St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

401- إذا كان السيد المسيح يتحدث عن خراب الهيكل (مت 24: 2)، فما بال التلاميذ يسألونه عن نهاية العالم (مت 24: 3)؟ وما هيَ علامات نهاية العالم وانقضاء الدهر؟

 

س401: إذا كان السيد المسيح يتحدث عن خراب الهيكل (مت 24: 2)، فما بال التلاميذ يسألونه عن نهاية العالم (مت 24: 3)؟ وما هيَ علامات نهاية العالم وإنقضاء الدهر؟

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

ج: إذا كان السيد المسيح يتحدث عن خراب الهيكل (مت 24: 2)، فما بال التلاميذ يسألونه عن نهاية العالم (مت 24: 3)..؟ كان الهيكل مفخرة اليهود جميعًا، والقادمون من الجليل وشتى أنحاء الأرض كانوا ينبهرون بفخامته وعظمته وجماله، وكان بعضهم من الربيين الذين يعتقدون أن الهيكل ضمن سبعة أشياء من أجلها خلق اللَّه العالم كله، واعتقد اليهود أنه في دوام الهيكل دوام للعال، وفي زواله نهاية العالم، وعندما شاهد التلاميذ معلمهم يترك الهيكل غاضبًا حزينًا وهو يقول: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا" (مت 23: 38) صُدِموا وطارت أمام أعينهم علامات استفهام كثيرة: كيف يخرب هذا الهيكل وهو هيكل اللَّه، واللَّه ساكن فيه، وقال عنه السيد المسيح أنه هو الذي يقدّس الذهب؟!.. ومن الذي يتجرأ أن يمد يده على هيكل اللَّه المقدَّس؟!.. وأخذوا يملؤن أعينهم من منظره وعظمته، فقد بُنيَ على حصن صهيون على مساحة متسعة، فكان يسع لآلاف الوافدين العابدين، وما أعظم الأروقة التي أُلحقت به، رواق سليمان بطول نحو 469 مترًا، والرواق الملكي بنحو 276م مُزينًا بمائة وستين عمودًا ضخمًا، وثمانية من أبوابه التسع مطلاة بالفضة أو بالذهب، والتاسع وهو "باب الجميل" مُغطى بالنحاس بشكل بديع.

ويقول "وليم باركلي": "إن الهيكل كان من أروع التحف الفنية في البناء في العالم القديم، فقد أُعدت له هضبة تبلغ مساحتها نحو ألف متر مربع على قمة جبل صهيون. وفي الجانب البعيد منها بُنيَ الهيكل الداخلي نفسه (القدس وقدس الأقداس) من الرخام الأبيض المُغشى بالذهب. وكان يلمع في أشعة الشمس حتى أن العين لا تكاد تقوى على النظر إليه... وكانت منطقة الهيكل مُحاطة بأروقة ضخمة، مثل رواق سليمان، والرواق الملكي، وكانت هذه الأروقة تستند على أعمدة منحوتة، وكل عمود من كتلة واحدة من الرخام، وإرتفاع العمود سبعة وثلاثين ونصف قدمًا، وسُمكه يحتاج إلى ثلاثة رجال حتى يمكن أن يحيطوا بأيديهم. وفي زوايا الهيكل وجدت أحجار زوايا طولها يبلغ من عشرين إلى أربعين قدمًا، ووزن الواحد أكثر من مائة طن... ولعل الكيفية التي قُطعت بها هذه الأحجار ووضعت في مكانها تعتبر سرًّا من أسرار فن العمارة القديم... لذلك لا عجب إذا كان هؤلاء الجليليون الصيادون ينظرون في دهشة وإنبهار إلى هذه الأحجار الهائلة، وتلك الأبنية الرائعة، ويوجهون نظر يسوع إليها"(42).

ومن أجل جمال وروعة الهيكل، عندما تركه السيد المسيح غاضبًا، وقد أفصح عن خرابه، تقدم إليه تلاميذه يرونه أبنية الهيكل الضخمة الفخمة: "انْظُر مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ" (مر 13: 1) لعله يتراجع عن رأيه، ولكنهم صُدموا ثانية بقوله الصارم الحازم القاطع: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ" (مت 24: 2).. هل حان الوقت أن يصرخوا صرخة امرأة فينحاس وهيَ تحتضر عند ولادتها لابنها عندما سمعت أن الفلسطينيين أخذوا تابوت العهد: "فَدَعَتِ الصَّبِيَّ إِيخَابُودَ قَائِلَةً قَدْ زَالَ الْمَجْدُ مِنْ إِسْرَائِيلَ" (1 صم 4: 21).. هل سيتحقق قريبًا قول اللَّه على لسان هوشع النبي: "وَيْلٌ لَهُمْ أَيْضًا مَتَى انْصَرَفْتُ عَنْهُمْ" (هو 9: 12).

ولأن زوال الهيكل قد ارتبط في أذهانهم بزوال العالم وإنقضاء الدهر لذلك: "سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ. قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟" (مر 13: 3 - 4).. " قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟" (مت 24: 3).. لقد طرحوا ثلاثة أسئلة:

أ - متى يكون هذا، أي خراب الهيكل وهدمه حتى لا يبقى حجر على حجر؟

ب - ما هيَ علامة مجيئك؟

جـ - ما هيَ علامة انقضاء الدهر؟

وهنا نجد أن التلاميذ سألوا عن الأزمنة والعلامات، فلم يجبهم السيد المسيح عن الأزمنة، لأنه: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِه" (أع 1: 7) ولكنه أجاب إجابة وافية عن العلامات، ويقول "متى هنري": "سأل التلاميذ عن الأزمنة "مَتَى يَكُونُ هذَا"، أما المسيح فلم يعطِ إجابة عن هذا، لم يقل أن نبواته تتم بعد أيام أو سنوات هذا عددها، لأنه ليس لنا أن نعرف الأزمنة (أع 1: 7). على أنهم وقد سألوه أيضًا: "ما هيَ العلامة" فقد أجابهم عن هذا السؤال إجابة كاملة، لأنه يليق بنا أن نعرف علامات الأزمنة (مت 16: 3).. ومما يُلاحظ أن ما قاله المسيح لتلاميذه هنا قصد به تحذيرهم أكثر مما قصد به إشباع حب الإطلاع فيهم، قُصِد به إعدادهم للحوادث القادمة أكثر مما قُصِد إعطاؤهم فكرة واضحة عن الحوادث نفسها"(43).

وفي إجابة السيد المسيح لم يفرق بين علامات خراب أورشليم وعلامات انتهاء العالم، لأنه نظر إليهما كحدث واحد، يحدث في أورشليم في الزمن القريب بصورة مُصغرة، وفي نهاية الأيام بصورة أعم وأشمل في الزمن البعيد، وفي إجابته أيضًا لم يجب كمؤرخ يلتزم بالترتيب الزمني، بل كنبي يُنبئ بما سيحدث سواء في الزمن القريب أو الزمن البعيد. ويقول "الأب متى المسكين": "أهم ملاحظة ينبغي للقارئ أن ينتبه لها في نبوات آخر الأيام أنها تحمل نوعين من الحوادث الخطيرة، نوع قريب جدًا وهو خراب أورشليم سنة 70م، ونوع آخر هو ظواهر آخر الأيام في نهاية الدهر. ولكن هذه الحوادث تتداخل مع بعضها والسبب في ذلك أن الرؤية الروحية العالية لا يدخل فيها حساب الزمن، فقمة حادثة بعيدة للغاية من جبال الحوادث المتلاحقة في الزمن، تبدو للرائي لشدتها وخطورتها قريبة وملاصقة لقمة حادثة في الزمن القريب. وهكذا دخلت في نبوات المسيح حادثة خراب أورشليم في حوادث آخر الزمان بدون فاصل زمني"(44).

والحقيقة أن الكثير من نبؤات الكتاب المقدَّس تنطبق على حدث قريب كما أنها تنطبق على حدث بعيد. ويقول "هـ. م. ردريس": "وهنا نواجه ظاهرة متكررة في أماكن أخرى من كتابات الأنبياء، وهيَ أن أحداث النجاة أو الدينونة التي ينتظر وقوعها في المستقبل القريب، ترتبط بالنجاة العظيمة والدينونة الأخيرة لكل العالم. وخطوط الرؤيتين تجري معًا وتندمج مع بعضها. وهنا إيضاح نقطة البدء للصورة عن المستقبل هيَ الدينونة التي ستأتي قريبًا على الشعب اليهودي وعلى أورشليم. ومنها تجري وتتطور الأحداث التي ستقع في أجيال كثيرة، حتى تصل إلى ذروتها بطريقة قوية ومؤثرة. ولكننا نشتم من هذه الدينونة القريبة رائحة الدينونة الأخيرة على كل العالم، بل ترتبط الواحدة منهما نفسها بالأخرى في الوصف... وعلى صفحة هذه الحوادث الرهيبة تنعكس صورة الدينونة الأخيرة. عندما تحل رجسة الخراب بالهيكل، وتصير المدينة المقدَّسة مسرحًا لضيقات لا تُوصف، وسكانها تاركين وراءهم كل ما يمتلكون، ويضطرون للهرب إلى الجبال لينجو بحياتهم... نشتم من تلك الكارثة التي تحل بإسرائيل رائحة الدينونة الأخيرة على كل الأرض"(45).

وأيضًا في إجابة السيد المسيح يمكننا أن نفسر تلك الأقوال تفسيرًا حرفيًا أو تفسيرًا روحيًا، فمثلًا المجاعات هيَ مجاعات حقيقية أو مجاعات لخبز الحياة، والعطش عطش حقيقي أو العطش لماء الحياة، والزلازل والبراكين هيَ حقيقية أو هيَ تعبيرات عن الأهواء والشهوات التي تجتاح النفس... إلخ.

 

St-Takla.org Image: Olivet Discourse: Jesus foretells of the destruction of the temple: (Matthew 24) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: الحديث على جبل الزيتون: السيد المسيح يتنبأ بخراب الهيكل: (متى 24) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

St-Takla.org Image: Olivet Discourse: Jesus foretells of the destruction of the temple: (Matthew 24) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الحديث على جبل الزيتون: السيد المسيح يتنبأ بخراب الهيكل: (متى 24) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

2- ما هيَ علامات نهاية العالم وإنقضاء الدهر..؟ عندما سأل التلاميذ السيد المسيح عن علامة مجيئه وعلامة إنقضاء الدهر، تحدث معهم عن معاناة الكنيسة مع البشرية في رحلة هذا العالم وحتى نهاية الأيام في مجيئه الثاني المخوف والمملوء مجدًا:

(1) ظهور أشخاص كذبة يدعي كل منهم أنه المسيح (مت 24: 4 ، 5)، فحذر السيد المسيح كنيسته من مثل هؤلاء المدعين المسيانية الذين يحاولون أن يضلون الشعب، وفعلًا هذا ما حدث منذ القرن الأول الميلادي فذكر سفر الأعمال أسماء بعض منهم (أع 5: 36،37 - 21: 38) وأشار إليهم يوحنا الحبيب (1 يو 2: 18 ، 4: 3 ، 2 يو 7) وكذلك بولس الرسول (رو 6: 17، 2 كو 11: 13، غل 1: 7، كو 2: 18، 2 تس 2: 3 - 10) وأيضًا بطرس الرسول (2 بط: 1 ، 2) وتحدث عنهم المؤرخ اليهودي "يوسيفوس": "ظهر كثيرون مما إدعوا الوحي الإلهي وأضلُّوا كثيرين، وقادوهم إلى البراري، وإدَّعوا أن اللَّه سيعتقهم من نير روما، وأن نبيًا كاذبًا أغرى نحو ثلاثين ألف نفر فخرجوا معه إلى البرية فلاشاهم فيلكس (الوالي) عن آخرهم. وبعد صلب المسيح ظهر سيمون الساحر، وأغرى سكان السامرة بأنه قوة اللَّه العليا، وإدعى أنه ابن اللَّه. كما ظهر دوسيثوس السامري وإدَّعى أنه هو المسيح الذي تنبأ عنه موسى، كما ظهر بعد صلب المسيح بأثنتي عشرة سنة نبي كاذب اسمه ثادوس (تيوداس) أغرى كثيرين أن يأخذوا ثيابهم ويقتفوا أثره إلى نهر الأردن بدعوى أنه سيفلقه ليعبروا منه، وقال يوسيفوس أنه أضل كثيرين، وتم بذلك قول المسيح، ثم ظهر بعد ذلك بسنين قليلة أنبياء كذبة كثيرون في عهد نيرون، وكان لا يمضي يوم بدون أن يقتل الحكام واحدًا منهم" (تاريخ يوسيفوس الكتاب (20) فصل 4 ، 7)"(46). وفي القرن السابع عشر ظهر "سباتي ليفي" مدَّعيًا أنه المسيا، ووجد ترحيبًا كبيرًا من اليهود، ولكن سريعًا ما اكتشفوا كذبه وحماقته فرُفض.

(2) حروب وأخبار حروب وتقوم أمة على أمة ومجاعات وأوبئة وزلازل (مت 24: 6 ، 7) حروب تحدث الآن وأخبار حروب ستنشب، حروب قريبة تقاسون منها وحروب بعيدة تسمعون عنها، ومع هذا فإلهنا الصالح يطمئننا قائلًا: "لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا" (مت 24: 6)، فليس للكنيسة أن تفزع عندما تبصر مأساة أورشليم: "لأَنَّ هذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ" (لو 21: 22). فهذه الحروب تدخل في خطة التدبير الإلهي، كما أن المجاعات والأوبئة مرتبطة بالحروب، فالحروب تُولّد المجاعات، ومع المجاعات تحل الأوبئة والموت، وفي سفر الرؤيا عندما فُتح الختم الثالث ظهر " فَرَسٌ أَسْوَدُ" وهو رمز المجاعات (رؤ 6: 5 ، 6) ومع الختم الرابع ظهر " فَرَسٌ أَخْضَرُ" رمز الموت (رؤ 6: 7، 8)، ولما فتح الختم السادس حدثت " زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ" (رؤ 6: 12).

(3) مُعاناة المؤمنين من الإضطهاد والضيق وبغضة العالم لهم (مت 24: 9).. ستظل المسيحية والإستشهاد صنوان لا يفترقان، وعوضًا أن يقضي الاستشهاد على الكنيسة فأنه يُجدّد شبابها، وحقًا قال "العلامة ترتليان": "دماء الشهداء بذار الإيمان".

(4) العثرة والارتداد والخيانة داخل الكنيسة (مت 24: 10) وهذا الارتداد سيكون بصورة بشعة قال عنه بولس الرسول: "لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلًا وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ.." (2 تس 2: 3 - 4)، وقال السيد المسيح: "وَلكِنْ مَتى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ" (لو 18: 8)، فإن "ضد المسيح" متى جاء سيصنع معجزات تخلب العقول ويرتد الكثيرون عن إيمانهم.

 ويقول "الأب متى المسكين": "إنه بسبب عنف الإضطهاد العام والبغضة من جميع الأمم لا يقوى من كان إيمانهم ضعيفًا وتمسكهم بالمسيح صوريًا أن يحتملوا التضحية والمقاومة. وهكذا ينتهي الاضطراب الظاهري والمقاومات الخارجية إلى ضربة في عمق الكنيسة، فتبدأ تفقد أولادها بسبب عدم الرعاية وعدم الاهتمام برسالتها، خاصة وأن مُعلِّميها دخلتهم عناصر كاذبة منتفعة، ليست لهم حرارة الإيمان أو التعليم، فلم يكونوا أكثر من صور ذات قناعات كاذبة... وتسكن البغضة بدل المحبة لتفكّك جسد الكنيسة، لكي لا يبقى إلاَّ الذين أمسكوا بالحياة الأبدية. وهكذا ينجح الشيطان في الانتقال من محاربة الكنيسة من الخارج ليحاربها من الداخل"(47).

(5) قيام أنبياء كذبة يضلون الكثيرين (مت 24: 11) فحيث يقوم المعلِّمون الكذبة، يحدث الضلال والانشقاق -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- ولا سيما أن هؤلاء المعلمين الكذبة يدسون السُم في العسل، ويعلنون عن أفكارهم بطرق برَّاقة، ويُعلّمون بما يحب الناس أن يسمعوه مثل أنه لا وجود للشيطان ولا وجود للأرواح الشريرة ولا للخطية، إنما جميع هذه أوهام وتخيلات، ولن تكون هناك عقوبة أبدية ولا جهنم النار، لأن اللَّه محبة خالصة، فمن المستحيل أن يعاقب أولاده بهذه الصورة البشعة... إلخ من البدع والهرطقات.

(6) فتور محبة الكثيرين بسبب كثرة الإثم (مت 24: 12)، فمحبة المسيح هيَ التي تحفظ الإنسان من السقوط والضياع، فعندما تضغط الظروف الخارجية على الإنسان ويفتقد المساندة من الخارج لا تسنده سوى محبته للمسيح وإيمانه به، ويقول "القديس جيروم": "إن كان اللَّه نارًا، فهو نار لكي يسحبنا من برود الشيطان... ليت اللَّه يهبنا ألاَّ يزحف البرود إلى قلوبنا فإننا لا نرتكب الخطية إلاَّ بعد أن تصير المحبة باردة" (48).

(7) انتشار الكرازة في كل المسكونة (مت 24: 14) والمقصود بالمسكونة أرجاء الإمبراطورية الرومانية كقول القديس لوقا: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَة" (لو 2: 1) وأيضًا تشمل المسكونة القارات التي لم تكن معروفة حينذاك، فعند اكتشافها انتشرت فيها المسيحية، وقال بولس الرسول: "أَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا؟ بَلَى إِلَى جَمِيعِ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ وَإِلَى أَقَاصِي الْمَسْكُونَةِ أَقْوَالُهُمْ" (رو 10: 18). وستظل الكرازة تنتشر رغم كل المعوقات السابقة، وحسنًا أنهى مُخلصنا الصالح هذه الفقرة الصعبة بهذا الخبر المُفرح، بالرغم من الحروب والمجاعات والأوبئة والزلازل، والاضطهادات المُرة، وارتداد الكثيرين، وظهور الأنبياء الكذبة، وفتور محبة الكثيرين، فإن شرارة الكرازة لن تنطفئ، بل تظل تشرق، والنور لا بد أن يرتفع ويعم، وكل الآلام والمعاناة لن تُطفئ نور الكرازة، وقول القديس متى: "وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ" قول يصلح أن يكون عنوانًا لإنجيله بالكامل.

 ويقول "الأب متى المسكن": "وهكذا ينبثق هذا القول الأخير من فم المسيح كشجرة خضراء وسط خرائب. وهكذا استطاعت آية واحدة أن تزيح عنا الغم الذي كوَّمته علينا ثلاث عشرة آية مملوءة أهوالًا ومحنًا. وهكذا جاءت العلامة الأخيرة من علامات آخر الزمان تؤكد أن القلة القليلة التي ستبقى، ستعمل عمل أبطال الكنيسة الأولى وأكثر. وهيَ قادرة بذاتها أن تعمل عمل الدهور كلها، كأمر يدهش العقل، ويحفظ لنا الرجاء عاليًا، وتأكيدًا لدوام فرحة البشارة بالأخبار الطيبة حتى آخر لحظة وآخر إنسان على الأرض. فالغصن الخارج من جذع يسى سيخضر دائمًا ليصنع بالنهاية شجرة تظلل المسكونة كلها"(49).

وبالإضافة للعلامات السبع السابقة تُوجد علامات قبيل المجيء الثاني من انحلال الطبيعة إذ تظلم الشمس والقمر لا يُعطي ضوءه وتتساقط النجوم وتتزعزع قوات السماء، وتظهر علامة ابن الإنسان (مت 24: 29 ، 30). وكثير من العلامات السبع السابقة هيَ قديمة وجديدة من جيل إلى جيل، ففي القرن الأول كتب "تاسيتوس" (55 - 117م) في كتابه تواريخ الإمبراطورية الرومانية يقول: "إني أقوم بعالم ملئ بالتقلبات، مُلطخ بدم المعارك، منغمس في الشقاقات، مُريع حتى في فترات السلام الفاصلة، لقد ذُبِح أربعة ملوك بالسيف، ونشبت ثلاثة حروب أهلية... الليركيوم في اضطراب، وبلاد الغال على إستعداد للثورة، وبريطانيا منهزمة ثم مفقودة. السارمانيون (بولندا حاليًا) والسويفيون يتآمرون ضدنا... والفرتيون كانوا على وشك القيام بالثورة باستخدام الأسلحة عن طريق نيرون مزيَّف، وإيطاليا المعذبة بالكوارث التي لم يسمع عنها أحد... أن مُدننا قد أُكتسحت إذ أُبتلعت في المنطقة الخصبة في كامبانيا، وروما نفسها أصبحت خرابًا بسبب النار، وتم تدمير أقدم المعابد. والعاصمة نفسها قد أحرقها مواطنوها... إلخ"(50).

ويحدثنا سفر الأعمال عن المجاعة التي حدثت أيام كلوديوس (أع 11: 28 - 30) وتحدث "يوسيفوس" عن المجاعة الرهيبة التي عانت منها أورشليم أثناء الحصار سنة 70م، حتى أن السكان كانوا يتقاتلون من أجل القليل من الخبز، وكان اللصوص يهجمون على أي بيت يغلق أبوابه، فإذا وجدوا أصحابه تبدو عليهم آثار المجاعة يتركونهم، وإلاَّ كانوا يعذبونهم حتى يفصحوا عن الطعام الذي يخفونه، وقال "يوسيفوس": "يبدو لي أن مصائب كل البشر منذ بدء العالم لو قورنت بالمصائب التي حلَّت باليهود لاعتبرت كأنها ليس شيئًا" (يوسيفوس - الحروب مقدمة 4)" (51). فقد كان الأطفال والشباب يبدون كالأشباح من الجوع ويتساقطون موتى في الشوارع، حتى امتلأت حارات أورشليم بأجساد الموتى (راجع يوسيفوس - الحروب 5: 12: 3) (راجع الأفكار الرئيسية للعظات الكتابية جـ 2 ص173).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (42) تفسير العهد الجديد - المجلد الأول ص414.

 (43) تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 2 ص317.

 (44) الإنجيل بحسب القديس متى ص636.

(45) ترجمة القس سويلم سيدهم - شهادة متى ليسوع المسيح ص70، 71.

 (46) أورده القس منيس عبد النور - شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص325.

 (47) الإنجيل بحسب القديس متى ص648.

 (48) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص495.

(49) الإنجيل بحسب القديس متى ص655، 656.

 (50) الأفكار الرئيسية للعظات الكتابية جـ2 ص173.

(51) المرجع السابق ص183.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/401.html

تقصير الرابط:
tak.la/tsv9st5