س420: ما الفرق بين جسد المسيح الذي وُلِدَ به من العذراء مريم، وبين جسد المسيح في سرّ الإفخارستيا؟ وبين الكنيسة جسد المسيح السري؟
ج: 1- عندما تجسَّد اللَّه الكلمة من العذراء مريم بدون زرع بشر أخذ جسدًا بشريًّا كاملًا من لحمها ودمها وعظامها، وهو ما عبَّر عنه الإنجيل: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو 1: 14) وقال بولس الرسول: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى اللَّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1 تي 3: 16). وفي سرّ الإفخارستيا قدم السيد المسيح جسده ودمه (مت 26: 26) ليكون حاضرًا وسط كنيسته إلى إنقضاء الدهور، ونحن نتناول من الجسد والدم الكريمين واثقين أن هذه الذبيحة غير الدموية هيَ إمتداد لذبيحة الصليب. أما كون الكنيسة هيَ جسد المسيح السري، فهذا بالمفهوم الروحي وليس الحرفي، فقال بولس الرسول: "وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ" (كو 1: 24).
يقول "البابا شنوده الثالث": "ماذا تعني عبارة "جسد المسيح " ؟: عبارة "جسد المسيح " لها ثلاث استخدامات:
1) تعني أولًا جسد المسيح الذي وُلِدَ من القديسة العذراء مريم، والذي صُلب عنا، والذي دُفن وقام (به)، وصعد (به) إلى السماء وجلس عن يمين الآب.
2) تعني جسد المسيح بمعنى الكنيسة كما ورد في (أف 5) فهيَ جسده، وهو الرأس (كو 1: 18، 24).
3) المعنى الثالث يستخدم في سرّ الإفخارستيا، كما قال الرب: "خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي" (مت 26: 26). وكما ذكر القديس بولس الرسول في (1 كو 11: 27، 29).
غير أن البعض يجمع بين هذه الاستخدامات الثلاثة في معنى واحد !. وقد شرحت خطأ هذا الجمع أو الخلط" (131).
فالخبز والخمر اللذان تحولا إلى جسد المسيح ودمه هما امتداد لذبيحة الصليب، فيقول "القمص متياس فريد": "وأعطى تلاميذه قائلًا: "خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي "، فأنه لم يعد خبزًا بل صار جسده الإلهي. نفس الجسد الذي عُلّق على الصليب! يا له من سرّ عظيم إذ يصير الخبز جسد المسيح بصلاة التقديس، أنها أعظم عطية أُعطيت للناس ليصيروا شركاء الطبيعة الإلهيَّة بقوة الروح القدس... وأعطاهم ليشربوا الدم: "الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" أنه نفس الدم الذي سُفك على الصليب" (132).
2- لماذا دُعيت الكنيسة بجسد المسيح..؟ دُعيت الكنيسة جسد المسيح السري:
أ - لأن جميع أعضاء الكنيسة يتناولون من الجسد الواحد، ويشربون من الكأس الواحد: "فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِد" (1 كو 10: 17).
ب - لأن السيد المسيح هو رأس الكنيسة، والكنيسة هيَ جسده: "وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ. الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أف 1: 22، 23).. " لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَد" (أف 5: 23). فالكنيسة هيَ جميع الأعضاء متحدين معًا، ولهم رأس واحد وهو السيد المسيح، وكما أن الجسد به أعضاء كثيرة وجميعها تعمل في أُلفة لصالح الجسد ككل تحت قيادة الرأس، هكذا الكنيسة جميع أعضائها يعملون معًا في شركة وأُلفة لصالح الكنيسة، تحت قيادة السيد المسيح: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا" (1 كو 12: 12).
جـ - دُعيت الكنيسة جسد المسيح، لأن المسيح حال فيها: "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (مت 28: 20)، وعندما اضطهد شاول أعضاء الكنيسة اعتبر السيد المسيح أن هذا اضطهاد شخصي موجه ضده -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- "شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي..؟ أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ" (أع 9: 4، 5). ولذلك قال "القديس أُغسطينوس": "أننا لم نصر مسيحيين فقط بل صرنا مسيحًا" والكنيسة في شهادتها وكرازتها تظهر صورة المسيح وتنشر ملكوته.
3- هناك فرق بين جسد المسيح الذي وُلِدَ به من العذراء مريم، وصُلب ودُفن وقام به، وصعد به إلى السماء، وبه يأتي في مجيئه الثاني المملوء مجدًا، وبين الكنيسة جسد المسيح، فيقول "البابا شنوده الثالث":
" أ- جسد المسيح المولود من العذراء هو جسد حقيقي، بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن الكنيسة تعتبر جسد المسيح بمعنى روحي وليس حرفيًا. وبين هذين الاستعمالين لعبارة (جسد المسيح) خلافات كثيرة سوف نذكرها، فلا يجوز الخلط بينهما.
ب - جسد المسيح قد وُلِدَ من القديسة العذراء مريم، بينما جسد المسيح بمعنى الكنيسة يعني جماعة المؤمنين. فهل يُعقَل أن يُقال أن ملايين المؤمنين الذين عاشوا في أجيال عديدة متوالية، أنهم قد وُلِدوا هم أيضًا من العذراء مريم.
جـ - جسد المسيح الذي هو العذراء، هو الذي نتناوله من على المذبح حسب قول الرب "هذَا هُوَ جَسَدِي" (مت 26: 26). وهذا لا ينطبق على جسد المسيح بمعنى الكنيسة، لأننا لا نتناول الكنيسة.
د - جسد المسيح المولود من العذراء نسجد له في سرّ الإفخارستيا قائلين "نسجد لجسدك المقدَّس يا رب"، ولكننا لا نسجد للكنيسة، فنحن الكنيسة.
هـ - جسد المسيح على الصليب هو الذي فدانا. فإن كانت الكنيسة هيَ أيضًا جسد المسيح بنفس المعنى، فهل ننسب إليها فداء البشر؟!
و - جسد المسيح يتحد باللاهوت اتحادًا دائمًا لم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين. فهل الكنيسة متحدة هكذا باللاهوت بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير، لا تنفصل عنه لحظة واحدة ؟!.
ز - جسد المسيح المولود من العذراء هو جسد كامل. بينما جسده بمعنى الكنيسة لم يتكامل حتى الآن، بل سينضم إليها أعضاء آخرون لم يولدوا بعد، وآخرون من غير المؤمنين سوف ينضمون إلى الإيمان، وبالتالي إلى جسد الكنيسة.
ح - جسد المسيح بمعنى الكنيسة يعني مؤمنين على درجات وأنواع، بعضهم يحيا بالبر، وبعضهم ما زال يجاهد ليصل، ويسقط ويقوم، ولم يتكلَّل بعد. بينما جسد المسيح المولود من العذراء هو جسد قدوس وممجد، ويساعدنا في جهادنا.
ط - ولو كانت الكنيسة هيَ جسد المسيح الذي على المذبح، والذي عن يمين الآب في السماء لقادنا هذا الفكر إلى بدعة (وحدة الوجود) التي وقع فيها كثيرون من الفلاسفة المبتدعين.
ى - لم يقل أحد من الآباء أن المسيح هو الكنيسة، بل قال الكتاب أنه هو رأس الكنيسة (أف 5: 23). أما الكنيسة فهيَ الجسد شاملة لأعضاء كثيرين هم جماعة المؤمنين.
ك - إن الخلط بين جسد المسيح المولود من العذراء، وجسد المسيح الذي هو الكنيسة، يقود إلى اعتبار أن الكنيسة هيَ امتداد للتجسد الإلهي" (133).
_____
(131) جسد المسيح والجسد السري ص7، 8.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/420.html
تقصير الرابط:
tak.la/69cz4ca