St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

311- هل عرف يسوع المرأة نازفة الدم (مت 9: 20 - 22) أم أنه لم يعرفها (مر 5: 25 - 34)؟ وما دام يسوع هو اللَّه، فكيف يجهل من لمسته، ويسأل المحيطين به " مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي" (مر 5: 30) أو " مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي" (لو 8: 45)؟ وهل ذهبت هذه المرأة للأطباء وأنفقت كل ما تملك فصارت إلى حال أردأ (مر 5: 26)؟ وإن كان هكذا فلماذا لم يذكر متى هذه الحقيقة؟ وهل قال المسيح لها: "ثِقِي يَا ابْنَةُ إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ" (مت 9: 22)، أم أنه قال لها: "يَا ابْنَةُ إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ" (مر 5: 34)؟

 

س311: هل عرف يسوع المرأة نازفة الدم (مت 9: 20 - 22) أم أنه لم يعرفها (مر 5: 25 - 34)؟ وما دام يسوع هو اللَّه، فكيف يجهل من لمسته، ويسأل المحيطين به " مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي" (مر 5: 30) أو " مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي" (لو 8: 45)؟ وهل ذهبت هذه المرأة للأطباء وأنفقت كل ما تملك فصارت إلى حال أردأ (مر 5: 26)؟ وإن كان هكذا فلماذا لم يذكر متى هذه الحقيقة؟ وهل قال المسيح لها: "ثِقِي يَا ابْنَةُ إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ" (مت 9: 22)، أم أنه قال لها: "يَا ابْنَةُ إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ" (مر 5: 34)؟

ويقول "علاء أبو بكر": "س226: هل عرف الرب يسوع بالمرأة التي لمست ثيابه وشُفيت؟

لقد رأها يسوع عند متى: ".. فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا.." (مت 9: 20 - 22).

أما عند مرقس فكان يبحث عنها ولم يعرفها حتى تقدمت هيَ بنفسها له وحكت له كل شيء. هذا بالإضافة إلى الاختلافات البينة في التفاصيل، فقد أضاف مرقس تألمها وذهابها للأطباء وإنفاقها كل ما تملك، فهذا السيناريو لم يعرفه وحي باقي الإنجيليين... (مر 5: 25 - 43).

ألست معي أنه لو كان عيسى إلهًا لعرف مباشرة المرأة التي لمسته دون أن يسأل " مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي"؟ ألست معي أنه لو كان هو اللَّه وهو الذي أوحى هذا الحدث الذي فعله هو لكانت التفاصيل الدقيقة بلا اختلاف؟ بل ذهب الاختلاف أبعد من ذلك، فقد اختلف الإنجيلان حتى فيما قاله يسوع للمرأة: فعند متى قال لها " ثقي يا ابنة إيمانك قد شفاكِ ". وعند مرقس قال لها: "يا ابنة إيمانك قد شفاكِ اذهبي بسلام وكوني صحيحة من مرضك ".." (798).

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

ج: 1ــ السيد المسيح الإله المتجسّد الذي خلق هذه المرأة ويعرف معاناتها وجميع أفكارها كان بلا شك يعرف أنها هيَ التي لمسته، وعندما سكبت المرأة الخاطئة الطيب على قدميه ومسحتها بشعر رأسها، وإذ سمعان الفريسي: "تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلًا لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ إِنَّهَا خَاطِئَة" (لو 7: 39) فعلم يسوع أفكاره ورد عليه معاتبًا إياه ومدافعًا عن هذه المرأة التائبة، وغافرًا لها خطاياها الكثيرة (لو 7: 40 - 50)، فهو العالِم بكل شيء حتى بالأفكار.

وعندما يسأل اللَّه عن أمر ما، فليس معنى هذا أنه يجهل شيئًا، فعندما أخطأ آدم وهرب من اللَّه: "فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ أَيْنَ أَنْتَ؟" (تك 3: 9).. فهل معنى هذا أن اللَّه كان يجهل مكان آدم؟ بلا شك لا، ولكن الرب أراد أن يفتح مجالًا للحوار مع ذاك الخائف الهارب المرتاع، وعندما أخبره آدم أنه عريان سأله سؤالًا آخر: "مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟" (تك 3: 11) فبدأ آدم يحكي ما حدث، وعندما سأل السيد المسيح هنا عمن لمسه، كان ذلك لحكمة معينة:

أ - إن يعلن أمام الجمع الذي يزحمه عظمة إيمان هذه المرأة التي أصيبت بهذا المرض الصعب الذي إستنزف حياتها لمدة أثنى عشر عامًا، حتى إستبد بها الضعف وفارقتها قوتها، ومع ذلك فأنها آمنت أن مجرد لمس هدب ثوبه ستشفى تمامًا، ففعلت ذلك في صمت بعد جهاد طويل لتصل إلى يسوع، وهيَ تعلم أنها نجسة وبهذا تُنجّس كل من تلمسه.

ب - إن يزيل مخاوفها ويطمئنها، فعندما سأل المسيح: "مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟" لا بد أن المرأة إرتعدت وتوقعت التوبيخ إذ كيف تزاحم الجموع وكيف تلمس المسيح وهيَ نجسة، ففوجئت أن السيد المسيح يستحسن عملها، ويخاطبها بحب ومودة ويطمئنها أنها صارت معافاه وهذا المرض لن يعاودها.

جـ - إن يمتدح إيمانها أمام الجميع، ليتعلموا منها كيف يكون الإيمان الذي يهب الشفاء؟ ويقول "وليم باركلي": "وعندما لمست المرأة هدب ثوب المسيح، كأن الزمن توقف، وتفجرت ينابيع الطاقة الإلهيَّة كلها لتصل إلى هذه المرأة بقبول الشفاء. لقد وقف يسوع ووقف الموكب كله، وكأنه لم يكن في الوجود سوى هذه المرأة المتطلعة إلى الشفاء"(799).

د - سؤال السيد المسيح هنا كان من قبيل إخفاء لاهوته عن الشيطان، ولهذا نجد السيد المسيح في أكثر من موقف يطرح سؤالًا وكأنه يجهل الإجابة، فقبل معجزة إشباع الجموع سأل: "كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟" (مت 15: 34)، وسأل والد المصاب بروح نجس: "كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هذَا؟" (مر 9: 21)، وسأل عن قبر لعازر قائلًا: "أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟" (يو 11: 34).. إلخ.

 

St-Takla.org Image: Woman with Issue of Blood: The woman with the issue of blood is healed upon touching the hem of Jesus’ garment: (Matthew 9; Mark 5) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: المرأة نازفة الدم تلمس هدب ثياب يسوع وتشفى: (متى 9؛ مرقس 5) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Woman with Issue of Blood: The woman with the issue of blood is healed upon touching the hem of Jesus’ garment: (Matthew 9; Mark 5) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المرأة نازفة الدم تلمس هدب ثياب يسوع وتشفى: (متى 9؛ مرقس 5) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

ويجيب "القديس يوحنا الذهبي الفم" على تساؤل البعض: لماذا سأل السيد المسيح، فيقول:

" أولًا: ليضع نهاية لمخاوف المرأة، لئلا تتألم إذ ينخسها ضميرها أنها نالت العطية خلسة.

ثانيًا: إنه حسبها على حق أن تخفي فكرها.

ثالثًا: أعلن إيمانها للكل ليحث البقية على الإقتداء بها، فإن وقفه لينبوع دمها ليس بعلامة أعظم مما أظهره أنه يعرف كل الأمور (يعرف فكرها وإيمانها وتلامسها الخفي معه) علاوة على هذا كان رئيس المجمع في طريقه إلى الدخول إلى عدم الإيمان وهلاكه تمامًا، فجاءت هذه المرأة لتصلح من شأنه. لقد جاءوا إليه قائلين: "قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ" (لو 8: 49).." (800).

ويقول "متى هنري": "والآن نالت ما تمنت فقد اكتفت بالانصراف، ولكن يسوع لم يسمح لها بالانصراف عند هذا الحد. أنه لم يشأ قط أن يعظم قوته في شفائها، بل أراد أيضًا أن يعظم نعمته في تعزيتها ومدحها، ينبغي أن تكون قوة إيمانها سببًا في مدحها وكرامتها " فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا " للحال (ع 22).. أنه ملأ قلبها غبطة بهذه الكلمة " ثِقِي يَا ابْنَةُ " لقد كانت تخشى لئلا لمجيئها خفية... ولكنها نالت كل تشجيع وإطمئنان.

(1) إنه دعاها " ابنة " لأنه تحدث إليها برقة الأب، كما تحدث إلى المفلوج من قبل (ع 2) الذي دعاه " بني "..

(2) وأمرها أن تثق. كان لها كل الحق أن تثق بأن المسيح كان قد دعاها "ابنة".. كان أمره لها بأن تثق باعثًا على إمتلاء قلبها ثقة، كما كانت كلمته التي نطقت بالشفاء باعثة على الصحة.." (801).

 

2ــ يريد الناقد أن الأناجيل الأربعة تتطابق تطابقًا تامًا في جميع التفصيلات، فتكون أربعة نُسخ متطابقة، فما هو الداعي للتكرار؟!! وما هيَ الحكمة من وجود أربعة أناجيل متطابقة تمامًا... ألم يكن إنجيل واحد يكفي؟!! لقد فات على الناقد أن اللَّه شاء أن يكون هناك أربعة كتَّاب شهود على الأحداث، كل منهم يكمل الآخر، وكأنهم أربعة صحفيين يغطون حدث مُعين، وكل صحفي له هدفه وأسلوبه، ويقول "قداسة البابا تواضروس الثاني": "لقد سجل مرقس ما يمكن أن نسميه مذكرات أولية حول المسيح وحياته، ولذا إلتزم بالموضوعات الأساسية في القصة المروية. أما متى فقدم كتابًا يصلح للقراءة والتعليم في الكنيسة، فيه تبويبًا منظمًا، أنه بشارة منسَّقة بإبداع وتفاصيل كثيرة... مما يعطينا إمكانية أن نسميه "كتاب مبادئ التعليم المسيحي" أما لوقا فكتب بأسلوب أدبي فيه حلاوة وجاذبية... خصيصًا لأصحاب الثقافة اليونانية الرفيعة أمثال ثاؤفيلس... ولذا تُسمى بشارته "كتاب الأدب المسيحي الراقي".." (802).

وقد تم مناقشة هذا التساؤل: "لماذا توجد أربعة أناجيل، ما دامت القصة واحدة والإنجيل الشفوي كان واحدًا؟ لماذا لم يوحي الرب بجميع كل التفاصيل؟ ألم يكن الإنجيل الواحد أبلغ وأقوى عوضًا عن أربعة أناجيل متناقضة؟ " فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س59.

وإنفراد كل إنجيل بأحداث معينة أو عبارات معينة لا يُعد ذلك نوعًا من التناقض، لأن معنى التناقض هو ذكر الشيء في موضع وذكر نقيضه في موضع آخر، فهل عندما قال مارمرقس عن هذه المرأة العظيمة: "وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ" (مر 5: 26) جاء ما يناقضها على لسان متى أو لوقا؟! هل قال أحدهما أن هذه المرأة لم تذهب للأطباء، أو أنها لم تنفق كل ما لديها، أو أن حالتها الصحية تحسنت؟!! كلاَّ، فهذا لم يحدث. إذًا هناك تكامل بين الأناجيل وليس تناقض، وإن كان القديس متى كعادته في اختصار الأحداث والتركيز على الجانب التعليمي أوجز معجزة نازفة الدم في ثلاث آيات، فإن القديس مرقس ذكر تفصيلات أكثر من خلال عشر آيات (مر 5: 25 - 34) وقد صوَّر مدى بؤس وشقاء هذه المرأة، والدارس المدقق يلحظ أن القديس لوقا كطبيب أظهر تعاطفًا تجاه الأطباء، فبينما القديس مرقس يقول: "تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ... بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ" يقول القديس لوقا: "أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَد".

ويقول "الخوري بولس الفغالي": "إن المدلول اللاهوتي الذي يعطيه مرقس لهذه المعجزة، يتيح لنا أن ندرك إدراكًا أفضل... نجد في خبر مرقس خبرًا طويلًا يتألف من عشرة آيات، أما في متى فيمتد فقط إلى ثلاث آيات. مشهد (مرقس) حي ملئ بالتفاصيل والصور، أدخلنا مرقس في عواطف الحاضرين لكي نعيش الحدث" (803).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(798) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص194، 195.

(799) تفسير العهد الجديد جـ 1 ص203.

(801) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص300، 301.

(802) مفتاح العهد الجديد جـ 1 البشائر الثلاث الأولى ص76.

(803) تفسير إنجيل متى - الكتاب الأول - بدايات الملكوت ص337.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/311.html

تقصير الرابط:
tak.la/9xf6yr8