س475: أين كرز القديس مرقس الرسول مع الآباء الرسل بطرس وبولس وبرنابا؟ وأين كرز بمفرده؟
ج: 1- كرازة مرقس الرسول مع بطرس الرسول: كان القديس مرقس قريبًا من القديس بطرس لأن هناك صلة قرابة بينهما، فزوجة بطرس الرسول هيَ ابنة عم أرسطوبولس والد مرقس (راجع الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين - تاريخ الآباء الأولين للكنيسة المصرية - حياة مرقس الرسول والكاروز ص 36، 135، وراجع أيضًا توماس أودين - ترجمة د. جرجس كامل - مارمرقس الرسول في الذاكرة الأفريقية ص 26، 27). وغالبًا عندما كان أرسطوبولس يأتي في الأعياد مع أسرته من قيرين إلى الأرض المقدَّسة كان يزور بطرس في كفرناحوم بالجليل، وبالرغم من فارق السن بين بطرس ومرقس إلَّا أن بطرس الرجل الناضج استطاع تجاوز هذه الفجوة ولا سيما أن مرقس بلغ النضج مبكرًا فتصادق الاثنان وهما لا يعلمان أن المسيح يعيش معهما على هذه الأرض وفي منطقة الجليل، وبعد أعوام قليلة سيجمعهما ليزدادوا قربًا، وستأتي أيام يخرجان فيها معًا لصيد النفوس، وفعلًا بعد أن عاشا مع السيد المسيح وكانا قريبان منه وفتح بيت مريم أم مرقس أبوابه ليتبارك من رب المجد وتلاميذه الأطهار، وبعد أحداث الصلب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس، ذهب مرقس الرسول مع بطرس الرسول فكرزا في أورشليم وبيت عنيا ومدن وقرى اليهودية، ثم أنطلق معه إلى بنطس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبثينيه، بدليل أن بطرس الرسول في رسالته الأولى لليهود الذين في شتات تلك المدن والمناطق لم يذكر سلام أحد لهم غير مرقس الرسول، لأنه سبق له أن تعرَّف عليهم أثناء كرازته مع بطرس الرسول. لقد أحب بطرس الرسول القديس مرقس ودعاه ابنه: "تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ وَمَرْقُسُ ابْنِي" (1بط 5: 13) وأباح له بكل ما كان يجول في صدره من مشاعر ومواقف حدثت مع السيد المسيح، حتى أن مرقس ينفرد بالقول عن بطرس وقت التجلي في حديثه مع الرب يسوع: "لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ" (مر 9: 6). وقد أكد العلامة أوريجانوس والقديس إيرونيموس أن القديس مرقس خدم مع بطرس الرسول (Stilting, the live of St. John Mark quated by Butler, op Cit P 251) (86).
2- كرازة مرقس الرسول مع بولس الرسول: عندما حلَّت المجاعة التي تنبأ عنها أغابوس حمل شاول وبرنابا عطايا المؤمنين من أنطاكية إلى أورشليم (أع 11: 27 - 30).. وفي عودتهما إلى أنطاكية اصطحبا معهما مرقس البشير: "وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلَا الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ" (أع 12: 25) فخدم مارمرقس في أنطاكية مع شاول وبرنابا.
وفي الرحلة التبشيرية الأولى نحو سنة 45م اصطحب بولس وبرنابا معهما مرقس: "وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ الله فِي مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِمًا" (أع 13: 5). ومعنى "خادم" هنا أي مُعلم كنسي يشرح الدين ويبسّط العقيدة ويُفسر الأسفار المقدَّسة ويُترجم، فقد أجاد عدة لغات وتمتع بثقافة عالية أتاحت له فرصة التكيُّف مع الشعوب المختلفة التي كرز لها. ويقول "الأب متى المسكين": "معنى هذا أن ق. مرقس كان ذا موهبة إنجيلية عالية القدر وبالتالي كان قديرًا في الشرح وتعليم المؤمنين، مما كان يُسمَّى في الكنيسة بالكاتشيزم Catechism وهو على نوعين: النوع الأول تعليم المؤمنين المتقدمين إلى المعمودية ليكونوا على مستوى المعرفة والإيمان الصحيح بالمسيح والخلاص بحسب الإنجيل، والنوع الثاني: تعليم المسيحيين عمومًا أصول الإيمان المسيحي تعليمًا صحيحًا مدرسيًّا" (87). ولسبب غير واضح لم يستكمل مرقس هذه الرحلة التبشيرية بل عاد من برجة بمفيلية (أع 15: 38) ربما لأن مريم أمه كانت حالتها الصحية متردّية، أو لأنه اشتاق إلى الكنيسة التي في بيته، أو بسبب مشقة الخدمة والترحال، وقال البعض ربما عاد لأن بولس صار هو قائد الرحلة عوضًا عن برنابا، بدليل أنه في بداية المرحلة تقدم اسم خاله برنابا، ثم صار اسم بولس هو المتقدم مما أثر في نفسية مرقس فعاد إلى وطنه.
وبسبب عدم استكمال مرقس الرحلة التبشيرية الأولى رفض بولس بشدة وإصرار اصطحابه في الرحلة التبشيرية الثانية: "فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضًا يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ. وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ" (أع 15: 37 - 39). حدثت مشاجرة بين بولس وبرنابا بالرغم من العلاقة القوية بينهما. فعندما آمن شاول وجاء إلى أورشليم كان المؤمنون يخافونه، فجاء به برنابا للرسل وحدثهم كيف أبصر الرب (أع 9: 26 - 28) وعندما أرسلت كنيسة أورشليم برنابا إلى أنطاكية لزيادة عدد المؤمنين بها ذهب برنابا إلى طرسوس وأحضر شاول وظل الاثنان يخدمان لمدة سنة (أع 11: 25، 26) ولا أتصوَّر أبدًا أن المشاجرة بينهما كانت بغضب وهياج ووصل الأمر إلى حد القطيعة، إنما كان اختلاف في الرأي، والذي يخرج من الجافي حلاوة، جعل هذا الخلاف ينجم عنه فرقتين تبشيريتين، أحدهما من بولس وسيلا، والأخرى من برنابا ومرقس، وأتوقع أنه قبل الرحيل قد صافح كل منهما الآخر وقبَّله بقبلة المحبة وتمنى له التوفيق في خدمته.
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
وبعد عدة سنوات عندما فاح طيب كرازة مارمرقس الرسول عاد ليخدم مع بولس الرسول بحسب طلب رسول الأمم، وذكره في رسائله:
(1) قال لأهل كولوسي: " يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ... مَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ" (كو 4: 10).
(2) قال لفليمون: "وَمَرْقُسُ وَأَرِسْتَرْخُسُ وَدِيمَاسُ وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي" (فل 24).
(3) أوصى تلميذه تيموثاوس: "خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ" (2 تي 4: 11).
وبناء على هذه التوصية ذهب مرقس وخدم في روما وظل معه حتى استشهاده في 12 يوليو الموافق 5 أبيت 67م، أي أن مارمرقس يُعد من مؤسسي كنيسة روما.
ويقول "البطريرك كيرلس مقار" الكاثوليكي: "فأن كنيسة مصر ليست محقوقة بشيء لروما، بل بالأولى وتبعًا للحقيقة أن كنيسة روما هيَ المديونة لكنيسة الإسكندرية بما أن القديس مرقس مؤسّس هذه الكنيسة كان عضد وساق للقديس بولس في خدمته الأولى الرسولية في عاصمة الأمم. والساعد الذي لا يكِل للقديس بطرس والقديس بولس في توالي خدمته الرسولية الرومانية التي سبقت موتهما. ثم أن القديس مرقس بعد موت الرسولين عاد إلى الإسكندرية وقاسى فيها شهادته المجيدة" (88).
3- كرازة مرقس الرسول مع برنابا الرسول: اسم برنابا أولًا يوسف، وقيل عنه: "وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ، وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ. إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ" (أع 4: 36 - 37). وبرنابا شقيق مريم أم مرقس، وعندما اختلف مع بولس الرسول في بداية الرحلة التبشيرية الثانية: "فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ" (أع 15: 39)، واختار برنابا قبرص لأنها موطنه، ولا بد أن برنابا ابن الوعظ قد شجع كثيرًا مرقس في الكرازة والخدمة، حتى صار يعتمد عليه كلية فتركه في قبرص وذهب برنابا إلى أماكن أخرى يكرز ويبشر. وبعد فترة عاد مرقس إلى أورشليم.
وكرز القديس مرقس في أماكن عديدة، فذهب إلى جبيل حتى أن أهل لبنان يعتبرونه أول أسقف عليهم، ويقول "مار أغناطيوس يعقوب" بطريرك السريان الأرثوذكس: "وجبيل تفتخر بأول أساقفتها يوحنا مرقس" (تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية ط1 ص156) (89). ويقول "البابا شنوده الثالث": "ونحن لا نمانع في أن يكون القديس مارمرقس قد بشر بعض مناطق لبنان، أو جبيل بالذات. كما بشر جهات أخرى في هذه المنطقة وغيرها ولكننا لا نوافق على أنه أُقيم أسقفًا هناك، فأسقفية مارمرقس هيَ كرسي الإسكندرية والخمس مدن الغربية، وما يتبع ذلك الكرسي" (90).
كما خدم مارمرقس الرسول في أكويلا بإيطاليا، والبندقية (فينيسيا) حتى أن أهلها يعتبرونه كارزهم وحامي مدينتهم حتى أنهم حملوا جسده من الإسكندرية في القرن التاسع الميلادي إلى مدينتهم وسنعود لهذا الأمر عند حديثنا على جسد القديس مرقس. أما عن خدمة مارمرقس الضخمة في المدن الخمس والإسكندرية فسنفرد لهما أسئلة خاصة بهما. وما زال مارمرقس يخدم في كل الخليقة بإنجيله، وقد حقَّق قول الرب يسوع لتلاميذه الأطهار: "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر 16: 15).
_____
(86) راجع د. ميخائيل مكسي إسكندر - تاريخ كنيسة بنتابوليس ص 108.
(87) الإنجيل بحسب القديس مرقس ص 37.
(88) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة جـ 2 ص 162.
(89) أورده البابا شنوده الثالث - ناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول القديس والشهيد ص 24.
(90) المرجع السابق ص 24.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/475.html
تقصير الرابط:
tak.la/t2r4pqr