St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

125- جرت أحداث الأناجيل باللغة الآرامية، فهل عندما كُتبت الأناجيل باللغة اليونانية، ثم تُرجمت للغات العالم، تغيرت بعض ملامحها، لأن اللغة اليونانية لها مفرداتها وأساليبها وفنونها البيانية التي تختلف عن الآرامية؟

 

س125: جرت أحداث الأناجيل باللغة الآرامية، فهل عندما كُتبت الأناجيل باللغة اليونانية، ثم تُرجمت للغات العالم، تغيرت بعض ملامحها، لأن اللغة اليونانية لها مفرداتها وأساليبها وفنونها البيانية التي تختلف عن الآرامية؟

 يقول "فكتور حداد": "والترجمة كما نعلم تجربة خطرة المسالك، فكيف بترجمة الترجمة، وبترجمة سفر ضم بين دفتيه الشعر والنثر وتقاليد مختلفة الأميال والمشارب؟ وكيف بترجمة تطمح لأن تكون مرآة، لا لليونانية، بل للآرامية، اللغة الأخت للعربية؟ فإذا كان هدف كل مترجم التصوير، كما في الآلة للنص الأصلي، وجب على ناقل إنجيل متى إلى العربية أن يرسم بريشته الدقيقة، الأصل الأرامي الضائع. ومما لا شك فيه هو أن عملًا مثل هذا يتطلب علمًا وجهودًا جبارة وذوقًا مرهفًا، أما الواسطة له فهيَ الالتزام بالنقل الحرفي قدر الإمكان. وإذا لم تفعل شرحنا ما ترجمنا"(895).

 كما يقول "فكتور حداد": "انتهك حرمة الأصل كل من نقل العبارة الركيكة بعبارة متينة، وكل من ترجم التعبير الحائر الغامض بآخر ثابت واضح، لأن مثله يكون لمن يُلبِس العجوز ابنة التسعين ثوب العرس... ثم أن إنجيل متى هو تحفة من الفسيفساء الأثرية، فإذا تشوَّه حرف تشوَّهت التحفة بمجملها. ومعلوم أن للأقدمين حضارتهم ولنا حضارتنا، ويطلب إلى المُترجِم أن يصون باحترام آثار القدماء فلا يجوز له أن يبدّل على هواه كلمة بأختها ولو كانت قريبة المعنى. فهل ترى يستطيع إنسان فرد، مهما كان عالِمًا وشاعرًا، أن يرد إلينا إنجيلنا الشرقي كما يستشف من الإنجيل اليوناني؟ وهلا تجنَّد لذلك جماعة من الأفذاذ فنقلوا إلينا تلك الفسيفساء الثمينة كما رواها أبناء منطقتنا"(896).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Saint John the Evangelist, art by Raouf Rezk-Allah, 2005 - St. Peter and St. Paul Coptic Orthodox Church, Sidi Beshr, Alexandria, Egypt (image 13) - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, 2 June 2015. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا الإنجيلي، رسم الفنان رؤوف رزق الله، 2005 م. - من صور كنيسة القديسين بطرس بولس القبطية الأرثوذكسية، سيدي بشر، الإسكندرية، مصر (صورة 13) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 2 يونيو 2015 م.

St-Takla.org Image: Saint John the Evangelist, art by Raouf Rezk-Allah, 2005 - St. Peter and St. Paul Coptic Orthodox Church, Sidi Beshr, Alexandria, Egypt (image 13) - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, 2 June 2015.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا الإنجيلي، رسم الفنان رؤوف رزق الله، 2005 م. - من صور كنيسة القديسين بطرس بولس القبطية الأرثوذكسية، سيدي بشر، الإسكندرية، مصر (صورة 13) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 2 يونيو 2015 م.

 ج: 1- في عصر السيد المسيح والآباء الرسل في القرن الأول الميلادي كان هناك ثلاث لغات معروفة ولها استخداماتها في أرض فلسطين: اللغة العبرانية - اللغة الآرامية - اللغة اليونانية:-

أ - اللغة العبرانية: وكانت تستخدم في العبادة وقراءة الأسفار المقدَّسة، وكان يجيدها الكهنة ورجال الدين، وكان السيد المسيح يعرفها، بدليل أنه عندما دخل إلى مجمع الناصرة ودُفِع إليه سفر إشعياء وهو مكتوب باللغة العبرانية قرأ منه.

ب - اللغة الآرامية: وهيَ لغة التعامل الأساسية التي يتحدّث بها عامة الشعب وهيَ اللغة التي تحدّث بها السيد المسيح وعلَّم بها، وهيَ اللغة التي كرز بها الرسل في أرض فلسطين.

جـ - اللغة اليونانية: وهيَ اللغة الدولية للتفاهم في سائر الإمبراطورية اليونانية، وفيما بعد الإمبراطورية الرومانية التي فضَّلت التعامل بهذه اللغة اليونانية لأنها استقرت في وجدان الشعوب أكثر من لغة روما اللاتينية، بل أن اللغة اليونانية كانت تُستخدَم في روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية. وكانت اللغة اليونانية المستخدمة هيَ اللغة اليونانية العامية (الكوينية Koine)، وعندما كتب بولس الرسول رسالته لأهل روما كتبها باللغة اليونانية، كما كتب الآباء الرسوليون بها، فحتى أكليمنضس الروماني كتب رسالته الأولى بها، وكانت هذه اللغة معروفة ومنتشرة ولا سيما في أرض الجليل حيــث اختلـط اليهود بالأمم. ويقول "جون درين": "فالتنوع الثقافي للجليل أتاح ليسوع الفرصة أن يتحدث بطلاقة ثلاث لغات. فالعبرية كانت اللغة التقليدية لليهود، كما كانت لغة الأسفار المقدَّسة، واللغة المستخدمة في طقوس الهيكل، وكانت مفهومة لدى أي من تعلَّم في المجامع ولكنها لم تعد لغة التعاملات اليومية. فقد تم استبدالها بالآرامية بواسطـة الفرس في القرنين الخامس والسادس ق. م، كلغة عالمية أو دولية، وبسبـب التشابــه بيــن الآرامية والعبرية، تم استيعاب الأولى (الآرامية) بسهولة في فلسطين، وهيَ في الغالب اللغة التي تكلم بها يسوع. هذا بالإضافة إلى اليونانية والتي لا بد وإن كانت مفهومة في منطقة الجليل بسبب تواجد أعداد كبيرة من الأمميين"(897). وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 1 - عهد جديد س 28.

 

2ــ نعم جرت أحداث الأناجيل في ظلال اللغة الآرامية بلهجتها الغربية السريانية، ولكن اللغة اليونانية لم تكن لغة مجهولة، فهيَ لغة التخاطب مـع الرومان الذين يحتلون البلاد، وهيَ لغة الثقافة والعلم، وهيَ لغة التفاهم العالمية، ولغة الأدب والسياسة والتجارة والمراسلة في أرجاء العالم الروماني، ولم تكن اللغة اليونانية حديثة العهد بأرض فلسطين بل اُستخدمت منذ فتوحات الإسكندر الأكبر الذي جعلها وسيلة لتوحيد وتقارب العالم كله، ولا بد أن تعاليم السيد المسيح تناقلتها الجموع في فلسطين وما حولها بالآرامية واليونانية أيضًا، وعندما حضر وفد من اليونانيين ليرى يسوع والتقوا بفيلبس تفاهم معهم بسهولة، وكذلك أندراوس، وأيضًا لا بد أن السيد المسيح تحدث معهم باليونانية (يو 12 : 20 - 22). وكرز الرسل الأطهار للخليقة كلها باللغة اليونانية، ومن كثرة انتشار هذه اللغة فضّل الآباء الرسل والتلاميذ كتابة أسفار العهد الجديد السبعة والعشرين باليونانية، ولم يُكتب سفر واحد من العهد الجديد باللغة الآرامية، مع أنهم كتبوا ليهود فلسطين وللعالم كله... أليس هذا دليل على سعة انتشار هذه اللغة؟!

ووجه الإعجاز في العهد الجديد ليس في اللغة التي استخدمها، بل في معناه وفحواه، إذ شمل أعظم تعاليم على مدار التاريخ كله، تعاليم الرب يسوع، وأعماله العجيبة من أجل البشرية كلها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وسجل البشيريون هذه الأمور بلغة سلسة وسهلة وبسيطة يدركها الإنسان البسيط كما يدركها العالِم الباحث المدقق، ولا بد أنه حدث تفاعل بين اللغتين الآرامية واليونانية، فدخلت بكل منهما بعض مفـردات من الأخرى، وكذلك أسلوب التعبير، حتى أن "الأرشمندريت يوسف دره الحداد" يقول: "وهذه الأناجيل الثلاثة، المؤتلفة، مثل الإنجيل بحسب يوحنا، شهادتها على صحتها، أو على صحة تاريخيتها... فهيَ وإن كانت بلغة يونانية، فما زالت أساليب التفكير وفنون التعبير فيها بالآرامية بادية عليها. ولوقا نفسه الأنطاكي، ابن الثقافة الهلنستية، لم يتحرر من التفكير والتعبير بحسب الآرامية، في نقل الإنجيل إلى البيئة اليونانية الهلنستية. وبعد فالإنجيل شخص... أكثر منه كتابًا... وهذا لا يتحوَّل في الترجمة"(898).

 

3ــ نحن لا نقدّس الحرف ولا نؤلّه النص، لأن المهم هو المعنى والمحتوى، وقد وُضِعت الألفاظ والمفردات لخدمة المعنى، وليس المعنى لخدمة الحرف، والألفاظ والمفردات والعبارات من أدوات اللغة التي يمتلكها الإنسان، أما هيَ فلا تمتلكه، واللغة تتطوَّر من جيل إلى جيل، يدخل إليها مفردات ويخرج منها مفردات، ويظل المعنى هو الأصل، ولذلك فإن جميع ترجمات الإنجيل تتوافق تمامًا في المعنى مع ما جرى من أحداث بالآرامية وتم تسجيلها باليونانية، ثم تُرجِم للغات شتى، ولا توجد ترجمة صحيحة تتعارض مع روح الإنجيل كما جرت أحداثه بالآرامية أو كُتبت باليونانية، ودائمًا يرجع الدارس إلى الأصل اليوناني، لأن جميع الترجمات تُعتَبر ترجمات تفسيرية لما كتب باليونانية، ولعل موسوعة تحليل العهد الجديد التي قام بها الأستاذ الدكتور موريس تاوضروس أستاذ العهد الجديد، وجماعة البحث اللغوي بدير القديسة دميانه، والتي أشرف عليها نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي مطران كفر الشيخ ورئيس دير القديسة دميانه، خير شاهد على الاهتمام بالأصول اليونانية.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (895) يسوع كما في متى ص 45.

(896) المرجع السابق ص 46، 47.

 (897) مدخل العهد الجديد ص 52.

 (898) الدفاع عن المسيحية - في الإنجيل بحسب متى ص 109.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/125.html

تقصير الرابط:
tak.la/5yadp76