندما يعود السامري يوفي ما عليه من دين.

ز– أدرك هذا السامري المعنى الحقيقي للقريب، فالقريب هو أي إنسان يحتاج للمعونة بغض النظر عن العرق أو الديانة. ونجح هذا السامري في تطبيق الوصية الإلهيَّة التي عجز كل من الكاهن واللاوي عن تطبيقها: "كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ" (لا 19: 34).

وقد اختلفت النظرة لهذا الإنسان الجريح، فنظر إليه اللصوص على أنه مصدرًا للثروة، ونظر إليه الكاهن على أنه يمثل مشكلة يجب تلافيها، وهكذا اللاوي، ونظر إليه السامري الصالح على أنه إنسان يستحق المحبة والعناية والتضحية لأنه عرف المعنى الحقيقي للقريب، ونظر إليه صاحب الفندق على أنه يجب الاهتمام به مقابل الأجرة. ويقول "القديس ساويرس الأنطاكي": "كثيرًا ما تظن عن جهل أن الذي يشترك معك في ديانتك أو جنسيتك هو قريبك، أما أنا فأقول أن الذي يشترك في نفس الطبيعة البشرية هو قريبك، وكما رأيت كان يرفع رأسه معتزًا بالملابس الكهنوتية، والذي كان يفتخر بتسميته لاويًا... لم يفكر آن ذاك الذي من بني جنسهما وهو عريان وقد تغطى بجراحات لا شفاء لها ومُلقى على الأرض، وقد أوشك أن يموت في لحظة. كان إنسانًا! لكنهما احتقروه كحجر أو قطعة من الخشب المرذول. أما السامري الذي لم يكن يعرف وصايا الناموس، والذي أُشتهر بينهم (بين اليهود) بالعناد والجهل، إذ يقول الحكيم: "الساكنون في جبل السامرة والفلسطينيون والشعب الأحمق الساكن في شكيم" (حكمة يشوع 50: 28). هذا السامري عرف الطبيعة البشرية وفهم من هو القريب. من كان في نظركم أيها القضاة بعيدًا جدًا قد صار قريبًا جدًا، لذلك الذي احتاج إلى علاج... كل شخص تبسط عليه روح المحبة هو قريب" (264).

ومَثَل السامري الصالح له الجانب الرمزي، فأورشليم هيَ مدينة اللَّه ترمز للفردوس، وأريحا ترمز للعالم وللعنة (يش 6: 26) واللصوص رمز للشياطين، والجريح النازل من أورشليم رمز لآدم، والكاهن يشير للناموس، والسامري الصالح يشير للسيد المسيح، والأمر العجيب أن اليهود عندما كانوا يريدون أن يزدروا بإنسان ويشتموه كانوا يقولون عنه أنه سامري: "فَأَجَاب الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ" (يو 8: 48). ويقول "القديس ساويرس الأنطاكي": "لم يقل مُخلصنا "إناس كانوا نازلين" بل قال "إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلًا. أن المسألة تخص البشرية جمعاء، فبالحقيقة بسبب تعدي آدم للوصية سقط من مسكن الفردوس العالٍ المرتفع الهادئ، الذي دُعي بحق "أورشليم" ومعناها "سلام اللَّه"، إلى أريحا التي هيَ مدينة في وادٍ منخفض يخنقه الحر" (265).

ويقول "العلامة أوريجانوس": "حسب تفسير أحد السابقين: الإنسان النازل يمثل آدم، وأورشليم تمثل الفردوس، وأريحا هيَ العالم، واللصوص هم القوة العدوانية، الكاهن هو الناموس، واللاوي هو الأنبياء، والسامري هو المسيح، الجراحات هيَ العصيان... والفندق المفتوح لكل من يريد الدخول فيه هو الكنيسة... ووعد السامري بالعودة هو تصوُّر لمجيء المسيح الثاني" (266).

وقيل عن مَثَل السامري الصالح أنه من: "أروع أمثلة عمل المحبة في ملء قوتها وتضحيتها وكمالها، وتجعل ما قام به ذلك السامري يتألق فيها. لا عجب أن يصبح هذا المَثَل واحدًا من أشهر الأمثلة التي نطق بها المسيح، ويجعل الكثيرين يتساءلون إن كانت تلك حادثة من واقع الحياة، اتخذ منها السيد أساسًا لهذا المَثَل الرائع، وأضفى عليها لمسات ريشته الذهبية، ما جعلها تتألق بهذه الروعة، أن المنظر والألوان كلها فلسطينية... وها هو يسوع المسيح، يُقارن بين السامري وما قام به، وما بين الكاهن واللاوي، وما لم يقوما به. ولم يكن هدفه رفعة السامري، ولا تحقير الكاهن واللاوي. بل ليُقدم لنا درسًا بأن أقل إنسان، في أحقر طبقة منبوذة، يُمكنه أن يتمم ناموس المحبة، أفضل من أعظم خادم دين لا يتمم ناموس المحبة. لقد صرف السامري وقتًا وبذل مجهودًا، وضحى بماله، وقام بنفسه بالخدمة، ولم يُظهِر ضجرًا أو تعبًا في خدمته، كما تعهد على نفسه بأن يرجع ويوفي الدين الذي تعهَد به" (267).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(260) شرح بشارة لوقا، ص278، 279.

(261) الكتاب المقدَّس الدراسي، ص2451.

(262) المرجع السابق، ص2452.

(263) شرح بشارة لوقا، ص281، 282.

(264) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص238.

(265) المرجع السابق، ص239.

(266) المرجع السابق، ص239.

(267) موسوعة الأنبا غريغوريوس - الكتاب المقدَّس جـ 4 من تفسير إنجيل القديس لوقا، ص132، 133.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/591.html

تقصير الرابط:
tak.la/63gv3kd