س495: لماذا نهض يسوع مبكرًا والظلام باقٍ ليصلي بعد يوم مُضني (مر 1: 35)؟ وما هيَ حاجته للصلاة مادام هو الله ذاته؟ هل كان يصلي لنفسه؟ وهل عندما قال سمعان ومن معه ليسوع "الْجَمِيعَ يَطْلُبُونَكَ" (مر 1: 37) كان يطلبه الكتبة والفريسيون والصدوقيون والوثنيون وبيلاطس وهيرودس؟ ولماذا رفض السيد المسيح العودة إلى كفرناحوم (مر 1: 38)؟
ج: 1- لماذا نهض يسوع مبكرًا والظلام باقٍ ليصلي بعد يوم مُضني (مر 1: 35)؟ وما هيَ حاجته للصلاة مادام هو الله ذاته؟ هل كان يصلي لنفسه؟.. لقد أمضى السيد المسيح يومًا شاقًا في كفرناحوم يعظ ويُعلم ويتحدث مع الشعب ويخدم ويشفي، حتى أن كل عضلة من جسده صارت تؤلمه، ولم يجد وقتًا للراحة، إذ فضل أن يتعب هو مقابل أن يستريح الآخرون "وفي الصبح باكرًا جدًا" أي مازال الليل حالكًا نهض ليصلي كعادته أن يستيقظ والناس نيام، مضى إلى موضع خلاء ربما بستان هادئ أو سفح جبل أو مبنى مهجور، فهذه كانت عادته، وهو ما ذكره القديس مرقس أربع مرات، وقد ذكره القديس متى ثمان مرات. لقد كان يواظب على الصلاة لكيما يعلمنا أنه " يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ" (لو 18: 1)، ونهض مبكرًا للصلاة لأنه قال قديمًا "وَالَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي" (أم 8: 17). والسيد المسيح ليس لاهوتًا مجردًا بل لاهوت كامل متحد بناسوت كامل، فهو إله كامل وإنسان كامل، وهو كإنسان كان يأكل ويشرب وينام ويستريح ويحزن ويكتئب ويتألم ويموت، فقد كان في حاجة إلى كل هذا وأيضًا كان في احتياج للصلاة، وعندما كان يصلي كان يصلي كإنسان وليس كإله، فهو كإله هو قابل الصلوات، وهو كإنسان كان لا بُد أن يصلي (عب 2: 17، 18) والسيد المسيح في صلاته كان يصلي للَّـه الآب، وهذا واضح جدًا في الصلاة الوداعية: " وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ... مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ... أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ... أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ.." (يو 17: 1 - 26). وقد تمت الإجابة على هذا التساؤل بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى كتابنا: أسئلة حول ألوهية المسيح س 75 (تحت رقم (114) في موقع الأنبا تكلا).
ويقول "العلامة أوريجانوس": "وعندما يصلي يسوع لا يصلي عبثًا، ينال كل ما يسأله في الصلاة... فمن منا يهمل الصلاة؟ يقول مرقس "وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ" (مر 1: 35)، ولوقا يقول: "وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ لَمَّا فَرَغَ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَارَبُّ عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ" (لو 11: 1). وفي مكان آخر يقول: " وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ للَّـهِ" (لو 6: 12)، ويوحنا يسجل لنا صلاته قائلًا: "تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ" (يو 17: 1)، وأيضًا ما يلي: "وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي" (يو 11: 42). أنما أورده الإنجيلي نفسه يطابق تمامًا ما قاله الرب. وهذا يُظهِر أن من يواظب على الصلاة يُستجاب له دائمًا" (248).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
2- وهل عندما قال سمعان ومن معه ليسوع " الْجَمِيعَ يَطْلُبُونَكَ" (مر 1: 37) كان يطلبه الكتبة والفريسيون والصدوقيون والوثنيون وبيلاطس وهيرودس؟.. قول سمعان ومـن معـه " الْجَمِيعَ يَطْلُبُونَكَ" أي الكثيرين من أهل كفرناحوم يبحثون عنك بعد أن شفيت المرضى وطردت الأرواح الشريرة ووعظتهم وعلمتهم، وتعبير سمعان هنا هو من قبيل إطلاق الكل على الجزء، وهو أمر متعارف عليه، مثلما نُطلق على "القاهرة" مصر، مع أنها جزء من مصر وليست كل مصر، ومثلما جاء في سفر التكوين " وَجَاءَتْ كُلُّ الأَرْضِ إِلَى مِصْرَ إِلَى يُوسُفَ لِتَشْتَرِيَ قَمْحًا" (تك 41: 57) كما جاء في القرآن " يَجعَلُونَ أَصَٰبِعَهُم فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ" (البقرة 19) مع أن ما يسد أذني الأنسان طرفي اثنين من أنامل الإنسان فقط وليست كل الأصابع، ومثلها أيضًا " تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم" (المنافقون 3) والمراد وجوههم، ومثلها كذلك " فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمه" (البقرة 185) والمراد بداية الشهر وليس الشهر كله.
3- لماذا رفض السيد المسيح العودة إلى كفرناحوم (مر 1: 38)؟.. هناك عدة أسباب دعت يسوع ينصرف من كفرناحوم مؤقتًا، ومن هذه الأسباب:
أ - حتى تخف حدة الزحام الشديد في كفرناحوم إذ انشغلت المدينة كلها وتحيرت من ذات المعلم الذي لم يكن له مثيل من قبل، فأنه يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه، فترك كفرناحوم إلى حين، حتى تهدأ المشاعر الملتهبة وتستكين النفوس وتأخذ العقول فرصتها في التفكير والتأمل واكتشاف أن هذا هو المسيا، يعيش بينهم يحبهم ويبذل ذاته من أجلهم.
ب - لأنه كان ينبغي أن يكرز في مدن وقرى الجليل الأخرى. " فَقَالَ لَهُمْ لِنَذْهَبْ إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لأَكْرِزَ هُنَاكَ أَيْضًا لأَنِّي لِهذَا خَرَجْتُ. فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِهِمْ فِي كُلِّ الْجَلِيلِ" (مر 1: 38 - 39).
جـ - معجزات الشفاء في كفرناحوم قد أستوفت حقها، بينما كان هناك حاجة شديدة للتعليم والكرازة بالإنجيل، فمن أجل هذا جاء يسوع إلى عالمنا، ليقدم لنا تعاليمه الجديدة وفداؤه العجيب، وبالرغم من أن السيد المسيح جعل كفرناحوم مركزًا لخدمته في الجليل، حتى دُعيت المدينة بمدينته، فإن أهل المدينة أعجبوا بالمعجزات وآيات الشفاء وتركوا التعاليم الروحية وانحازوا للجسد على حساب الروح، فكانت هذه الآيات والأعاجيب دينونة عليهم، وحلت بهم العقوبة الإلهيَّة: " وَأَنْتِ يَاكَفْرَنَاحُومَ الْمُرْتَفِعَةَ إِلَى السَّمَاءِ سَتُهْبَطِينَ إِلَى الْهَاوِيَةِ. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكِ لَبَقِيَتْ إِلَى الْيَوْمِ" (مت 11: 23).
_____
(248) التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدَّس - العهد الجديد (2) الإنجيل كما مورد في مرقس ص 62.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/495.html
تقصير الرابط:
tak.la/c6v8hg8