س442: هل الشراب الذي قُدِم للمسيح قبل الصلب كان خلًا ممزوجًا بمرارة (مت 27: 34)، أم خمرًا ممزوجة بمر (مر 15: 23)؟ وهل ذاق المسيح من الخل الممزوج بمرارة ولم يرد أن يشرب (مت 27: 34)، أم أنه لم يشرب من الخمر الممزوجة بمر (مر 15: 23)؟ وهل جهل المسيح طبيعة الشراب المُقدَم له؟ ولماذا صلبوا المسيح (مت 27: 35) ولم يرجموه كما رجموا اسطفانوس؟ وما دام هو جاء ليموت فداءً عن البشرية، وهو الذي اختار طريقة موته، فلماذا هرب من سيف هيرودس الذي هو أسهل كثيرًا جدًا من عذابات الصليب؟ وهل اقتسم الجنود جميع الثياب بينهم عن طريق القرعة (مت 27: 35، مر 15: 24، لو 23: 34)، أم أنهم اقتسموا ثيابه وضربوا القرعة على القميص فقط (يو 19: 23، 24)؟ وهل كانت ثيابه ثمينة لدرجة أن يقتسموها بينهم؟ وهل عبارة " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً" (مت 27: 35) ليست من متن النص، ولذلك حذفتها الترجمات الكاثوليكية والعربية المشتركة وكتاب الحياة؟ وهل عنوان علته كان "هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ" (مت 27: 37)، أم " مَلِكُ الْيَهُودِ" (مر 15: 26)، أم " هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ " (لو 23: 38)، أم " يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ" (يو 19: 19)، وهل كُتب عنوان علته باللغات اليونانية والرومانية والعبرانية (لو 23: 38)، أم بالعبرانية واليونانية واللاتينية (يو 19: 20)؟
ج: 1- هل الشراب الذي قُدِم للمسيح قبل الصلب كان خلًا ممزوجًا بمرارة (مت 27: 34)، أم خمرًا ممزوجة بمر (مر 15: 23)..؟ صُلب السيد المسيح على تل مرتفع خالي من الأشجار والصخور دُعي بالجلجثة أي الجمجمة، ربما لأنه يشبه في شكله الجمجمة، أو لكونه كان مكانًا لتنفيذ حكم الإعدام صلبًا على المجرمين، وتجمعت فيه جماجم المصلوبين، وقال القديس متى: "أَعْطَوْهُ خَّلًا مَمْزُوجًا بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ. وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ" (مت 27: 34)، وقال القديس مرقس: "وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ" (مر 15: 23)، فاتفق البشيران على أنهم أعطوا السيد المسيح سائلًا ممزوجًا بمر أو بمرارة، فما هو هذا السائل؟ هل هو كان خلًا أم خمرًا..؟ الحقيقة أن هذا السائل كان يُدعى "خل الخمر" وكان معروفًا في أرض فلسطين فهو يمثل مرحلة أدنى من الخمر النقي، وجاء ذكره في شريعة نذر رجل أو امرأة نفسه عدة أيام فقال الرب لموسى: "إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ. فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ" (عد 6: 1 - 4). إذًا الذي ينذر نفسه ينبغي أن يبتعد عن:
1- الخمر 2- المُسكر 3- خل الخمر 4- خل المسكر 5- نقيع العنب 6- العنب سواء كان رطبًا أو يابسًا.
إذًا مشروب " خَلَّ الْخَمْرِ" ليس اختراعًا، ولكنه كان له وجود واستخدام، فالنساء التقيات اللآتي يخدمن المرضى والمساجين كن يقمن بتحضيره، ويحملنه في أبريق ليقدموا كأسًا أو أكثر للمحكوم عليه بالصلب، فهو بمثابة مخدر يعمل على تحمُّلهم للألم، والجنود الرومان لم يمنعهن عن عمل الرحمة هذا، وحتى لا يملأ المصلوب الدنيا صراخًا وضجيجًا والمسامير تخترق يديه ورجليه، تخترق الجلد واللحم والأعصاب، ويُرفع على الصليب وثقل جسمه كله مُعلق بثلاثة مسامير. فإذا دعى القديس متى هذا السائل خلًا فهذا صحيح، وإذا دعاه القديس مرقس خمرًا فهذا أيضًا صحيح، لأن هذا السائل هو خل أو خمر حمضي، وجاء في ترجمة الملك جيمس KJV اسم " Vinegar " كقول القديس متى:
" They gave Him vinegar to drink mingled with gall "
وكلمة "vinegar" في أصلها اليوناني " ὄξος " في قواميس الكتاب المقدَّس تحت رقم (G 3690):
3690: vinegar, that is sour wine.
ومعنى "sour wine" أي خل أو خمر (نبيذ) حمضي. ويقول "الدكتور غالي" على موقع "هولي بايبل": "والشرح واضح جدًا فالكلمة اليونانية تعني خل، أو خمر حمضي، فلو كُتبت خمر، فهذا ليس خطأ فهو خمر حمضي، ولو تُرجمت خل، فأيضًا ليست خطأ، فهيَ فعلًا خل".
2- هل ذاق المسيح من الخل الممزوج بمرارة ولم يرد أن يشرب، أم أنه لم يذق ولم يشرب من الخمر الممزوجة بمر..؟ قال القديس متى " وَلَمَّا ذَاقَ لمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ" (مت 27: 34) فعندما ذاق السيد المسيح لم يرد أن يشرب، لأنه أراد أن يتحمل الآلام كاملة لكي يوفي العدل الإلهي حقه. وقال القديس مرقس: "وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ" (مر 15: 23). وهنا نلاحظ أن القديس مرقس لم ينفي أنه ذاق، وركز القول على أنه لم يشرب فقال " لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ" وهذا يتوافق تمامًا مع قول القديس متى الذي أوضح أن السيد المسيح لم يشرب " لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ". إذًا كل من البشيرين أكد أن يسوع لم يشرب، وتكتمل الصورة بقول القديس متى أنه عندما ذاق لم يرد أن يشرب، وبالطبع هناك فرق بين التذوق والشرب، فالتذوق بطرف اللسان لمقدار لا يُذكر، بينما الشرب يعني أن مقدارًا وصل للمعدة.
أما عن التساؤل الخاص بهل جهل السيد المسيح طبيعة الشراب المُقدم إليه..؟ فبلا شك أنه لم يجهل طبيعة المُخدّر الذي قُدِم له، ولكنه ذاق وامتنع عن الشرب. كان يمكنه أن يشرب، ولكن كونه يذوق الشراب ويرفض أن يشرب، فهو يوضح للبشرية أنه أراد أن يحتمل جميع آلام وعذابات الصليب بإرادته وليس رغمًا عنه، والدليل أنه كان أمامه المخدر ورفض أن يشرب منه، فهوذا عقوبة خطايا البشرية لا يستعفي أن يحملها كاملة.
3- لماذا صلبوا المسيح (مت 27: 35) ولم يرجموه كما رجموا اسطفانوس؟ وما دام هو جاء ليموت فداءً عن البشرية، وهو الذي اختار طريقة موته، فلماذا هرب من سيف هيرودس الذي هو أسهل كثيرًا جدًا من عذابات الصليب..؟
أ - لم يجرؤ رؤساء الكهنة وقادة الشعب على رجم السيد المسيح كما رجموا فيما بعد استفانوس، لأنهم يعلمون مدى محبة الشعب له وتعلقهم به -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- حتى أنهم خافوا أن يقبضوا عليه في فترة عيدي الفصح والفطير لئلا يحدث شغب في الشعب، واستقر رأيهم على القبض عليه والخلاص منه بعد مرور فترة الأعياد، ولولا تقدم يهوذا بعرضه لهم على أنه سيسلمه لهم في هدوء وخلو من الجمع بدون أي شوشرة لما تجرأوا بالقبض عليه وصلبه في فترة العيد.
ب - من شدة حنق القيادات الدينية على يسوع أرادوا أن يلحقوا به اللعنة " لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللَّه" (تث 21: 23) وبتعبير بولس الرسول: "لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَة" (غل 3: 13)، فيكون مرذولًا من الشعب، ولذلك دبروا أمر صلبه عن طريق بيلاطس البنطي فهو الذي له السلطان أن يصلبه، ولكيما يتحمل هو تبعات هذا العمل.
جـ - اختار السيد المسيح الصليب في أشنع مراحله، ففي البداية كانوا يربطون يدي المصلوب ويسمرون قدميه فقط، فكان يستمر نحو أسبوع كامل ينازع الحياة، ويموت من العطش والإنهاك ونهش الطيور الجارحة، ثم بدأوا يسمرون يدي المصلوب وقدميه، فكان يظل مُعلقًا على الصليب نحو ثلاثة أيام قبل أن يموت، وفي كلتا الحالتين السابقتين كانوا يضعون بروزًا في القائمة الرأسية تُدعى "السرج" لكيما يستند عليها المصلوب فتحمل الكثير من ثقل الجسم، أما المرحلة الأخيرة فكان يدي المصلوب تسمران وأيضًا قدميه على صليب بلا سرج، فتضاعفت آلام الصلب أضعافًا مضاعفة، فلكيما يحصل على نسمة حياة كان يشب متحملًا الاحتكاكات بين الجسد والمسامير الغشيمة الثلاثة المُعلّق بها الجسد، فعملية التنفس تمثل مشقة ما بعدها مشقة وعذاب يفوق كل عذاب، وألم لا يُطاق، لأن إنحناء الجسم لأسفل تحت تأثير الجاذبية الأرضية مع ثقل الرأس لا يُمكّن الإنسان من إلتقاط الأنفاس، فتنخفض حركة التنفس من 16 مرة في الدقيقة إلى 4 مرات، مما يؤدي لإرتشاح الماء من الرئة، ويضطر المصلوب إلى جذب جسده للخلف، ومعنى هذا أن يضغط على ساقيه المسمرتين بالمسمار، ويشد يديه المسمرتين أيضًا، فيحتك المسمار بالعصب الأوسط للذراع، ويشب المصلوب قليلًا لكيما يلتقط نفسًا واحدًا على حساب جراحات تتسع وآلام لا توصف، فلا يلتقط النفس الآخر إلاَّ عندما يكون على وشك الاختناق. وعندما صار الملك قسطنطين إمبراطورًا ألغى هذه العقوبة القاسية، لأن الصليب صار بعد أن عُلّق عليه السيد المسيح وسيلة للبركة قائلًا: "لا يصح أن تكون وسيلة النجاة وسيلة للعذاب والموت".
د - لم يختر السيد المسيح الذبح بسيف هيرودس وهو طفل صغير، مع أن هذه الميتة أسهل كثيرًا جدًا من موت الصليب، لأنه كان ما زال طفلًا، وكان أمامه مهام أخرى لا بد أن ينجزها غير مهمة الفداء، فكان للبشرية لا بد أن ترى فيه صورة اللَّه، وتسمع صوت اللَّه، وفعلًا رأت البشرية: "اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ" (مت 11: 5، 6)، وسمعت صوته الحنون فإن كلامه هو " رُوحٌ وَحَيَاةٌ" (يو 6: 63) وقال: "سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَا رَبُّ إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ" (يو 6: 68)، وكان لا بد أن يتلمذ الأثنى عشر الذين بهم سيغزو العالم بالحب الإلهي.
هـ - لم يختر السيد المسيح أن يموت رجمًا بالحجارة " فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ" (يو 8: 59)، " فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ" (يو 10: 31) حتى لا يتحطم جسده بالأحجار، ولم يختر أن يُطرح من على الجبل: "فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لو 4: 29)، ولم يختر الموت تحت وطأة الجلدات القاتلة. إنما اختار السيد المسيح موت الصليب بالتحديد، وذلك لأسباب كثيرة:
1) ليحتفظ بجسده صحيحًا كاملًا، فلو مات بالسيف فإن رأسه ستنفصل عنه، ولو مات حرقًا فإن جسده سيتحوَّل إلى رماد.
2) حتى لا يموت منطرحًا، إنما يموت هو قائم: "وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ" (رؤ 5: 6).
3) ليُقطر دمه قطرة قطرة لأنه هو الذبيحة المقدمة عن خلاص البشرية.
4) لتظل أحضانه مفتوحة وهو على الصليب لكل خاطئ أثيم يرغب في العودة إليه.
5) ليحتمي الإنسان تحت جناحيه: "يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا" (مت 23: 37).
6) ليضم شعبه القديم (اليهود) مع شعبه الجديد من الأمم الوثنية.
7) ليطهّر الهواء الذي تدنس بغبار الذبائح الحيوانية، ويحقق النصرة على رئيس سلطان الهواء، مثلما طهر من قبل الماء بالمعمودية، والقفر بنصرته على جبل التجربة.
8) ليكون في مركز وسط بين السماء والأرض، فيصالح اللَّه مع الإنسان، والسمائيين مع الأرضيين.
9) حتى لا يظن أحد أنه اختار ميتة سهلة يستطيع أن يقوم منها، أما موت الصليب فلا يقدر أن يقوم منه.
10) حتى يشهد الربوات موته فلا يُوجد مجال في الشك في موته ولا في قيامته.
11) ليحمل اللعنة نيابة عن الإنسان لأن المصلوب ملعون من اللَّه (تث 21: 23، غل 3: 13).
12) فقد الإنسان الفردوس عن طريق الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وعن طريق شجرة الصليب عاد الإنسان ليس إلى الفردوس المفقود بل بلغ ملكوت السَّمَوات.
(راجع تجسد الكلمة ف 25 ترجمة د. جوزيف موريس فلتس ص70 - 73).
4- هل اقتسم الجنود جميع الثياب بينهم عن طريق القرعة، أم أنهم اقتسموا ثيابه وضربوا القرعة على القميص فقط؟ وهل كانت ثيابه ثمينة لدرجة أن يقتسموها بينهم..؟ جرى العُرف على أن الجنود الأربعة الذين يقومون بعملية الصلب يقتسمون ثياب المصلوب بينهم كأجرة رخيصة لهم، وإذ كان الجو باردًا كان يسوع يرتدي الملابس الداخلية وثوب يدثر الجسم كله، وقميص منسوج بدون خياطة، وما يوضع على الرأس والكتفين، فاقتسم الجنود ثياب يسوع، وكان كل منهم يطمع في أن يحوز ذاك القميص المنسوج بدون خياطة، فاتفقوا على إلقاء قرعة عليه لمن يكون من الجنود الذين قبلوا بالقرعة، ووقعت القرعة على أحد الجنود فأخذه فرحًا به، ومن قبيل اختصار الأحداث قال كل من متى ومرقس: "وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْترِعِينَ عَلَيْهَا" (مت 27: 35، مر 15: 24) وأيضًا قال لوقا: "وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا" (لو 23: 34). وعندما كتب يوحنا إنجيله مع نهاية القرن الأول، وكانت الأناجيل الإزائية تحت يده أراد توضيح الأمر أكثر، فقال: "ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ" (يو 19: 23، 24) فأوضح القديس يوحنا أن تقسيم الثياب كان على خطوتين، الأولى أخذوا ثياب المسيح وجعلوها أربعة أقسام لكل جندي قسم، والخطوة الثانية أنهم اقترعوا على القميص الثمين، ويبدو أن إحدى السيدات الثريات أهدته إياه، وما ذكره القديس يوحنا في خطوتين ذكرته الأناجيل الإزائية في عبارة وجيزة.
5- هل عبارة " لِكَيْ يَتمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً" (مت 27: 35) ليست من متن النص، ولذلك حذفتها الترجمات الكاثوليكية والعربية المشتركة وكتاب الحياة..؟ هذه العبارة التي جاءت في إنجيل القديس متى لم ترد في بعض المخطوطات القديمة، ولذلك من أمانة "دكتور كرنيليوس فانديك" الذي قام بالترجمة البيروتية أنه وضعها بين قوسين، وأشار في مقدمة ترجمته أن العبارات التي وُضعت بين قوسين لم توجد في بعض المخطوطات، وقد ذكرها لأنها تعتبر تحقيق لنبؤة داود النبي: "يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ" (مز 22: 18)، ومن المؤكد أن داود النبي لم يحدث معه هذا، إنما هذه نبؤة عن ابن داود، والقديس متى الذي ربط بين العهدين، وأكثر من ذكر نبؤات أنبياء العهد القديم عن السيد المسيح، لا بد أنه ذكر هذه النبؤة ولم تفت عليه، فجاء ذكرها في بعض المخطوطات كما أن القديس يوحنا قد أوردها قائلًا: "لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً" (يو 19: 24). أما الترجمات التي حذفت هذه العبارة فكان هذا نوع من الحيطة والحذر الزائد، عالمين أن حذفها لن يخفي معناها الذي ذكره القديس يوحنا.
6- هل عنوان علته كان " هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ"، أم " مَلِكُ الْيَهُودِ"، أم "هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ"، أم " يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ"، وهل كُتب عنوان علته باللغات اليونانية والرومانية والعبرانية، أم بالعبرانية واليونانية واللاتينية..؟ عنوان علته أي سبب الحكم عليه، وكانوا يعلقونها في رقبة المحكوم عليه بالصلب أو يحملها أحد الجنود ويتقدم موكب المصلوب، وعند صلبه كانوا يثبتونها على صليبه. وقال القديس متى: "وَجَعَلُوا فَوْقَ رَأْسِهِ عِلَّتَهُ مَكْتُوبَةً هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ" (مت 27: 37)، وأخذ القديس مرقس الجزء الأخير من هذه العبارة فقال: "وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوبًا مَلِكُ الْيَهُودِ" (مر 15: 26)، ولم ينفي القديس مرقس الجزء الأول من العبارة: "هذَا هُوَ يَسُوعُ" لأنه رآها تحصيل حاصل، فهو يتحدث عن المصلوب الذي هو يسوع. وقال القديس لوقا: "وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ بِأَحْرُفٍ يُونَانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ" (لو 23: 38)، وقال القديس يوحنا: "وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ... وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَالّلاَتِينِيَّةِ" (يو 19: 19، 20). إذًا نحن أمام ثلاث عبارات:
1- "هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ" بتعبير القديس متى (أو ملك اليهود بتعبير القديس مرقس).
2- "هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ" بتعبير القديس لوقا.
3- " يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ" بتعبير يوحنا الإنجيلي.
وكل البشيرين لوقا ويوحنا أوضح أن العنوان كُتب بثلاث لغات. إذًا كل عبارة كُتبت بلغة من اللغات الثلاث. واللغة الرومانية التي ذكرها القديس لوقا هيَ اللغة اللاتينية التي ذكرها القديس يوحنا، فاللاتينية هيَ لغة روما، هيَ اللغة الأولى للرومان.
وإن كانت هناك تساؤلات لأحد لها تُشكّك في قصة صلب المسيح وموته وقيامته، لكن من يقرأ الإنجيل بأمانة يُدرك مصداقية القصة التي أوردتها الأناجيل بهذه الصورة البسيطة الموضوعية، فلم يترك الإنجيليون العاطفة تجتاحهم ولم يطلق أحدهم العنان للوصف الدرامي لهذه المأساة العظيمة، ولم يستخدم أحدهم الأسلوب الصحفي المثير، ولم يسهب أحدهم في شرح أعماق آلام المسيح وتأوهاته، إنما اكتفوا بكلمات بسيطة تُعبر عن عمق الحقيقة مثل كلمة: "فصلبوه".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/442.html
تقصير الرابط:
tak.la/a27zty4