س329: هل نبوءة ملاخي: "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي" (ملا 3: 1) تحرَّفت في أناجيل متى ومرقس ولوقا (مت 11: 10، مر 1: 2، لو 7: 27) فزيد عليها " أَمَامَ وَجْهِكَ " وتغيرت صيغة المتكلم (أمامي) إلى صيغة المخاطب (قدامك)؟ (راجع علاء أبو بكر - البهريز جـ 2 س242 ص217، س412 ص400).
ج: 1ــ تنبأ ملاخي النبي عن يوحنا المعمدان الذي يهيئ الطريق أمام اللَّه المتجسّـد فقال: "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِــهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ" (ملا 3: 1)، ونحن نعلم أن رجال العهد الجديد اقتبسوا من العهد القديم ليس بطريقة واحدة، بل بعدة طرق:
أ – الاقتباس اللفظي: فيستخدم المقتبس العبارة بنفس التركيب ونفس الألفاظ كما جاءت في العهد القديم، مثل نبوءة إشعياء النبي: "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ" (إش 40: 3) استخدمها القديس متى بنفس الألفاظ والتركيب (مت 3: 3).
ب - اقتباس المعنى: فالاقتباس بالمعنى دون التقيد بالتركيب واللفظ، مثلما تنبأ ميخا النبي عن بيت لحم: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ" (مي 5: 2)، فاقتبس القديس متى معنى النبوة وغيَّر في التركيب والألفاظ فقال: "وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَـى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ" (مت 2: 6). (راجع مدارس النقد - عهد جديد - جـ 3 س202).
جـ - اقتباس جزئي: وهو اقتباس جزء من آية، أو جزء من مقطع وتطبيقه على حدث في العهد الجديد.
د - اقتباس كلي: وهو اقتباس الآية أو المقطع بالكامل.
هـ - اقتباس مركَّب: أي أن المُقتبِس يُسجّل عبارة وقد اقتبسها من عدة مواضع في العهد القديم، فمثلًا اقتباس القديس متى: "لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ إِنَّــهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا" (مت 2: 23) اقتبسها من عدة مواضع (مز 22: 6، 69: 19، إش 52: 14، 53: 1، زك 11: 12، 13) (راجع مدارس النقد - عهد جديد - جـ 3 س214).
2- واقتبس رجال العهد الجديد من الأصل العبري (ماسوريتك)، كما اقتبسوا من الترجمة السبعينية.
وأشار السيد المسيح لنبوءة ملاخي عن يوحنا المعمدان في قوله: "فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ" (مت 11: 10)، فتعبير ملاخي " أُرْسِلُ مَلاَكِي" نطق به السيد المسيح موضحًا البُعد الزمني فقال: "أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي" فالمقصود بالوجه وجه المسيح، والملاك يوحنا المعمدان الذي جاء قبل السيد المسيح بستة أشهر فقط، فأعدَّ القلوب لإستقباله، وشهد له أمام الجميع متحدثًا عن عظمته حتى أنه حسب نفسه غير مستحق أن يحلَّ سيور حذائه. كما قال السيد المسيح: "يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ" متحدثًا عن نفسه بصيغة الغائب، فجاءت كلمة " قُدَّامَكَ" (عوضًا عن أمامي) متناسقة مع عبارة " أَمَامَ وَجْهِكَ". فالسيد المسيح اقتبس نبوة ملاخي بالمعنى وليس باللفظ، فلم يذكر ما قاله ملاخي باللفظ، إنما ذكر ما قاله ملاخي عنه بالحقيقية، وإلتزم الإنجيليون الثلاث بما نطق به السيد المسيح.
وحتى لو كانت هناك إضافة أو توضيح أو تعديل في الصياغة فأنها لم تُخرِج هذه النبوءة عن معناها، فالذي نطق بتحقُّق النبوة السيد المسيح نفسه الإله الحقيقي رب الأنبياء، وموضع النبوءة، وسجلها الإنجيليون المسوقين من الروح القدس، فمثلهم مثل أنبياء العهد القديم، ويقول "الأب متى المسكين": "لقد أعاد المسيح صياغة النبوءة لتنطبق على يهوه لما تجسَّد وصار هو يسوع المسيح المتكلم. فمِن يهوه: "مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي " إلى يسوع المُخاطب والمتكلم هو اللَّه " أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ ". وبهذا عدَّل المسيح النبوة بسلطان اللَّه من عمَّا كانت ليهوه لتصير لنفسه" (849).
وهذا التساؤل قديم الأيام، فقد سبق الإجابة عليه في كتاب الهداية جـ 1 ص228، 229، وما زال يتردَّد لليوم، فأجاب عليه دكتور غالي في موقعه على شبكة الانترنت "هولي بايبل" بتوسع فيُرجى الرجوع إليه.
_____
(849) الإنجيل بحسب القديس متى ص384.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/329.html
تقصير الرابط:
tak.la/p5rgdj6