س417: هل عيد الفصح في السنة التي صُلب فيها السيد المسيح كان يقع يوم الجمعة الذي يبدأ بعد غروب شمس الخميس، وبذلك يكون السيد المسيح أكل الفصح في موعده، أم أن يوم الفصح كان يقع يوم السبت، وبذلك يكون المسيح أكل الفصح قبل موعده بيوم كامل؟
يقول "موريس بوكاي": "ويلاحظ الأب روجي R. P. Roguet نفسه أن عيد الفصح مُعيَن بشكل مختلف بالنسبة إلى عشاء المسيح الأخير مع الحواريين في الأناجيل الثلاثة المتوافقة وفي الإنجيل الرابع. فيوحنا يقول بوقوع هذا العشاء " قبل عيد الفصح ". أما الأناجيل الأخرى فتقول أنه حدث في أثناء عيد الفصح نفسه. ويؤدي هذا التضارب فضلًا عن ذلك إلى أمور واضحة في عدم معقوليتها... وعندما ندرك أهمية عيد الفصح في الطقوس اليهودية والأهمية التي اكتسبها هذا العشاء الذي ودَّع فيه المسيح حوارييه، فكيف يمكن تصوُّر أن التراث الذي نقله المبشرون فيما بعد قد نسى زمن هذا العشاء بالنسبة إلى عيد الفصح"(112).
ج: موضوع أكل السيد المسيح في موعده أم قبله بيوم أُثير في القرنين الثاني والثالث الميلادي، لأن الكنائس التي كانت مؤلفة من أغلبية يهودية حفظوا الفصح أي عيدوا بقيامة المسيح بعد غروب شمس 14 نيسان، مهما كان موقع هذا اليوم، سواء كان يوم أحد أو يوم آخر. بينما الكنائس التي تضم الأمم كانوا يحفظون الفصح، أي يعيدون عيد القيامة يوم الأحد الأقرب إلى 14 نيسان، وفي مجمع نيقية سنة 325م وضعوا ثلاثة شروط لتحديد عيد القيامة وهيَ:
1) أن يكون عيد القيامة بعد الإنقلاب الربيعي.
2) أن يكون عيد القيامة بعد الفصح اليهودي.
3) أن يكون يوم الأحد التالي للفصح اليهودي.
أما عن موضوع هل أكل السيد المسيح الفصح في موعده أم قبل موعده بيوم، فهناك ثلاثة آراء في هذا:
الرأي الأول: أن عيد الفصح في السنة التي صُلب فيها السيد المسيح كان يقع يوم الجمعة الذي يبدأ بعد غروب شمس الخميس، وبذلك يكون الرب يسوع أكل الفصح في موعده، ومن الأدلة التي اعتمد عليها أصحاب هذا الرأي:
1) قول السيد المسيح لتلاميذه: "تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ" (مت 26: 2) وبما أن السيد المسيح قال هذا بعد غروب شمس الثلاثاء أي بداية يوم الأربعاء، فيكون الفصح يوم الجمعة الذي يبدأ بعد غروب شمس الخميس، وهو الميعاد الذي أكل فيه السيد المسيح الفصح.
2) قول القديس متى: "وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ... فَفَعَلَ التَّلاَمِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ" (مت 26: 17 - 19).. وقال مارمرقس نفس المعنى: "وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ... فَأَعَدَّا الْفِصْحَ" (مر 14: 12 - 16)، وقال القديس لوقا: "وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ. فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلًا اذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا الْفِصْحَ لِنَأْكُلَ... فَانْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا فَأَعَدَّا الْفِصْحَ" (لو 22: 7 - 13)، وقال السيد المسيح: "شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّم" (لو 22: 15).
3) قالوا أن السيد المسيح حافظ على تتميم الناموس، ولذلك لا بد أن يكون قد صنع الفصح في حينه.
وعبَّر عن هذا الرأي "دكتور وليم إدي" قائلًا: "فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ: أي في يوم الخميس الرابع عشر من نيسان... وكانوا يأتون في هذا اليوم بخروف الفصح إلى الهيكل ويذبحونه هناك بين الساعة الثالثة والخامسة بعد الظهر (خر 12: 6، لا 23: 5، لو 22: 7).. وبعد الغروب من نهار ذلك اليوم كان بدء يوم الجمعة، وهو هنا الخامس عشر من نيسان الذي فيه يأكلون الفصح "حسب الوصية" (خر 12: 6 - 8، لا 23: 5).. وأكل المسيح الفصح مع تلاميذه في الوقت الذي إعتاد الإسرائيليون أكله فيه. وهذا يظهر من قول لوقا: "وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ " (لو 22: 7). ومن غيرة المسيح في القيام بكل الشريعة"(113). والذين يأخذون بهذا الرأي يعتقدون أن السيد المسيح استخدم فطيرًا وليس خبزًا مختمرًا في سرّ الإفخارستيا، وهو ما أخذت به الكنيسة الكاثوليكية.
تعليق: اعتبر اليهود أن عيد الفصح وعيد الفطير عيدًا واحدًا، أطلقوا عليه عيد الفطير أو عيد الفصح -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- كقول القديس لوقا: "وَقرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ" (لو 22: 1). والعبارة التي تمسك بها أصحاب هذا الرأي " فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ" لها تفسيرها، فكلمة " أَوَّلِ" في اليونانية "بروتي" Prîth تأتي أحيانًا في اللغة اليونانية بمعنى (قبل) وقد استعملها القديس يوحنا في الأصحاح الأول من بشارته بمعنى "قبل" حين قال "أوتي بروتوس مواين" Oti prîtoj mouhn أي " الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي" (يو 1: 15). وفي لغتنا العربية تأتي " أَوَّلِ" أحيانًا بمعنى (قبل - نحو - أول أمس - قبل أمس) إذًا " فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ" يقصد بها (قبل الفطير) بدليل قول التلاميذ للمخلص: "أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ"، وهذا تأكيد إلى أن الحديث كان في صباح يوم الخميس (راجع القمص دانيال ماهر - الإفخارستيا والصلب ص132، 133).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "يميِّز العهد القديم بين عيد الفصح وعيد الفطير، فكان خروف الفصح يُذبح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول في المساء، ويبدأ عيد الفطير في الخامس عشر لمدة أسبوع، لكن ارتبط العيدان معًا في ذهن اليهود وكأنهما صارا عيدًا واحدًا، لهذا يُستخدم تعبير (عيد الفطير) ليشمل الفصح أيضًا، كما يُطلّق اسم (الفصح) على عيد الفطير أيضًا" (114).
ويقول "دكتور مجدي وهبه": "في لغة الشعب اليهودي المصطلحات (فصح) و(فطير) كانت متبادلة بدون تمييز، وأُستخدمت بدون تفرقة عند الحديث في يوم ذبح خروف الفصح وأيضًا الثمانية أيام العيد. على سبيل المثال: "وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ " (لو 22: 1)، " وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ " (لو 22: 7)، وأيضًا في سفر الأعمال... (أع 12: 3، 4)" (115).
واليوم السابق للفصح كان يُدعى "يوم الإستعداد" وكان يُدعى تجاوزًا أول أيام الفطير، ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": "في اليوم الأول من عيد الفطير: هذا يعني اليوم السابق لهذا العيد لأنهم (اليهود) كانوا معتادين دائمًا على حساب اليوم من المساء، وهذا إشارة إلى اليوم الذي في مساءه يكون الفصح... ولهذا السبب هو (السيد المسيح) أبقى على الاحتفال بعيد الفصح، ليُشير بكل الأمور إلى آخر يوم بأنه لم ينقض الشريعة" (116).
الرأي الثاني: إن يوم الفصح في السنة التي صُلب فيها السيد المسيح كان يقع يوم السبت، وبالتالي يكون السيد المسيح عمل الفصح قبل موعده بيوم واحد، ولهذا استخدم الخبز المختمر وليس الفطير في سرّ الإفخارستيا، وهذا ما أخذت به كنيستنا الأرثوذكسية. وجاء في كتاب "تفسير العهد الجديد": "وجوب الامتناع عن الخبز المُختمر لم يبدأ بالحقيقة إلاَّ عند العشاء الفصحي في اليوم الخامس عشر من نيسان، ولكن اليهود خوفًا من مخالفة الشريعة كانوا يرفعون جميع الخمير من بيوتهم قبل ذلك بيوم أي في 14 من الشهر، وعلى ذلك كان العيد ثمانية أيام (انظر يوسيفوس قديمات 2: 15: 1)" (117).
ومن الأدلة التي تؤيد هذا الرأي:
1) عندما يذكر يوحنا استضافة سمعان الأبرص للمسيح وسكب مريم للطيب قال: "ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا" (يو 12: 1) وكان هذا اليوم يوافق يوم السبت، بدليل قوله أنه في الغد دخل أورشليم (يو 12: 12). إذًا عيد الفصح يقع بعد ستة أيام، أي يوم السبت، لأن المدة الفاصلة بين يوم الوليمة ويوم الفصح ستة أيام هيَ الأحد، والأثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخمس، والجمعة.
2) عندما ذكر يوحنا الحبيب غسل الأرجل، وهذا حدث أثناء أكل الفصح بعد غروب شمس الخميس أي بداية يوم الجمعة، قال: "أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ... قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا" (يو 13: 1، 4).
3) بعد أكل الفصح وقبل تقديم سرّ الإفخارستيا خرج يهوذا وترك المشهد بعد أن كشف السيد له عن مؤامرته، وبعض التلاميذ: "ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيد" (يو 13: 29)، فلو كان عيد الفصح قد ابتدأ لأغلقت المتاجر أبوابها وتوقف البيع والشراء.
4) بحسب الناموس في حالة الحكم في القضايا التي يُحكم فيها بالموت على أحد كان القرار يُتخذ في اليوم التالي ولكن كون اليهود يتخذون القرار في نفس يوم المحاكمة أي الجمعة فهذا يرجع إلى أن عيد الفصح كان يقع في اليوم التالي وهو يوم السبت.
5) أوضح القديس يوحنا أنه حتى صباح الجمعة عند محاكمة المسيح لم يكن اليهود قد أكلوا الفصح بعد، فقال: "ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ" (يو 18: 28). وفي يوم الجمعة هذا كان يوم الاستعداد، لذلك قال: "وَكانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَة" (يو 19: 14) (راجع أيضًا يو 19: 42)، وفي غروب يوم الجمعة عندما ذكر القديس يوحنا كسر ساقي كل من المصلوبين مع المسيح ليعجلوا بموتهما، قال: "ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ لأَنَّ يَوْمَ ذلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيمًا" (يو 19: 31) وقد رأى كثير من المفسرين أن يوحنا دعى ذلك السبت عظيمًا لأنه كان يوافق عيد الفصح، بينما رأى آخرون مثل القس سمعان كلهون وآخرون أن استخدام كلمة " عَظِيمًا" لوصف يوم السبت لا تدل على أنه كان يناسب يوم الفصح، لأن اليوم الأخير من عيد المظال دُعي عظيمًا، وكل يوم إعتكاف دُعي عظيمًا، فهو يوم سبت عادي كما يشير بهذا يوسيفوس وعلماء اليهود (راجع إتفاق البشيرين ص497).
6) قال مارمرقس عن يوم الجمعة الذي صُلب فيه المسيح أنه يوم الاستعداد أي اليوم السابق لعيد الفصح: "وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ إِذْ كانَ الاسْتِعْدَادُ أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ" (مر 15: 42)، ونفس المعنى نجده عند القديس لوقا: "وَكَانَ يَوْمُ الاسْتِعْدَادِ وَالسَّبْتُ يَلُوحُ" (لو 23: 54).
7) كان بيلاطس معتادًا أن يُطلق لليهود أسيرًا في العيد (مت 27: 15، مر 15: 6، لو 23: 17)، ومن الطبيعي أن يُطلَق هذا الأسير قبل عيد الفصح.
8) لو كان يوم الجمعة هو عيد الفصح:
أ - كيف يشتري رؤساء الكهنة حقل الفخاري (مت 27: 6، 7)؟
ب - كيف يذهب سمعان القيرواني للحقل؟ وكيف يسخرونه لحمل صليب المسيح (مر 15: 21، لو 23: 26).
جـ - كيف تُفتح المتاجر أبوابها ويشتري منها يوسف قماش الكفن (مر 15: 46)؟
9) ذهب رؤساء الكهنة إلى بيلاطس يوم السبت يطلبون منه حراسة القبر فيقول القديس متى: "وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاسْتِعْدَاد" أي يوم السبت التالي ليوم الجمعة (يوم الاستعداد) يوم صلب يسوع المسيح.
10) الكلمة التي استخدمها السيد المسيح " الْخُبْزِ" في اليونانية "أراطوس" وتشير للخبز المختمر، فلو كان الفصح قد بدأ ما كنت تجد هناك خبزًا. إذًا السيد المسيح صنع الفصح قبل ميعاده بيوم، وذُبح على الصليب يوم الجمعة وظل مُعلقًا على الصليب إلى الوقت الذي ذُبحت فيه حملان الفصح.
11) حلَّ الروح القدس على التلاميذ في عيد الحصاد أو عيد الخمسين، وكان يوافق يوم الأحد، وحيث أن عيد الفصح يسبق عيد الحصاد بخمسين يومًا، أي سبعة أسابيع ويوم. إذًا عيد الفصح كان يقع يوم السبت.
12) جاء في "التلمود" طبعة أمستردام 1640م ص43: "وفي ليلة الفصح علَّقوا يسوع الناصري... لم يجدوا من يُدافع عنه، فعلَّقوه ليموت ليلة عيد الفصح" (118).
ويقول "القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس": "تعلَّم كنيستنا أن المسيح له المجد صنع العشاء الجمعة 14 منه (يوم الاستعداد). لأن اليوم يبتدئ من مساء اليوم الذي قبله. فبدء الجمعة هو مساء الخميس، وبدء السبت الذي كان واقعًا وقتئذ 15 نيسان أي اليوم الأول من عيد الفطير هو مساء الجمعة، وعليه يكون السيد له المجد تمم هذا السرّ بخبز خمير قبل أن يبدأ استعمال الفطير" (أسرار الكنيسة السبعة ط (6) ص94) (119).
ويقول "القمص منقريوس عوض اللَّه": "يشترط في تقدمة الحمل أن يكون خبزًا مختمرًا لا فطيرًا، وهذا على مثال ما صنع رب المجد، لأنه صنع الفصح قبل الفصح اليهودي بأربع وعشرين ساعة" (منارة الأقداس في شرح طقوس الكنيسة القبطية والقداس جـ2 ط 1981م ص93)(120).
كما يؤكد "القمص دانيال ماهر" على أن السيد المسيح قد صنع الفصح قبل ميعاده بيوم، فقال: "إذًا، السيد المسيح صنع الفصح مبكرًا مع تلاميذه، بعد غروب يوم الخميس 13 نيسان، بداية يوم الجمعة 14 نيسان (الذي هو يوم الاستعداد، وكان يُسمى باليوم الأول للفطير مجازًا، وفي يوم الجمعة كان يتم نزع الخمير، وعمل الفطير، وذبح الحملان. في بداية هذا اليوم صنع السيد المسيح الفصح اليهودي (العشاء الأخير) حيث وضع نهايته، وصنع الفصح الجديد (الإفخارستيا) بصورة سرية قبل أن يُقدمه للبشرية بصورة علنية على الصليب، فهذا أظهر للبشرية التطابق التام بينه وبين الحمل الفصحي، فالسيد المسيح هو الفصح الحقيقي: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ " (يو 1: 29)، ولأنه عالِم بأنه سيُصلب في منتصف نهار يوم الجمعة 14 نيسان، هذا اليوم الذي يتم فيه ذبح الحملان، بادر بعمل الفصح مع تلاميذه مُبكرًا، حتى يكون وقت صلبه هو وقت ذبح حملان الفصح اليهودي: "لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ " (1 كو 5: 7، 8). بهذا يكون السيد المسيح قد أكمل العشاء الأخير في الساعات الأولى من يوم الجمعة 14 نيسان. وقدم ذبيحة نفسه على الصليب في الساعات الأخيرة لنفس هذا اليوم. ثم بدأ يوم السبت 15 نيسان أول أيام عيد الفطير، بهذا جاء العشاء السري الأخير أعظم شرح لذبيحة الصليب العلنية. ففي العشاء الأخير دخل السيد المسيح بتلاميذه إلى عمق الصليب، حيث قدم لهم جسده ودمه المبذولين من أجل حياة العالم، حين قدم لهم ذاته ذبيحة حقيقية غير دموية بالخبز والخمر. أي أن رب المجد قدم للكنيسة ذبيحة واحدة هيَ ذبيحة ذاته، قدمها بصورة سرية فائقة في الإفخارستيا، وقدمها بصورة معلنة مُذهلة على الصليب" (121).
وإذا تساؤل أحد: لماذا قدم السيد المسيح العشاء الرباني قبل موته وليس بعد قيامته..؟ فذلك لأنه أراد أن يوضح أن موته موتًا اختياريًا، فهو يكسر جسده بيده قبل أن يُسلَّم للموت، ويُقدم جسده ذبيحة حيَّة من أجل خلاص الإنسان (إش 53: 5)، وهكذا قدم الكأس الذي هو دمه للعهد الجديد ليؤكد أن موته موتًا تطوعيًا وليس إلزاميًا. قدم المسيح لكنيسته متمثلة في الرسل الأطهار جسده ودمه وهو مزمع أن يقدم ذاته ذبيحة من أجل خلاصهم الأبدي.
ويقول "ر. ت. فرانس": "إن يسوع وهو عالِم أنه سيموت قبل الوقت المحدَّد لأكل الفصح، قصد أن يعمل الفصح سرًّا قبل الميعاد بيوم واحد. ويُشير ما جاء في (لو 22: 15 - 16) إلى رغبة يسوع القوية في أن يأكل الفصح مع تلاميذه قبل موته، وأنه كان يدرك أن الوقت قصير. ولا شك أنه كان من الخطأ أكل الفصح في أي وقت بخلاف مساء 14، 15 نيسان، لكن يسوع لم يكن ممن تقيدهم الطقوس في موقف طارئ كهذا" (122).
الرأي الثالث: لأن السبت كان اليوم التالي لعيد الفصح، لذلك انقسم اليهود إلى قسمين، قسم الفريسيين المدقّقين الذين حافظوا على ميعاد الفصح فاحتفلوا بالفصح يوم الجمعة 14 نيسان، وهؤلاء ذبحوا خروف الفصح بعد غروب شمس الخميس، في الوقت الذي أكل فيه السيد المسيح الفصح مع تلاميذه، أما القسم الثاني فهو قسم الصدوقيين ويضم رؤساء الكهنة، فهؤلاء احتفلوا بعيد الفصح يوم السبت 15 نيسان، فذبحوا خروف الفصح مع غروب شمس يوم الجمعة، في الوقت الذي كان فيه السيد المسيح مذبوحًا على الصليب، وهذا رأي بطرس السدمنتي في القرن الثالث عشر (راجع دكتور مجدي وهبه - العشاء الأخير وأحاديث ما بعد العشاء).
ويقول "دكتور مجدي وهبه": "الباحث J. Jeremies يتبنى الرأي القائل أن في سنة صلب المسيح كان عيد الفصح يوم السبت 15 نيسان، وذبح الخروف كان يوم الجمعة 14 نيسان (يوم الصلب). وفي ذلك العام عيَّد الفريسيون بعيد الفصح يوم الجمعة 14 نيسان بينما الصدوقيون (طائفة الكهنوت) عيَّدوا يوم السبت 15 نيسان. وعليه فإن الأناجيل الثلاثة الأول تتفق مع الفريسيين في توقيت عيد الفصح، بينما الإنجيل الرابع مع الصدوقيين. لكن الباحث نفسه يعترف بأنه لا يُوجد دليل تاريخي يثبت أنه في ذلك العام تم التعيَّيد بالفصح في يومين مختلفين ( J. Jeremias Die Abendmahls wort Jesu Gettingen 10, 35 P 22, 23)(123).
_____
(112) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص117.
(113) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ1 شرح بشارة متى ص455.
(114) تفسير إنجيل مرقس ط 1984م ص250.
(115) العشاء الأخير وأحاديث ما بعد العشاء ط 2002م ص29، 30.
(116) أورده القمص دانيال ماهر - الإفخارستيا والصليب ص132.
(117) تفسير العهد الجديد في مجلد واحد - إصدار دار الثقافة المسيحية ص73.
(118) أورده جوش مكدويل - برهان جديد يتطلب قرارًا ص112.
(119) أورده القمص دانيال ماهر - الإفخارستيا والصليب (رسالة دكتوراه) ص175.
(120) أورده القمص دانيال ماهر - الإفخارستيا والصليب (رسالة دكتوراه) ص175.
(121) الإفخارستيا والصليب ص158، 159.
(122) ترجمة أديبة شكري - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل متى ص406.
(123) العشاء الأخير وأحاديث ما بعد العشاء ص38.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/417.html
تقصير الرابط:
tak.la/9mpjb9r