س194: هل بعد أن ولدت العذراء مريم يسوع صارت في زيجة مع يوسف بدليل قول الإنجيل: " وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ" (مت 1: 25)؟ وهل قول الإنجيل " ابْنَهَا الْبِكْرَ " يعني أنه له أخوة؟ وهل أنجب يوسف من مريم يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا وأخوات أيضًا (مت 13: 55، 56)، وأليس زواجها من يوسف وإنجابها منه يعد تكريمًا لسر الزيجة؟
يقول النُقَّاد أن هذا رأي الكنائس الإنجيلية، فيقول "وليم مكدونالد": " يُبطِل هذا العدد (مت 1: 25) التعليم الذي يقول ببتولية مريم الدائمة، إذ ينفي تعليمًا كهذا تحقيق زواجهما المذكور في هذا العدد. وتوجد شواهد أخرى تشير إلى أن مريم رُزِقت أولادًا من يوسف وهيَ (مت 12: 46، 13: 55، 56، مر 6: 3، يو 7: 3، أع 1: 14، 1كو 9: 5، غل 1: 19)" (266). وجاء في "التفسير الحديث": " التقليد القائل ببتولية "العذراء" الدائمة فلا توجد شهادة كتابية عليه" (267).
وقال "علي الريس" أن هناك مخطوطات وردت فيها كلمة "البكر" مثل المخطوطات أرقام: 087 , 157 , 180 , 205 , 565 , 579 , 597..، والنسخ الأفرايمية، وواشنطن، وبيزيه، وأيضًا وردت في بعض الترجمات مثل ترجمة الفولجاتا اللاتينية، والأرمينية، والأثيوبية، والسلافية، وفان دايك، واليسوعية، ووردت في الدياتسرون، وذكرها كثير من آباء الكنيسة مثل أبيفانيوس، وجيروم، وديديموس، ويوحنا ذهبي الفم، وأغسطينوس، بينما خلت بعض المخطوطات من كلمة "البكر" مثل المخطوطات السينائية، والفاتيكانية، والسريانية، والجيورجية، والقبطية الصعيدية والبحيرية ومصر الوسطى، ومن الآباء الذين اقتبسوا هذا النص بدون ذكر "البكر" أمبروسيوس، ومن الترجمات التي خلت منها كلمة "البكر" الترجمة الكاثوليكية، وترجمة كتاب الحياة، والترجمة العربية المشتركة... ومن هنا يتضح أننا أمام مدرستين لكل منهما عقيدتها (راجع تحريف مخطوطات الكتاب المقدَّس ص146، 147)، (وراجع أيضًا علاء أبو بكر - البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 س58، ص80، 81، وس236 ص211، واللواء أحمد عبد الوهاب - اختلافات في تراجم الكتاب المقدَّس ص50، 51).
ج: 1ــ عندما أنكر "هيلفيدس" الميلاد العذراوي للسيد المسيح كما رأينا في السؤال السابق، وإدَّعى أن يوسف عرف زوجته مريم وأنجب منها، ردَّ عليه القديس جيروم قائلًا: " إن قلت أن: "بولس الرسول قُيَّد في روما قبل أن يذهب إلى أسبانيا"، أو قلت: " أدرك الموت هيلفيديوس قبل أن يتوب "، فهل يلزم أن يُحل بولس من الأسر ويمضي مباشرة إلى أسبانيا؟ أو هل ينبغي لهيلفيديوس أن يتوب بعد موته؟.. فعندما يقول الإنجيل: "قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا " يشير إلى الوقت الذي سبق الزواج، مُظهِرًا أن الأمور قد تحقَّقت بسرعة حيث كانت هذه المخطوبة على وشك أن تصير زوجة... وقبل حدوث ذلك وُجِدت حبلى من الروح القدس... لكن لا يتبع هذا أن يجتمع بمريم بعد الولادة" (268).
وأوضح "القديس جيروم" المقصود بقول الإنجيل: " 25وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ"، فمفهوم "حَتَّى " هنا أي "إلى أن"، فهيَ نقطة وصول وليست نقطة إنطلاق، فهيَ: " تخبر عن شيء في الماضي بحيث لا تنبئ عن شيئًا في المستقبل الذي لحقه" (269).
2- والحقيقة أن هناك عدة معاني لكلمة " حَتَّى " في الكتاب المقدَّس:
أولًا: تعني " حَتَّى " نهاية الأمر أي "إلى أن": فهي تشير إلى زمن معين كما جاءت في مواضع عديدة من الكتاب المقدَّس، مثل:
أ ــ قول اللَّه لآدم: " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا" (تك 3: 19) فظل آدم يأكل خبزه بعرق وجهه طوال حياته وحتى موته.
ب - " لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ" (تك 49: 10)، أي بعدما يزول قضيب المُلك من يهوذا يأتي المسيا.
جـ - " فَحُجِزَتْ مَرْيَمُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَرْتَحِلِ الشَّعْبُ حَتَّى أُرْجِعَتْ مَرْيَمُ" (عد 12: 15)، أي حجزت إلى أن إنتهت الأيام السبعة، فعادت للمحلة وإرتحل الشعب.
د - قال دانيال: " لَمْ آكُلْ طَعَامًا شَهِيًّا وَلَمْ يَدْخُلْ فِي فَمِي لَحْمٌ وَلاَ خَمْرٌ وَلَمْ أَدَّهِنْ حَتَّى تَمَّتْ ثَلاَثَةُ أَسَابِيعِ أَيَّامٍ" (دا 10: 3)، فظل صائمًا إلى أن انتهت الأسابيع الثلاثة.
ثانيًا: تأتي " حَتَّى " بمعنى " لكي ": كما جاءت في:
أ - " هَلُمـَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ" (تك 11: 7) فالهدف من بلبلة الألسن لكي لا يفهم بعضهم لغة بعض فيتفرقوا ويتوقف العمل لئلا ينهار البرج عليهم فيقتلهم جميعًا.
ب - قال موسى للَّه: " مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ" (خر 3: 11) فهدف ذهاب موسى لفرعون لكي يطلق فرعون شعب اللَّه.
ثالثًا: تعني " حَتَّى" استمرار الوضع كما هو عليه: كما جاءت في:
أ - " وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ فَخَرَجَ مُتَرَدِّدًا حَتَّى نَشِفَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ. ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ" (تك 8: 7، 8).. فهل عاد الغراب لنوح بعد أن نشفت المياه؟.. بالطبع لم يعد لأنه إنشغل بنهش الجثث.
ب - قال الرب ليعقوب: " وَهَا أَنَا مَعَكَ وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِه" (تك 28: 15).. فهل بعد أن فعل الرب بما تكلم به مع يعقوب تركه وأعمله؟.. بالطبع لا.
جـ - " وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ وَلَدٌ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا" (2 صم 6: 23).. فهل أنجبت ميكال بعد موتها؟.. بالطبع لا.
د - قال داود النبي: " قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ" (مز 110: 1)، وقال بولس الرسول: " لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْه" (1 كو 15: 25).. فهل بعد أن وضع أعداءه موطئ قدميه افترق الابن عن الآب ولم يعد يجلس عن يمينه؟!.. بالطبع لا، وقال استفانوس وقت استشهاده: " هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ الله" (أع 7: 56).
هـ - قال المرنم: "هكَذَا عُيُونُنَا نَحْوَ الرَّبِّ إِلهِنـَا حَتَّى يَتَرَأَّفَ عَلَيْنَا" (مز 123: 2)، وبالطبع ليس من المعقول أن اللَّه بعد أن يتراءف علينا ننصرف عنه.
و - " فَأَعْلَنَ فِي أُذُنَيَّ رَبُّ الْجُنُودِ لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ حَتَّى تَمُوتُوا" (إش 22: 14)، وبالطبع لا مغفرة بعد الموت.
ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": " استخدم هنا كلمة " حَتَّى " لا لكي تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك، إنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد لم يمسها رجل قط. ربما يُقال: لماذا استخدم كلمة " حَتَّى "؟ لأنه اعتاد الكتاب أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة إلى أزمنة محدّدة. فبالنسبة للفلك قيل أن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض (تك 8: 7) مع أنه لم يرجع قط" (270).
ويقول "الأب متى المسكين": " أما قول ق. متى أن يوسف لم يعرف امرأته حتى ولدت ابنها البكر فهذا بحد ذاته إحساس منه أنه أخذ العذراء في بيته بأمر الملاك لكي يرعاها حتى تلد مخلصًا لشعب إسرائيل، فهذا ليس بعد مسألة زواج ومتعة وجنس، فأمامه عذراء قديسة حُبِل فيها من الروح القدس لتلد قدوسًا مخلصًا لشعبه، كيف يتخذها زوجة؟ وقد صارت مخصَّصة للروح القدّس واللَّه الآب. ويؤكد ذلك العالم أولزهاوزن: { إنه أمر واضح أن يوسف بعد هذه الإختبارات يكون عنده السبب الكافي ليؤمن أن زواجه من العذراء (وهو ليس زوجًا) إنما يُقتصر به غرض آخر غير خلقة الأولاد }.. إن الحقيقة المطروحة أمامنا فوق دوام بتولية العذراء القديسة مريم هيَ دوام حلول الروح القدس ودوام قوة العلي التي ظللتها... إن كان ق. يوحنا بسبب حبه للمسيح وحب المسيح له لم يكسر بتوليته بل كرَّس بتوليته لحب المسيح والإنجيل، فهل العذراء القديسة مريم التي كرَّست بتوليتها على يد ملائكة وروح اللَّه القدوس تكسر بتوليتها لتلد بنين وبنات" (271).
جاء في "قاموس Strong": " جاءت كلمة " حَتَّى " هنا لتأكيد نفي ما قبلها لتعطي معنى also even، وبما أن النفي هنا جاء شامل ما قبل وما بعد وقع الحدث (الولادة) فيمكن تفسير ترجمة الآية كالتالي:
ــ ولم يعرفها ولا حتى بعد أن ولدت ابنها البكر.
ــ ولم يعرفها ولا حتى أيضًا بعد أن ولدت ابنها البكر.
بمعنى أن يوسف لم يعرف مريم حتى ولدت ابنها البكر، ولا بعد أن ولدته عرفها أيضًا... لقد كان هدف الوحي هنا من عبارة: "وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْر" التأكيد على أن المسيح وُلِد من عذراء بقوة الروح القدس وليس من زرع بشر...
وكلمة لم يعرفها في اللغة القبطية `mpefcouwnc تقع في زمن الماضي التام الأول في صيغة النفي وهذا معناه نفي وقوع الفعل في الماضي واستحالة وقوع الفعل في الحاضر والمستقبل، وهنا نجد المعنى الأدق أنه (لم ولن يعرفها).. كما جاءت كل الترجمات الإنجليزية تقريبًا بصيغة الماضي التام لنفي كلمة حتى، لتؤكد أن يوسف النجار لم يعرف مريم العذراء إطلاقًا لا قبل ولا بعد ولادتها للسيد المسيح إلى يوم وفاته" (راجع هوليبايبل Holy-bible-I).
3ــ أوضح الإنجيل أن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار وقبل أن يجتمعا معًا وُجِدت حبلى من الروح القدس (مت 1: 18)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد تلقت بشارة الملاك لها بحبلها وولادتها ليسوع، وعندئذ تساءلت: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا؟ فهيَ لم تعرف رجلًا ولم تكن تنوي أن تعرف رجلًا، فشرح لها الملاك الأمر بأن الروح القدس سيحل عليها ليهيئ الجسد المقدَّس للقدوس المولود منها (لو 1: 35)، وبعد ولادة يسوع بأربعين يومًا صعدت العذراء مريم به إلى الهيكل في أورشليم لتقديمه للرب، وكان هذا الطقس يخص الابن البكر فقط: " كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ" (لو 2: 23) فهكذا أوصى الرب موسى قبيل الخروج من أرض مصر قائلًا: " قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي" (خر 13: 2) وبعد الخروج قال الرب أيضًا: " وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي" (خر 22: 29) (راجع أيضًا خر 34: 19، عد 3: 13، 8: 17، 18: 15).. إذًا من الثابت والمؤكد أن يسوع هو الابن البكر لمريم العذراء، سواء ذكر الإنجيل كلمة البكر في (مت 1: 25) أو لم يذكر، فليست هذه الكلمة "البكر" هيَ التي أنشأت عقيدة دوام بتولية العذراء كما ظن الناقد، فسواء جاءت كلمة "البكر" في بعض المخطوطات وبعض الترجمات واستخدمها بعض الآباء أو لم تأتِ، فهيَ لا تمثل عقيدة جديدة نشأت بسبب ورود كلمة "البكر" في (مت 1: 25) فقط، بل واضح جدًا من سياق قصة البشارة والميلاد وتقديم الطفل يسوع للرب في الهيكل أنه بالحقيقة هو الابن البكر لمريم العذراء، وإن خلت بعض المخطوطات أو بعض الترجمات من كلمة "البكر"، فإن هذا لا يهدم عقيدة دوام بتولية العذراء مريم. والترجمة الكاثوليكية الجديدة التي جاء فيها: "على أنه لم يعرفها فولدت ابنًا فسماه يسوع" جاء في الهامش أن بتولية العذراء استمرت بعد ولادتها ليسوع وهذا ما أجمع عليه التقليد المسيحي القديم.
وبالرغم من أن النص القبطي خلا من كلمة البكر، وجاءت الآية: "حتى ولد الابن" لكن الكنيسة القبطية أدركت تمامًا دوام بتولية العذراء مريم التي تنبأ عنها حزقيال النبي: " فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا" (حز 44: 2)، وجاء في صلوات التسبحة:
† " لأنك ولدت الكلمة بغير زرع بشر وبتوليتك بغير فساد" (ثيؤطوكية الأحد - القطعة التاسعة).
† " عظيم هو مجد بتوليتك يا مريم العذراء الكاملة" (ثيؤطوطية الثلاثاء - القطعة الثانية).
† " وبعدما ولدته بقيت عذراء" (ثيؤطوكية الثلاثاء - القطعة السابعة).
† " باب المشارق هو مريم العذراء الخدر الطاهر الذي للختن النقي" (ثيؤطوكية الأربعاء - القطعة الأولى).
† " حزقيال النبي يشهد قائلًا أنني رأيت بابًا ناحية المشرق مختومًا بخاتم عجيب... ولم يدخل فيه أحد إلاَّ رب القوات. دخل وخرج وبقى مختومًا على حاله... الباب هو العذراء التي ولدت مخلصنا. وقد بقيت عذراء بعد ولادته" (لبش ثيؤطوكية الأربعاء).
† " وأيضًا بعد أن ولدته لم يحل بتوليتها. وبهذا أظهرها أنها والدة الإله" (ثيؤطوكية الخميس - القطعة الثالثة).
† " لأنه لم يسبق الميلاد زواج. ولم يحل الميلاد أيضًا بتوليتها" (ثيؤطوكية الخميس - القطعة الخامسة).
† " فلهذا يا جميع الشعوب نمجد العذراء لأنها ولدت لنا اللَّه. وبتوليتها مختومة" (ثيؤطوكية الخمس - القطعة التاسعة).
† " دُعيت أم اللَّه الملك الحقيقي وبعدما ولدته بقيت عذراء بأمر عجيب" (ثيؤطوكية السبت - القطعة السابعة).
† " عمانوئيل الذي ولدته هو حفظك بغير فساد وبتوليتك مختومة" (ثيؤطوكية السبت - القطعة السابعة).
وفي لحن "أمونوجينيس" تتكرر عبارة " الدائمة البتولية مريم " مرتين: " أيها الوحيد الجنس وكلمة اللَّه الذي لا يموت، الأزلي، القابل كل شيء من أجل خلاصنا. المتجسد من القديسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم. الدائمة البتولية مريم... ". وفي قسمة عيد الميلاد: " الكائن في الحضن الأبوي كل حين أتى وحلَّ في الحشاء البتولي. ولدته وهيَ عذراء وبتوليتها مختومة". وفي صلاة باكر: " السلام لك. نسألك أيتها القديسة الممتلئة مجدًا كل حين".
4ــ قول الإنجيل عن يسوع المسيح " ابْنَهَا الْبِكْرَ" لا يعني بالضرورة أن يكون له أخوة آخرين، فأول مولود يُدعى دائمًا بكرًا، سواء كان له أخوة أو لم يكن له، فلا مانع أن يكون البكر ابنًا وحيدًا لأبويه، وقد دعى بكر لأنه المولود الأول First born وبتعبير الكتاب " فَاتِحِ رَحِمٍ " كقول الرب: " قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ" (خر 13: 2)، وقال القديس جيروم: " كل طفل وحيد هو بكر، لكن ليس كل ابن بكر هو طفل وحيد" (272).
5ــ أما عن قول الإنجيل "أخوة يسوع" كقول القديس متى: " إِذَا أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ قَدْ وَقَفُوا خَارِجًا" (مت 12: 46)، وقول الجموع: " أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ. أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا. أَوَلَيْسَـتْ أَخَوَاتُـهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا" (مت 13: 55، 56) (راجع أيضًا مر 6: 3، يو 7: 3، أع 1: 14، 1كو 9: 5، غل 1: 19)، فهناك ثلاثة آراء في هذا الموضوع:
الرأي الأول: إن أخوة يسوع هم أبناء العذراء مريم ويوسف النجار، وقد ولدتهم بعد ولادتها ليسوع بدون زرع بشر، فأنجبت أربعة بنين وأيضًا بنات، ولكن لو كان للعذراء مريم أربعة بنين وقت صلب المسيح، فلماذا عهد يسوع المسيح بها لتلميذه يوحنا؟!.. ألم يكن من الأولى أن يعهد بها لأخوته؟!، وهذا الرأي رُفض من الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وحتى مؤسسي البروتستانتية لم يقبلوا هذا الرأي. ومن يتأمل قليلًا في حياة يوسف الرجل البار المتقدم في الأيام، وكيف إحتشم وتورَّع أن يمس أمنا العذراء الطاهرة مريم قبل ميلاد يسوع المسيح... فكم وكم يكون تكريمه لها بعد أن أعلمه الملاك أنها حبلت بحلول روح اللَّه القدوس عليها، وقد ولدت عمانوئيل اللَّه معنا القدوس الذي بلا خطية وحده ملك الملوك ورب الأرباب... فهل بعد هذا يتجرأ أحد ويقول أن يوسف أنجب منها بنين وبنات، وأيضًا هل يُعقل أن من كرَّست نفسها للَّه ونذرت بتوليتها وأفصحت عن ذلك أمام رئيس الملائكة الجليل جبرائيل، هل يمكن أن تكون في زيجة مع يوسف؟!!.
الرأي الثاني: إن أخوة يسوع هم أولاد يوسف النجار من زوجة سابقة، وليس لهذا الرأي سند كتابي، وربما أُستمد من كتب أبوكريفا التي انتشرت في القرنين الثاني والثالث الميلادي، مثلما جاء في إنجيل يعقوب الأبوكريفا، وأخذت بهذا الرأي الكنيسة اليونانية والسريانية وقال به أوريجانوس ويوسابيوس وغريغوريوس النيزنزي وأمبروسيوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس، ولو كان هذا الرأي صحيحًا فلماذا لم يذهب أولاد يوسف هؤلاء مع أبيهم في رحلة الهروب إلى مصر، وقد جاء في ميمر البابا ثاوفيلس مخطوط 9/14 في مكتبة مخطوطات دير المحرق أن "يوسى" جاء من فلسطين إلى مصر يسعى ويفتش على العائلة المقدَّسة، حتى إلتقى بهم في جبل قسقام فحذرهم أن الجنود يبحثون عن الصبي، وفي جبل قسقام أسلم يوسي الروح فدفنوه، وأقام يوسف عليه حجرًا كتب عليه باللغة العبرية: أُقرُّ أنني وخطيبتي مريم العذراء، وسالومي، ورب المجد، قضينا في هذا المكان ستة أشهر وعشرة أيام بذلك الجبل الطاهر، وأنه في هذا المكان يرقد يوسي".
الرأي الثالث: إن أخوة يسوع وهم يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا هم أولاد خالة يسوع، أمهم مريم أخت العذراء مريم التي تزوجت من كلوبا، وهذا الرأي له السند الكتابي الذي يؤيده، حيث يقول: " وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا" (يو 19: 25) وجاء ذكر مريم هذه في عدة مواضع، فعند دفن يسوع في قبر يوسف كانت هناك نساء كثيرات منهن: " وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُـوبَ وَيُوسِي" (مت 27: 56).. " وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي" (مر 15: 47).. " وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ" (مر 16: 1)، وكان لكلوبا إسم آخر، وهو "حلفى"، وقد اختار السيد المسيح اثنين من أبناء خالته تلاميذًا له: " يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ" (مت 10: 3) ولباوس هو يهوذا غير الأسخريطي صاحب رسالة يهوذا، ويعقوب هو صاحب رسالة يعقوب وهو أسقف أورشليم وقد حضر مجمع أورشليم لأن يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الحبيب كان قد نال أكليل الشهادة مبكرًا.
وقد اعتاد الكتاب المقدَّس أن يدعو الأقرباء بأخوة، ومن الأمثلة الواضحة:
أ - دعى إبراهيم لوط ابن أخيه أخًا، فقال إبراهيم للوط: " لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ" (تك 13: 8).. " فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ" (تك 14: 14) والمقصود بأخيه هو لوط.
ب - دعى لابان يعقوب ابن أخته رفقة أخًا قائلًا له: " أَلأَنَّكَ أَخِي تَخْدِمُنِي مَجَّانًا" (تك 29: 15).. إلخ.
6ــ أما عن القول بأن زواج مريم بيوسف بعد ولادة يسوع وإنجاب بنين وبنات فيعد تكريمًا لسر الزيجة، يقول "أبونا دانيال الجورجي": " ليس من الضروري أن تتزوج السيدة العذراء حتى يتكرَّم سر الزيجة، لأن هذا السر مقدَّس منذ خلقة آدم وأمنا حواء: " لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِـدًا" (تك 2: 24)، وقدَّسه وباركه الرب يسوع في عُرس قانا الجليل، كما بارك الرب يسوع الزواج والبتولية في حادثة التجلي عندما ظهر معه موسى النبي المتزوج وإيليا النبي البتول (مت 17: 3)، وأيضًا اختار الرب يسوع تلاميذه، وكان منهم المتزوج مثل بطرس والبتول مثل يوحنا، فاللَّه لا يفرّق بين هذا وذاك، إلاَّ بالقلب النقي الطاهر. ودعى الإنجيل سر الزيجة بأنه سر عظيم: "هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ" (أف 5: 32).
وهل زواج العذراء مريم من يوسف النجار يُعد تكريمًا لسر الزيجة، وعدمه يُعد إهانة لهذا السر؟!!. وإذا كانت الأرض قد تقدَّست بظهور اللَّه الكلمة في العليقة، ولم يسمح الرب لموسى أن يقترب من العليقة وهو لابسًا حذاءه، فكم وكم تكون العليقة ذاتها، وهيَ رمز لأمنا العذراء؟!!. وكم وكم تكون العذراء مريم أم عمانوئيل؟!.. وهل كان لابد أن يتزوج يوحنا الحبيب وبولس الرسول حتى يكون الزواج مكرَّمًا؟!، وماذا عن الآباء الرهبان، والأمهات الراهبات، والمكرسين، والمكرسات، والعذارى، هل كل هؤلاء يهينون سر الزيجة المقدَّس؟!!" (من أبحاث النقد الكتابي).
7ــ ما أكثر أقوال الآباء عن دوام بتولية العذراء مريم، فدعنا يا صديقي نتذوق منها القليل جدًا:
أ - يقول "القمص تادرس يعقوب": " يُعتقـَد أن القديس بطرس بابا الإسكندرية (استشهد عام 311م) هو أول من استخدم لقب "إيبارثينوس" أي "دائمة البتولية" للقديسة مريم قائلًا: "يسوع المسيح... قد وُلِد حسب الجسد من مريم، سيدتنا القديسة المعظمة، والدة الإله "ثيؤطوكوس " الدائمة البتولية "إيبارثينوس".. "في الواقع لم يكن القديس بطرس هو أول من اعتقد في دوام بتولية القديسة مريم... ففي القرن الثاني يذكر القديس إيرينيؤس ما ورد في إشعياء النبي (إش 66: 7، 8).. مفسّرًا ذلك، أن النبوة تشير إلى العذراء مريم التي ولدت ابنًا ذكرًا بطريقة فريدة بغير آلام المخاض (أي لم تفقد بتوليتها)..
وفي مصر يقول القديس أكليمنضس أن القديسة مريم استمرت عذراء، رافضًا الإدعاء بأنها قد صارت امرأة (أي فقدت بتوليتها) بسبب إنجابها الطفل. كما يؤكد العلامة أوريجين دوام بتوليتها... يقول: " لقد تسلمنا تقليدًا في هذا الشأن... أن مريم قد ذهبت (إلى الهيكل) بعدما أنجبت المخلص، لتتعبد، ووقفت في الموضع المخصص للعذارى. حاول الذين يعرفون عنها أنها أنجبت ابنًا طردها من الموضع، لكن زكريا أجابهم أنها مستحقة المكوث في موضع العذارى، إذ لا تزال عذراء "..
هذا وقد استخدم البابا أثناسيوس تعبير "إيبارثينوس": كما أعلن القديس ديديموس الضرير بتوليتها أثناء ميلادها الطفل (in – portum) وبعد الميلاد ( past – portum ) مخاطبًا إياها "الدائمة البتولية".." (273).
ب - تكلم "القديس أغناطيوس الأنطاكي" عن ثلاثة أسرار لم يعرفها الشيطان، فقال: " لم يدرك سلطان هذا العالم بتولية مريم ولا أمومتها ولا موت الرب. هذه الأسرار التي تمت في صمت اللَّه" (رسالته إلى أهل أفسس).
جـ - قال "القديس أثناسيوس الرسولي": " لقد أخذ (الرب) جسدًا إنسانيًا حقيقيًا من مريم الدائمة البتولية" (عظات ضد أريوس 3: 14، 29، 33، 4: 32).
د - يقول "القديس كيرلس الكبير": " لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح، التي هيَ نفسها الكنيسة المقدَّسة" (274).
هـ - جاء في "الطقس البيزنطي" عن السيدة العذراء: " السلام لك، أيها الباب الفريد الذي عبر منه الكلمة وحده" (275).
و - يقول "القديس جيروم": "مريم هي أم وبتول: بتول قبل الولادة وبتول بعد الولادة. الدهشة تغمرني: كيف من هو بتول يُولد من البتول؟ وكيف بعد ولادته تبقى أمه بتولًا؟ أتريد أن تعرف كيف وُلِد من عذراء وبقيت أمه عذراء بعد الولادة؟ عندما دخل يسوع على تلاميذه من بعد قيامته " وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً" (يو 20: 19). لا تعرف كيف حدث ذلك، لكنك تقول: هذه قدرة اللَّه. وكذلك عندما نعلم أن يسوع وُلِد من عذراء وبقية أمه عذراء بعد الولادة قل: هذا عمل قدرة اللَّه" (أورده أبونا دانيال الجورجي - من أبحاث النقد الكتابي).
ز - يقول "القديس أمبروسيوس": "هناك سبب آخر لا يمكن إغفاله وهو أن رئيس هذا العالم لم يكتشف بتولية العذراء، فهو إذ رآها مع رجلها لم يشك في المولود منها، وقد شاء الرب أن ينزع عن رئيس هذا العالم معرفته" (276).
ح - يقول "الأب زينو" أسقف فيرونا (372م): " ياله من سر مدهش! مريم كانت عذراء بعد زواجها، عذراء بعد الحمل، وبقيت هكذا بعد إنجاب الطفل! أخيرًا فأنه لو وُجِد شيء أعظم من البتولية لقدمه ابن اللَّه لأمه، إذ وهبها أن تفرح بكرامة البتولية.."(277).
_____
(266) تفسير الكتاب المقدَّس للمؤمن - العهد الجديد جـ 1 من إنجيل متى إلى الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ص30.
(267) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل متى ص79.
(268) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص46.
(269) الأناجيل الإزائية - نسَّقها وقدم لها الخوري بولس الفغالي ص370.
(270) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص48، 49.
(271) الإنجيل بحسب القديس متى ص148، 149.
(272) أورده القمص تادرس يعقوب - القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي ص21.
(273) القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي ص17، 18.
(274) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا ص40.
(275) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا ص40.
(276) المرجع السابق ص39.
(277) أورده القمص تادرس يعقوب - القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي ص19.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/194.html
تقصير الرابط:
tak.la/j8mg4z8