St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

555- هل معنى قول الإنجيل: "فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْر" (لو 2: 7) أن العذراء مريم أنجبت أولادًا آخرين؟ ولماذا القماط؟ وما معنى "رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ" (لو 2: 8)؟ وما معنى "وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ" (لو 2: 9)؟ ولماذا جاء البُشرى للرعاة (لو 2: 9) ولم تأتِ لكهنة الهيكل؟

 

س555: هل معنى قول الإنجيل: "فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْر" (لو 2: 7) أن العذراء مريم أنجبت أولادًا آخرين؟ ولماذا القماط؟ وما معنى " رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ" (لو 2: 8)؟ وما معنى " وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ" (لو 2: 9)؟ ولماذا جاء البُشرى للرعاة (لو 2: 9) ولم تأتِ لكهنة الهيكل؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- هل معنى قول الإنجيل: "فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْر" (لو 2: 7) أن العذراء مريم أنجبت أولادًا آخرين؟ ولماذا القماط..؟ ليس معنى قول الإنجيل " فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْر" أنها أنجبت أولادًا آخرين، فمفهوم "البكر" هو المولود الأول، حتى لو كان وحيدًا، فكل ابن وحيد هو "بكر". قال الكتاب: "كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ يُقَدِّمُونَهُ لِلرَّبِّ مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ يَكُونُ لَكَ. غَيْرَ أَنَّكَ تَقْبَلُ فِدَاءَ بِكْرِ الإِنْسَانِ. وَبِكْرُ الْبَهِيمَةِ النَّجِسَةِ تَقْبَلُ فِدَاءَهُ" (عد 18: 15) فالابن البكر، أي المولود الأول يُفدى بخمسة شواقل (عد 18: 16) ولا ينتظر الأب لكيما يولد له شقيق. ويقول "القديس جيروم": "وهكذا تقضي الوصية بأن نقدس للَّه كل فاتح رحم من الحيوانات الطاهرة، أما الحيوانات النجسة فإنها تُفدى ويُعطى ثمنها إلى الكاهن. فكيف أميز الحيوان البكر؟ أم لعلي أقول للكاهن: من أدراك أن هذا الذي بكر؟! فربما يُولد بعده آخرون، وربما لا يُولَد. أنتظر حتى يأتي الثاني، وإلاَّ فليس لك عليَّ شيء! أليست هذه حماقة يرفضها الجميع، لأن من البداهة أن البكر هو كل فاتح رحم سواء كان له إخوة أم لا؟!" (96).

وقد وُلِدَ الطفل يسوع بدون زرع بشر، وظلت أمه عذراء أثناء الولادة وبعد الولادة، مثلما كانت قبل الولادة. ويقول "القديس كيرلس الكبير": "يقول الإنجيلي أن مريم كانت مخطوبة ليوسف، ليدل على أن الحبل تم في أثناء الخطوبة، وأن ولادة عمانوئيل كانت عجائبية، لا وفقًا لقوانين الطبيعة، فالعذراء لم تحبل من زرع رجل. لماذا؟ المسيح بكر كل الخليقة، وآدم الثاني استنادًا إلى الكتب المقدَّسة... يجادل بعضهم قائلين: لو وُلِد المسيح في الجسد لفقدت العذراء بتوليتها. وإن لم تفقد بتوليتها، لكانت ولادته شكلية. نرد على ذلك بقول الرب: "هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ" (حز 44: 2). فضلًا عن ذلك، صار الكلمة جسدًا بدون جماع وحُبِل به بدون زرع، ووُلِد بدون أن تفيض (يفض) عذرية أمه" (تفسير لوقا 1)" (97).

ولماذا القماط..؟ قال الإنجيل: "فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ" (لو 2: 7) أي لفته بقماط من القماش كما اعتاد أهل المشرق أن يقمطون الأطفال حديثي الولادة اتقاء لبرودة الجو، وليشعروا بالأمان، كما أن القماط يحفظهم من مغبة أي حركة مفاجئة تؤثر على الطفل.

 

St-Takla.org Image: Visitation: Icon of the visit of the Mother of God, the Virgin Mary, to the mother of Saint John the Baptist, Elizabeth, private collection, Egypt, 1731 A.M. (2014-2015), Coptic art, used with permission - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer). صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة زيارة والدة الإله مريم العذراء لوالدة القديس يوحنا المعمدان أليصابات، مقتنيات خاصة، مصر، 1732 ش. (2015-2016 م.)، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية

St-Takla.org Image: Visitation: Icon of the visit of the Mother of God, the Virgin Mary, to the mother of Saint John the Baptist, Elizabeth, private collection, Egypt, 1731 A.M. (2014-2015), Coptic art, used with permission - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer).

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة زيارة والدة الإله مريم العذراء لوالدة القديس يوحنا المعمدان أليصابات، مقتنيات خاصة، مصر، 1732 ش. (2015-2016 م.)، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية

2- ما معنى " رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ" (لو 2: 8)..؟ كلمة " مُتَبَدِّينَ" من "البدو" الذين يعيشون في البادية أو البيداء، أي الصحاري القفراء أو العراء، بينما يعيش الحضر في المدن، وهؤلاء الرعاة كانوا يرعون الأغنام والأبقار. ويقول العالِم اليهودي المتنصر "أدرشيم" أنهم كانوا يرعون الحيوانات التي تُقدم ذبائح في الهيكل، وكان الكهنة يفحصون هذه الحيوانات ويختمونها... وكان هؤلاء الرعاة معزولين ومهمشين لأنهم لم يستطيعوا أن يمارسوا الطهارة الطقسية بصفة مستمرة بسبب إنشغالهم بقطعانهم... كان هؤلاء الرعاة من قرية "مجدل عَدَرْ" أي "برح القطيع" وهيَ قرية بين بيت لحم أفراتة وأورشليم، حيث تتوافر فيها مراعي الأغنام، وقديمًا تنبأ ميخا النبي عنها قائلًا: "وَأَنْتَ يَا بُرْجَ الْقَطِيعِ أَكَمَةَ بِنْتِ صِهْيَوْنَ إِلَيْكِ يَأْتِي. وَيَجِيءُ الْحُكْمُ الأَوَّلُ مُلْكُ بِنْتِ أُورُشَلِيمَ" (مي 4: 8)، ويقول "دكتور عزت زكي": "وحين أخفقت الأرض في أن تقدم تعبدها للطفل الكبير، إذ بالسماء تختار رسلها الذين يُقدمون الإكرام للملك من بين فقراء الأرض... جماعة من البسطاء الفقراء... كانوا ينتظرون نظير سمعان الشيخ في الهيكل تعزية لإسرائيل. ولقد هيأت لهم أذهانهم المتفتحة ومهنتهم الهادئة، وسكون ساعات الليل، وقبة السماء الصافية بعيونها المتألقة، وأنغام الجوقة النورانية الملائكية الهاتفة في السماء، الجو المناسب، لتلقي رسالة ميلاد الطفل المُخلّص...

وفي تاريخ الكتاب المقدَّس نجد أن اللَّه يقدّر العمل والعمال. هل نقول الرعاة بصورة مميزة؟ ولعل رعاية القطعان هيَ أقرب الأعمال، لطبيعة تعامل اللَّه مع شعبه ورعيته. ألم يتحدث داود عن "الرب راعيَّ"؟ ألم يبتهل إليه بالقول: "يا راعي إسرائيل كالضأن". ألم يتحدث إشعياء عنه "كراعٍ" يرعى قطيعه؟ وألم يربط المسيح نفسه بمهنة الرعاة فيقول: "أنا هو الراعي الصالح"؟ ونحن نلاحظ كيف إلتقى ملاك العهد بموسى، وهو يرعى القطعان. وكيف مسح داود ملكًا، ونال يعقوب البركة، كل واحد بجوار قطيعه. لقد كان الرعاة هم أول من نالوا إعلان البشارة. والبسطاء والطيبون الذين تغفل عنهم الأرض، ليسوا منسيين أمام اللَّه.

لقد وَجَدَ الرعاة نظير الحكماء (المجوس) يسوع...

في دائرة الظلال والهدوء...

أولئك الذين كانوا يركعون في محراب الطبيعة...

وأولئك الذين تبعوا الحق، في نور النجم الساطع" (98).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

3- ما معنى " مَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ" (لو 2: 9)..؟ كان الرعاة يسهرون على قطعانهم يحرسونها من أنياب ذئاب الليل الخاطفة، وكانوا يتسامرون ويعيدون ذكريات أقربائهم وجيرانهم الذين رحلوا عن قريتهم وعادوا إليها في تلك الأيام بمناسبة الاكتتاب، وأيضًا تطرَّق حديثهم إلى قسوة الاستعمار الروماني وراحوا يمنوُّن أنفسهم بمجيء المسيا الذي ينقذهم من وطأة هذا الذُل ويعيد إليهم أمجاد داود وسليمان، ولم يدر في خلدهم أنه في هذه الليلة وُلِدَ بالقرب منهم المسيا ابن داود. وفجأة إذ ملاك الرب يقف أمامهم وبهاؤه يسطع في بريق لامع، " ومَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ" فشعروا برهبة الحضور في الحضرة الإلهيَّة، مثلما كان يحل مجد اللَّه قديمًا في "الشاكيناه" بين الكاروبين المظللين على غطاء التابوت: "وَعِنْدَ ارْتِحَالِ التَّابُوتِ كَانَ مُوسَى يَقُولُ قُمْ يَارَبُّ فَلْتَتَبَدَّدْ أَعْدَاؤُكَ وَيَهْرُبْ مُبْغِضُوكَ مِنْ أَمَامِكَ. وَعِنْدَ حُلُولِهِ كَانَ يَقُولُ ارْجِعْ يَا رَبُّ إِلَى رِبَوَاتِ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ" (عد 10: 35، 36)، وكلمة "شاكيناه" مشتقة من كلمة "شاكان" shakan أي "يسكن"، فهيَ تعبر عن الحضرة الإلهيَّة، وهكذا عاش هؤلاء الرعاة البسطاء المجد الإلهي الذي عاينه موسى في القديم، فأحسوا بالحضرة الإلهيَّة... نظروا مشدوهين لملاك الرب وخافوا وارتعبوا لئلا يكون ظهور الملاك بهذا المجد يحمل في طياته عقوبة على خطأ ارتكبوه بدون قصد، ولكن سريعًا ما طمأنهم ملاك الرب، وقدم لهم عطية الفرح بولادة " مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو 2: 11) فرح لا نهاية له، فهو ليس لهم فقط بل لكافة شعوب العالم، وفرح فوق الزمان، ينتقل من جيل إلى جيل وإلى مدى الأجيال كلها. وأعطاهم علامة مرئية ملموسة محسوسة، إذ يجدون طفلًا مُقمَّطًا مُضجِعًا ليس على سرير مُريح، بل في مذود الأغنام... أنه هو هو المُخلص مسيح الرب... حامل خطية العالم كله في موضع إطعام الحملان، وهذا هو الإخلاء الإلهي.

وبينما أفاضت أناجيل أبوكريفا بالقصص العجيبة التي صاحبت ولادة يسوع وطفولته، والتي جنح فيها الخيال البشري إلى آخر مداه، فإن كل من متى الإنجيلي والقديس لوقا قدما الحدث في بساطة وروعة دون أدنى مبالغات أو شطحات سينمائية، بل قدما الحدث في كلمات قليلة قوية ووقورة، بينما ظلت الطبيعة بكل ما عليها تسير بحسب قوانينها، لم يظهر ما يغاير نظام الكون. حكى القديس متى عن نجم عظيم ظهر في المشارق والمجوس أغنياء الأرض تبعوه، فقادهم للمولود فخروا وسجدوا له، وحكى القديس لوقا عن ملاك الرب الذي ظهر للرعاة اليهود المهمشين، وجوقة الملائكة تسبح، فأتوا وسجدوا له... أنه المسيح، مسيح العالم كله من أمم ويهود، من فقراء وأغنياء. وقد وصف أحد الكتَّاب مشهد ولادة يسوع، فقال: "لقد تحركت أعماق المشورات الإلهيَّة التي لا يُسبَر نورها، وينابيع الغمر تفجرَّت، فلقد دنت ساعة الأزل لشفاء الأمم. ولكن لم يُشاهد على سطح محيط الإنسانية الخضم، سوى بعض التموجات الخفيفة"(99) (راجع أيضًا مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) - الباب التاسع).

 

4- لماذا جاءت البُشرى للرعاة (لو 2: 9) ولم تأتِ لكهنة الهيكل..؟

أ– لأن كهنة الهيكل ضُرِبوا بالكبرياء والرياء ومحبة المقتنيات، وعاشوا حياة شكلية بعيدة عن حياة التقوى الحقيقية.

ب- عاش الرعاة مهمشين منبوذين لأنهم عجزوا عن حياة الطهارة الطقسية بحُكم عملهم، وعاشوا بعيدًا عن دائرة الكرامة، وطفل المذود جاء لكيما يبحث عن الخطاة والمهمشين والمنبوذين.

جـ- المولود هو "الراعي الصالح" (يو 10) فحسن أن يلتقي به الرعاة الساهرين اليقظين الأمناء.

د– المولود هو "حمل اللَّه الذي يرفع خطية العالم كله" فحسن أن يلتقي بالرعاة الذين رعوا الحملان التي كانت تُقدم ذبائح للَّه... هوذا حمل اللَّه جاء ليُقدِّم ذاته عوضًا عن الحملان التي يتعب هؤلاء الرعاة في رعايتها...

هـ- لو كان هؤلاء الرعاة في بيوتهم يتمتعون بالدفء لحرموا من هذه الرؤيا السماوية، ولكن إذ هم أمناء على قطعانهم استحقوا هذه الرؤيا السماوية.

و– كان هؤلاء الرعاة شهود أمناء، فجاءت استجابتهم سريعة، إذ أسرعوا إلى بيت لحم، فرأوا المولود وسجدوا له وأخبروا بما كان وأدلوا بشهادتهم في بساطة وصدق.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(96) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص54.

(97) التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدَّس - العهد الجديد جـ 3 - الإنجيل كما دوَّنه لوقا، ص83.

(98) تفسير بشارة لوقا لكتَّاب مشهورين، ص32، 33.

(99) تفسير بشارة لوقا لكتَّاب مشهورين، ص29.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/555.html

تقصير الرابط:
tak.la/f5m7f8d