St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

287- لماذا قصر اللَّه طلب الطعام والشراب والملبس على الأمم قائلًا: "هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ" (مت 6: 32)؟ ألا يحتاج شعب اللَّه إلى هذه الأمور؟ وهل قول السيد المسيح "يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" (مت 6: 34) يعني أن لكل يوم شر؟ وأليست هذه نظرة تشاؤمية أو أنها دعوة للتواكل واللامبالاة؟

 

س287: لماذا قصر اللَّه طلب الطعام والشراب والملبس على الأمم قائلًا: "هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ" (مت 6: 32)؟ ألا يحتاج شعب اللَّه إلى هذه الأمور؟ وهل قول السيد المسيح " يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" (مت 6: 34) يعني أن لكل يوم شر؟ وأليست هذه نظرة تشاؤمية أو أنها دعوة للتواكل واللامبالاة؟

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

St-Takla.org Image: A king eating and drinking. صورة في موقع الأنبا تكلا: ملك يأكل ويشرب.

St-Takla.org Image: A king eating and drinking.

صورة في موقع الأنبا تكلا: ملك يأكل ويشرب.

 ج: 1ــ قال السيد المسيح: "فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ مَاذَا نَأْكُلُ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ. فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَـمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا" (مت 6: 31، 32)، وقد ذكر " الأُمَمُ" هنا لأن الأمم لا يعرفون الإله الحقيقي القادر على كل شيء والذي يسد جميع الأعواز، كما أن من طبيعة الأمم الوثنية القلق والتشاؤم من المستقبل لأنهم يظنون أن الأمور تسير في العالم بلا ضابط ولا رابط، كما ظنوا أن جميع الأمور تجري كما هو مقدّر لها دون أدنى تدخل من الإنسان.

 

2ــ قال السيد المسيح للذين يقلقون بشأن الغد: "فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" (مت 6: 34) وهذه ليست نظرة تشاؤمية، إنما هيَ دعوة لعدم القلق بشأن الغد، والتخلص من القلق تدريب يومي على فن الحياة يومًا فيومًا، كل يوم بيومه، وفي كل يوم نجتهد أن نكون مرضيين عند اللَّه، وقديمًا قيل في الأمثال: "لا تقلق على شرور الغد، لأنك لا تعلم ماذا يلده اليوم. فقد لا تكون غدًا على قيد الحياة، وبذلك تكون قد أقلقت نفسك على عالم ليس لك" (698).

ويقول "دكتور وليم إدي": "يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ: أن كل يوم يأتي بتعبه وشقائه وهمومه، فيكفي الإنسان أن يحمل هم كل يوم بيومه لأن اللَّه يعطي قوة ونعمة لكل يوم بيومه، فلا يعطي نعمة اليوم لاحتمال حمل الغد، بل أن المشقات المستقبلية يُرسل لها اللَّه نعمة ونجاحًا في حينها، فالذي أعاننا اليوم لا يتركنا غدًا. ومن هو الذي يعلم أن كل سراج حياته يبقى مشتعلًا إلى الغد. وإن بقينا أحياء إلى الغد فلربما لا تأتي الشرور التي كنا نتوقع حدوثها، وإن حدثت فاللَّه يُعطي نعمة من فوق نعمة لكي نحتملها" (699).

 والقلق غير الطبيعي يجعل الإنسان يفقد إتزانه وحكمه الصائب على الأمور، والأمور التي تجعل إنسانًا قلقًا للغاية، نفس هذه الأمور قد يعبر عليها إنسان آخر وهو ممتلئ سلامًا لأن القلق ينبع أساسًا من قلب الإنسان، والضيقة هيَ ما يضيق به القلب ولا يتسع لها... قد يقلق الإنسان بسبب الماضي المُظلم، أو الحاضر المؤلم، أو المستقبل الغامض، وماذا يفيد القلق من ماضٍ كئيب ولى وفات؟! إنما الحل هو التوبة الصادقة، وفي هذا يتخذ الإنسان أيضًا دروسًا من الماضي تفيده في الحاضر، وماذا يفيد القلق في حاضر ملئ بالتجارب، إنما الحل هو في قبول صليب التجربة بشكر ورضى، حتى تعبر بسلام، وماذا يفيد القلق من مستقبل مظلم ومخيف، إنما الحل هو وضعه في يد اللَّه، فاللَّه هو إله الأمس وإله اليوم وإله الغد أيضًا.

 ويقول "وليم باركلي": "فالقلق يرفض أن يتعلم من مدرسة الطبيعة. أن يسوع يطلب من الناس أن يتطلعوا إلى الطيور والأزهار ليروا السخاء الإلهي الظاهر في الطبيعة، وهكذا تمتلئ نفوسهم ثقة بالحب الكامن وراء هذا السخاء... القلق يرفض أن يتعلم من مدرسة الحياة، فإننا لا نزال نحيا مرفوعي الرؤوس، ولو أن أحدًا سبق وقال لنا أننا سنجوز في الظروف التي جزنا فيها فعلًا لقلنا أن ذلك من المستحيل... لكن الواقع أننا عشنا وتغلبنا على الظروف. أن الحياة تعلمنا أننا بكيفية ما استطعنا أن نتحمل ما ليس في قدرتنا تحمله وجزنا في ظروف كان يمكن أن تحطمنا ولم نتحطم. فلماذا نقلق إذًا؟" (700).

 

3ــ لا يجب النظر إلى قول السيد المسيح: "يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" على أنها دعوة للتواكل واللا مبالاة، فالإنسان يجب أن يهتم بالغد بدون قلق، ويقول "القديس أغسطينوس": "ينبغي أن ندقق في فهمنا للعبارة " يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ " لئلا نحكم على أحد الخدام بمخالفته للوصية لمجرد تدبيره هذه الضروريات حتى لا يكون هو ومن يعولهم في عوز. فربنا يسوع الذي تخدمه الملائكة ارتضى أن تكون له صناديق تُستخدم في الإنفاق على حاجياته، كالذي كان مع يهوذا الخائن (انظر يو 12: 6). والرسول بولس يفكر في الغد (ولكن دون قلق) بقوله: "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ هكَذَا افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا. فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ خَازِنًا مَا تَيَسَّرَ حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ.." (1 كو 16: 1 - 8). وقد جاء في سفر أعمال الرسل أنهم كانوا يستعدون للمستقبل لمواجهة المجاعة المحدقة، إذ يقول: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعًا عَظِيمًا كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ.." (أع 11: 27 - 30)..

كذلك يقول (بولس الرسول) عن نفسه مرارًا أنه يعمل بيديه حتى لا يكون ثقلًا على أحد، وأنه التصق بأكيلا بسبب مشابهته له في العمل، حتى يعملا سويًا ليستطيعا العيش (انظر أع 18: 2، 3). في هذه الأمور السابقة كلها يبدو كأنه لم يقلد طيور السماء وزنابق الحقل، ففي الحقيقة ربنا لم يمنع هذا الاهتمام (التدبير) بالنظر إلى هذه الضروريات نظرة طبيعية، لكنه يمنع (أن تكون هدفًا) وأن يتجنَّد للَّه من أجل الحصول على هذه الأمور، فلا يهتم في كل ما يعمله بملكوت اللَّه بل على الحصول على هذه الأشياء" (701).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(698) أورده وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - المجلد الأول ص154.

(699) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص100.

(700) تفسير العهد الجديد - المجلد الأول ص155.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/287.html

تقصير الرابط:
tak.la/d5s6nz6