St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

19- هل كان السيد المسيح من جماعة الأسينيين لأنه اعتمد من يوحنا المعمدان، وأمضى خلوته في القفر، واختار اثنى عشر تلميذًا منهم ثلاثة من المقربين مثل نظام الأسينيين، وتحدَّث عن عالمي النور والظلمة؟ وهل هو مثل "معلم البر" مؤسّس الأسينية؟

 

س19 : هل كان السيد المسيح من جماعة الأسينيين لأنه اعتمد من يوحنا المعمدان، وأمضى خلوته في القفر، واختار اثنى عشر تلميذًا منهم ثلاثة من المقربين مثل نظام الأسينيين، وتحدَّث عن عالمي النور والظلمة؟ وهل هو مثل "معلم البر" مؤسّس الأسينية؟

 وقد دلَّل البعض على أن السيد المسيح كان أسينيًا بما يلي:

1ــ إنه اعتمد بمعمودية يوحنا، مشابهًا الاغتسالات الكثيرة التي كان يمارسها الأسينيون.

2ــ أنه شبيه بمعلم البر الذي أسَّس جماعة الأسينيين.

3ــ كوَّن السيد المسيح مجموعة من اثنى عشر تلميذًا، منهم بطرس ويعقوب ويوحنا من المقربين، وهذا ما كان متبعًا في النظام الأسيني.

4ـــ قدّم السيد المسيح لتلاميذه الخبز والخمر كما كان يفعل الأسينيون.

5ــ اهتم بحياة التلمذة كما فعل الأسينيون.

6ــ عاش السيد المسيح مع تلاميذه حياة الشركة كما كان يسلك الأسينيون.

7ـــ تحدّث السيد المسيح عن عالمي النور والظلمة، كما اعتقد الأسينيون.

 وأفصح "فريدريك الثاني" ملك بروسيا في رسالته لصديقه "دالمبير" الفيلسوف الفرنسي سنة 1770م عن اعتقاده هذا قائلًا: "ليس يسوع سوى واحد من الأسينيين، فهو مشبَّع من الروح الأخلاقية التي تجدها عند الأسينيين، والتي تمت بصلة وثيقة إلى أخلاقيات زينون (الأيلي)"(63). وجاء في رسالة من شيخ أسيني في أورشليم إلى شيخ أسيني في الإسكندرية بعد صلب السيد المسيح بسبع سنوات: "لم تحدث قيامة ولكن الأسينيين أقاموا يسوع من إغمائه بعد صلبه. ثم عاش ستة أشهر أخرى قبــل أن يمــوت"(64). وادَّعى "فينتوريني" أن كل من يوسف الرامي ونيقوديموس ويوحنا المعمدان وحتى الملاك الذي ظهر وقت القيامة كانوا جميعًا من جماعة الأسينيين (راجع مدارس النقد جـ 2 - عهد قديم س74).

St-Takla.org Image: Frederick the Great, King of Prussia (Fridericus Rex in Borussia, Frederick II, Friedrich II) (1712-1786) - from "History of the Church and Heretics" book, Volume I, by Gottfried Arnold, Romeyn de Hooghe, Sebastiaan Petzold, 1701. صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك فريدريك العظيم (فريدريش العظيم، فردريك الثاني) ملك بروسيا (1712-1786) - من صور كتاب "تاريخ الكنيسة والهراطقة"، ج1، تأليف: جوتفرايد أرنولد، رومين دي هوغ، سيباستيان بيتزولد، إصدار 1701 م.

St-Takla.org Image: Frederick the Great, King of Prussia (Fridericus Rex in Borussia, Frederick II, Friedrich II) (1712-1786) - from "History of the Church and Heretics" book, Volume I, by Gottfried Arnold, Romeyn de Hooghe, Sebastiaan Petzold, 1701.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك فريدريك العظيم (فريدريش العظيم، فردريك الثاني) ملك بروسيا (1712-1786) - من صور كتاب "تاريخ الكنيسة والهراطقة"، ج1، تأليف: جوتفرايد أرنولد، رومين دي هوغ، سيباستيان بيتزولد، إصدار 1701 م.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: لم يكن السيد المسيح من الأسينيين، وهناك أدلة عديدة على هذا:

 1ـــ كان السيد المسيح يجول المدن والقرى مُبشّرًا وكارزًا بملكوت السموات، بينما جماعة الأسينيين كانت منغلقة على ذاتها، والمعمودية التي نالها السيد المسيح من يد يوحنا المعمدان تختلف عما يمارسـه الأسينيون من اغتسالات، فمعمودية يوحنا كانت تتم مرة واحدة، أما اغتسالات الأسينيين فكانت تمارس يوميًا مرتين، ومعمودية يوحنا كانت من أجل التوبة والسيد المسيح تمَّمها نيابة عنا، أما الاغتسالات فكانت من أجل نظافة الجسد، وبينما كان يؤكد الأسينيون على ضرورة الاستحمام قبل تناول الطعام، كان تلاميذ السيد المسيح يأكلون طعامهم بأيدي غير مغسولة (مت 15 : 2 - 11).

 

 2ـــ كان "معلم البر" لدى الأسينيين من الصدوقيين من نسل هارون، بينما جاء السيد المسيح من سبط يهوذا، وهو الإله المتجسد من أجل خلاصنا، الذي وُلِد بدون زرع بشر من العذراء القديسة مريم دائمة البتولية، فأين "معلم البر" من كل هذا..؟! كان "معلم البر" يدعو تلاميذه إلى بر الناموس، أما السيد المسيح فكان يدعو الجميع إليه: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ"(يو 14 : 6).. "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ"(مت 11 : 28)، ولم يتسمى الأسينيون بِاسم "مُعلّم البر"، بينما تسمى المسيحيون بِاسم المسيح... إلخ...

 

 3ـــ كان للأسينيين مجلسًا مكونًا من اثنى عشر شخصًا، والسيد المسيح اختار اثنى عشر تلميذًا له، وهذا لا يُعدّ دليلًا على أن السيد المسيح أسينيًا، لأن رقم (12) من الأرقام المفضلة في العهد القديم، فشهور السنة اثنى عشر شهرًا، وساعات النهار (12)، وكان عدد الأسباط اثنى عشر سبطًا، والجواسيس الذين أرسلهم موسى لاكتشاف أرض الموعد كانوا اثنى عشر، وكان هناك اثنى عشر حجرًا كريمًا على صدرة رئيس الكهنة، وكان يوضع على مائدة خبز الوجوه اثنى عشر رغيفًا، وحمل الرجال اثنى عشر حجرًا من قاع نهر الأردن، ووضعوا في قاع النهر اثنى عشر حجرًا أيضًا، وبنى إيليا المذبح من اثنى عشر حجرًا، وأقام سليمان بحر النحاس على اثنى عشر ثورًا مسبوكًا، وكان لسليمان اثنى عشر وكيلًا... إلخ.، وكل هذا ليس له أي ارتباط بالحركة الأسينية.

 

 4ـــ كان الأسينيون يقدمون الخبز والخمر، ولم يقل أحد منهم أن الخبز تحوَّل إلى جسد والخمر تحوَّل إلى دم، بينما قدَّم السيد المسيح جسده ودمه تحت أعراض الخبز والخمر، قائلًا لتلاميذه: "خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي... اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ. لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا"(مت 26 : 26 - 28)، ولم يقل أحد من الأسينيين أن طعامهم يغفر الخطايا.

 

 5ـــ اهتم الأسينيون بحياة التلمذة ومدة الاختبار التي تستمر ثلاثة أعوام، بعدها قد ينجح الشخص وينضم للجماعة، أو قد يفشل ويعود أدراجه، أما السيد المسيح فاختار تلاميذه ليكونوا معه لمدة ثلاث سنوات، ولم تكن هذه المدة من أجل اختبارهم وتحديد قبولهم من عدمه، بل لأجل تلمذتهم وتدريبهم، وكان السيد المسيح يقبل الكل ولا يرد أحدًا.

 

 6ـــ كان الأسينيون يعيشون حياة الشركة، وهكذا السيد المسيح مع تلاميذه، وأيضًا الكنيسة الأولى عاشت حياة الشركة، وكان مُحرّم على الأسيني أن يتناول أي طعام أُعدَّ خارج الجماعة، أما السيد المسيح فدخل بيوت الخطاة والعشارين وأكل من طعامهم وشرب من شرابهم، حتى قالوا عنه: "هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ" (مت 11 : 19)، وأوصى تلاميذه قائلًا أي بيـت دخلتموه: "أَقِيمُوا فِي ذلِكَ الْبَيْتِ آكِلِينَ وَشَارِبِينَ مِمَّا عِنْدَهُمْ"(لو 10 : 7).

 

 7ـــ فصل الأسينيون بين أبناء النور وأبناء الظلمة، وحرَّموا التعامل مع الأشرار أبناء الظلمة أو التناول من طعامهم أو شرابهم، بينما احتضن السيد المسيح الجميع، ولم يستنكف أن يأكل مع أبناء الظلمة داعيًا إياهم لحياة النور، وعندما لامــه الفريسيون: "قَالَ لَهُمْ لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيب بَلِ الْمَرْضَى" (مت 9 : 12) وأعلن عن نفسه قائلًا: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ" (يو 8 : 12).. فمن من الأسينيين قال عن نفسه أنه نور العالم؟!

 

 8ـــ غالى الأسينيون في حفظ السبت بطريقة حرفية، حتى أنهم كانوا ينهون عن إغاثة الملهوف في يوم السبت، بينما كان السيد المسيح يُكثر من عمل الخير في السبوت: "ثُمَّ قَالَ لَهُمُ السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ"(مر 2 : 27)، وغالى الأسينيون في تقديس اسم الله، حتى أن مَن ينطق به (يهوه) يحكمون عليه بالموت. أما السيد المسيح فعلمنا أن نخاطـب الله قائلين: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" وكثيرًا ما حدثنا عن الآب ومحبته لنا: "لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ" (يو 16 : 27).. "هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ"(يو 3 : 16).

 

 9ـــ لو كان السيد المسيح أسينيًا كيف يحضر زواجًا ويجري فيـه أول معجزاته، بينما كان الأسينيون لا يتزوجون ولا يحضرون حفلات الزواج، ومن أقوالهم أن من يتزوج يرتكب خطية النجاسة فلا يقيم بينهم، وأن النساء والأولاد يعملون على تحويل الجماعة عن أهدافها، فالنساء يستخدمن أبناءهن في تعكير صفو الهدوء والوحدة الروحية للجماعة... بينما علم السيد المسيح وبولس الرسول أنه لا فرق بين ذكر وأنثـى إذ الجميع واحــد في المسيح (غل 3 : 28)، والزواج مكرَّم: "لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ"(عب 13 : 4).. "أَيُّهَا الرِّجَالُ أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَـمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا"(أف 5 : 25). كما دعى الأولاد إليه (لو 18 : 16).

 

 10ـــ كانوا الأسينيون يحرمون التعامل مع المرأة، بينما السيد المسيح كان منفتحًا في معاملاته مع المرأة، فكان يستريح في بيـت مريم ومرثا وأخيهما لعازر، وأخرج من المجدلية سبعة شياطين فصارت تخدمه، كما تبعته نساء من الجليل كن يخدمنه من أموالهن، وذهب ليلتقي بالمرأة السامرية، وتحدث مع الكنعانية ومدح عظيم إيمانها، ونازفة الدم التي لمسته نالت الشفاء، وترك المرأة الخاطئة تقبّل قدميه وتمسحهما بشعر رأسها... فهل بعد كل هذا يقول أحد أن المسيح كان أسينيًا؟!

 

 11ـــ اعتمد الأسينيون على السلوك الظاهري، والنواهي، والعقوبات الصارمة تجاه العضو المخطئ، بينما ركز السيد المسيح على الحياة الداخلية، ودعى للصفح والمغفرة ليس إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات... فشتان بين هذا وذاك، فقد قال السيد المسيح: "مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا"(يو 6 : 37).

 

12ـــ لم يتحدث السيد المسيح قط عن الأسينيين، ولم يذهب إليهم، ولـم يستشهد بأقوالهم، ولم يمدحهم ولا ذمَّهم... فهل يُعقل أنه يكون من جماعة الأسينيين؟! (راجع رأفت شوقي - الخلفية اليهودية وعلاقتها بأسفار العهد الجديد - الكتاب الأول ص 244 - 261).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (63) أورده الأب بولس إلياس - يسوع المسيح - شخصيته - تعاليمه ص 140.

 (64) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 60.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/19.html

تقصير الرابط:
tak.la/nz9zq9x