س195: لماذا وُلِد يسوع المسيح كطفل من امرأة (مت 2: 1)؟ ألم يكن من الأفضل أن يتجسد في شكل رجل مثلما جبل الله آدم، دون أن يعبر بجسد امرأة؟ وكيف يتجسد من امرأة كانت هيَ سبب سقوط الإنسان؟ وما دامت "حواء" هيَ التي كانت سبب السقوط، فلماذا لم يتجسَّد في شكل امرأة؟
يقول "علاء أبو بكر": " س155: ألم يكن هذا الإله المتجسّد قادرًا أن يتجسد أو يتحوَّل في الشكل الذي يرغبه دون المرور من... امرأة حقَّرها هو من قبل؟ ألم يكن قادرًا على النزول في جسد من صنع يديه مثل آدم؟. أليس رأي هذا الإله في المرأة مُحقّرًا لها، ومقلّللا من شأنها واعتبرها حليفة الشيطان الأولى ضد البشرية، وسبب قتل الإله لابنه، أو تسليم نفسه للقتل صلبًا؟
س156: وإذا كانت المرأة هيَ المخطئة، وهيَ المتسببة الأولى دون الرجل في الخطية الأزلية، فلماذا جاء الرب من... امرأة، تحمل الخطيئة ككل البشر، وتورثها لأبنائها؟" (278).
ويقول "علاء أبو بكر" أيضًا: "س328: تظنون أن الرب نزل وتجسَّد وتحوَّل إلى بشر، وقام بكل أفعال البشر، ليكون واحدًا منهم، ليتمكن من الغفران لهم، فلماذا تحوَّل إلى رجل، لو كان أصل الخطيئة هيَ المرأة؟. أليس من الأوقع أن يظهر في صورة امرأة؟..
" كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا" (2 كو 11: 3).
" وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي" (1 تي 2: 14).
وهل بتحوّله إلى رجل قد غفر للرجال فقط أم غفر أيضًا للنساء والشياطين؟
وهل سيتحول إلى... ويقوم بأفعالها ليغفر للشياطين؟
وكيف سيحكم بين الحيوانات إذًا؟ هل سيتجسَّد في الآخرة في صورة... ليحكم بين الحيوانات ويغفر لمن يشاء منهم، ويعذب من يشاء؟.." (279).
ج: ما أكثر الأخطاء التي سقط فيها الناقد، وتفضح مدى جهله باللاهوت المسيحي، ومن أمثلة هذه الأخطاء:
1ــ يتحدث عن التجسُّد على أنه تحوُّل، حتى أنه يذكر كلمة "تحوُّل" ثلاث مرات، ولا يدرك أن اللَّه في تجسده إتحدت طبيعته اللاهوتية بطبيعتنا البشرية، ووُلد يسوع ذو طبيعة واحدة متجسّدة للَّه الكلمة، طبيعة من طبيعتين متحدتين معًا، بدون إختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، ولا تحوُّل، فالطبيعة اللاهوتية لم تتحوَّل للطبيعة البشرية، ولا الطبيعة البشرية تحوَّلت للطبيعة الإلهية، ولا ذابت وتلآشت فيها، بل ظلت كل طبيعة تحتفظ بكافة خصائها، وهذا سر يفوق إدراك العقل البشري والتفكير الجسدي الذي يلهث وراءة النُقَّاد، فالعقل عاجز قاصر من المستحيل أن يستكمل المسيرة معنا للملكوت... اللاهوت غير المحدود ظل هكذا والناسوت المحدود ظل هكذا!!، والسيد المسيح بحسب ناسوته يجوع جوعًا حقيقيًا ويعطش ويتعب وينام ويموت... إلخ بينما اللاهوت منزَّه عن كل هذه الأمور.
2ــ يتهم الناقد اللَّه بأنه حقَّر المرأة، فكيف يحقّر اللَّه المرأة وهيَ من عمل يديه، فهذا اتهام باطل، فعندما خلق اللَّه حواء أوقع ثباتًا على آدم وأخذ ضلعًا من جنبه وبناها امرأة (تك 2: 21)، لم يأخذ عظمًا من ساقه أو قدمه بل من ضلعه لتكون مساوية له ومعينًا نظيره، بل أن البعض قال عكس قول الناقد أن حواء أفضل من آدم، لأنها خُلِقت من إنسان بينما جُبل آدم من التراب، والحقيقة أن حواء مساوية لآدم، فهي جُبلت من إنسان، والإنسان من تراب الأرض، فالمحصلة واحدة. ومن تكريم اللَّه للمرأة أنه خلق لآدم حواء واحدة (شريعة الزوجة الواحدة) ولم يخلق له عدة نساء، وصار الرجل مرتبط بالمرأة، والمرأة مرتبطة بالرجل، والاثنان متساويان أمام اللَّه: " غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِـيَ مِنَ الرَّجُلِ هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ" (1 كو 11: 11، 12).. " لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غل 3: 28)، واختار اللَّه من النساء نبيات مثل مريم أخت موسى، وبنات فيلبس المبشر، وقاضيات مثل دبورة، وبعض الأسفار المقدَّسة حملت أسماء سيدات مثل راعوث، وأستير، ويهوديت، ومبشرات مثل مريم المجدلية، وشهيدات بالآلاف، والمرأة في المسيحية كاملة الأهلية لها نفس ميراث الرجل، وشهادتها كاملة مثل شهادة الرجل... إلخ، أما الناقد فكعادته يُلقي الكلام على عواهنه والتهم جزافًا دون أن يذكر موقف واحد حقَّر فيه اللَّه المرأة.
3ــ يتساءل الناقد: ألم يكن المسيح قادرًا على النزول في جسد من صنع يديه مثل آدم؟.. بالطبع الرب وهو الإله القادر على كل شيء، ولا يستحيل عليه شيء، كان قادرًا على أن يظهر كما ظهر آدم للوجود، ولكن ما المانع أن يولد من امرأة، ما دام أنه قد ارتضى أن يتحد بالطبيعة البشرية، وهل عندما يختار اللَّه هذا الطريق للتجسُّد، يصح أن الإنسان يحاسب ويحاكم اللَّه على تصرفه هذا ويحجر على أفكاره؟!، ومن هو الإنسان الخاطئ حتى يدين اللَّه القدوس؟!، ومن هو الإنسان المحدود المعرفة ليدين كلي المعرفة؟!!.. أننا نشكر اللَّه لأنه سلك هذا المسار فبارك الإنسان في مراحل العمر المختلفة، ونشكره ونمجد اسمه لأنه ارتضى أن يعيش حياتنا، فأكل ليبارك طعامنا وشرب ليبارك ماءنا، وعمل ليبارك عملنا، وصام وصلى ليبارك أصوامنا وصلواتنا، وبارك عرس قانا الجليل ليبارك سر الزيجة... لقد كان فكر التجسُّد في ذهن اللَّه منذ الأزل، ولذلك عقب سقوط الإنسان منحه اللَّه الوعد الإلهي أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15). وقد يتساءل البعض لماذا وُلِد السيد المسيح من أم بدون زرع بشر؟.. لأن هناك فرق بين الإنسان العادي وبين السيد المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فالإنسان العادي يستمد وجوده من والديه، فيعطه الأب بذرة الحياة وتعطه الأم الجسد، والرجل بمفرده لا يستطيع أن ينجب، والأم بمفردها لا تستطيع أن تلد، والطفل المولود ليس له وجود سابق، لأنه استمد وجوده من الأب والأم معًا. أما السيد المسيح فله وجود سابق لذلك لم يحتاج بذرة الحياة من الأب، إنما احتاج جسد بشري فقط استمده من العذراء مريم، وبينما كل إنسان لا يختر الأم التي يُولَد منها فإن السيد المسيح اختار أمه العذراء مريم، وعندما يتساءل البعض: لماذا لم يظهر السيد المسيح بدون أم بشرية؟. هذا لا يصلح لأن السيد المسيح لو ظهر فجأة بدون أم، فهو بهذا يكون غريبًا عن الإنسانية، ولا يمكن دعوته بابن الإنسان.
4ــ مَنْ قال أن حواء حليفة الشيطان الأولى؟!.. هل يريد الناقد أن يضع الخطأ كل الخطأ على رأس حواء ويبرّر آدم (وفي عقله الباطن يبرّر نفسه)؟!.. ألم يأكل آدم من ثمرة الشجرة التي نهاه اللَّه عنها... فلماذا يُوقِع الناقد كل المسئولية على حواء مبرّرًا آدم، بالرغم من أن آدم هو الذي تلقى الوصية من اللَّه؟!. نعم حواء أكلت أولًا لأنها أصغت لصوت الحيَّة، وهذا ما عبَّر عنه بولس الرسول قائلًا: " آدم لم يغو لكن المرأة أغويت" أي أن الشيطان الحيَّة القديمة عندما نطق بفم الحيَّة إصطاد حواء أولًا، وبحواء إصطاد آدم: " كما خدعت الحيَّة حواء بمكرها"، وهذا لا يعفي آدم من مسئولية مخالفة الوصية الإلهيَّة، ولذلك تلقى العقوبة من اللَّه بعرق وجهه يأكل خبزه، وتنبت له الأرض شوكًا وحسكًا، ويرجع إلى التراب ثانية، وطُرد كليهما آدم وحواء من جنة عدن.
5ــ قال الناقد أن حواء هيَ سبب قتل الإله لابنه، أو تسليم نفسه للقتل صلبًا، وبالطبع فإن تعبيرات الناقد تعبيرات خاطئة، لأن الإله لم يقتل ابنه، إنما بذل اللَّه الآب ابنه الوحيد من أجل حياة الإنسان (يو 3: 16)، وقد ارتضى الابن أن يقدم ذاته ذبيحة حية من أجل حياة الإنسان، وفعل ذلك بدون ضجر، بل بفرح وسرور: " نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُـوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ" (عب 12: 2).. حقًا أن قصة التجسد والفداء مفعمة بالمشاعر الراقية التي لا يعبر عنها اللسان، ولعل تضحية إبراهيم في تقديم ابنه ذبيحة، وهو أصعب إمتحان اجتازه إنسان، تعتبر صورة مصغرة جدًا لما فعله اللَّه من أجلي ومن أجل كل إنسان، ومن أجل كل ناقد من النُقَّاد.
6ــ وصف الناقد للخطية أنها أزلية وصف جانبه الصواب، لأن الكائن الوحيد الأزلي هو اللَّه وحده، لذلك لا يصح أن نصف أي كائن آخر أو أي شيء آخر بالأزلية، فالأزلية صفة إلهيَّة قاصرة على اللَّه فقط، ومعنى أزلي أي ليس له بداية، فهو كائن قبل كل الدهور، وخارج دائرة الزمن.
7ــ يتساءل الناقد: لماذا وُلِد المسيح من امرأة تحمل الخطية وتورثها لأبنائها؟ وهو في هذا يتغافل تمامًا دور الروح القدس في قصة التجسد، فقد حلَّ على العذراء مريم فقدَّس وطهر ونقى مستودعها، كما شرحنا من قبل، وهيئ الجسد المقدَّس للمسيح القدوس المولود منها عمانوئيل اللَّه معنا.
8ــ يتساءل الناقد: أليس من الأوقع أن يظهر اللَّه في شكل امرأة؟ فهل يريد الناقد أن يرسم مسيرة الفداء للَّه؟!.. ألم يخطئ آدم مثلما أخطأت حواء؟!.. أن الرجل هو رأس المرأة لذلك تجسَّد اللَّه في شكل رجل، وعندما تجسَّد فدى كل من الرجل والمرأة، وفداءه كافٍ لجميع بني البشر منذ آدم وإلى آخر الدهور.
9ــ يتحدث الناقد عن أمرين يثيران الدهشة، وهما خلاص الشيطان والحيوان، ومن قال أن اللَّه فدى أو أنه سيفدي الشيطان أو الحيوان؟!.. ليس للشيطان خلاص لأنه تكبَّر وسقط بإرادته، دون أن يغويه أحد، كما حدث في سقوط الإنسان بغواية الشيطان، وما زال الشيطان مستمرًا في طريقه ليجذب معه أكبر عدد من بني البشر لبحيرة النار والكبريت التي أعدها اللَّه له ولكل جنوده. كما أن الحيوان ليس له روح خالدة، فلن يقوم يوم القيامة العامة، بل بموته يفنى فناءًا نهائيًا، فلا قيامة لأي حيوان ولا فداء للحيوانات، وليس من المعقول أن اللَّه يقيم الحيوانات في اليوم الأخير ليحاكمها، ثم تعود جميعها للفناء، كما أنه ليس في السماء مكانًا للحيوانات، ولا حاجة للإنسان للحيوان في الحياة السمائية.
_____
(278) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص150.
(279) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 4 ص370، 371.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/195.html
تقصير الرابط:
tak.la/4b86474