س421: هل في الإفخارستيا نأكل ناسوت المسيح فقط، أم لاهوته فقط، أم الاثنين معًا (مت 26: 26)؟ وهل اللاهوت يُؤكل؟ هل صرنا من آكلة لحوم البشر؟ وماذا عن النباتيين الذي لا يأكلون اللحم؟ وهل ينمو الإله داخل بطن الإنسان فيصير الإنسان أكبر من إلهه؟ وهل من يأكل لحم الإله ويشرب دمه يصير إلهًا أو على الأقل متحدًا بالإله؟ وهل الخبز والخمر يتحوَّلان إلى فضلات مسيرها المجاري؟ ولماذا ارتضى هذا الإله هذه الصورة المهينة؟
ملاحظة: تناول بعض النُقَّاد هذا السرّ العظيم بسخرية شديدة مثل الشيخ الطنيخي قديمًا. وعلاء أبو بكر حديثًا، حتى أن الكثير من العبارات التي سجلها علاء يعفُّ أي قلم شريف مهذَّب عن ذكرها.
ج: 1- كلمة "اللاهوت" تتكون من مقطعين (اللَّه + أوت) ومعنى "أوت" أي طبيعة، فاللاهوت أي طبيعة اللَّه أو الطبيعة الإلهيَّة، واللَّه روح (يو 4: 24) بسيط لا تركيب فيه لا ينقسم ولا يتجزأ، مالئ كل زمان ومكان ولا يخلو منه مكان، أزلي ليس له بداية، أبدي ليس له نهاية، أي سرمدي (الدائم)، لا يتغير لأنه كمال مُطلَّق (راجع كتابنا: أسئلة حول التثليث). وبهذا المعنى مَنْ يستطيع أن يقول أن اللاهوت يُؤكل ويُشرَب... اللاهوت لا يُؤكل ولا يُشرَب ولا يتغيَّر ولا يضمحل.
وهل معنى ذلك أننا نتناول ناسوتًا مجردًا من اللاهوت, كيف هذا، وفي كل مرة تُقدَم الأسرار المقدَّسة يصرخ الكاهن: "أُؤمن أُؤمن أُؤمن... أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين". إذًا نحن نتناول في سرّ الأسرار جسد الرب ودمه كاملًا، ناسوتًا مُتحدًا باللاهوت، دون أن نأكل اللاهوت -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وكمثال يقرب لنا هذه الحقيقة عندما أَكل قطعة ساخنة من الخبز، فهذا الخبز يحمل طبيعة النار، وأنا آكل الخبز الساخن ولكن لا آكل النار، لأن النار لا تُؤكل، وإلهنا نار آكلة، فعندما نتناول من الجسد الحي والدم الذي يُعطى لمغفرة الخطايا، فأنه يطهرنا من كل خطية، ويحرق آثامنا مع كافة الأشواك الخانقة لنفوسنا، ويمنحنا ثباتًا في المسيح، ويهيئنا للحياة الأبدية... أنه سرّ يفوق الإدراك والعقول.
ويقول "القديس كيرلس الكبير" في رسالته الرابعة إلى نسطور: "نحن لا نستهلك اللاهوت (كما يقول الحمقى) بل نأكل جسد الكلمة الخاص المحيي (واهب الحياة) " (من جروب رابطة حماة الإيمان نقلًا عن جروب العقيدة الأرثوذكسية - أسقفية الشباب).
ويقول "البابا شنوده الثالث": "طبعًا اللاهوت لا يُؤكل ولا يُشرَب... وتعبير" نأكل الطبيعة الإلهيَّة " و" نشرب اللاهوت " أمر غير مقبول على الإطلاق. وهو غريب على الأذن وعلى الذهن. اللَّه روح (يو 4: 24) ومن غير المعقول أن نقول: نأكل الروح ونشرب الروح!!، والسيد المسيح قال: "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي " (يو 6: 54)، ولم يقل من يأكل لاهوتي ويشرب لاهوتي!!" (134).
2- ليس من حق أي ناقد أن يتناول عقائد ومقدسات أي إنسان بالسخرية والاستخفاف، فإن هذا تدني أخلاقي وإنحدار إلى قاع الرذيلة، فليس لك يا علاء... ليس لك أن تسخر من عقيدتي ومقدساتي، لأنك حتمًا ستندم أشد الندم في وقت لا ينفع فيه الندم عندما تتأكد أن كل ما سخرت منه هو حقيقة، وتدرك أن هذا سرّ عظيم قد وهبه اللَّه للبشرية لمغفرة الخطايا، وهو امتداد لذبيحة الصليب، وكل من لا يؤمن بالمسيح الفادي الذي قدم ذاته ذبيحة حية من أجل خلاص العالم فلن تُغفر خطاياه قط، بل تحدره إلى الهاوية... شتان بينك وبين الكاتب العظيم توفيق الحكيم الذي سأل البابا شنوده الثالث عن معنى الآية: "مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (مت 10: 34) بأسلوب يفيض بالرقة والاحترام والأدب، حتى أن البابا شنوده أشاد بأسلوبه قبل أن يجيبه على سؤاله... بل أقول لك يا علاء لو أنك أدركت ماذا يقول لك القرآن وكبار أئمة المفسرين عن هذا السرّ العظيم الذي جاء ذكره في سورة المائدة، بل أن السورة سُميت بِاسمه، ما كنت تتجرأ قط على السخرية والاستهزاء والاستخفاف بمقدسات غيرك، بل أنك تجهل التاريخ القريب، إذ كيف لم تسمع ولم تقرأ عن مساجلات الشيخ محمد محمد الطنيخي في مجلة الإسلام وَرَدّ القمص سرجيوس عليه في مجلة المنارة، فلو أنك قرأت هذا السجال ما كنت تنحدر إلى هذه الهوة العميقة. وليس لدي رفاهية الوقت لأرد على تلك التراهات، ولكن أحيلك أيها الأخ إلى كتاب رد القمص سرجيوس على الشيخ الطنيخي وآخرون حول سرّ المائدة أو القربان، وأكتفي هنا بعبارات وفقرات قليلة:
" يكفر بالقرآن قبل أن يكفر بالقربان: اسمع أيها الطنيخي أن القربان الذي اتخذت منه وسيلة للضحك والتفكهة قد أفرد له القرآن سورة من أكبر السور هيَ سورة المائدة. وهذا ما جاء فيها " قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ" (المائدة 114، 115).. جاء في تفسير الإمام الأكبر الفخر الرازي جـ 3 ص471... وأما قوله (عيدًا لأوَّلنا وآخرنا) أي نتخذ اليوم الذي تنزل فيه المائدة عيدًا نعظمه نحن ومن يأتي من بعدنا، ونزلت يوم الأحد فاتخذه النصارى عيدًا... قوله (فمن يكفر بعد منكم) أي بعد إنزال المائدة فأني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحد من العالمين. قال ابن عباس يعني مسخهم خنازير وقيل قردة جنسًا من العذاب لا يُعذَب به غيرهم... رُوى أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس صوفًا، ثم قال اللهم أنزل علينا، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عليه السلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين. اللهم أجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة ولا عقوبة.
وقال لهم: ليقم أحسنكم عملًا يكشف عنها ويذكر اسم اللَّه عليها ويأكل منها. فقال شمعون رأس الحواريين أنت أولى بذلك. فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل وقال بِاسم اللَّه خير الرازقين... فقال شمعون: يا روح اللَّه أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة؟ فقال: ليس منهما، ولكنه شيء اخترعه اللَّه بالقدرة العالية.
تفسير الإمام البيضاوي... أن قوله (انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا، أي يكون يوم نزولها عيدًا نعظمه... (لأوَّلنا وآخِرنا) أي عيدًا لمتقدمينا ومناظرينا. روى أنها نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيدًا... (وهكذا تفسير الجلالين جـ 1 ص72، وتفسير الكشاف للزمخشري جـ 1 ص440).
هذه أقوال أئمة المسلمين ومفسري القرآن المعتمدين قد بسطناها أمامك أيها الطنيخي، وها نحن نسألك:
س: ما هذه المائدة التي يُتخذ يوم نزولها عيدًا يُعظّمه الحواريون ومن يأتي بعدهم، وأنت تعلم أن الأعياد عند اليهود والمسيحيين والمسلمين هيَ ذكرى لأكبر الحوادث ذات الأثر الفعَّال في حياة الشعب الذي يُعيّدها؟
س: ما هيَ المائدة التي يعيّد لها النصارى كل يوم أحد، أي يعيّدون لها اثنين وخمسين مرة، بينما الأعياد جميعها عند أصحاب الأديان الثلاثة يعيّدون لها مرة واحدة كل سنة؟ هل هيَ مائدة يضحك منها الطنيخي أم هيَ مائدة يقف الطنيخي ذاهلًا أمام جلالها وعظمتها وأسرارها الفعَّالة؟
س: ما هيَ المائدة التي تكون آية من اللَّه ودليلًا على توحيده تعالى وصحة نبؤة رسوله؟ وهل لمثلك أيها الأستاذ العالِم أن يضحك ويهزأ بآيات اللَّه القاطعة ومعجزاته الفائقة؟
س: ما هيَ المائدة ذات الأغراض الدينية الروحانية؟ وهل يجوز للشيخ العالِم أن يتخذ منها غرضًا للضحك والتفكهه؟
س: ما هيَ المائدة التي يؤدي أكلها إلى ابتهاج الروح بالنعمة، أعني مائدة أكلها لا يؤثر تأثيرًا جسديًا، بل يمنح الروح ابتهاجًا بالنعمة التي ينالها الإنسان بتناول هذا السرّ؟
س: ما هيَ المائدة التي لها قوة لأن تكون دليلًا لأصحاب النظر والاستدلال وأن أسرارها عميقة لا يقف على كنهها إلاَّ أصحاب النظر والاستدلال؟
س: ما هيَ المائدة التي للنفس فيها حصة؟ وما هو السرّ الفعَّال فيها الذي يفعل في الروح والنفس البشرية؟
س: ما هذه المائدة التي من يكفر بها يعذبه اللَّه عذابًا لا يعذبه أحد من العالمين يعني بمسخهم خنازير وقردة، ويجوز أن يعجل عذابهم في الدنيا ويجوز أن يكون مؤخرًا؟ وها أنت قد كفرت أيها الطنيخي بالمائدة إذ هزأت بها، ولم يمسخك اللَّه قردًا ولا خنزيرًا في الدنيا رحمة منه لكي تتوب وإلاَّ كان عذابك مؤجلًا إلى الآخرة كأقوال أئمة دينك.
س: ما هذه المائدة التي لما أراد المسيح الدعاء بشأن نزولها لبس صوفًا، والصوف مشهور بالنقاوة، كأن المائدة هذه تتطلب استعدادًا خاصًا عند الصلاة عليها، وهذا عين ما يفعله القسوس المسيحيون كل يوم أحد حينما يصلون على هذه المائدة، وهذا الاستعداد وهذا الدعاء هو الذي هزأت به يا طنيخي وقلت: (كلمات يقولها القسيس).
س: ما هيَ المائدة التي نزلت ولها فرش من تحتها من غمام وغطاء فوقها من غمام، الأمر الذي لا تدركه إلاَّ إذا ذهبت إلى الكنيسة يوم الأحد، ورأيت بعيني رأسك ما يحوط سرّ المائدة من الوفاء والاحترام تدرك أن هناك سرًّا تعنو له بوجهك وأمامه تخشع؟
س: ما هذه المائدة التي عند نزولها يبكي يسوع المسيح إشفاقًا على الناس الذي كانوا مزمعين أن يأكلوا منها، فخاف عليهم أن يأكلوا منها بدون إستحقاق، فتكون لهم مثلة وعقوبة؟
س: ما هيَ المائدة التي لا يكشف عنها إلاَّ من كان أحسن عملًا، فلم يجد الحواريون بينهم أولى من المسيح يكشفها؟
س: ما هذه المائدة التي لا يكشف عنها ولا يأكل منها إلاَّ بعد أن يذكر اسم اللَّه عليها؟
س: ما هذه المائدة التي لا يقربها أحد إلاَّ بعد أن يعمل ما عمله عيسى الذي قبل أن يكشفها قام وتوضأ وصلى وبكى؟
س: ما هذه المائدة التي لا هيَ من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة. ولكنها شيء اخترعه اللَّه بالقدرة الإلهيَّة؟ والاختراع معناه خلق جديد أو إبداع جديد.."(135).
3- إن كان الناقد لا يصدق أن الخبز والخمر يتحوَّلان إلى جسد ودم، فكيف يصدق أن الحجر الأسود نزل من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن، وإنما سوَّدته خطايا بني آدم. وأن اللَّه يبعث هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به فيشهد على من استلمه بحق؟! وكيف يصدق أن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس اللَّه نورهما، ولو لم يطمس نورهما لأضاءنا بين المشرق والمغرب؟!.. يصدق أن حجر سيكون له عينان ولسان، فيبصر ويتكلم ويتحوَّل إلى كائن حي، ولا يصدق أن الخبز والخمر يتحوَّلان إلى جسد ودم المسيح ؟!!. يقول "القمص سرجيوس": "فعقلك يا شيخ يا طنيخي الذي يصدق هذا كله لا يصدق أن الخبز والخمر يصيران جسد المسيح ودمه بقدرة يسوع المسيح الذي حوَّل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، والذي حوَّل الطين الذي وضعه في عيني الأكمة إلى مقلتين بعينين وشبكتين من أدق الخلق الإلهي، والذي حوَّل الطين طير ونفخ فيه فصار طيرًا كما جاء في القرآن. وأيهما أقرب للتصديق في التحوُّل؟!، الحجر أم الخبز؟!.. أن الحجر بحسب الفعل والطبع لا يتحوَّل إلى لحم ودم إذا أكله الإنسان... أما الخبز والخمر فأنهما يتحوَّلان فينا إلى لحم ودم كل يوم طبيعيًا بدون معجزة" (136).
وكيف يصدق الناقد أن
محمدًا عندما أخذ كفًا من الحصى سبحن في يده؟!، وأن محمدًا لما مرض أتاه جبريل بطبق
من رمان وعنب، فسبح ذلك العنب والرمان؟!، وأنهم عندما صنعوا منبرًا في المسجد ليخطب
محمد من عليه، صاح جذع النخلة الذي كان يستند النبي عليه من قبل، بل صاحت النخلة
حتى كادت تنشق، فاحتضنها الرسول فجعلت تئن أنين الصبي الذي يبكي حتى استقرت؟!، وأن
علي ابن أبي طالب عندما كان مع النبي في مكة فما استقبله حجر ولا شجر إلاَّ ويقول
السلام عليك يا رسول اللَّه؟!، وأن الأعرابي عندما طلب من الرسول آية، نادى الرسول
على شجرة فجاءت تخدَّ الأرض خدًّا وشهدت بنبوة الرسول؟!. ويقول "القمص سرجيوس":
"فإذا كان الحصى، والرمان والعنب، يتحوَّل إلى بشر أو ملائكة تسبح اللَّه بلسان
فصيح وعقل رجيح. وجذع نخلة مائت ينقلب بشر يصيح ويئن أنين الصبي حتى يستحق شفقة
محمد وعطفه عليه، فيضمه إلى صدره ويبكي ويتأثر من سماع الذكر. وجبال وأشجار تنقلب
بشرًا ويصير لها عقل ونظر ولسان حتى إذا لمحت محمدًا أقرائته السلام قائلة: السلام
عليك
يا رسول اللَّه... وشجرة يصير لها أذنان ورجلان وقوة للسير تخدَّ الأرض فتشهد بعقل
ولسان وفم وفهم بالنبؤة لمحمد... فالقوة الإلهيَّة الظاهرة التي تستطيع ولا يمتنع
عليها أن تجري كل هذا التحوُّل، تستطيع أيضًا أن تجعل الخبز والخمر جسد المسيح ودمه"
(137).
_____
(134) اللاهوت المقارن (2) حول سرّ الإفخارستيا ص34.
(135) رد القمص سرجيوس على الشيخ الطنيخي وآخرين حول سرّ المائدة أو القربان ص20 - 27.
(136) رد القمص سرجيوس على الشيخ الطنيخي وآخرين حول سرّ المائدة أو القربان ص11.
(137) المرجع السابق ص14، 15.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/421.html
تقصير الرابط:
tak.la/jwna9yz