س173: قال إنجيل متى: " يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ" (مت 1: 16)، ودُعي ملوك كثيرين بأنهم مسحاء (1 صم 24: 6، مز 38: 5، إش 45: 1) فما الفرق بين المسيح وبين أي ملك آخر دُعي مسيحًا سواء كان صالحًا أو شريرًا أو وثنيًا؟
ج: 1ــ كلمة "مسيح" أي ممسوح، وكان الملوك والكهنة والأنبياء يمسحون بزيت المسحة، فكانوا يُدعَون مسحاء، فبالنسبة للملوك نجد أن صموئيل النبي قد مسح شاول ملكًا على إسرائيل: " فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قِنِّينَةَ الدُّهْنِ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ أَلَيْسَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَسَحَكَ عَلَى مِيرَاثِهِ رَئِيسًا" (1 صم 10: 1)، ولهذا قال داود عن شاول الذي طالما حاول قتله: "حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ أَعْمَلَ هذَا الأَمْرَ بِسَيِّدِي بِمَسِيحِ الرَّبِّ فَأَمُدَّ يَدِي إِلَيْهِ لأَنَّهُ مَسِيحُ الرَّبِّ هُوَ" (1 صم 24: 6). ثم مسح صموئيل داود ملكًا عوضًا عن شاول (1 صم 16: 13) فقال داود عن نفسه: " وَالصَّانِعُ رَحْمَةً لِمَسِيحِهِ لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ" (مز 18: 50) بل أن كورش الملك الوثني دُعي مسيح الرب: "هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِه،ِ لكُورَشَ" (إش 45: 1) وذلك لأنه نفذ رغبة اللَّه في عودة شعبه من بابل إلى أورشليم، كما أن كورش أعاد الآنية المقدَّسة، وشجعهم على بناء بيت الرب. وبالنسبة للكهنة فقد كلم الرب موسى قائلًا: " وَتُلْبِسُ هَارُونَ الثِّيَابَ الْمُقَدَّسَةَ وَتَمْسَحُهُ وَتُقَدِّسُهُ لِيَكْهَنَ لِي. وَتُقَدِّمُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ أَقْمِصَةً. وَتَمْسَحُهُمْ كَمَا مَسَحْتَ أَبَاهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي" (خر 40: 13 ــ 15) وقد ذكر تفصيلات أكثر عن مسح رئيس الكهنة في (خر 29: 4 - 9). وبالنسبة للأنبياء فقد أمر الرب إيليا قائلًا له: " وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ" (1 مل 19: 16).
ويقول "عباس محمود العقاد": " ومرجع التسمية نفسها إلى الشعائر التي وردت في سفر التكوين وسفر الخروج وما يليها من أسفار الأنبياء. فإن المسيح بالزيت المبارك شعيرة من شعائر التقديس والتكريم، وأول ما ورد ذلك في الأصحاح الثامن والعشرين من سفر التكوين حيث روى عن يعقوب أنه: " بَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ. وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ بَيْتَ إِيلَ ــ أي بيت الَّله - ". وجاء في الأصحاح الثلاثين من سفر الخروج أن الرب كلم موسى قائلًا: ".. وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ الأَطْيَابِ... دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ... وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَتَابُوتَ الشَّهَادَةِ وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا وَالْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ. وَمَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ... وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدَّسًا. وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّسُهُمْ...
وكان الأحبار والأنبياء يُسمون من أجل هذا مسحاء الَّله، وتنهي التوراة عن المساس بهم كما جاء في الأصحاح السادس عشر من سفر الأيام: " لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي". وكان مسح الملك أول شعائر التتويج والمبايعة، فكان شاول وداود من هؤلاء المسحاء.
ثم أُطلقت كلمة "المسيح" مجازًا على كل مختار ومنذور فسُمي كورش الفارسي " مسيحًا " كما جاء في الأصحاح الخامس والأربعين من سفر إشعياء، لأن اللَّه أخذ بيده لإهلاك أعداء الإسرائيليين وإقامة بناء الهيكل من جديد، وسُمي الشعب كله مسيحًا كما جاء في المزامير وكتاب النبي حبقوق، وفيه "خرجت لخلاص شعبك. خلاص مسيحك" بمعنى الشعب المختار"(189)
2ــ لم يوجد شخص واحد جمع الوظائف الثلاثة، المُلك والكهنوت والنبوة، في شخصه، فكان داود ملكًا ونبيًا ولم يكن كاهنًا لأنه من سبط يهوذا وليس سبط لاوي، وكان صموئيل كاهنًا ونبيًا إلاّ أنه لم يكن ملكًا لأنه من سبط لاوي وليس من سبط يهوذا. أما السيد المسيح الذي مُسِح بواسطة الروح القدس (لو 4: 18، يو 1: 32، 33، أع 4: 27، 10: 38) فقد جمع في شخصه المُلك والكهنوت والنبوة، هو الملك وهو الكاهن وهو النبي:
السيد المسيح ملكًا: هو ابن داود الوارث عرش داود، فهو ملك إسرائيل ومملكته ليست من هذا العالم، ولم ينكر أنه ملك عندما سأله بيلاطس البنطي، ومن الشواهد التي تحدثنا عن المسيح الملك (2 صم 7: 16، مز 89: 3، 20، 21، 26، 27، 29، إش 9: 7، 11: 1، 2، 10، إر 23: 5، 33: 15 - 17، حز 34: 23، 24، 37: 24، مت 1: 1، 20، 2: 2، 12: 23، 15: 22، 20: 30، 31، 21: 9، لو 1: 27، 32، 33، 69، 3: 23 - 38، 7: 42، رو 1: 3، 2تي 2: 8) (راجع س159).
السيد المسيح كاهنًا: هو الذي قدم ذاته ذبيحة على الصليب من أجل خلاصنا، وهو رئيس الكهنة على طقس ملكي صادق (عب 7: 21)، وهو رئيس الكهنة الجالس عن يمين العظمة في السموات يشفع فينا (عب 8: 1 - 6).
السيد المسيح نبيًا: تنبأ عنه موسى النبي قائلًا: " يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ" (تث 18: 15) وهو قال عن نفسه: " الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ" (لو 4: 24)، وقد أنبأ بخراب أورشليم وعلامات الأزمنة الأخيرة والمجيء الثاني (مت 24: 1 - 41).
3ــ أما عن الفرق بين المسيح وبين المسحاء الآخرين من ملوك وكهنة وأنبياء، فهو يساوي الفارق بين الخالق والمخلوق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. السيد المسيح هو خالق الكل: " كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يو 1: 3)، هو الذي جبل الملوك والكهنة والأنبياء جميعًا، وليس دعوتهم بأنهم مسحاء أنهم تساووا بالمسيح. حاشا، فمثلًا عندما قال السيد المسيح عن نفسه: " أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ" (يو 8: 12) وقال أيضًا: " أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت 5: 14) ليس معنى هذا أننا صرنا متساوون معه، فهو نور العالم بطبيعة لاهوته النورانية، هو شمس البر التي تشرق لنا والشفاء في أجنحتها (ملا 4: 2)، أما نحن فنورنا مُكتَسب منه، فنحن مثل القمر الذي يعكس أشعة الشمس التي تسقط عليه، ومثل هذا قوله: " فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 5: 48) فهو الكمال الذاتي المُطلق بينما كمالنا نحن مُكتَسب منه، وهو كمال نسبي.
_____
(189) حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث ص33.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/173.html
تقصير الرابط:
tak.la/njz62kg