س126: لماذا تأخرت كنيسة روما في ترجمة الكتاب المقدَّس للغتها اللاتينية؟ ومتى بدأت الترجمة اللاتينية القديمة؟ ومن الذين قاموا بها؟ وما هيَ العيوب التي شابتها؟ ومن الذي قام بترجمة "الفولجاتا"؟ وهل قُبِلت في الكنيسة الغربية على الفور؟ وما هيَ أهميتها بالنسبة للترجمات الأخرى؟
أولًا:
الترجمة اللاتينية القديمة:
المجموعة الأولى: المجموعة
الأفريقية:
أ – المخطوطة اللاتينية
بلاتينوس
ب - المخطوطة اللاتينية فلوري
جـ ـ المخطوطة اللاتينية
بوبيانسيس
المجموعة الثانية: المجموعة
الأوروبية:
أ – المخطوطة اللاتينية
فرسللي
ب ـ المخطوطة اللاتينية
فيرونشيز
جـ ـ المخطوطة البيزية
د – المخطوطة اللاتينية جيجاس
ثانيًا: ترجمة الفولجاتا:
أ - نسخة الفولجاتا أماتينس
ب - نسخة الفولجاتا كافنسيس
جـ - نسخة الفولجاتا دوتنسيس
بالرغم من أن اللاتينية هيَ لغة روما، إلاَّ أن الرومان لم يجدوا غضاضة في الاعتماد بالأكثر على اللغة اليونانية، اللغة الدولية العالمية، التي يجيدونها، كما أنها لغة أسفار العهد الجديد، وأيضًا أسفار العهد القديم من خلال الترجمة السبعينية، كما أن اللغة اليونانية كانت تمثل لغة الفكر اللاهوتي في الكنيسة الجامعة بما فيها الكنيسة الغربية، حتى أن عظات الأساقفة الأوائل في روما مثل القديس أكليمنضس الروماني كانت باليونانية، وكذلك كتاباتهم، وظل الرومان يقرأون الكتاب المقدَّس باليونانية حتى القرن الثالث والرابع بينما كان للمصريين ترجمتهم القبطية، وللسوريين ترجمتهم السريانية. ومع بداية القرن الثالث صارت اللغة اللاتينية هيَ السائدة في العبادات الليتورجية، وكانت مقاطعة شمال أفريقيا قرطاجنة من ليبيا إلى تونس تتحدث اللاتينية وتمارس عبادتها أيضًا باللغة اللاتينية، وفيها ازدهرت المسيحية، حتى أنها اُعتبرت الأم الفعلية للمسيحية اللاتينية، وظهر أعلام الفكر مثل العلامة ترتليانوس والقديس كبريانوس والقديس أُغسطينوس، وفي منطقة قرطاجنة بدأت ترجمة أجزاء من أسفار الكتاب المقدَّس بعهديه القديم والجديد من اليونانية لللاتينية، وبدأت هذه الترجمات تكتمل شيئًا فشيئًا، غير أنها كانت غير رسمية وغير منظَّمة، حتى أن كل من يملك مخطوطة يونانية ويجيد اللغتين اليونانية واللاتينية بقدر ما، كان يحاول أن يترجم لللاتينية، فكانت النتيجة ظهور أعداد كبيرة من الترجمات على قدر كبير من الاختلافات.
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "سرعان ما ظهرت الحاجة إلى ترجمة لاتينية للكتاب المقدَّس. وفي نهاية القرن الثاني أصبحت الأناجيل - وربما العهد الجديد كله - متداولة باللغة اللاتينية في شمال أفريقيا، وسرعان ما انتشرت هذه الترجمة في سائر أجزاء الإمبراطورية. وتختلف مخطوطات الترجمة اللاتينية القديمة (التي يُرمز لها بالرقم OL أو IT من Itala) فيما بينها اختلافًا كبيرًا حتى ليبدو أن الترجمة اللاتينية لم تكن ترجمة واحدة بل ترجمات عديدة، مما يتفق مع قول أوغسطينوس من أنه في الأيام الأولى من العصر المسيحي، حاول كل من لديه مخطوطة يونانية، وعلى دراية باللغتين اليونانية واللاتينية، أن يترجم الأسفار المقدَّسة إلى اللاتينية"(899).
وقبل القرن الرابع كان الكتاب المقدَّس قد تُرجِم للاتينية، غير أن العهد الجديد خلا من رسائل العبرانيين ويهوذا وبطرس الثانية، ومن أفريقيا انتشرت هذه الترجمة اللاتينية إلى أوروبا، واطلق عليها القديس أُغسطينوس اسم "إيطالا" Itala، وجاء في كتاب" فكرة عامة عن الكتاب المقدَّس" إصدار دير أنبا مقار ص 116: "ومن أفريقيا انتشر الكتاب المقدَّس قبل القرن الرابع إلى أوروبا. وقد أطلق القديس أُغسطينوس اسم "إيتالا" على أحسن صيغة للترجمة اللاتينية الأوروبية، إذ أنه كانت هناك ترجمات مختلفة فيها كثير من المفارقات، حتى أن عدد أشكال النص يساوي عدد النسخ الموجودة".
ويوجد لدينا الآن نحو خمسين مخطوطة من هذه الترجمات، ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
وأقتبس منها العلامة ترتليانوس، وأهم المخطوطات الباقية من هذه المجموعة:
ويُرمَز لها بالحرف "S"، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، وتشمل بعض أجزاء من الأناجيل الأربعة.
ويُرمز لها بالحرف "H"، ويرجع تاريخها إلى القرن السادس الميلادي، وقد مُحي ما كُتبت عليها ثم أُعيد الكتابة عليها، وتبقى منها بعض أجزاء من سفر الأعمال والرسائل الجامعة وسفر الرؤيا.
ويُرمَز لها بالحرف "K"، ويرجع تاريخها إلى نحو سنة 400م، وتشمل نصف إنجيلي متى ومرقس، وتحتوي على نهاية إنجيل مرقس (مر 16 : 9 - 20)، وتُعد أشهر الترجمات الأفريقية القديمة.
وأقتبس منها القديس أيرونيموس، ويرجع تاريخها للقرن الثالث الميلادي، وأهم هذه المجموعة:
ويُرمَز لها بالحرف " A "، ويُقال أن القديس يوسابيوس أسقف فرسللي الذي أستشهد سنة 340م هو الذي كتبها، وتحتوي على الأناجيل فقط، وتأتي في الشهرة في المرحلة الثانية بعد المخطوطة بوبيانسيس " K ".
ويُرمَز لها بالحرف "B"، ويرجع تاريخها للقرن الخامس، وهيَ مخطوطة فاخرة كُتبت بالخط الفضي والخط الذهبي، وحوت الأناجيل بالترتيب الغربي متى، ويوحنا، ولوقا، ومرقس، ونصها يشابه الفولجاتا.
ويُرمَز لها بالحرف "D"، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، وتضم الأناجيل الأربعة بالترتيب الغربي: (متى - يوحنا - لوقا - مرقس) وسفر الأعمال وحوت النص اليوناني يقابله الترجمة اللاتينية.
ويُرمَز لها بالرمز "Gig"، ويرجع تاريخها للقرن الثالث عشر الميلادي، وتعتبر أضخم مخطوطة في العالم، أحضرها الجيش السويسري من دير بيوهميا إلى سويسرا، ووضعت في المكتبة الملكية بأستوكهولم، وتحتوي الكتاب المقدَّس وكتابات يوسيفوس، ودائرة معارف تشمل عشرين كتابًا وكتب أخرى (راجع الدكتور القسم فهيم عزيز - المدخل إلى العهد الجديد ص 138 - 140، ودكتور فريز صموئيل - إنجيل برنابا ص 92 - 94).
وبينما ترجم أهل قرطاجنة الأسفار المقدَّسة لللاتينية لم يفكروا في ترجمتها للغتهم المحلية، فصارت معرفة تلك الشعوب بالكتاب المقدَّس سطحية، حتى قيل أن أحد أسباب اختفاء المسيحية في شمال أفريقيا بعد الإسلام أن الشعب لم يكن بين يديه الكتاب المقدَّس بلغته المحلية، مثلما كان لدى أهل مصر وسوريا، ويقول "الدكتور القس عبد المسيح أسطفانوس": "ويرى كثيرون من العلماء أن من أهم أسباب انحسار المسيحية بل ربما اندثارها في شمال أفريقيا هو أن الكتاب المقدَّس أو أحد أجزائه لم يُترجَم إلى لغة الشعب. بينما بقيت المسيحية في البلدان التي كانت كلمة الله المكتوبة في يد الشعب وبلغتهم، كمصر وسوريا"(900).
نظرًا لتعدد الترجمات اللاتينية القديمة، والخلافات العديدة بينها، كلّف البابا داماسوس Damasus (366 - 384م) في سنة 382م سكرتيره جيروم كاهن دلماسية، والمُطلع في اللغات، بتنقيح الترجمات اللاتينية القديمة للوصول إلى ترجمة موحدة، والقديس جيروم هو سفرونيوس يوسابيوس أيرونيموس، ويقول "بارت إيهرمان": "كان هناك العديد من الترجمات وكلٍ منها تختلف بشكل واسع عن الأخرى، ووصلت المشكلة إلى ذروتها بالقرب من نهاية القرن الرابع الميلادي عندما أمر البابا داماسوس أعظم باحث في عصره (جيروم) بأن يضع نسخة رسمية من الترجمة اللاتينية... ويتحدث جيروم نفسه عن العدد الكبير للترجمات المتوافرة ويكرس نفسه لحل هذه المشكلة وباختيار أفضل ترجمة لاتينية متوافرة ومقارنتها مع نص المخطوطات اليونانية تحت تصرفه. صنع جيروم نسخة جديدة من الأناجيل باللاتينية"(901).
وبدأ القديس جيروم بتنقيح الترجمة اللاتينية القديمة من "إيطالا" مستعينًا بالمخطوطات اليونانية، فراجع البشائر الأربع وسفر الأعمال، ثم راجع الرسائل بطريقة سريعة، كما قام بمراجعتين لسفر المزامير بالرجوع للترجمة العبرية، وفي سنة 385م ترك جيروم روما، وفي سنة 389م أسَّس مع تلميذه "بولا" مقرّين دينيين قرب قرية بيت لحم في أرض فلسطين، فصار هو رئيسًا على أحد المقرّين، و "بولا" رئيسًا على المقرّ الآخر، وشعر القديس جيروم بمدى الحاجة لإعادة ترجمة العهد القديم من العبرية للاتينية مباشرة، وكانت هذه خطوة جريئة منه، وبدأ بالفعل واستعان برجال الدين اليهودي واستمر في العمل من سنة 390م إلى سنة 396م، وتعرَّض للمرض مما أوقفه عن العمل نحو سنتين، عاد بعدها لاستكمال عمله العظيم هذا، وضم للعهد القديم الأجزاء المحذوفة من سفري دانيال وأستير، كما ترجم سفري طوبيا ويهوديت من اللغة الآرامية، كما ترجم العهد الجديد بالكامل من اليونانية، وجاء عمل جيروم هذا في شكل أجزاء، ولم يصدر في كتاب واحد، وغالبًا الذي جمع أعمال جيروم هذه في مجلد واحد Cassiodorus الذي توفي في ديره في سيليسيا بإيطاليا سنة 580م.
ودُعيت ترجمة القديس جيروم بترجمـة "الفولجاتا" Vulgata، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ويُرمَز لها بالرمز " Vg " وهي مشتقة من الكلمة " Vulga " أي " الفظ " أو " اللهجة العامية " فهي الترجمة الشعبية أو الشائعة أو العامية، ولم تجد هذه الترجمة في البداية القبول الكافي، وقوبلت بمعارضة، وكان القديس جيروم قادرًا على الدفاع عن ترجمته هذه لولا إنتقاله إلى دار النعيم سنة 420م، وبعد مرور نحو قرنين من ترجمتها وفي عصر البابا غريغوريوس الكبير بابا روما بدأ إستخدام الفولجاتا في ضوء ترجمة أخرى مقابلة لها، ولم تعتمد كنيسة روما هذه الترجمة بصفة رسمية إلاَّ في مجمع ترنت Trant سنة 1546م بعد أن أُدخلت عليها عدة تنقيحات على مر القرون، وجاء في أعمال مجمع ترنت: " بين طبعات الكتاب المقدَّس اللاتينية، تُعد موافقة للأصل الترجمة القديمة أي الدارجة (Vulgata) التي إستعملتها الكنيسة طوال قرون عديدة" (902).
وتأتي ترجمة الفولجاتا في المرتبة الثانية بعد الترجمة السبعينية من حيث الأهمية في دراسة النصوص العبرية، ونحن نملك من هذه الترجمة الآن نحو عشرة آلاف مخطوطة ومن أهم هذه المخطوطات:
ويُرمَز لها بالحرف "A"، وتعتبر أفضل نسخة باقية للآن تشمل الكتاب المقدَّس كله، وقد نُسخت في دير جارو Jarrow في نورثومبريا في إنجلترا نحو سنة 715م، وقد أهديت للبابا جريجوري سنة 716م.
ويُرمَز لها بالحرف "C"، ويرجع تاريخها إلى القرن التاسع، وهيَ نسخة أسبانية، وتحتوي الكتاب المقدَّس كله.
ويُرمَز بها بالحرف "D"، وتحتوي العهد الجديد، ورسالة بولس الرسول إلى لادوكية وهيَ من كتب أبوكريفا، وهذه النسخة محفوظة في المتحف الأيرلندي.
ويشهد "ريتشارد سيمون" صاحب كتاب "تاريخ نقدي لنصوص العهد الجديد"، والذي به حصل على درجة الماجستير سنة 1689م لترجمة الفولجاتا، فقال: "إن القديس جيروم قد أدى للكنيسة خدمة ليست بالصغيرة في تحديد ومراجعة النسخ اللاتينية القديمة وفق أشد قواعد النقد صرامة"(903).
ويقول "الدكتور القس عبد المسيح أسطفانوس" عن القديس جيروم وترجمته: " وقد قضى سنوات طويلة في عمل دؤوب حتى أكمل هذه الترجمة في بيت لحم بعد أن كان قد بدأها في روما ثم في أحد الأديرة بالقرب من أنطاكية. وعُرفت هذه الترجمة بِاسم "الفولجاتا" أي الشعبية. لأنها تمت في أسلوب في متناول الشعب. وبعد أن قوبلت بالرفض في البداية، أصبحت فيما بعد الترجمة الرسمية التي ظلت أوروبا الغربية تستخدمها على مدى أكثر من ألف عام"(904).
وترجمة "الفولجاتا" هيَ أول كتاب طُبع في العالم في ألمانيا عند اختراع آلة الطباعة كما رأينا ذلك من قبل، ويقول "فيكتور والتر": "حلَّت الفولجاتا محل الكتاب المقدَّس اللاتيني القديم بشكل تدريجي جدًا. ومضت ألف سنة قبل أن تصبح الفولجاتا الكتاب المقدَّس الكاثوليكي الروماني الرسمي (في مجمع ترينتي الكنسي في عام 1546م). هذا المجمع الكنسي اعترف رسميًا بطبعة مصحَّحة. كــان قد أصدرها البابا سكستوس الخامس (1585 - 1590م) في عام 1590م في ثلاثة مجلدات. لكنها أثبتت مع الوقت أنها لم تنل شعبية، لذا سحبها البابا كليمنت الثامن (1592 - 1605م) وأصدر فولجاتا رسمية جديدة عام 1592م التي كانت الطبعة المعيارية حتى الوقت الأخير"(905).
وفي القرن العشرين أصدرت كنيسة روما ترجمة الفولجاتا الحديثة New Vulgata ففي أواخر المجمع الفاتيكاني الثاني في تشرين الثاني سنة 1965م عيَّن البابا بولس السادس لجنة لإعداد طبعة حديثة للاتينية، لمد العالم بنص جديد رسمي للكتاب المقدَّس بعد التقدم الكبير في دراسات الكتاب المقدَّس، وجنّد بابا روما لهذا العمل كوكبة من العلماء الكاثوليك وغير الكاثوليك، وفي 25 نيسان 1979م بعد أربعة عشر عامًا، صدرت الطبعة الدارجة المجدَّدة في الفاتيكان وقد تصدرتها البراءة الرسولية للبابا يوحنا بولس الثاني (راجع الأب جورج سابا - على عتبة الكتاب المقدَّس ص 203، 204).
_____
(899) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 291.
(900) تقديم الكتاب المقدَّس ــــ تاريخه / صحته / ترجماته ص 85، 86.
(901) ترجمة فادي مرعشلي ــــ الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 99.
(902) أورده الأب جورج سابا - على عتبة الكتاب المقدَّس ص 203.
(903) أورده بارت إيهرمان - ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 133.
(904) تقديم الكتاب المقدَّس - تاريخه / صحته / ترجماته ص 87.
(905) ف. ف. بروس - قصة الكتاب المقدَّس ص 227.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/126.html
تقصير الرابط:
tak.la/r8cggpr