س554: هل " أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ" (لو 2: 1) هو أكتافيوس الذي انتصر في معركة أكتيوم البحرية على كليوباترا ملكة مصر وماركوس أنطونيوس؟ وهل وُلِدَ يسوع في زمن هيرودس الكبير الملك (مت 2: 1) أم في زمن كيرينيوس والي سوريا (لو 2: 1، 2) مع أن الاكتتاب الذي أجراه كرينيوس كان نحو سنة 8 م؟ ولماذا لم يتم الاكتتاب لكل واحد في مكان سكناه، أو يسافر يوسف إلى بيت لحم بمفرده؟
ج: 1- هل " أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ" (لو 2: 1) هو أكتافيوس الذي انتصر في معركة أكتيوم البحرية على كليوباترا ملكة مصر وماركوس أنطونيوس..؟ نعم " أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ" هو "غايوس أوكتافيوس ثورينوس" حفيد شقيقة الامبراطور "يوليوس قيصر" وابنه بالتبني، وُلِدَ سنة 63ق.م وتوفي سنة 14م. بعد اغتيال يوليوس قيصر على يد بروتس ونحو أربعين من أعضاء مجلس الشيوخ سنة 44 ق.م، قام ماركوس أنطونيوس مع ماركوس ليبيوس مع أوكتافيوس بالانتقام من قتلة يوليوس قيصر في معركة فيلبي، وحاول ماركوس أنطونيوس حفظ السلام بعد الفوضى التي عمت البلاد عقب اغتيال يوليوس. ثم نشب الصراع بين ماركوس أنطونيوس عضو مجلس الشيوخ وبين أكتافيوس الذي يصغره بنحو عشرين عامًا، على عرش روما، وبعد ثلاثة عشر عامًا دارت معركة أكتيوم البحرية في اليونان يوم 2 سبتمبر سنة 31ق.م، بين أكتافيوس من جانب، وماركوس أنطونيوس مع كليوباترا ملكة مصر من جانب آخر، وانتصر فيها أكتافيوس، فكانت هذه الحرب الفاصلة تمثل قصة ولادة الإمبراطورية الرومانية بعد الفوضى التي عمت البلاد، وتولى أكتافيوس عرش روما كإمبراطور روماني لمدة 45 سنة، فكان أعظم أباطرة روما، أرسى السلام الروماني في ربوع الإمبراطورية، ووسع تخومها حول حوض البحر المتوسط، ونشر الأمن على الطرق، وتخلَّص من قُطَّاع الطرق وقراصنة البحار، وفي عهده انتعش الفن والأدب والمعمار، وفي سنة 27 ق.م منحه مجلس الشيوخ لقب "أوغسطس" أي "المبجل كإله" وهو لقب قريب من التأليه. وفي عهده أُجرى الاكتتاب أكثر من مرة بهدف تحديد عدد السكان وثرواتهم، حتى يمكن تحديد مقدار الضرائب والجزية ومعرفة عدد المرشحين للخدمة العسكرية، ولا سيما أنه صار للإمبراطورية جيوش جرارة جبارة، تحتاج لمبالغ طائلة للصرف عليها، ومن هنا نبع الاهتمام بالتعداد السكاني، فكان يجرى في مصر وسوريا كل أربعة عشر عامًا، كما أفادت بعض الوثائق البردية التي عُثِر عليها في صحراء مصر، وكانت اليهودية تُعد مقاطعة تتبع سوريا، وكان التعداد يستغرق وقتًا طويلًا. يقول "بوب اتلي": "هذه الاكتتابات الرومانية كانت تُجرى كل 14 سنة وقد بدأت في عهد أوغسطس قيصر (30 ق.م إلى 14م).. نعلم أن هذه الاكتتابات الدورية في بردية مصرية، لقد كانت تستغرق سنين لإنهائها. يُذكَر إحصاء ثانٍ في (أع 5: 37) وفي كتابات يوسيفوس، ويُقال أنه جرى عام 6م، ولذلك فإن الاكتتاب الأول يكون قد بدأ حوالي العام 8 ق.م" (91). ويقول "مكرم مشرقي": "إن كان الاكتتاب (الإحصاء) يقسم السكان إلى خمس طبقات حسب الثروة، وكان على كل رجل أن يُصرّح عن اسمه الكامل وعمره وعائلته وأملاكه وذلك لأجل الضرائب والخدمة العسكرية" (92)، ولذلك كانت هناك عقوبات صارمة لمن يدلي بمعلومات كاذبة. وجاء في إحدى أوراق البردي المصرية: "أوامر غايوس فيبوس مكسيموس حاكم مصر... بما أنه أتى ميعاد إحصاء كل البيوت من الضروري أن جميع الموجودين بعيدًا عن بيوتهم الرجوع حالًا حتى يتم الإحصاء في نظام.."(93).
2- هل وُلِدَ يسوع في زمن هيرودس الكبير الملك (مت 2: 1) أم في زمن كيرينيوس والي سوريا (لو 2: 1، 2) مع أن الاكتتاب الذي أجراه كرينيوس كان نحو سنة 8م..؟ لأن القديس متى كتب إنجيله لليهود، لذلك ربط بين ميلاد السيد المسيح وبين "هيرودس الكبير" ملك اليهود (37-4 ق.م)، فقال: "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ" (مت 2: 1)، بينما ربط القديس لوقا الذي كتب لليونانيين بين ميلاد السيد المسيح وبين الإمبراطور الروماني ووالي سوريا، فأوضح القديس لوقا زمن التجسد الإلهي في عهد الإمبراطور "أوغسطس قيصر"، وزمن الفداء الإلهي في عهد الإمبراطور "طيباريوس قيصر". فقال القديس لوقا: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ" (لو 2: 1، 2). إذًا في زمن ولادة يسوع كان الإمبراطور الروماني أوغسطس قيصر، وكان والي سوريا هو كيرينيوس، وكانت اليهودية تحت سلطة والي سوريا، وكان ملك اليهودية التابع لوالي سوريا هو هيرودس الكبير صاحب مذبحة أطفال بيت لحم. وقد أصدر الإمبراطور أمرًا بأن تكتتب كل المسكونة أي سكان الإمبراطورية الرومانية، فالمؤرخ "بوليبياس" أطلق على المملكة الرومانية "كل المسكونة" (كتاب 6 فصل 8)، واستخدم "بلوتارك" نفس التعبير للتعبير عن مملكة روما (راجع الدكتور القس منيس عبد النور - شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص68).
وقد تولى "كيرينيوس" الولاية على سوريا مرتين، الأولى من نحو 4 ق.م إلى السنة الأولى الميلادي، والثاني من سنة 6م إلى سنة 11م. وقد حدث هذا الاكتتاب حيث وُلِدَ يسوع في الولاية الأولى لكيرينيوس على سوريا، ثم حدث اكتتاب آخر في مدة الولاية الثانية لكيرينيوس جاء ذكره في سفر الأعمال (أع 5: 37) كما ذكره المؤرخ اليهودي يوسيفوس. وقد أوضح "السير وليم رامزي" في كتابه: "هل وُلِدَ المسيح في بيت لحم؟" ص227 أن النقش الذي عُثِر عليه في تابور يوضح أن كيرينيوس تولى حكم سوريا من قبل الإمبراطور أوغسطس قيصر مرتين (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص452). ويقول "القس ليون موريس": "فهناك نقوش معينة تشير إلى أنه ما بين 10، 7 ق.م تولى كيرينيوس وظائف عسكرية في سورية حين كانت مقاطعة تابعة للحكومة الرومانية. وإذا ما كانت الفترة بين تعداد وآخر هيَ 14 عامًا، فلا بد أنه (كيرينيوس) وُجِد في المنطقة في وظيفة رسمية في الوقت المناسب" (94). الأمر العجيب أن التاريخ لم يحفظ لنا اليوم والشهر الذي وُلِدَ فيه رب المجد بالجسد، فلم يكن هناك اتفاق على عيد الميلاد بالتحديد في القرن الأول والثاني، وتحدث القديس أكليمنضس السكندري عن عدم الاتفاق على التاريخ الدقيق لميلاد المسيح (Stromata 1.21) (راجع بوب أتلي - لوقا المؤرخ: إنجيل لوقا ص78، وكتابنا: يا إخوتنا الكاثوليك... متى يكون اللقاء جـ 2). لقد اختارت الكنيسة أطول أيام السنة ليلًا وأقصر نهارًا للاحتفال بعيد الميلاد، وذلك تعبيرًا عن أن السيد المسيح جاء في ظلمة ليل البشرية الحالك، في ملء الزمان، لينير كل إنسان: "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ" (يو 1: 9).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
3- لماذا لم يتم الاكتتاب لكل واحد في مكان سكناه، أو يسافر يوسف إلى بيت لحم بمفرده..؟ كان الاكتتاب بالنظام اليهودي يُلزم كل إنسان أن يرجع إلى سبطه ومسقط رأسه. أما الاكتتاب بالنظام الروماني فكان يسمح لكل شخص أن يحصي نفسه وممتلكاته في المكان الذي يُقيم فيه. وهذا الاكتتاب الذي وُلِدَ فيه يسوع جرى طبقًا للقوانين الرومانية ولكنهم أخذوا في الاعتبار النظام اليهودي، لأن الرومان أرادوا مجاملة اليهود، فجرى الاكتتاب بالنظامين الروماني واليهودي في آن واحد. جرى على النظام الروماني فشمل الجميع رجال ونساء، وهذا ما أوضحه القديس لوقا عندما قال عن يوسف: "لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ" (لو 2: 5)، فقد كانت الفتيات من سن الثانية عشر يدفعن ضريبة الرعاية، فكان يجب أن يسجلن أسمائهن في الإحصاء العام (راجع الكتاب المقدَّس الدراسي ص2417). كما جرى هذا الاكتتاب أيضًا بالنظام اليهودي، فكان كل شخص أن يرجع إلى بيته وعشيرته وسبطه. وجاء في الطبعة اليسوعية للعهد الجديد ص194: "تؤكد بعض الوثائق أن الإدارة الرومانية استخدمت هذه الطريقة في إحصاء مصر".
ويقول "القس ليون موريس": "وكم يبدو لنا غريبًا أنه للحصول على تعداد للسكان يطلب من كل واحد أن يعود إلى مسقط رأسه. ولكن واحدًا على الأقل من مثل هذه الأوامر محفوظ في الآثار، وهو مرسوم من حاكم مصر سن 104م، يأمر فيه كل فرد أن يعود إلى بلده لتسجيل اسمه" (95).
فهذا هو السبب الظاهر لاصطحاب القديس يوسف البار العذراء مريم معه إلى بيت لحم، أما السبب الخفي فهو أنه كان لا بد أن تتم نبوءة ميخا النبي التي نطق بها قبل الميلاد بسبعة قرون، إذ قال: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مي 5: 2).. عاد يوسف البار إلى مسقط رأسه ببيت لحم، وهيَ مسقط رأس بنيامين حيث ماتت راحيل زوجة يعقوب المحبوبة (تك 35: 16-20) وهيَ تلد ابنها بنيامين أي "ابن اليمين" ويسوع المسيح هو الجالس عن يمين الآب (مز 110: 1، لو 20: 42، أع 7: 55).. بيت لحم التي شهدت زواج راعوث الموآبية ببوعز (را 4: 9-11) وبالمسيح يسوع اقترنت الأمم بالعريس السمائي... بيت لحم مسقط رأس داود بن يسى البيتلحمي (را 4: 22) ومعنى اسم داود أي "المحبوب"، والسيد المسيح هو "المحبوب" (أف 1: 6) وهو "ابن محبته" (لو 3: 22، كو 1: 13).. بيت لحم هيَ بيت الخبز، والسيد المسيح هو "خبز الحياة" (يو 6: 35).. سار يوسف البار ومع العذراء مريم وهيَ على وشك الولادة من الناصرة إلى بيت لحم نحو 112 كم. قطعها يوسف سيرًا على الأقدام والعذراء تركب دابة.
_____
(91) لوقا المؤرخ: إنجيل لوقا، ص75.
(92) ما وراء الكلمات - خلفية العهد الجديد، ص80.
(93) وليم باركلي - ترجمة القس مكرم نجيب - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص35.
(94) ترجمة نيكلس نسيم - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص79.
(95) ترجمة نيكلس نسيم - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص80.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/554.html
تقصير الرابط:
tak.la/vn4564g