س18: هل كان يوحنا المعمدان من جماعة الأسينيين لأنه عاش في البراري، وكان متبتلًا، ناسكًا، يدعو للتوبة، يعمّد بالماء، ويعيش بالقرب من قمران؟
قال البعض أن يوحنا المعمدان كان من جماعة الأسينيين بدليل:
1- قول الكتاب عن يوحنا المعمدان: "أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ" (لو 1 : 80)، وعاش نُسَّاك قمران في هذه البراري، وقال "جان دانييلو" أن زكريا الكاهن قبل استشهاده قد عهد بأبنه لجماعة قمران.
2ـــ كان يوحنا المعمدان متبتلًا، وهذا كان شرطًا للقبول في جماعة الأسينيين.
3ـــ كان يوحنا المعمدان إنسانًا ناسكًا متقشفًا، والنُسك والتقشف من صلب العقيدة الأسينية.
4ــ دعا يوحنا المعمدان للتوبة، وهذه كانت من أولويات جماعة الأسينيين.
5ـــ كان يوحنا المعمدان يعمّد بالماء واهتمت الجماعة الأسينية بالاغتسالات.
6ـــ استشهد كلٍ من يوحنا المعمدان وجماعة الأسينيين بما جاء في سفــر إشعياء النبي (إش 40 : 3 - 5) كقول جان دانييلو.
7ــ المنطقة التي كان يعمّد فيها يوحنا المعمدان كانت على بُعد ثلاثة كيلومترات من نساك قمران كقول جان دانييلو Jean Danieleu، ولم يعمّد في بحيرة طبرية.
(راجع د. فريز صموئيل - السنوات المجهولة من حياة المسيح ص 86، 87).
ج: على قدر عظمة يوحنا المعمدان الذي شهد السيد المسيح له بأنه أعظم مواليد النساء، ونال تقدير واحترام الشعب الذي خرج أفواجًا أفواجًا يعتمد منه، فأنه لم يرد له أي ذكر في مخطوطات قمران، ولو كان من جماعتهم لأكثروا الحديث عنه، ويمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
1ـــ كان يوحنا المعمدان يعيش في بيئة قريبة الشبه من البيئة التي عاش فيها الأسينيون، ولكن يجب ملاحظة أن صحراء اليهودية تمثل منطقة متسعة لم يشغلها الأسينيون بالكامل، بل كانت هناك كهوفًا عديدة على شط البحر الميت عاش فيها عدد من النُسَّاك والغيورين. إذًا ليس بالضرورة أن يكون يوحنا قد عاش مع الأسينيين، والتزم بمبادئهم، ولا ننسى أن يوحنا المعمدان هو ابن زكريا الكاهن من كهنة الهيكل، ولا يخفى على أحد العداء بين الأسينيين وكهنة الهيكل، فكيف يعهد زكريا الكاهن الوقور بابنه إلى جماعة لا تقبله؟! وكيف يقبل نُسَّاك قمران يوحنا الصبي ابن زكريا الكاهن وهم لا يقبلون كهنة الهيكل..؟! تحدثت الأناجيل عن يوحنا المعمدان، وكذلك يوسيفوس المؤرخ، ولم يذكر أحد منهم صلة يوحنا المعمدان بجماعة الأسينيين.
2ـــ عاش يوحنا المعمدان حياة البتولية، وقامت جماعة الأسينيين على مبدأ البتولية، ولكن هذا التشابه لا يثبت أن يوحنا المعمدان كان واحدًا منهم، فالأسينيون حرَّموا الزواج، بينما بعض تلاميذ يوحنا مثل بطرس وأندراوس ويعقوب كانوا متزوجين، فلو كان يوحنا المعمدان أسينيًا ما كان يقبل أن يكون بعض تلاميذه من المتزوجين، وأيضًا لو كان أسينيًا لاعتزل عن المجتمع، بينما كرز يوحنا للشعب وعمدهم بمعمودية التوبة، سواء كانوا بتوليين أو متزوجين.
3ـــ كان يوحنا المعمدان ناسكًا ومتقشفًا، وليس معنى هذا أنه استقى هذه الفضائل من الأسينيين، فالأسينيون كان لهم طعامهم الخاص بهم الذي يعتبرونه مقدسًا وعربونًا للوليمة الأبدية، بينما كان يأكل يوحنا جرادًا وعسلًا بريًا، ولا نجد أي دليل على أن يوحنا كان لا يأكل إلاَّ الطعام الـذي أُعدَّ بواسطة جماعة الأسينيين، فلو كان يوحنا أسينيًا، فكيف يأكل طعامًا غير طعامهم؟! وأيضًا كان يوحنا يلبس ملابس من وبر الأبل ومنطقة من جلد على حقويه، بينما كان يرتدي الأسينيون ملابس من الكتان الأبيض، فلو كان يوحنا أسينيًا، فلماذا لم يلتزم بنوعية ملابسهم؟!
4ــ لم يدعو يوحنا المعمدان للتوبة لأن الأسينيين دعوا إليها، إنما دعى إليها للاستعداد لقبول السيد المسيح، وإن كانت التوبة عامل مشترك بين المعمودية والأسينيين، فذلك لأن المنبع الذي استقوا منه واحد، وهو الأسفار المقدَّسة، وكان الأسينيون ينتظرون كما رأينا أكثر من مسيا بينما بشَّر يوحنا المعمدان بمسيا واحد، وأعد الطريق أمامه وقال أنه أقوى منه (لو 3 : 16) وأنه ليس مستحقًا أن يحل سيور حذائه (يو 1 : 27).
5ـــ كان يوحنا المعمدان يعمّد بالماء مرة واحدة، أما الأسينيون فقد كانوا يستحمون مرتين كل يوم بين العمل وتناول الطعام، وكانت معمودية يوحنا للتوبة: "وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ" (مت 3 : 6) بينما غسلات الأسينيين لم ترتبط بالتوبة، ولم يوجد لدى الأسينيين أي نوع من المعموديات.
6ـــ استشهد كل من يوحنا المعمدان وجماعة الأسينيين بما جاء فـي سفر إشعياء النبي (إش 40 : 3 - 5)، ولكن كان لكل منهما مفهومًا غير الآخَر، فيوحنا المعمدان طبَّق الآية على نفسه "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ"(إش 40 : 3)، وعندما سأله اليهود: "مَنْ أَنْتَ لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا. مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ. قَالَ أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ"(يو1 : 22، 23)، بينما لم نسمع أن أحدًا من الأسينيين ادعى أنه هو الصوت الصارخ في البرية.
7ـــ لم يعمد يوحنا المعمدان في البرية بجوار نُسَّاك قمران فقط، بل عمد في أماكن أخرى مثل "بَيْتِ عَبْرَةَ"(يو1 : 28) على الشط الشرقي لنهر الأردن، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وفي "عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ" (يو 3 : 23)، ولم يعمد يوحنا في بحيرية طبرية لأن كرازته كانت مركَّزة في منطقة اليهودية: "حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ"(مت 3 : 5) (راجع رأفت شوقي - الخليقة اليهودية وعلاقتها بأسفار العهد الجديد - الكتاب الأول ص 232 - 244).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/18.html
تقصير الرابط:
tak.la/wsf52yy