St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

353- ما دام يسوع المسيح هو اللَّه فكيف كان يصلي (مت 14: 23)؟ ولمن كان يصلي؟ هل كان يصلي لنفسه أم للآب أم للروح القدس؟

 

س353: ما دام يسوع المسيح هو اللَّه فكيف كان يصلي (مت 14: 23)؟ ولمن كان يصلي؟ هل كان يصلي لنفسه أم للآب أم للروح القدس؟ (راجع علاء أبو بكر - البهريز جـ 4 س110 ص74، س237 ص248، وجـ5 س21، س46).

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

ج: 1ــ ذكرت الأناجيل أن السيد المسيح كان ينفرد للصلاة أوقاتًا طويلة وأحيانًا كان يقضي الليل كله في الصلاة، ففي إنجيل متى يقول: "وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ" (مت 14: 23)، وفي بستان جثسيماني صلى ثلاث مرات (مت 26: 36 - 44)، وفي إنجيل مرقس يقول: "وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ" (مر 1: 35) وذكر إنجيل لوقا أن السيد المسيح كان يصلي في عماده من يوحنا (لو 3: 21) وأيضًا على جبل التجلي (لو 9: 29).. " وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي" (لو 5: 16).. " وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ للَّه" (لو 6: 12) (راجع أيضًا لو 11: 1، 23: 34، 46).

 

St-Takla.org Image: After dismissing the crowds, Jesus climbed up the side of a mountain to pray. (Mark 6: 46) (Matthew 14: 23) (John 6: 15) - "Jesus walks on water" images set (Matthew 14:22-36, Mark 6:45-56, John 6:16-24): image (2) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلي" (مرقس 6: 46) - "وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردا ليصلي. ولما صار المساء كان هناك وحده" (متى 14: 23) - "وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا، انصرف أيضًا إلى الجبل وحده" (يوحنا 6: 15) - مجموعة "يسوع يمشي على الماء" (متى 14: 22-36, مرقس 6: 45-56, يوحنا 6: 16-24) - صورة (2) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: After dismissing the crowds, Jesus climbed up the side of a mountain to pray. (Mark 6: 46) (Matthew 14: 23) (John 6: 15) - "Jesus walks on water" images set (Matthew 14:22-36, Mark 6:45-56, John 6:16-24): image (2) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلي" (مرقس 6: 46) - "وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردا ليصلي. ولما صار المساء كان هناك وحده" (متى 14: 23) - "وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا، انصرف أيضًا إلى الجبل وحده" (يوحنا 6: 15) - مجموعة "يسوع يمشي على الماء" (متى 14: 22-36, مرقس 6: 45-56, يوحنا 6: 16-24) - صورة (2) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

2ــ فصلاة الابن المتجسد، كلمة اللَّه، السيد المسيح كانت أمرًا طبيعيًا، بل أمرًا لازمًا وحتميًا للأسباب الآتية:

أ - ليعلمنا كيف نُصلي: فالسيد المسيح هو آدم الثاني الذي قدم للبشرية مثلًا حيًّا للإنسان الكامل: "فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا تَارِكًا لَنَا مِثَالًا لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ" (1 بط 2: 21)، فمن خلال إنفراده في الجبال وفي هدوء الليل علمنا كيف نصلي في هدوء، وعندما كان يقضي الليل كله في الصلاة علمنا كيف تكون الصلاة بلجاجة، وفي صراعه في بستان جثسيماني علمنا كيف نصلي وقت التجارب. هو المعلم الصالح الذي قال: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (مت 11: 29) فقد علمنا التواضع والوداعة في الصلاة والبُعد عن الإنتفاخ والكبرياء من خلال صلوات المخدع (مت 6: 5 - 8) وعلمنا الصلاة من أجل الذين يسيئون إلينا (مت 6: 44) وعلمنا الصلاة الدائمة (لو 18: 1) والصلاة المستجابة (لو 11: 5 - 13) وأوصانا قائلًا: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَة" (مت 26: 41).. فهل الذي أوصانا بالصلاة لا يُصلي؟!! لقد رآه التلاميذ يُصلي بعمق وفهم فالتمسوا منه أن يعلمهم الصلاة: "وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ لَمَّا فَرَغَ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَارَبُّ عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ" (لو 11: 1) وكما صلى السيد المسيح صام أيضًا ليعلمنا المسلك الذي نسير فيه: "تعالوا انظروا مخلصنا. مُحب البشر الصالح. صنع فعل الصوم. مع عظم تواضعه.. فوق الجبال العالية. بانفراد جسدي. وعلمنا المسلك. لكي نسير مثله" (من ذكصولوجية الصوم الكبير).

ب - لأنه بالتجسد صار إنسانًا: السيد المسيح ليس لاهوتًا مجردًا، ولكنه لاهوت متحد بالناسوت، والسيد المسيح كامل في لاهوته وكامل في ناسوته في إتحاد عجيب كامل، فإن رأيناه يفعل الأفعال الإلهيَّة فلا نتعجب لأنه هو اللَّه، وإن رأيناه يفعل الأفعال البشرية لا نندهش لأنه هو الإنسان الكامل.. عندما كان يُصلي أو يجوع أو يعطش أو يتعب أو ينام أو يبكي أو يحزن أو يكتئب.. إلخ فإنه كان يفعل كل هذا كإنسان كامل له نفس بشرية ومشاعر وأحاسيس وطبيعة بشرية، وليس كإله لأن اللاهوت منزَّه عن الجوع والعطش والتعب ولا يحتاج للصلاة.. إلخ. إذًا عندما كان يُصلي السيد المسيح كان يُصلي كإنسان، فهو شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها.. كما كان يحتاج للطعام المادي كان يحتاج أيضًا للطعام الروحي من خلال الصوم والصلاة فهو: "أَخْلَى نَفْسَهُ آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَـوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (في 2: 7، 8).. فما دام صار إنسانًا عبدًا فهو في حاجة للصلاة، وما أجمل صلاته الوداعية (يو 17)!!

فإذا نظرنا للسيد المسيح بحسب لاهوته فهو قابل الصلوات، وإذا نظرنا إليه بحسب ناسوته نجده لم يكف عن الصلاة، فالسيد المسيح كان يصلي وفي نفس الوقت كان يقبل صلوات وطلبات شعبه. ولو أن السيد المسيح لم يُصلي لوجد بعض الهراطقة، مثل ماركيان وماني وفالنتيان والغنوسيين والأوطاخيين، حجتهم في قولهم أن السيد المسيح لاهوت مجرَّد اتخذ لنفسه جسدًا خياليًا أثيريًا هلاميًا.

ويقول "البابا شنوده الثالث": "أصحاب هذا السؤال يركزون على لاهوت المسيح، وينسون أنه ليس مجرد إله فقط، وإنما أخذ طبيعة بشرية مثلنا، ناسوتًا كاملًا، بحيث قال عنه الكتاب أنه شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب 2: 17). ولولا أنه أخذ طبيعتنا، ما كان ممكنًا أن يوفي العدل الإلهي نيابة عنا.

إنه صلى كإنسان، وليس كإله.. لقد قدم لنا الصورة المُثلى للإنسان، ولو كان لا يصلي، ما كان يقدم لنا ذاته مثالًا. لذلك صلى.. وفي صلاته علمنا أن نصلي، وعلمنا كيف نصلي. وأعطانا فكرة عملية عن أهمية الصلاة وقيمتها في حياتنا.. وفي بعض صلواته - كما في بستان جثسيماني - عرفنا كيفية الجهاد في الصلاة (لو 22: 44).

ولو كان المسيح لا يُصلي، لاعتبرت هذه تهمة ضده. ولاعتبره الكتبة والفريسيون أنه بعيدًا عن الحياة الروحية، وصار لهم بذلك عذر في أن لا يتبعوه، إذ ليست له صلة باللَّه! وبنفس الطبيعة البشرية كان يتعب ويجوع ويتألم.. أنه لم يتعب كإله. فاللاهوت منزَّه عن التعب. ولكن هذه الطبيعة البشرية التي اتحد بها لاهوته.. هيَ التي تعبت، لأنها طبيعة قابلة للتعب.. لم يسمح أن لاهوته يمنع التعب عن ناسوته.. وبتعبه قدَّس التعب، وصار كل إنسان يكافأ بحسب تعبه (1 كو 3: 8)" (946).

جـ - ليكمل الناموس: فلو لم يُصلي المسيح فيكون قد هدم ركنًا هامًا من الناموس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لقد التزم السيد المسيح بالناموس فقبل إليه الختان وكان يصعد للهيكل في الأعياد، وقال: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (مت 5: 17)، ولو لم يصلي لأتهمه أعداءه بأنه متهاون في الصلاة وبالتالي كاسر الناموس، وأنه ليس من اللَّه لأنه ليس له صلة باللَّه، ولنفروا الآخرين منه، ولكن لم يحدث قط أن وُجِهت له تهمة الاستهانة بالصلاة بالرغم من أنهم كانوا يراقبونه لكي يصطادوه بكلمة (لو 11: 54) (راجع مر 3: 2)، ولو لم يصلي فكيف كان يتحدى الجميع قائلًا: "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّة" (يو 8: 46)؟!!

د - صلى كنائب عن البشرية: فقد أخذ السيد المسيح طبيعتنا البشرية، فصلى نيابة عنا، فصلاته القوية هيَ باقية كرصيد لنا تسند ضعف صلواتنا. ويقول "القديس أغسطينوس": "يصلي المسيح عنا، ويصلي فينا، ونصلي إليه. يصلي عنا بكونه كاهننا، ويصلي فينا بكونه رأسنا، ونصلي إليه بكونه إلهنا. لهذا نتعرف على صوتنا فيه، ونتعرف على صوته فينا" (947).

ويقول "الأب متى المسكين": "إن هذه الصرخات هيَ أصلًا وفي الحقيقة صرخاتنا التي صرخها من أجلنا، والدموع هيَ دموعنا وقد كان يبكي من أجلنا، والتوسلات هيَ توسلاتنا توسلها باسمنا. لأنه ابن اللَّه فقد صمم أن يحمل كل أوجاعنا، فتحملها في جسده الذي هو أصلًا جسدنا الذي لبسه عليه ليظهر به كإنسان خاطئ أمام اللَّه أبيه لينال تعطفاته على جنسنا" (948).

هـ- صلى لأنه يشفع فينا: فقال لبطرس: "وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ" (لو 22: 32)، وقال يوحنا الحبيب: "وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ" (1 يو 2: 1)، فهو الشفيع الكفاري الوحيد الذي يشفع فينا أمام كرسي اللَّه الآب، ولذلك عندما نُصلي الصلاة الربانية نختمها بقولنا: "بالمسيح يسوع ربنا". ويقول "القديس أمبروسيوس": "الرب يصلي لا ليطلب لنفسه وإنما لأجلنا.. فهو شفيعنا.. لا نظن أن المسيح يطلب عن ضعف ليأخذ أمرًا يعجز عن تحقيقه، فهو مؤسّس كل سلطة.. إنما يشكلنا بقدوته في الفضيلة" (من أحد المواقع بالانترنت).

ويقول "البابا أثناسيوس الرسولي": "إن ربنا بينما هو كلمة اللَّه وابن اللَّه فأنه قد لبس جسدًا وصار ابن الإنسان، لكي بصيرورته وسيطًا بين اللَّه والناس، فأنه يخدم أمور اللَّه من نحونا ويخدم أمورنا من نحو اللَّه. وعندما قيل عنه أنه يجوع ويبكي ويتعب ويصرخ " إِلُوِي إِلُوِي "، وهيَ آلامنا البشرية، فأنه يأخذها، ويقدمها للآب متشفعًا عنا" (949). ويقول "دكتور وليم إدي": "لم يحتاج المسيح مثلنا إلى أن يعترف بالخطايا ويطلب الغفران لكنه أتى الصلاة للذته بمخاطبة أبيه السماوي وكان يومئذ يشفع في المؤمنين كما يشفع فيهم اليوم وهو عن يمين اللَّه"(950).

و - لأنه رئيس كهنتنا الأعظم: والعمل الروحي الأول لرئيس الكهنة هو الصلاة من أجل شعبه: "مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللَّه حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ" (عب 2: 17). ويقول "القديس كيرلس الكبير": "إنه يصلي ليس كمن يعوزه شيء إذ هو الإله، بل بصفته رئيس كهنة يرفع التوسلات من أجلنا"(951).

 

3ــ صلاة السيد المسيح هيَ مناجاة للآب السمائي، وإذا تفهمنا أن اللَّه واحد لا شريك له، ووحدانية اللَّه ليست وحدانية مصمدة جامدة، إنما وحدانية جامعة، وحدانية كائنة عاقلة حية، فيها الأبوة والبنوة والإنبثاق، الآب والابن والروح القدس، وأقنوم الآب غير أقنوم الابن وغير أقنوم الروح القدس، وأقنوم الابن غير أقنوم الآب غير أقنوم الروح القدس، وأقنوم الروح القدس غير أقنوم الآب، وغير أقنوم الابن، مثل الشمس الواحدة ففيها القرص، والضوء، والحرارة، وكل منهم غير الآخر، وإذا تفهمنا علاقة الأقانيم معًا ندرك كيف كان يسوع يُصلي ولمن كان يُصلي، فيجب أن نفهم، على قدر إدراكنا، علاقة الأقانيم معًا، والتي تتمثل في:

أ - وحدة الجوهر: فالأقانيم الثلاث، الآب والابن والروح القدس، لهم نفس الجوهر الإلهي، نفس الكيان الإلهي، نفس الطبيعة الإلهية. فالآب هو كل الجوهر الإلهي مع خاصية الأبوة، والابن هو كل الجوهر الإلهي مع خاصية البنوة، والروح القدس هو كل الجوهر الإلهي مع خاصية الإنبثاق، وقال الابن: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو 10: 30) واحد في الجوهر.

ب - التمايز: كل أقنوم يتمايز عن الأقنومين الآخرين دون أن ينفصل عنهما، فالابن في الآب والآب في الابن، والروح القدس هو روح الآب والابن، وكل أقنوم يتمايز عن الأقنومين الآخرين دون أن ينفصل عنهما، فمعنى كلمة أقنوم هو " ما يتميز عن غيره بدون انفصال" مثل الروح والجسد للإنسان الواحد، فكل منهما يتمايز عن الآخر بدون انفصال.

جـ - الإرسال: يمكن لأحد الأقانيم أن يُرسل أقنومًا آخر، فالآب أرسل الابن إلى العالم (يو 3: 17)، والابن بعد تجسده وموته وقيامته وصعوده أرسل لنا الروح القدس المعزي (يو 15: 26). والأقنوم المُرسَل ليس أقل كرامة من الأقنوم المُرسِل، فالأقانيم الثلاثة متساوون في جميع الصفات والكمالات الإلهية، وأيضًا ليس معنى الإرسال أي الانفصال، فعندما أرسل الآب الابن للعالم لم ينفصل الابن عن الآب قط، ولهذا قال الإنجيل: "اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو 1: 18) وكثيرًا ما كان السيد المسيح يقول: "أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ" (يو 14: 9، 10).

د - التخاطب: كل أقنوم يتحدث مع الآخر، كما يتحدث عن الآخر، ففي المعمودية سمعنا صوت الآب: "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت 3: 17) وأيضًا سمعنا صوت الآب على جبل التجلي، وكثيرًا ما سمعنا الابن المتجسّد يسوع المسيح يتحدث مع الآب ويحدثنا عنه، فقال: "أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" (لو 10: 21)، وعندما خاطب الآب قائلًا: "أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ" (يو 12: 28)، جاء صوت الآب قائلًا: "مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضًا" (يو 12: 28)، وبهذا المعنى نستطيع أن نتفهم كيف كان يصلي السيد المسيح للَّه الآب، وحديث الآب مع الابن كان قائمًا قبل التجسد: "أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" (مز 2: 7، عب 1: 5).. " قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ" (مز 110: 1).

هـ - وحدانية الثالوث: فهناك وحدانية للأقانيم الثلاث في المشيئة (راجع يو 4: 34، 5: 30، 6: 38)، ووحدانية في المعرفة (راجع مت 11: 27، يو 14: 7، 1كو 5: 10، 11)، ووحدانية في العمل فكل شيء صنعه الآب بالابن في الروح القدس، فمثلًا الآب أراد أن يخلق، فخلق كل شيء بالابن ووهب الحياة بالروح القدس (راجع 1 كو 8: 6، يو 1: 3، أي 33: 4، مز 104: 30).. لقد صلى السيد المسيح للَّه الآب، مُقدمًا الشكر والتسبيح في مناجاة عجيبة داخل الوحدة الثالوثية، وكان السيد المسيح يقول: "وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي" (يو 16: 32) فالآب في الابن، والابن في الآب، والروح القدس هو روح الآب والابن. (راجع كتابنا: أسئلة حول التثليث والتوحيد س15).

 

4ــ لا يكف علاء أبو بكر عن إظهار الاستعجاب والاندهاش من صلاة المسيح وهو الإله المتجسّد، ويتغافل تمامًا أنه كلما نطق اسم الرسول يعقبه بقوله: "صلى اللَّه عليه وسلَّم" ولم يتساءل: كيف يُصلي اللَّه؟ ولمن يُصلي اللَّه؟ وإدَّعى البعض أن الصلاة هنا تعني البركة كقول بعض المفسرين، لكنه من الواضح جدًا أن الصلاة شيء والبركة شيء آخر، فمثلًا إبراهيم أب الآباء صلى للَّه ليرزقه نسلًا، واللَّه بارك إبراهيم، فواضح أن البركة غير الصلاة، والصلاة غير البركة.. فلماذا يكيل الناقد بمكيالين؟!!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(946) سنوات مع أسئلة الناس - الجزء الثاني ص77، 78.

(947) أورده القمص تادرس يعقوب - الحب الإلهي ص551.

(948) شرح وتفسير الرسالة إلى العبرانيين ص377.

(949) ضد الأريوسيين - ترجمة د. وهيب قزمان - مقالة 4 ف 6 ص15.

(950) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص240.

(951) المسيح في صلاته وصومه من أجلنا في تعاليم القديسين أثناسيوس وكيرلس السكندري - دار مجلة مرقس ص40، 41.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/353.html

تقصير الرابط:
tak.la/vbmz9j9