س428: كيف ينام التلاميذ في هذا الموقف العصيب، حتى أن السيد المسيح يوقظهم أكثر من مرة (مت 26: 40، 43، 45)؟ هل كانوا سكارى؟ وكيف يصف متى مشهد المسيح في البستان، وهو كان بعيدًا عن المشهد وأصدقاؤه القريبون كانوا نائمين؟ وهل طلب السيد المسيح من تلاميذه النوم والاستراحة " نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا" (مت 26: 45، مر 14: 41)، أم طلب منهم أن يقفوا للصلاة " قُومُوا وَصَلُّوا" (لو 22: 46)، أم طلب منهم مغادرة المكان " قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا" (يو 14: 31)؟ وهل جسد المسيح كان ضعيفًا كشيخ طاعن في السن حتى أنه قال: "أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ" (مت 26: 41)؟ وما الداعي أن يكرّر السيد المسيح صلاته ثلاث مرات مع أنه سبق وقال: "وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ" (مت 6: 7)؟ وهل إغفال يوحنا صلاة المسيح في البستان مع أنه كان أحد الثلاثة الذين اصطحبهم يسوع إلى مكان الصلاة، يُكذّب حدوث هذا الحدث؟
يقول "أحمد ديدات": "لماذا كانت الظروف المحزنة تسلم الحواريين إلى النوم؟ هل كان تكوينهم النفسي مختلفًا عن التكوين النفسي لإنسان العصر الحديث؟ أن أساتذة علم النفس يؤكدون أنه تحت تأثير الخوف والفزع والحزن، فإن الغدة التي تفرز الأدرينالين وتدفعه إلى مجرى الدم على نحو طبيعي يطارد ويطرد تمامًا النوم. أم أنه كان من المحتمل أن الحواريين كانوا قد أكلوا كثيرًا وشربوا خمورًا فأتخمتهم الأطعمة وأسكرتهم الخمر، خصوصًا أن الطعام والخمر كانا هنا - كما يقل الإنجليز - كل ما في البيت..؟ ومن ثم تكون واحدة بواحدة" (203).
ويقول "الدكتور محمد علي زهران": "ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أمر ذي بال، وهو أنه على فرض صدق كل من مؤلفي متى ومرقس في حضور يوحنا ابن زبدي هذه الصلاة... كان المنتظر من يوحنا لو كان هو مؤلف الإنجيل الرابع أن يتحدث عنها، وفي غيابها عن إنجيله ما يجعل إنجيله محل شك في مواجهة هاتين الروايتين، وكذلك في مواجهة رواية لوقا وهو من غير التلاميذ أيضًا" (204).
(راجع أيضًا علاء أبو بكر - البهريز جـ 3 س349 ص226).
ج: 1- كيف ينام التلاميذ في هذا الموقف العصيب، حتى أن السيد المسيح يوقظهم أكثر من مرة (مت 26: 40، 43، 45)؟ هل كانوا سكارى..؟ لقد واجه التلاميذ كابوسًا مرعبًا، إذ وجدوا معلمهم الذي وضعوا فيه كل رجاؤهم يتحدث عن موته وصلبه، وشكُّهم وإنكار بطرس، وكانوا حتى هذه اللحظة يثقون في قدرته العجيبة وأنه قادر أن ينجيهم من كل شر، فهو الذي نجاهم من البحر الهائج مرتين من قبل، فهل يعصى عليه إسكات أية عاصفة هوجاء تأتي من قبَل المعاندين الأشرار؟!!. وكان رجاؤهم ما زال متعلّقًا بمملكة أرضية يملكون فيها ويتولون المناصب الهامة، حتى أنه منذ ساعات دار بينهم جدال عمن هو الأعظم فيهم. ووسط هذا الخضم من الأفكار المتشابكة أُجهِدوا، بالإضافة إلى أنهم تركوا بيت عنيا في صباح هذا اليوم، وفي العلية كانت الجلسة طويلة، حيث غسل المُعلم أرجلهم، وجرى الحديث بينهم واستمعوا للوصايا النهائية (راجع يوحنا أصحاحات 13 - 16) واستمعوا للصلاة الوداعية (يوحنا ص17)، وأجروا طقوس الفصح، ثم تركوا العلية إلى جبل الزيتون، فكان اليوم طويلًا وشاقًا، فأرادوا أن يهربوا من هذا الواقع المرير، وبدلًا من أن يصلوا حتى لا يسقطوا في تجربة بحسب نصيحة معلمهم تثقلت عيونهم بالنوم، جميع التلاميذ تثقلوا بالنوم باستثناء واحد منهم كان مُمتلئًا نشاطًا وحيوية بحسب الظاهر وهو يسعى في طريق الموت، أنه يهوذا الإسخريوطي... نام التلاميذ مثلما نام يونان قديمًا في جوف السفينة وسط النوء العظيم، والعاصفة الهوجاء التي جاءت تسأل عنه لم يشعر بها، حتى أيقظه رئيس النوتية قائلًا له: "مَا لَكَ نَائِمًا ؟ قُمِ اصْرُخْ إِلَى إِلهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ الإِلهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ" (يون 1: 6)، ونام التلاميذ مثله وجاء رئيس النوتية يوقظهم قائلًا لهم: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَة" (يو 26: 41) وبينما استجاب يونان لم يستجب التلاميذ.
أما عن الأدرينالين الذي تحدث عنه أحمد ديدات، فهو يمثل هرمون تفرزه الغدة الكظرية Adrenal gland التي توجد فوق الكلية، والجهاز العصبي اللإرادي يتحكم في إفراز هذه الهرمون فيفرزه وقت التعرض للخطر مما يزيد من قدرات الجسم الدفاعية والهجومية، وينتهي عمله بعد دقائق، ومن تأثيرات هذا الهرمون أنه ينشط القلب، ويرفع ضغط الدم، وينشط الجهاز العصبي المركزي، ويجعل المخ أكثر إنتباهًا، ويزيد من سرعة وعمق التنفس. ولا يفرز الجسم الأدرينالين في حالة الحزن، وحتى لو أفرزه فإن تأثيره يختفي خلال دقائق قليلة ويعود الجسم إلى الإسترخاء، فالتلاميذ لم يكونوا ذوي تركيب نفسي مختلف (راجع كتاب الهلال الطبي - الغدد والهرمونات - مقالة "الغدد الصماء ووظائفها" للدكتور محمد بهائي السكري ص22 - 24، ودكتور فريز صموئيل - موت المسيح حقيقة أم إفتراء ص39، 40).
لم يتخم التلاميذ بالأطعمة ولا سكروا بالخمر كقول ديدات، فإن التلاميذ الأثنى عشر مع معلمهم أكلوا من خروف الفصح الحولي أي عمره سنة واحدة، وليس بالضرورة أن يأكلوا الخروف كله، ولكن كان الشرط ألاَّ يبقوا منه للصباح لذلك جاءت الوصية: "وَلاَ تُبْقُوا مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَالْبَاقِي مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ تُحْرِقُونَهُ بِالنَّارِ" (خر 12: 10) والخمر الذي شربوا منه كان قدر ضئيل من الخمر الممزوج ثلثه بالماء، وكان الكأس الواحد يشرب منه الجميع. وسبب ثقل التلاميذ بالنوم أنهم أمضوا يومًا مجهدًا، والوقت قارب منتصف الليل، وقد خيم الحزن العظيم عليهم حتى أنهم صمتوا وجفَّ الكلام في حلوقهم، وأيضًا سكون الليل كان يشدهم للنوم.
2- كيف يصف متى مشهد المسيح في البستان، وهو كان بعيدًا عن المشهد وأصدقاؤه القريبون كانوا نائمين..؟ نعم لم يكن القديس متى قريبًا من مشهد السيد المسيح في آلامه في البستان، ولكن كان بالقرب من المسيح تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وبالرغم من أن النعاس فرط سلطانه عليهم بسبب الحزن الذي غشاهم، لكن صوت أناته وصلاته لا بد أنها بلغت مسامعهم، وقد سجلوا من هذه الصلاة عبارات وجيزة بينما صلى نحو ساعة من الزمان بعبارات كثيرة، وبين كل صلاة وأخرى كان يقبل عليهم محاولًا إيقاظهم حتى يتسلَّحوا بروح الصلاة، ولا بد أنهم رأوا آثار جهاده الشديد واللجاجة والدموع التي صاحبت صلواته، لقد فاضت دموعه غزيرة لتغسل الأرض من لعنتها. وليس من المستبعد أن يوحنا الحبيب بعد القيامة سأل السيد المسيح أثناء ظهوراته عن أسرار البستان.
3- هل طلب السيد المسيح من تلاميذه النوم والاستراحة " نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا" (مت 26: 45، مر 14: 41)، أم طلب منهم أن يقفوا للصلاة " قُومُوا وَصَلُّوا" (لو 22: 46)، أم طلب منهم مغادرة المكان " قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا" (يو 14: 31)..؟ قال القديس متى أن السيد المسيح بعد أن صلى للمرة الثالثة: "جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ" (مت 26: 45، 46)، ونفس المعنى نجده في إنجيل مرقس: "1ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا يَكْفِي قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا لِنَذْهَبَ" (مر 14: 41، 42). وعندما قال السيد المسيح " قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا" أو " قُومُوا لِنَذْهَبَ" لم يقصد على الإطلاق الهرب من المكان والإفلات من الصليب، لكن المقصود أن الساعة التي حدَّدها لتسليم نفسه قد جاءت، فكم مرة تشاوروا عليه ليهلكوه ولكنهم فشلوا لأن ساعته لم تأتِ بعد؟!.. تارة عقب شفاء الرجل ذو اليد اليابسة في يوم سبت (مت 12: 9 - 15)، وتارة عقب مَثَل الكرم والكرامين " وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكوهُ خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ" (مت 21: 46)، وقال يوحنا الإنجيلي: "فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَدًا عَلَيْهِ لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ" (يو 7: 30).
وما جاء في إنجيل لوقا: "ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ. فَقَالَ لَهُمْ لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَة" (لو 22: 45، 46)، وهذا يوافق ما ذكره القديس متى بعد الصلاة الأولى للسيد المسيح: "ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا فَقَالَ لِبُطْرُسَ أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَة" (مت 26: 40)، وهذا يطابق أيضًا ما جاء في إنجيل مرقس (مر 14: 37).
وما جاء في إنجيل يوحنا وأورده الناقد لم يكن في بستان جثسيماني، فقد وردت في نهاية الأصحاح الرابع عشر، والتلاميذ مع السيد المسيح ما زالوا في العلية: "وَلكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا" (يو 14: 31). ثم يستكمل السيد المسيح حديثه مع تلاميذه خلال الأصحاحين 15، 16، ثم تأتي الصلاة الوداعية في الأصحاح السابع عشر، وفي بداية الأصحاح الثامن عشر يقول القديس يوحنا: "قَالَ يَسُوعُ هذَا وَخَرَجَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ دَخَلَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ" (يو 18: 1). أما الناقد فخلط بين هذا وذاك، بنية غير سليمة، ليشوّه صورة الإنجيل كتاب الحياة. وحتى لو افترضنا أن يوحنا لم يلتزم بالتسلسل الزمني وأن السيد المسيح قال عبارة " قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا" في البستان، فلا تُوجد ثمة مشكلة، لأن لها ما يقابلها في إنجيل متى " قُومُوا نَنْطَلِقْ" (مت 26: 46)، وما جاء في إنجيل مرقس " قُومُوا لِنَذْهَبَ" (مر 14: 42).
4- هل جسد المسيح كان ضعيفًا كشيخ طاعن في السن حتى أنه قال: "أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ" (مت 26: 41)..؟ قال السيد المسيح لتلاميذه: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ " (مت 26: 41)، وقد علمنا مُخلصنا الصالح أن نصلي دائمًا " وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَة" (مت 6: 13)، ومتى دخلنا في التجربة فليس لنا ملجأ سوى الصلاة، وقد اقتربت التجربة من التلاميذ وصارت على الأبواب، فهوذا معلمهم سيؤخذ منهم، ولن يجدوا إلاَّ الشكوك تضرب أذهانهم، فما أخطرها من تجربة فاقت تجربة هياج البحر عليهم عندما كاد يبتلعهم. وبالرغم من أن السيد المسيح كان يجوز في الآلام التكفيرية التي تفوق الوصف إلاَّ أنه كان منشغلًا بتلاميذه لأن الشيطان طلب أن يغربلهم، فقال لبطرس: "مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟!!" ولماذا وجه السيد المسيح كلامه لبطرس الرسول بالذات..؟ ليس لأنه رئيس التلاميذ كما يزعم البعض، ولكن لأن بطرس منذ ساعات قليلة كان قد أعلن استعداده أنه مستعد أن يموت عن مسيحه ولا ينكره. ويقول "الأب متى المسكين": "كان الوقت متأخرًا في الليل ربما قارب الإنتصاف، وبعد العشاء والحديث الحزين، عزَّ السهر على التلاميذ. ولكن الوقت حرج والمعلم طلب السهر وطلب الصلاة، فالأمر بالنسبة للمسيح كان قد بلغ الذروة... وسبق المسيح ونبه أن الشيطان طلب ليغربلهم كالحنطة (لو 22: 31).. كان المسيح يحمل همَّ هروبهم بل وساعد عليه إذ جعله شرطًا أساسيًا لتسليم نفسه... ولكن عزَّ على نفسه أن بطرس الذي أكَّد بجهالة أنه مستعد أن يموت لأجله ما قدر أن يسهر معه ساعة واحدة... فالمطلوب يقظة الروح، وهذه كفيلة أن تقاوم وتغلب التجربة. لذلك أردف هنا خاصة ليُفهَم ضرورة السهر الروحي بقول: "أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ "، والمعنى المختبئ هنا جديد وعظيم، إذ هو أن الذي صمَّم أن يسهر بالروح، هذا لن يغلبه نعاس، لأن النعاس يغلب الجسد الساهر ولكن يستحيل أن يغلب الروح الساهر" (205).
وواضح أن السيد المسيح عندما قال " أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ" (مت 26: 41) لم يقصد جسده كشيخ طاعن في السن، إنما وجه هذه العبارة لتلاميذه، وللبشرية عبر الأجيال. يقول "القديس جيروم": "بينما روحي قوية تقودني للحياة، إذ بجسدي ضعيف يسحبني للموت" (206). فالجسد يخور في الطريق من أثر الألم والتعب أما الروح القوي فإنه يحمل الجسد الضعيف. والسيد المسيح في قوله هذا كأنه كان يلتمس العذر لهم في نومهم. ويقول "متى هنري": "والتمس لهم العذر في ذلك برقة وعطف " أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ " أننا لا نقرأ كلمة واحدة قالوها عن أنفسهم، فإن الإحساس بضعفهم ألجم ألسنتهم. لكنه في ذلك الوقت قال كلمة رقيقة عنهم لأنه دوامًا يدافع عن أولاده. وفي هذا يقدم لنا مثالًا للمحبة التي تستر كثرة من الخطايا. لقد فكر في تكوينهم، ولم يوبخهم لأنه ذكر أنهم ليسوا إلاَّ بشرًا (مز 78: 38، 39)، وذكر أن الروح نشيط وأن الجسد ضعيف.
(ملاحظات) (1) طالما كان تلاميذ المسيح هنا في هذا العالم فإن لهم أجسادًا كما أن لهم أرواحًا. والأجساد مصدر الفساد وأما الأرواح فتستقر فيها النعمة...
(2) ومما يضايق تلاميذ المسيح ويثقل كاهلهم أن أجسادهم لا يمكن أن تتفق مع أرواحهم في أعمال التقوى والقداسة، بل كثيرًا ما عطلتها وعرقلت مساعيها. وكلما تحرَّرت الروح وتوثَّبت لفعل الخير عاكسها الجسد. وهذا ما شكا منه بولس الرسول (رو 7: 25).
(3) لكن مما يعزينا أن ربنا يتعطف علينا فيذكر هذا، ويقبل رغبة الروح، ويرثي لضعف الجسد" (207).
5- ما الداعي أن يكرّر السيد المسيح صلاته ثلاث مرات مع أنه سبق وقال: "وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ" (مت 6: 7)..؟ عندما تحدث السيد المسيح في الموعظة على الجبل قال: "فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ" (مت 6: 7)، وعندما وبخ الكتبة والفريسيين قال لهم: "ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ" (مت 23: 14)، وليس العيب في تكرار الصلاة لكن العيب في تكرار الصلاة بلا وعي وبلا مشاعر حب، فهو الذي أوصى: "وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُم" (لو 18: 1) وقال بولس الرسول: "صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ" (1 تس 5: 17)، وحنة أم صموئيل: "أَكْثَرَتِ الصَّلاَةَ أَمَامَ الرَّبِّ" (1 صم 1: 12) وقال داود النبي: "سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ" (مز 119: 164)، ولم تكف المرأة الكنعانية عن تكرار الطلب واللجاجة (مت 15: 22 - 28) وهكذا بارتيماوس بن تيماوس (مر 10: 47 - 52) وقال السيد المسيح: "أَفَلاَ يُنْصِفُ اللَّهُ مُخْتَارِيهِ الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ" (لو 18: 7). وهنا نلتقي بمخلصنا الصالح يُصلي ثلاث مرات قائلًا نفس الكلام عينه، ولكن بمشاعر مُفعمة بالحب " وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ" (لو 22: 44)، وكثيرًا ما قضى السيد المسيح ليله في الصلاة، كما كان يذهب إلى الجبل أو موضع خلاء ليصلي في الصباح الباكر. إذًا ليس العيب في تكرار أو إطالة الصلاة ولكن في الصلاة التي بلا مشاعر.
6- هل إغفال يوحنا صلاة المسيح في البستان مع أنه كان أحد الثلاثة الذين اصطحبهم يسوع إلى مكان الصلاة، يُكذّب حدوث هذا الحدث..؟ كتب القديس يوحنا إنجيله مع نهاية القرن الأول الميلادي، وكانت أناجيل متى ومرقس ولوقا قد انتشرت في أرجاء المسكونة، وبلا شك كانت مع القديس يوحنا، ولذلك لم يذكر الكثير مما جاء بهذه الأناجيل، وذكر الكثير مما لم تذكره الأناجيل الأزائية (راجع مدارس النقد - العهد الجديد - مقدمة (1) س79).
_____
(203) ترجمة علي الجوهري - مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والإفتراء ص42.
(204) أوردته دكتورة سارة بنت حامد - التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة ص262.
(205) الإنجيل بحسب القديس متى ص776، 777.
(206) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص538.
(207) تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 2 ص438.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/428.html
تقصير الرابط:
tak.la/8rngp99