St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

564- هل أبصر كل بشر خلاص الله فعلًا كقول لوقا (لو 3: 6)؟ وهل الجنود الذين جاءوا ليعتمدوا من يوحنا المعمدان (لو 3: 14) من الأمم؟ وكيف يعمد المسيح بنار (لو 3: 16) مع أن النار تحرق وتبيد (لو 3: 17)؟

 

س564: هل أبصر كل بشر خلاص الله فعلًا كقول لوقا (لو 3: 6)؟ وهل الجنود الذين جاءوا ليعتمدوا من يوحنا المعمدان (لو 3: 14) من الأمم؟ وكيف يعمد المسيح بنار (لو 3: 16) مع أن النار تحرق وتبيد (لو 3: 17)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- هل أبصر كل بشر خلاص الله فعلًا كقول لوقا (لو 3: 6)..؟ انفرد القديس لوقا بعبارته هذه: "وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ الله" (لو 3: 6)، فلم يذكرها أحد غيره في هذا الموقف من البشيرين الأربعة، وهيَ تتوافق تمامًا مع الهدف الذي كتب من أجله إنجيله، وهو أن الخلاص صار متاحًا لجميع الأمم والألسنة والشعوب بدون تمييز. فقد جاء ملء الزمان لدخول الأمم إلى الإيمان، وقد سبق المرنم وتنبأ عن هذا الزمن، الزمن المسياني قائلًا: "أَعْلَنَ الرَّبُّ خَلاَصَهُ. لِعُيُونِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّهُ... رَأَتْ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا" (مز 98: 2، 3)، وتنبأ إشعياء النبي قائلًا: "قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا" (إش 52: 10)، وعندما حمل سمعان الشيخ الطفل يسوع على يديه، بعد أن كشف له الروح القدس عن هذا السر، سبَّح اللَّه قائلًا: "نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ" (لو 2: 32).

St-Takla.org Image: Saint John the Baptist, details from the Baptism of Jesus Christ in the Jordan River, 2013, used with permission - by Mina Anton. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس الشهيد يوحنا المعمدان، تفاصيل من لوحة معمودية السيد المسيح في نهر الأردن، 2013، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون.

St-Takla.org Image: Saint John the Baptist, details from the Baptism of Jesus Christ in the Jordan River, 2013, used with permission - by Mina Anton.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس الشهيد يوحنا المعمدان، تفاصيل من لوحة معمودية السيد المسيح في نهر الأردن، 2013، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون.

ومن أجل أن " يُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ الله" أعدَّ اللَّه العالم لهذا الأمر، فمثلًا دبر اللَّه:

أ- وحدة اللغة: فبعد أن نشر الإسكندر الأكبر اللغة اليونانية في العالم كله، فصارت لغة التخاطب الأولى في القرن الرابع قبل الميلادي، ليقرب الشعوب معًا ويصالح الحضارات عوضًا عن تصارعها، ونجح مشروعه العالمي هذا، حتى أنه بعد انتهاء الإمبراطورية اليونانية وسيطرة الإمبراطورية الرومانية بعاصمتها روما ولغتها اللاتينية لم تتخل عن اللغة اليونانية، بل ثبتتها وتكلمت بها، وبهذه اللغة اليونانية كتبت جميع أسفار العهد الجديد، فانتشرت سريعًا في العالم كله.

ب- شبكة الطرق: اهتمت الإمبراطورية الرومانية بإنشاء شبكة طرق ربطت العالم كله بروما، وأمنت هذه الطرق من قُطاع الطرق، كما آمن السفر بالبحر المتوسط من قراصنة البحار، وصارت روما سيدة مدائن الأرض، وانطلق المثل القائل: "كل الطرق تؤدي إلى روما"، فازدادت الشعوب تقاربًا، وإن كان البُعد جفوة حيث يصعب فهم شخصية الآخر، فإن التقارب يتيح الفرصة للتعرّف على الآخر وقبوله.

جـ- اكتمال النبوءات والحاجة للمُخلص: لقد جاء ملء الزمان بعد أن اكتملت النبوءات التي أودعها اللَّه شعبه، وجاء الزمن المسياني ليحقّقها. اكتملت النبوءات وانتشرت بانتشار الجاليات اليهودية في شتى بقاع الأرض، وانتشرت فكرة الحاجة إلى "مُخلص العالم" بعد أن اكتشف الإنسان أنه عاجز عن خلاص نفسه، وأن جميع العبادات الوثنية باطلة ومضللة، وقد صعدوا إلى أعلى جبال الألب فلم يعثروا على الآلهة هوميروس وذيوس وجوبتر، ولا عالم الآلهة الذي كان من صنع الخيال الإنساني... وهلم جرا... هكذا بمثل هذه الطرق وغيرها أعدَّ اللَّه العالم، لكي " يُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ الله".

 

2- هل الجنود الذين جاءوا ليعتمدوا من يوحنا المعمدان (لو 3: 14) من الأمم..؟ قال القديس لوقا: "وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضًا قَائِلِينَ وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ. فَقَالَ لَهُمْ لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ" (لو 3: 14) فلم يوضح إن كان هؤلاء الجنود من الأمم أو من اليهود، ولكن كونه يذكر قبلهم مباشرة مجيء العشارين الذين سألوه عما ينبغي أن يفعلوا، لذلك يبدو أن هؤلاء الجنود كانوا من جنود الهيكل، أو من الجنود التابعين للملك هيرودس أنتيباس، أو فيلبس رئيس الربع حاكم أيطوريه وتراخنيتس، ويظن البعض أن مثل هؤلاء الجنود من اليهود ولهم صلة بالعشارين حيث يسهلون لهم جمع الضرائب، وكانوا يستغلون عملهم كجنود في ابتزاز الأموال أو تلفيق التُهم لمن يرفضون مطالبهم ويشكونه للسلطات الرومانية، فركز يوحنا المعمدان على أكثر ثلاث خطايا متفشية بين الجنود، وهيَ خطايا الظلم، والوشاية، والطمع، فأوصاهم بأن لا يظلموا أحدًا ولا يشوا بأحد وأن يكتفوا بعلائفهم أو رواتبهم. ومن الوارد أن يكون هؤلاء الجنود من المجندين في الجيش الروماني، سواء من الأمم أو من اليهود، فقد كان مسموحًا لمن لا يحملون الجنسية الرومانية أن يلتحقوا بالجيش الروماني، وبعد خدمتهم في الجيش لمدة خمسة وعشرين عامًا يحق لهم أن يحصلوا على الجنسية الرومانية، كما يحصلون على مكافأة مالية مجزية، فكان مثل هؤلاء الجنود يتودَّدون للحاكم ويشوا بالناس، لكي يغدق عليهم الحاكم من خيراته، ولا سيما أن رواتبهم كانت زهيدة.

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

3- كيف يعمد المسيح بنار (لو 3: 16) مع أن النار تحرق وتُبيد (لو 3: 17)..؟ قال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح: "هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ" (لو 3: 16)، والنار المقصودة هنا هيَ نار الروح القدس التي لا تحرق ولا تُبيد الإنسان، إنما تحرق وتُبيد الخطايا والآثام والأشواك الخانقة للنفس. أما قول يوحنا المعمدان في الآية التالية: "يَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ" (لو 3: 17) فالمقصود بالنار هذه هيَ نار الدينونة الإلهيَّة، نار جُهنم النار الأبدية التي قال عنها الرب يسوع: "وتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ إِلَى النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ. حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ" (مر 9: 43، 44) وجاء في سفر الرؤيا: "وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلًا.." (رؤ 14: 11) فهيَ ليست نار مادية، لكنها نار تحرق ولا تُبيد، فيبقى الأبرار في نعيم أبدي والأشرار في عذاب أبدي، وهيَ ليست نار مادية لأن معها يكون هناك برودة حتى تصطكّ الأسنان كقول السيد المسيح: "وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِير الأَسْنَانِ" (مت 13: 42). وعمومًا فإن " النَّارِ" أُستخدمت في الكتاب المقدَّس أحيانًا بالمفهوم الإيجابي وأحيانًا بالمفهوم السلبي، بالمفهوم الإيجابي مثلما ذكر أن النار تُطهِر الإنسان من خطاياه وشروره كقول يوحنا المعمدان: "هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ"، وبالمعنى السلبي مثلما عبَّرت عن الدينونة الإلهيَّة العادلة: "وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ".. إذًا النار في الكتاب لها معنيين مثلها مثل الأسد والخميرة وغيرهما. فالأسد قد تجده يرمز للسيد المسيح: "هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا أَصْلُ دَاوُدَ" (رؤ 5: 5)، والأسد قد تجده أيضًا رمز للشيطان: "لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ يَجُولُ مُلْتَمِسًا منْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1 بط 5: 8). وهكذا الخميرة أُستخدمت بالمفهوم الإيجابي: "يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ" (مت 13: 33)، كما أُستخدمت بالمعنى السلبي، كقول السيد المسيح لتلاميذه: "تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاء" (لو 12: 1).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/564.html

تقصير الرابط:
tak.la/mfd7wap