س135: ما هيَ خصائص وصفات وسمات كتب أبوكريفا؟
ج: هناك خصائص وصفات وسمات عامة اتصفت بها كتب أبوكريفا، ومن هذه الصفات ما يلي:
1ــ
خيالية شخصية يسوع
2ــ الأسطورية
3ـــ البدع والهرطقات
4ـــ ظهور يسوع المسيح
بأشكال متغيرة
5 - التعاليم السريَّة
6ــ تشويه سر الزيجة
المقدَّس
7ــ الحماس الديني
لقد بالغت كُتـب أبوكريفا في نسبة الأمور الخيالية ليسوع المسيح، ولا سيما أناجيل الطفولة التي تناولت طفولته، حتى أننا نجد فيها الأسود والنمور والثيران والحمير تسجد للطفل يسوع، وتبدو شخصية يسـوع شخصية متقلّبة سريعة الانفعال، يُميت هذا ويحيي ذاك، ويلعن وينتقم لأتفه الأسباب، وما أكثر المعجزات التي نسبتها كتب أبوكريفا ليسوع في طفولته، بينما كلام الإنجيل واضح أن معجزة قانا الجليل كانت أولى معجزاته "هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ" (يو 2 : 11) وأوضح الإنجيل أن يسوع المسيح عاش حياتنا الطبيعية إذ شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها: "وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئًا حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ... وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ" (لو 2 : 40، 52).
وقال "القديس كيرلس عمود الدين" في رسالته في الرد على نسطور: "لو أنه أبان (أظهر) وهو طفل من الحكمة ما يليق به كإله، لظهر للجميع كأنه كائن غريب شاذ عن الطبع. ولكنه كان يتدرَّج في إظهار حكمته بالنسبة إلى تقدمه في العمر بحسب الجسد. وهكذا أراد أن يظهر للكل كأنه هو نفسه كان يزداد في الحكمة بما يتلاءم مع سنه... ففي تأكيدنا أن ربنا يسوع المسيح هو واحد، وفي نسبتنا له خواص اللاهوت والناسوت نؤكد حقيقة أنه ملائم لقياسات تواضع المسيح حتى أنه قَبِل زيادة جسدية ونموًا في الحكمة، فأعضاء الجسد كانت تصل بالتدريج إلى تمام بلوغها، ومن جهة ثانية يظهر كأنه امتلأ حكمة بنسبة ظهور الحكمة الكامنة فيه كأنها تبرز بدرجة ملائمة لنمو الجسد. وقد تم هذا بحسب تدبير الجسد وقياسات حالة الاتضاع... فهو يعرف من جهة لاهوته لأنه حكمة الله، ولكنه إذ أخضع نفسه إلى القياس الناسوتي اتخذ لنفسه بحسب التدبير ذلك القياس. ولم يكن كما قلت سابقًا يجهل شيئًا لكن يعلم كل شيء كما يعلم الآب"(939).
ويعلق "وستكوت" على معجزات كتب أبوكريفا قائلًا: "في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهومًا سليمًا لقوانين تدخلات العناية الإلهيَّة، فهي تجري لسد إعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتية، وكثيرًا ما تنافي الأخلاق، فهي استعراض للقوة بدون داعٍ من جانب الرب، أو من جانب من عملت معه المعجزة"(940).
نسبت كتب أبوكريفا أمورًا أسطورية ليس ليسوع المسيح فقط، بل أيضًا للرسل الأطهار، ولم تذكر لهم أي ضعف من الضعفات البشرية، فبطرس يجعل سمكة مشوية تعوم، ويوحنا يُسقط بصلاته معبد أرطاميس الضخم. فجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "صفاتها العامة: والأعمال الأبوكريفية تزعم أنها تقدم تفاصيل أكثر مما في سفر الأعمال الكتابي، عن أنشطة الرسل. والزيادات التي فيها مصبوغة بالمبالغات والتهاويل، وتنم عن نزعة غير سليمة لاختراع الخوارق، فهيَ مملوءة بالروايات الغريبة التي اختلقها خيال جامح. فهيَ خالية من اللباقة، بعيدة كل البُعد عن الحقيقة، وهيَ تصوّر الرسل في مستوى أعلى من مستوى البشر، والضعفات البشرية التي تسجلها لهم الأسفار القانونية تختفي تمامًا، فهم يسيرون في العالم كرجال ملمين تمامًا بكل أسرار السماء والأرض، ويمتلكون قدرات لا حدود لها، فلهم القدرة على الشفاء وإخراج الشياطين وإقامة الموتى. ومع أن هذه الأفعال العجيبة كثيرًا ما كانت تحدث، إلاَّ أن هذه الأسفار تروي معجزات أتاها الرسل تذكرنا بالخوارق اللا معقولة عن طفولة يسوع المذكـورة في إنجيل توما، مثل جعل سمكة مشوية تعوم، أو تمثال مكسور يصبح سليمًا بواسطة رشة بمياه مقدَّسة، أو طفل ذي سبعة شهور يتكلم بصوت رجل بالغ، أو أن تصبح الحيوانات قادرة على الكلام بلغة بشرية"(941).
ومما جاء في تلك الكتب أيضًا أن الكلب يعظ بصوت أدمي، ويوحنا يطرد البق من بيت، وصلاته تُسقط معبد أرطاميس، والشاب والتنين يتنافسان في حب فتاة، حتى أن التنين يقتل الشاب، فيأمر توما التنين بأن يمتص السم، فيفعـل ويموت، ثم يحيي توما الشاب، ويُسخّر الرسل قوى الطبيعة من رياح ونيران وزلازل وصواعق، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "الخوارق: والصفة الرومانسية للأعمال الأبوكريفية تظهر بشدة في ابتدائها - في أغلب الأحيان - بالخوارق، فيظهر الملائكة في رؤى أو أحلام، وتسمع أصوات من السماء، وتهبط السحب لستر الأمناء في وقت الخطر، كما تفتق الصواعق بأعدائهم، وقوات الطبيعة المخيفة من زلازل ورياح ونيران تبعث الرعــب في قلوب الفجار"(942).
ظهرت في كتب أبوكريفا العديد من البدع والهرطقات، فجاء مثلًا في "إنجيل الأبيونيين" أن الروح القدس بعد أن حلَّ على المسيح في شكل حمامة، دخلت هذه الحمامة إلى جوف المسيح، وجاء في "إنجيل العبرانيين" أن العذراء مريم هيَ الملاك ميخائيل، وأنها حملت بيسوع سبعة أشهر فقط: "عندما أراد المسيح أن ينـزل على الأرض، استدعى الآب الصالح قوة قديرة من السماء كانت تُدعى الملاك ميخائيل، وعهد له من ذلك الوقت بالعناية بالمسيح، وجاءت القوة إلى العالم ودُعيت مريم وكان المسيح في رحمها سبعة أشهر"(943). وقال "أوريجانوس": "إذا كان هناك من يقبل الإنجيل بحسب العبرانيين حيث المخلص نفسه يقول: أمي الروح القدس أخذتني بواسطة شعرة من رأسي وحملتني إلى جبل تابور... "(944).
كما حوت كتب أبوكريفا الفكر النسطوري بأن المسيح الإلـه حلَّ على يسوع الإنسان، وأيضًا حملت فكر سابليوس الذي أنكر الثالوث القدوس وقال بأقنوم واحد لله كما جاء في إنجيل المصريين، وكذلك حملت الفكر الدوسيتي والفكر الأوطاخي الذي يطعن في ناسوت المسيح ويدَّعي أنه أتخذ جسدًا خياليًا وهذا الجسد تراه تارة جامدًا وتارة أخرى لينًا وتارة ثالثة ليس له قوام، وأن صلبه وآلامه كانت مجرد مظاهر وهمية... "لقد كان مجرد شبح وحياته على الأرض لم تكن إلاَّ خيالًا! وكان يظهر بأشكال متعددة ويغير شكله كيفما يشاء ووقتما يشاء"(945). وجاء في "دائرة المعارف الكتابية" عما حوتــه كتب أبوكريفا: "التعاليم الهرطوقية: وعلاوة على هذه الصبغة التقشفية، فأن الأعمال الأبوكريفية لا تخلو من هرطقات، فجميعها - باستثناء أعمال بولس - تمثل فكرًا دوسيتيًا أي أن حياة المسيح على الأرض لم تكن إلاَّ خيالًا غير حقيقي. وتبرز هذه الفكرة بشدة في أعمال يوحنا حيث نقرأ فيها أن يسوع عند سيره لم تكن أقدامه تترك أثرًا، وأنه عندما كان الرسول يحاول أن يمسك بجسد المسيح كانت يده تخترق الجسد بلا أي مقاومة، وأنه بينما كانت الجموع تحتشد حول الصليب ويسوع معلَّق عليه أمام أنظار الجميع. كان السيد يتقابل مع تلميذه يوحنا على جبل الزيتون، فلم يكن الصلب إلاَّ منظرًا رمزيًا، فالمسيح تألم ومات في الظاهر فقط"(946). وتغلغل الفكر الغنوسي في كتب أبوكريفا فأدَّعت بعض هذه الأناجيل أن السيد المسيح أعطى مريم المجدلية تعاليم سرية، كما جاء في إنجيل يهوذا أن يسوع المسيح: "دعا تلاميذه الاثنى عشر. وبدأ الحديث معهم عن أسرار ما وراء العالم وما سيحدث في النهاية"(947). وهذا ما سنتعرض له بعد قليل بشيء من التفصيل من خلال السؤال القادم.
جاء في "دائرة المعارف الكتابية": "والسمة البارزة في الأعمال الأبوكريفية هيَ ظهور المسيح بأشكال متعددة، فمرة يظهر في هيئة رجل عجوز، ومرة في هيئة فتى، ومرة أخرى في هيئة طفل، ولكن الأغلب أن يظهر في صورة هذا الرسول أو ذاك"(948). كما جاء في إنجيل فيلبس نفس الفكر: "أظهر ذاته كعظيم للعظيم، كصغير للصغير. أظهر ذاته كملاك للملائكة، وللبشر كإنسان"(949)، وجاء في إنجيل يوحنا السري قول يوحنا الرسول: "وانفتحت السماء وكل الخليقة التي تحت السماء ظهرت واهتز العالم، وكنت خائفًا، ونظرت ورأيت في النور شاب وقف إلى جواري، وبينما نظرت إليه صار مثل رجل عجوز. غيَّر مظهره (ثانية) وأصبح مثل خادم، ولم يكن هناك تعدُّد أمامي ولكن كان هناك مظهر ذو أشكال متعددة في النور، والأشكال ظهرت خلال كل منها، وكان المظهر له ثلاثة أشكال"(950).
تدَّعي كتب أبوكريفا أن السيد المسيح خصَّ مريم المجدلية والتلاميذ بتعاليم سريَّة، فجاء في "إنجيل مريم المجدلية": "قال بطرس لمريم: أختاه، نعلم أن المخلص أحبك أكثر من أي امرأة أخرى، قولي لنا كلمات المخلص التي تذكرينها وتعرضينها ولم نسمعها من قبل. أجابت مريم وقالت، ما هو مخفي عنكم سأطالب به من أجلكم"(951). وجاء في "إنجيل يهوذا: "قول السيد المسيح ليهوذا: "تعال بعيدًا عن الآخرين وسأخبرك بأسرار الملكوت. فمن الممكن لك أن تصل إلى ذلك"(852).
وكل ما سبق لا يتفق مع تعاليم السيد المسيح الذي قال لتلاميذه: "اَلَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلْمَةِ قُولُوهُ فِي النُّورِ وَالَّذِي تَسْمَعُونَهُ فِي الأُذُنِ نَادُوا بِهِ عَلَى السُّطُوحِ"(مت 10 : 27)، وقال لرئيس الكهنة وقت المحاكمة عندما سأله عن تعاليمه: "أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ" (يو 18 : 20) ولنا عودة لهذا الأمر ثانية عند مناقشة أسباب رفض الكنيسة لكتب أبوكريفا.
نظرت كتب أبوكريفا للزواج والجنس على أنه دنس ونجاسة، واعتبرت أن العلاقات الزيجية تمنع الإنسان من دخول الملكوت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فجاء في "كتاب أعمال بولس" أن الإنسان الذي لم يتحفظ لنفسه من العلاقـات الزوجية لا نصيب له في القيامة، وأوضحت هذه الكتب المزيَّفة أن الرسل كانوا يسعون جاهدين لإقناع الزوجات بالامتناع عن العلاقات الزيجية، وأن يسوع المسيح ظهر في شكل توما لعروسين وأقنعهما بالامتناع عن العلاقات الزوجية. كما جاء في "أعمال أندراوس" أنه عندما سألت سالومي الرب: "إلى متى يسود الموت؟"، أجابها: "إلى أن تكفوا أنتنَّ النساء عن ولادة الأطفال لأني جئت لأقضي على وظيفة المرأة"(953).
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية" عن كتب الأعمال أبوكريفية: "الزهد الجنسي:.. كان لها غاية عملية هيَ إثبات وإشاعة نوع من المسيحية ينادي بالامتناع الصارم عن العلاقات الجنسية كالمطلب الأدبي الأساسي. فهذا الزهد الجنسي هو الموضوع الرئيسي في هذه الأعمال. فكفاح الرسل واستشهادهم إنما حدث نتيجة كرازتهم بوجوب طهارة الحياة الزوجية، ولنجاحهم في إقناع الزوجات بتجنب مخالطة أزواجهن. فكل أسفار الأعمال الأبوكريفية تتخللها فكرة أن الامتناع عن الزواج هو أسمى شرط للدخول إلى الحياة الفضلى وربح السماء"(954).
مع كثرة البدع والهرطقات والعيوب التي اختلطت بكتب أبوكريفا، إلاَّ أنها حوت صلوات وأناشيد رائعة، فجاء فـي "دائرة المعارف الكتابية": "المشاعر الدينية: بالرغم من هذا الانطباع السيء الذي يخلقه هذا الطوفان من تفاصيل الخوارق والتهاويل، وبالرغم من الجو السائد للزهد الجنسي والمفاهيم العقائدية الخاطئة، فإن الإنسان لا يسعه - أمام كثير من الأجزاء منها - إلاَّ أن يحس بنشوة الحماس الروحي، وبخاصة في أعمال يوحنا وأندراوس وتوما حيث توجد أجزاء (أناشيد وصلوات ومواعظ) تبلغ أحيانًا حد الروعة والجمال الشعري وتتميز بدفء ديني وحماسة صوفية وقوة أدبية"(955).
_____
(939) أورده الأرشمندريت حنانيا إلياس كساب - مجموعة الشرع الكنسي ص 314.
(942) المرجع السابق 1 ص 40.
(943) أورده المهندس أشرف جبره - الرد على مشكلات الكتاب المقدَّس التاريخية والقانونية ص 233.
(944) أورده القمص عبد المسيح بسيط - أبوكريفا العهد الجديد ص 57.
(945) أورده القمص عبد المسيح بسيط - أبوكريفا العهد الجديد ص 58.
(946) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 41.
(947) أورده المهندس أشرف جبره - الرد على مشكلات الكتاب المقدَّس التاريخية والقانونية ص 235.
(948) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 40.
(949) أورده القمص عبد المسيح بسيط - أبوكريفا العهد الجديد ص 58.
(952) المرجع السابق ص 59.
(955) المرجع السابق 41.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/135.html
تقصير الرابط:
tak.la/f9bgjf9