St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

403- ماذا قصد السيد المسيح برجسة الخراب (مت 24: 15)؟ وما هيَ علاقة الشتاء والسبت بالضيق العظيم والهرب (مت 24: 20)؟ وما هو الفرق بين المختارين والمدعوين (مت 24: 22 ، 24)؟

 

س403: ماذا قصد السيد المسيح برجسة الخراب (مت 24: 15)؟ وما هيَ علاقة الشتاء والسبت بالضيق العظيم والهرب (مت 24: 20)؟ وما هو الفرق بين المختارين والمدعوين (مت 24: 22 ، 24)؟

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت
St-Takla.org Image: Olivet Discourse: Jesus foretells of the destruction of the temple: (Matthew 24) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: الحديث على جبل الزيتون: السيد المسيح يتنبأ بخراب الهيكل: (متى 24) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

St-Takla.org Image: Olivet Discourse: Jesus foretells of the destruction of the temple: (Matthew 24) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الحديث على جبل الزيتون: السيد المسيح يتنبأ بخراب الهيكل: (متى 24) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

ج: 1- ماذا قصد السيد المسيح برجسة الخراب..؟ قال السيد المسيح: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ " (مت 24: 15) بالمقصود برجسة الخراب العبادة الوثنية والمقصود بالمكان المقدَّس هيكل اللَّه، فقد دعى الكتاب عبادة الأوثان بالأرجاس: "وَالْمُرْتَفَعَاتُ الَّتِي قُبَالَةَ أُورُشَلِيمَ الَّتِي عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاَكِ الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَثَ رَجَاسَةِ الصِّيدُونِيِّينَ وَلِكَمُوشَ رَجَاسَةِ الْمُوآبِيِّينَ.." (2 مل 23: 13) وقال اللَّه: "فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا قَائِلًا لاَ تَفْعَلُوا أَمْرَ هذَا الرِّجْسِ الَّذِي أَبْغَضْتُهُ" (إر 44: 4). ورجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي جاءت في ثلاث مواضع في سفره:

أ - " وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ" (دا 9: 27).

ب - " وَتَقُومُ مِنْهُ أَذْرُعٌ وَتُنَجِّسُ الْمَقْدِسَ الْحَصِينَ وَتَنْزِعُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ وَتَجْعَلُ الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ" (دا 11: 31).

جـ - " وَمِنْ وَقْتِ إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ" (دا 12: 11).

والأصل العبري لكلمة "رجسة" هيَ "شاكاس" بمعنى بغيض أو مكروه، وهيَ تدل على أشكال العبادات الوثنية المقيتة (راجع قاموس الكتاب المقدَّس)، ومن الملاحظ أنه في المرات الثلاث التي استخدم فيها دانيال كلمة رجس أو أرجاس ربطها بكلمة المخرّب، وقيام العبادة الوثنية في هيكل اللَّه مُرتبطة بالمخرّب والخراب، ونبؤة دانيال عن رجسة الخراب تحقَّقت للمرة الأولى سنة 167ق.م عندما أمر أنطيوخس الرابع (أبيفانيس) ملك سوريا بتقديم ذبيحة من الخنازير على مذبح أورشليم بهدف تدنيسه وتعطيل العبادة اليهودية، كما أقام تمثالًا للإله الأوليمبي "زيوس أولمبيوس" فوق مذبح المحرقة وحوَّل أروقة الهيكل وحجرات الكهنة إلى أماكن للنجاسة والفساد الخلقي (1 مك 1: 54 ، 6: 7 ، 2 مك 6: 2)، فاشتعلت ثورة اليهود ونجح يهوذا المكابي في تطهير الهيكل وصنع عيدًا جديدًا هو عيد التجديد.

وتحقَّقت " رِجْسَةَ الْخَرَابِ" للمرة الثانية عندما أحاطت الجيوش الرومانية بأورشليم ولذلك قال السيد المسيح: "وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ" (لو 21: 20 - 21). وعندما ذكر السيد المسيح حلول " رِجْسَةَ الْخَرَابِ" في المكان المقدَّس، يكون قد أجاب على سؤال التلاميذ: متى يكون هذا؟ ومتى لا يُترَك حجر على حجر إلاَّ ويُنقض؟!.. لقد وضع السيد المسيح أمام أعينهم علامة، وهيَ رجسة الخراب التي تكلم عنها دانيال النبي ليعلموا أن خراب مدينتهم وهدم هيكلهم تنبأ عنه دانيال النبي قبل حدوثه بنحو ستة قرون. وفي سنة 68م أرسل الإمبراطور نيرون القائد فسبسيان مع ابنه تيطس بجيش قوامه ستون ألفًا من الجنود الرومان لقمع ثورات اليهود المشتعلة في فلسطين، فتوجه فسبسيان إلى الجليل وحاصر "يوطاباثا" التي تحصَّن فيها اليهود بقيادة يوسيفوس، وحاصرهم لمدة 47 يومًا حتى انتصر عليهم وقتل أربعين ألفًا من اليهود، وإلتقى بقائدهم يوسيفوس وأُعجب بعلمه وإتقانه للغات، فاتخذه مُترجِمًا له، فصار يوسيفوس مؤرخًا للأحداث كشاهد عيان، واستولى فسبسيان على اليهودية وزحف نحو أورشليم وحاصرها، وعندما بلغه مقتل الإمبراطور نيرون فك الحصار عنها مؤقتًا وأسرع إلى روما حيث تبوأ عرش الإمبراطورية الرومانية (69 - 79م).

وعندما فُكَّ الحصار عن أورشليم أسرع جميع المسيحيين بالهرب من المدينة لأن إنذار المسيح كان أمام أعينهم: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ... فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ. وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا. وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ" (مت 24: 15 - 18). ويُعلق "متى هنري" على هذا قائلًا: "لأن الوقت الذي يصرفه في تحزيم أمتعته يؤخر هروبه... عندما يكون الموت على الأبواب فإن أي تأخير يكون شديد الخطورة. كان هذا ما أُوصي به لوط " لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ " (تك 19: 17).. قال "بياس" الفيلسوف في هروبه وهو خاوي الوفاض "كل ممتلكاتي معي". من كان قلبه عامرًا بالنعمة يحمل كل ممتلكاته معه إن جُرّد من كل شيء"(58). وقال "يوسابيوس القيصري": إن المسيحيين فهموا جيدًا قول السيد المسيح، فهربوا إلى "بللا" Pella ونجوا، بينما أشاع رؤساء الكهنة والفريسيون أن اللَّه يدافع عن أورشليم وهيكله ولذلك انصرف الجنود الرومان عنها، فأسرع اليهود الذين خارج المدينة في الإحتماء بأسوارها وحشروا أنفسهم خلف أسوارها مما ضاعف من حجم المأساة وهم لا يتوقعون مصيرهم التعس.

وجاء في "كتاب الهداية": "فقال يوسيفوس ظهرت غرائب في السماء قبل خراب أورشليم... في الساعة التاسعة مساء سطح نور عظيم جدًا حول المذبح والهيكل كأنه نور الشمس في رابعة النهار وبقى نصف ساعة وانفتح باب دار الهيكل الداخلي الشرقي الذي كان ثقيلًا جدًا لأنه كان من نحاس وكان يلزم لغلقه 20 رجلًا، ففهم من ذلك علماء اليهود أنه علامة الخراب، ورأوا قبل غروب الشمس مركبات وجيوشًا بأسلحتهم يركضون بين الغيوم ولما كان الكهنة مارين ليلًا في دار الهيكل الداخلي في عيد الخمسين شعروا بزلزلة وسمعوا صوتًا كصوت جمع يقول لنذهب من هنا. أما العلامة التي تأثر منها المؤرخ يوسيفوس أكثر من غيرها فهيَ أن فلاحًا آتى قبل الحرب بأربع سنين وقت السلم التام في عيد المظال وكان يصرخ قائلًا صوت من المشرق وصوت من المغرب وصوت من الرياح الأربع، صوت ضد أورشليم والبيت المقدَّس وصوت ضد جميع الشعب، وكان يجول في أنحاء المدينة صارخًا بهذه الكيفية ولم يتيسر تسكيته بالوعد والوعيد ولا باللين والجلد الشديد... وقبل أن أخذت المدينة بقليل دار حول سورها وصرخ بأعلى صوته قائلًا الويل الويل للمدينة والشعب وللقدس والويل لي أيضًا، وحالما نطق بهذه العبارة الأخيرة أصابه حجر من إحدى الآلات الحربية فوقع ميتًا" (59).

فقد عاد الجيش الروماني بقيادة تيطس سنة 70م على رأس جيش قوامه مائة ألف جندي، وحاصر أورشليم وهيَ مقتظة باليهود الذين حشروا أنفسهم داخلها محتمين بأسوارها، إذ كان للمدينة ثلاثة أسوار يعلوها تسعون برجًا، فحاصرها تيطس حصارًا مُرًّا لمدة أربعة أو خمسة أشهر، فانتشرت الفتن والمجاعات والأوبئة والانقسامات بصورة تفوق الوصف، فيقول "يوسيفوس": "إتسعت المجاعة وشملت عددًا هائلًا من البيوت، وكنت ترى حجرات كثيرة تمتلئ بالنساء والأطفال يموتون جوعًا، وحواري وأزقة المدينة تمتلئ بالعجائز والصبية يتضوَّرون في الأسواق كالأشباح باحثين عن كسرة خبز، وعبثًا يحاولون، فيسقطون على الأرض من الإعياء، ويبقون هكذا حتى النفس الأخير. ولم تكن هناك قدرة عند الأحياء أن يدفنوا الأموات، إذ كانوا قد أصابهم الإعياء، وأدركوا أنهم هم الذين سيموتون بدورهم... وقد كان البعض يموتون أثناء دفن الموتى، والبعض ساروا إلى توابيتهم قبل أن تدركهم المنية. وكنت تسير فلا تسمع نواحًا كما جرت العادة أن ينوح الناس على موتاهم، لأن المجاعة طغت على جميع مشاعر الناس، فكان الذين على وشك الموت ينظرون بعيون جامدة وأفواه مفتوحة إلى الذين ماتوا، والصمت يسود الجميع في المدينة... وكان الجميع يموتون وعيونهم متجهة إلى الهيكل" (من كتاب حروب اليهود ليوسيفوس 5 - 12 - 3)(60).

وإذ أراد تيطس أن يحافظ على الهيكل كتحفة معمارية عالية القيمة أرسل يوسيفوس عدة مرات ليتفاوض مع اليهود ليُسلّموا المدينة حتى يحفظ سلامة الهيكل، ولكنهم رفضوا بإصرار، ونجح الجنود الرومان في فتح ثغرة في السور، واستولوا على قلعة أنطونيا، بينما تحصن اليهود بالهيكل مدافعين عنه بشراسة وجنون مما أهاج الجنود الرومان الذين طمعوا أيضًا في ذهب الهيكل، فألقى أحدهم بشعلة داخل باب الهيكل، والرياح العاصفة الهوجاء أشعلت النيران في الهيكل، وأصدر تيطس أمره باطفاء النيران ولكن صوته راح أدراج الرياح، فكان لا بد أن يتم المكتوب، فاشتعل الهيكل بأروقته وارتفعت ألسنة اللهب تُضئ ظلمة الليل في العاشر من أغسطس سنة 70م، وهو التاريخ الذي هدم فيه نبوخذ نصر الهيكل في المرة الأولى في القرن السادس قبل الميلاد...

وعندما رأى تيطس الهيكل العظيم يحترق وفشل في إنقاذه أمر بهدمه، ويصف "يوسيفوس" خراب الهيكل كشاهد عيان -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- فيقول: "لا يمكن أن يتصوَّر أحد أصوات أعلى وأكثر فزعًا مما حدث في كل ناحية أثناء احتراق الهيكل. صيحات الانتصار والفرح الصادرة من الجنود الرومان، تختلط بصيحات عويل الشعب المُحاصر بالنار والسيف فوق الجبل وداخل المدينة، وكان الصدى الواصل من كل الجبال المُحيطة يزيد هذا الزئير الذي يصم الآذان، ومع ذلك فالبؤس نفسه كان أفظع من هذا الاضطراب. كان التل المُقام عليه الهيكل يغلي من السخونة، وبدأ وكأنه ملفوف حتى سفحه بطبقة واحدة من اللهب، كانت الدماء في كميتها أكثر من النار والمذبوحون أكثر عددًا ممن ذبحوهم، ولم تعد الأرض تُرى في أي موضع، إذ كانت مُغطاة بأكوام من جثث القتلى، سار فوقها الجند وهم يتعقبون الهاربين وما لبث الرومان أن ثبَّتوا شعاراتهم (النسور الرومانية) فوق الأنقاض من الجهة المقابلة لبوابة أورشليم الشرقية وقدموا لها القرابين وهتفوا لقائدهم المُظفر تيطس بأعظم تهاليل الفرح، هكذا تمت النبؤة الخاصة برجسة الخراب القائمة في الموضع المقدَّس"(61). ولعظم المأساة رفض تيطس أن يُكلّل نفسه بأكاليل الغار كقائد روماني منتصر، فإن يوسيفوس قد ذكر أرقام فلكية إذ قدَّر عدد القتلى بنحو مليون قتيل، كما أُقتيد سبعة وتسعون ألفًا كأسرى لروما (راجع الأب متى المسكين - الإنجيل بحسب القديس متى ص661).

وبالإضافة إلى تحقُّق رجسة الخراب التي تكلم عنها دانيال بيد أنطيوخس الرابع في القرن الثاني قبل الميلاد، وبيد تيطس في القرن الأول الميلادي، فأنها ستتحقَّق بصورة أقوى في نهاية الأيام عندما يقيم "ضد المسيح" تمثالًا لنفسه ويأمر الجميع بالسجود له: "الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ" (2 تس 2: 4).. " وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ الْوَحْشِ حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ الْوَحْشِ وَيَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُونَ" (رؤ 13: 15).

ويقول "القديس هيلاري أسقف بواتييه": "عن رجسة الخراب التي ستحل بالعالم أيام ضد المسيح: "أعطى اللَّه علامة كاملة عن مجيئه الأخير، إذ يتحدث عن أيام ضد المسيح، يسميها رجسة لأنه يأتي ضد اللَّه ناسبًا كرامة اللَّه لنفسه. إنها رجسة خراب لأنه يُدمر الأرض بالحروب والقتل. يقبله اليهود فيأخذ موقف التقديس وفي الموضع الذي تُقام فيه صلوات القديسين يستقبلون الخائن كمن هو مستحق لكرامة اللَّه"(62).

 

2- ما هيَ علاقة الشتاء والسبت بالضيق العظيم والهرب..؟ في الشتاء يصعب الهرب من مكان إلى آخر بينما الطرق مُوحلة، وفي السبت تكون حركة الإنسان محسوبة عليه فلا يستطيع أن يسافر الإنسان أكثر من "سفر السبت" وهو ما يساوي كيلومتر واحد، ويذكر "سمعان كلهون" أن هروب اليهود عند خراب أورشليم كان وقت الخريف بعيدًا عن الشتاء، وفي يوم الثلاثاء بعيدًا عن يوم السبت (راجع إتفاق البشيرين ص477). لقد جازت أورشليم ضيقة عظيمة لم ترى البشرية مثلها من قبل، ولكن من مراحم اللَّه أيضًا أن حصار المدينة لم يستغرق أكثر من خمسة أشهر، بينما حُوصرت مدينة "صور" تارة خمس سنوات على يد الأشوريين، وتارة ثلاثة عشر سنة على يد البابليين، وهذا ما أشار إليه السيد المسيح في حديثه هذا بقوله: "وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ" (مت 24: 22)، ومن الأسباب التي أدت إلى قصر مدة الحصار ما يلي:

أ - انقسام القيادات اليهودية، فمنهم من أراد أن يسلم المدينة حفاظًا على الهيكل، ومنهم من هو رفض بشدة مُتعلقًا بآمال كاذبة، كما حدث أيام نبوخذنصر وإرميا النبي: "فَقُلْتُ آهِ أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ هُوَذَا الأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ لاَ تَرَوْنَ سَيْفًا وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ جُوعٌ بَلْ سَلاَمًا ثَابِتًا أُعْطِيكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِي بِالْكَذِبِ يَتَنَبَّأُ الأَنْبِيَاءُ بِاسْمِي. لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلاَ أَمَرْتُهُمْ وَلاَ كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِل وَمَكرِ قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ" (إر 14: 13 - 14).

ب - كان الجنود الرومان يقذفون المدينة من الخارج بالنيران المُدمرة.

جـ - تفشي المجاعة مما أدى لانتشار العصابات والسرقة والقتل من أجل الحصول على قوت الحياة.

د - الخيانة حتى أن بعض اليهود سلموا مواقعهم بدون قتال.

هـ - الهجوم السريع من قِبَل الجيش الروماني الذي بلغ مقداره مائة ألف.

و - كان هيرودس أغريباس ينوي تقوية تحصينات أورشليم قبل الحصار ولكنه لم يفعل.

 

3- ما الفرق بين المختارين والمدعوين..؟ عندما قال السيد المسيح: "لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ " (مت 24: 22) كان يقصد أيام حصار وسقوط أورشليم، وفعلًا قصرت فلم تزد عن خمسة أشهر لينجوا المختارين من المسيحيين الذين هربوا إلى الجبال أو الذين بقوا في المدينة، وأيضًا لينجو اليهود المزمعين أن يؤمنوا بالسيد المسيح بعد أن رأوا تحقَّق ما قاله تمامًا، ولو طالت مدة الحصار لمات الجميع بما فيهم المختارين من الجوع والبرد سواء الذين في أورشليم أو الذين هربوا منها. وأيضًا في أحداث الأيام الأخيرة يتدخل اللَّه فيقصر الأيام لأنه: "وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ" (مت 24: 22). أما عندما قال السيد المسيح: "لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" (مت 20: 16) فليس معنى هذا أن اللَّه اختار مجموعة من الناس صيَّرهم أبرارًا فاستحقوا الملكوت، ومجموعة أخرى جعلهم أشرارًا فاستحقوا دينونة جهنم، فإن اللَّه: "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1 تي 2: 4). ولذلك فهو يدعو الجميع لميراث الملكوت، الكل مدعوون، لكن هناك من يحافظون على دعوتهم ويمضوا حياتهم بأمانة ويرضون الرب في تصرفاتهم، فهؤلاء هم المختارون، وهناك من يهملوا أو يرفضوا دعوتهم، ويسلكون في الشر ويستبيحون الآثام فيرفضوا الملكوت بإرادتهم، فهؤلاء من المدعوين لكنهم ليسوا من المختارين، فمثلًا السيد المسيح اختار اثني عشر رسولًا وأغدق عليهم من حبه، ولم يُميِّز بين واحد والآخر، وظل يُتلمّذهم ويُعلّمهم أكثر من ثلاث سنوات، فالاثنا عشر جميعًا كانوا مدعوين للملكوت، لكن يهوذا لم يحافظ على دعوته، بل خان سيده وقتل نفسه وبالتالي فهو ليس من المختارين للملكوت. ويقول "الأب متى المسكين" عن المختارين: "وهم بحسب فكر الكنيسة الذين آمنوا بالمسيح وحفظوا الوديعة إلى النهاية رغمًا عن كل الضيقات والتعاذيب والآلام، وأثبتوا أمانتهم للمسيح وحفظوا النعمة مرفوعة الرأس بسلوكهم وشهادتهم للمسيح والإيمان. أو بمعنى أشمل هم الذين دعاهم المسيح وآزرهم بنعمته فلبُّوا الدعوة وحفظوا الإيمان والأمانة في طاعة الأولاد، ولبسوا حلَّة العرس وحفظوا الآنية مملوءة زيتًا والمصابيح مشتعلة"(63). وعلم اللَّه السابق لا يصادر حرية الإنسان وإرادته، ولذلك قال اللَّه في سفر التثنية: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تث 30: 19).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (58) تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ2 ص332.

 (59) الهداية جـ 2 ص240، 241.

 (60) أورده وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - المجلد الأول ص416.

(61) أورده القمص ميخائيل جريس ميخائيل - مذكرات في تاريخ الكنيسة المسيحية 17 - دمار مدينة أورشليم والهيكل - موقع الأنبا تكلا.

 (62) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص497.

 (63) الإنجيل بحسب القديس متى ص672.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/403.html

تقصير الرابط:
tak.la/td5v954