س111: ما هيَ أهم مخطوطات الرقوق للعهد الجديد بالخط اليوناني الكبير Uncials (البوصي)؟
ج : هناك مخطوطات عديدة باللغة اليونانية بالحروف الكبيرة (Capital Letters) المنفصلة Uncials (وهيَ كلمة لاتينية تعني بوصة Inch، ولذلك دُعي بالخط البوصي)، وهيَ حروف مربعة أو مستديرة، كُتِبت على رقوق أي جلود حيوانات، وهذه المخطوطات بلغت (307) مخطوطة بعضها يشمل أوراق قليلة، وبعضها أسفار كاملة، وبعضها يحتوي على العهد الجديد بالكامل، وبعضها يحتوي على الكتاب المقدَّس بعهديه، ويرجع تاريخ هذه المخطوطات إلى الفترة من القرن الثالث للقرن العاشر، وجميعها مسجلة عالميًا، كل منها يحمل رقمًا بالإنجليزية يسبقه صفر (0) من اليسار (مثل 01 , 02 , 03)، وبعض المخطوطات القديمة الشهيرة حملت من قبل حروف عبرية أو لاتينية أو يونانية، وما زالت تُعرف بها، بجوار الرقم الجديد الذي حصلت عليه، ومن هذه المخطوطات عدة مخطوطات تُعد الأقدم، وعدة مخطوطات تُعد الأكثر أهمية:
أولًا:
مخطوطات الرقوق بالخط البوصي والأكثر قدمًا
1- مخطوطة (0189)
2- مخطوطة (0171)
3- مخطوطة (0220)
4- مخطوطة (0212)
5- مخطوطة (0162)
ثانيًا:
مخطوطات الرقوق بالخط البوصي والأكثر أهمية
1- المخطوطة السينائية Codex
Sinaiticus
2ـ المخطوطة الأسكندرية Codex
Alexandrinus
3 - المخطوطة الفاتيكانية
Codex Vaticanus
4ــ المخطوطة الأفرايمية Codex
Ephraemi
المخطوطة البيزية Codex Bezal
ثالثًا:
مخطوطات رقوق للعهد الجديد من القرنين الخامس والسادس بالخط البوصي
1- المخطوطة
الكلارومونتانية Codex Claromantanus
2ــ المخطوطة النطرونية Codex
Nitriensis
3ـ المخطوطة الأرجوانية Codex
Purpureus
4ــ المخطوطة الواشنطينية
Codex Washingtonianus
5 - مخطوطة بورجيانوس
1ـــ مخطوطة (0189): يرجع تاريخها لنهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الميلادي، وتشمل على جزء من سفر الأعمال (أع 5 : 3 - 21)، وهيَ الآن في برلين.
2ــ مخطوطة (0171): يرجع تاريخها إلى سنة 300م، وتشمل على أجزاء من الأصحاح العاشر من إنجيل متى، ومن الأصحاح الثانـي والعشرين من إنجيل لوقا (مت 10 : 17 - 23، 25 - 32، لو 22 : 44 - 56، 62) وهيَ الآن في فلورنسا.
3ــ مخطوطة (0220): ويرجع تاريخها للقرن الثالث، وتشمل على جزء من رسالة رومية (رو 4 : 23 - 5 : 3، 8 : 13) وهيَ الآن في بوسطن.
4ــ مخطوطة (0212): ويرجع تاريخها للقرن الثالث، وتحتوي على جزء من الدياسترون أي الإنجيل الرباعي الذي عمله تاتيان حيث دمج الأناجيل الأربعة في إنجيل واحد، والآن هيَ في جامعة بيل بنيوهافن.
5ــ مخطوطة (0162): ويرجع تاريخها للقرن الثالث وبداية القرن الرابع وتشمل جزءًا من إنجيل يوحنا (يو 2 : 11 - 22).
كما أن هناك (14) مخطوطة ترجع للقرن الثالث، وثمانية مخطوطات إلى نهاية القرن الرابع وبداية الخامس، و 35 مخطوطة للقرن الخامس، وعشر مخطوطات من نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس، و(50) مخطوطة ترجع للقرن السادس (راجع القمص عبد المسيح بسيط - الكتاب المقدَّس هل هو كلمة الله ص 59).
ويُطلق عليها مخطوطة ألف Aleph باللغة العبرية، وتُعد من أهم مخطوطات العهد الجديد، فدُعيت بِاسم "كتاب سيناء المقدَّس"، وتمتاز بالخط الجميل مع بعض الزخرفة، وطول الصفحة 15 بوصة، وعرضها 13 بوصة، مدوَّن عليها أربعة أعمدة، سعة كل عمود من 12 - 14 حرف، وبطول 48 سطر، أما الأسفار الشعرية (المزامير، والأمثال، والجامعة، ونشيد الإنشاد، وحكمة سليمان، ويشوع بن سيراخ، وأيوب) فهيَ مدوَّنة على عمودين للصفحة الواحدة. وتشمل هذه المخطوطة
الكتاب المقدَّس بعهديه بالإضافة إلى رسالة برنابا وجزء كبير من كتاب الراعي لهرماس، وجاء ترتيب أسفار العهد الجديد السبعة والعشرين كما هو متعارف عليه الآن، باستثناء سفر الأعمال الذي جاء ترتيبه بعد رسائل البولس وقبل رسائل الجامعة، كما جاءت رسالة العبرانيين بين رسالة تسالونيكي الثانـي ورسالة تيموثاوس الأولى، وانتهى الإصحاح الأخير من إنجيل مرقس بالآية رقم (8). وبدراسة هذه المخطوطة ومقارنة الخطوط اتضح أن هناك ثلاثة نُسَّاخ شاركوا في إنتاج هذه المخطوطة، ثم توالى عليها تسعة نُسَّاخ آخرين لمراجعتها خلال الفترة من القرن الرابع للقرن الثاني عشر (راجع الشماس الدكتور أميل ماهر - مخطوطات الكتاب المقدَّس بلغاته الأصلية ص40). وترجع هذه المخطوطة للقرن الرابع الميلادي، فيقول: "فيليب و. كومفرت": "اكتشف الباحث الألماني الذي يُدعى Constantin Von Tischendorf قسطنطين فون تشندورف المخطوطة السينائية في دير القديسة كاترين، المؤرخة حوالي 350م، وهيَ واحدة من أقدم مخطوطتين يونانيتين للعهد الجديد. أقدم مخطوطة كانت المخطوطة الفاتيكانية... التـي تعود للعام 325م، هيَ أقدم بقليل من المخطوطة السينائية، وهيَ واحدة من النسخ الأكثر موثوقية للعهد الجديد اليونانية"(808).ويرجع الفضل في اكتشاف هذه المخطوطة إلى "قسطنطين فون تشيندورف" Tischendorf الذي وُلِد في مدينة ليبزج بألمانيا سنة 1815م، وعندما شبَّ التحق بكلية اللاهوت في نفس المدينة، وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة، وصار أستاذًا محاضرًا في كلية اللاهوت، وقد اهتم منذ فجر حياته بالمخطوطات، فكتب لخطيبته وهو في بداية العشرينات من عمره : "أنا أواجه مهمة مقدَّسة، الصراع لإعادة النصوص الأصلية للعهد الجديد"(809). وفي سنة 1840م نشر تشيندورف العهد الجديد باللغة اللاتينية، وقام بزيارة عدة دول مثل: فرنسا وإنجلترا وهولندا وسويسرا وإيطاليا ومصر وسوريا وفلسطين بحثًا عن مخطوطات الكتاب المقدَّس، وقام بفحص نصوص (23) مخطوطة، وتحقيق نصوص (17) مخطوطة أخرى.
وأفضل أعمال تشيندورف اكتشافه للمخطوطة السينائية من خلال زيارته لدير سانت كاترين في صحراء سيناء ثلاث مرات، فجاءت الزيارة الأولى سنة 1844م وله من العمر نحو ثلاثين عامًا، حيث أمضى أكثر من شهر في البحث والتنقيب دون جدوى، ومع نهاية الزيارة وجد في مكتبة الدير سلة كبيرة بها عدد كبير من الرقوق القديمة تمهيدًا لحرقها، وأخبره أمين المكتبة أنه سبق حرق كومتين من هذه الرقوق البالية، فحذرهم من تكرار هذا، وكانت السلة مغطاة بمخطوط أنيق مضبوط أكثر من أي مخطوط آخر رآه من قبل، ويشمل نصوصًا قديمة للكتاب المقدَّس، وعندما فحصها عرف أنها أجزاء من الترجمة السبعينية وحوَت الأوراق أجزاء من أسفار أخبار الأيام، وإرميا، ونحميا، وأستير، فقام بنشرها سنة 1846م. ويصف تشيندورف هذه التجربة المثيرة، فيقول: "لقد كان ذلك عند سفح جبل سيناء في دير سانت كاترين حيث أكتشفُ لؤلؤة أبحاثي كلها، في زيارتي للدير في آيار 1844م لاحظت في وسط القاعة الكبرى سلة كبيرة مملأى بالمخطوطات الرقيقة القديمة. وأخبرني أمين المكتبة الذي كان رجل علم أن كميتين متشابهتين من الأوراق قد بليتا مع الزمن وألقيتا في النار. ولكم أن تتصوَّروا دهشتي عندما وجدت بين هذه الكومة من الأوراق عددًا لا بأس به من الصفحات من نسخة من العهد القديم باللغة اليونانية التي بدت لي على أنها أقدم نسخة رأيتها على الإطلاق. سمحت لي رئاسة الدير بأن احتفظ بثلث هذه المخطوطات الرقيّة أو ما يقارب 43 صفحة، حيث أنها كانت مُعدَّة لتُلقى في النار، ولكنني لم أستطع أن أقنعهم أن يعطوني البقية. إن الرضا الغامر الذي أظهرته قد أيقظ شكوكهم بقيمة هذه المخطوطات. لقد نقلت صفحة من كتاب إشعياء وإرمياء وطلبتُ من الرهبان أن ينتبهوا إلى هذه البقايا التي تصادفهم"(810).
وهذه الأوراق محفوظة الآن في جامعة ليبزج بألمانيا، ويقول "بروس ميتسجر": "وفي عام 1846م نشر (تشيندورف) محتوياتها وأطلق عليها اسم مخطوطة "فريدريك أوغسطس" تكريمًا للملك فريدريك أوغسطس الذي كــان ملكًا لموطن الكشف وراعيًا له" (Metzger, TNT , 43)(811).
وفي سنة 1853م قام "تشيندورف" بالزيارة الثانية لدير سانت كاترين، ولم يعثر إلاَّ على قصاصة تحتوي على (11) سطر من سفر التكوين، وفي سنة 1859م عاد للدير للمرة الثالثة مزودًا بتوصية من "الكسندر الثاني" إمبراطور روسيا، وأمضى وقتًا طويلًا ولم يعثر على ضالته المنشودة، وفي يوم 4 فبراير أخبر العرب الذين سيصحبونه للقاهرة أنه مزمع أن يغادر الدير يوم 7 فبراير، ويقــول "قسطنطين تشيندورف": "وبعــد ظهر ذلك اليوم كنت مع مراقب دير مجاور للراهبات، وعندما عدنا عند غروب الشمس طلــب مني أن أتناول معه وجبة طعام خفيفة. وفي قلايته، وبمجرد دخول الحجرة بدأ يستأنف حديثنــا عن موضوعــنا السابق فقــال: وأنا أيضًا قرأت السبعينية النسخة اليونانية التي ترجمها السبعون، ثم تناول من ركــن الغرفـــة مجلد ضخم ملفوف في ثياب حمراء ووضعه أمامي، فأخرجت المجلد من القماش واكتشفت لدهشتـي العظيمة ليس فقط الأجزاء التي حصلت عليها من السلة من 15 سنة من قبل، بل أجزاء أخــرى من العهد القديم والعهد الجديد كاملًا، بالإضافة إلى رسالة برنابا وجزء من راعــي هرماس" (Tischendarf, Narrative of the Discovery of the Sinaitic Manus Cript, pp. 23 – 36)(812).
كما يقول "تشيندورف" أيضًا في وصف نفس المشهد: "وسيطرتُ على فرحتي لأخفيها عن رئيس الدير وباقي الرهبان. طلبت - كما لو أنني غير مهتم - أن آخذ هذه المخطوطات إلى غرفتي لألقي عليها نظرة في وقت فراغي"(813)، وسمح له رئيس الدير أن يأخذ المخطوط إلى غرفته، ولم يكن يحلم "تشيندورف" بتحقيق هذا الإنجاز ويقول "بروس ميتسجر": "فرأى العالِم تشيندورف أمام عينيه، وقد استولى عليه الذهول، الكنز الذي طالما كان يتوق لرؤيته، وطلب مُخفيًا مشاعره ومتظاهر بعدم الاكتراث، تصريحًا بفحص المخطوطة في ذلك المساء، وعندما حصل تشيندورف على هذا التصريح عاد إلى حجرته وظل ساهرًا طوال الليل مبتهجًا بدراسة المخطوطة، لأنه كما يقول في يومياته (التي كتبها باللاتينية لكونه عالِمًا). بدأ النوم وكأنه تدنيسًا للمقدسات! وسرعان ما وجد أن المخطوطة تحتوي على أكثر مما كان يرجوه، لأنها لم تكن تحتوي فقط على معظم العهد القديم ولكن أيضًا على العهد الجديد الذي كان سليمًا بل وفي حالة ممتازة، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك الأعمال المسيحية الأولى للقرن الثاني الميلادي. فكانت هناك رسالة برنابا (ولم تكن تُعرَف قبلًا إلاَّ من خلال إحدى الترجمات اللاتينية الضعيفة)، وجزء كبير من راعي هرماس. الذي لم يكن يُعرَف منه حتى ذلك الوقت إلاَّ اسمه فقط" (Metzger, TNT , 44)(814).
وبعد جهد كبير ومفاوضات مع رئيس الدير وتدخُّل الإمبراطور الروسي حصل "تشندورف" على هذه المخطوطة سنة 1863م، وأرسل الإمبراطور للدير 900 روبل روسي، وحمل تشيندورف المخطوطة إلى "بطرسبرج" في روسيا وطبع منها 1232 نسخة بتمويل من "إسكندر الثاني" قيصر روسيا، الذي أهدى للمكتبات العامـة 223 نسخة مصوَّرة، ومنها النسخة المحفوظة الآن في دير سانت كاترين عوضًا عن المخطوطة الأصلية التي أهداها "تشيندورف" إلى الإمبراطور الروسي فاحتفظ بها في المكتبة الملكية، وعندما قامت الثورة الشيوعية باع الشيوعيون هذه المخطوطة لبريطانيا بمبلغ مائة ألف جنيه أسترليني، فوصلت النسخة إلى لندن في 27/12/1923م، وهيَ ما زالت محفوظة للآن في المتحف البريطاني بلندن تحت رقم (43725) وتشمل (199) ورقة من العهد القديم، و (147) ورقة ونصف من العهد الجديد، بالإضافة للأوراق الثلاثة والأربعين المحفوظة في جامعة ليبزج بألمانيا.
وفي سنة 1975م اكتشف رهبان دير سانت كاترين أجزاء كثيرة من مخطوطات مدوّنة على رقوق جلدية، ومن ضمنها (12) ورقة من نفس المخطوطة السينائية بالإضافة إلى (14) جزئية. كما تم اكتشاف عدد كبير من مخطوطات العهد الجديد منها (19) مخطوطة بالخط البوصي (0278 – 0296) وبعض المخطوطات بالخط الصغير، وفي سنة 2009م عثر باحث بريطاني يوناني الأصل في جزيرة بطمس ببحر أيجة Aegean Sea على ورقة من هذه المخطوطة السينائية مختفية تحت غلاف مجلَّد يرجع للقرن الثامن عشر، وبذلك وصل عدد أوراق النسخة السينية إلى أكثر من 400 ورقة، 43 بجامعة ليبزج، و 346 ورقة ونصف بالمتحف البريطاني، و 12 ورقة بدير سانت كاترين بالإضافة إلى 14 جزئية، و 3 ورقات بالمكتبة القومية بمدينة سان بطرسبرج.
عُثر عليها في الإسكندرية، وهيَ مكتوبة بالخط البوصي على أربعة مجلدات ضخمة من الرقوق، ثلاثة منها تشمل العهد القديم، والمجلد الرابع يحوي العهد الجديد، وأصل المخطوطة (822) ورقة، تبقى منها (773) ورقة منها (630) عهد قديم و (143) عهد جديد، والصفحة بها عمودان ويتراوح عدد السطور من 46 - 52 سطرًا، ويرجع تاريخ المخطوطة إلى نحـو سنة 450م، واشترك في نساختها خمس نسَّاخ، اثنين نسخوا العهد القديم وثلاثة نسخوا العهد الجديد، ويوجد بالمخطوطة بعض التصحيحات قام بها نسَّاخ آخرون. ومن أسفار العهد القديم في هذه المخطوطة أسفار المكابيين وطوبيا ويهوديت وحكمة يشوع بن سيراخ وحكمة سليمان، والعهد الجديد ينقصه معظم إنجيل متى (مت 1 : 1 - 25 : 6)، وجزء من إنجيل يوحنا (يو 6 : 50 - 8 : 52) ومعظم رسالة كورنثوس الثانية، أما سفر الرؤيا فهو كامل في المخطوطة لأنه يليه رسالتي أكليمنضس الروماني، و (14) قصيدة غنائية، ورسالة مرسيلينيوس المنسوبة للقديس أثناسيوس، والملخص اليوسابيوسي للمزامير.
وكتبت السطور الأولى في المخطوطة بالحبر الأحمر، وفي الصفحة الأولى دوّن عليها باللغة العربية أنها تخص مكتبة البطريركية بالقاهرة، وموقَّع عليها بِاسم "أثناسيوس الحقير"، فمن المحتمل أن يكون صاحب هذا التوقيع البابا أثناسيوس الثالث المتنيح سنة 1308م، وأنها كانت من مقتنيات بطريركيــة الأقباط الأرثوذكس، وبطريقة أو بأخرى وصلت إلى بطريركية الروم الأرثوذكس، وعندما تولى "كيرلس لوكاريوس" Cyril Lucaris بطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية بطريركية القسطنطينية سنة 1620م حملها معه، وفي سنة 1624م سلمها للسفير البريطانــي في تركيا لإهدائها للملك "جيمس الأول" ملك بريطانيا الذي قام بأعظم ترجمة من اليونانية للإنجليزية، وقبل وصول هذه المخطوطة إلى بريطانيا كان الملك "جيمس الأول" قد فارق الحياة، فأهداها السفير البريطاني لابنه الملك "شارل الأول" سنة 1627م، فاحتفظ بها في المكتبة الملكيَّة إلى أن دُمجت مع المتحف البريطاني سنة 1757م فحفظت بجوار النسخة السينائية.
كُتِبت غالبًا في الإسكندرية على أفضل أنواع الرقوق (Vellum)، ومن المعروف أن النص السكندري Alexandrian Text يتميز بالدقة، فهذه المخطوطة مع المخطوطة السينائية يعبّران عن النص السكندري، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وحوَت هذه المخطوطة الفاتيكانية (820) ورقة مقاس 36 × 41 سم، تبقى منها (759) ورقة، (617) عهد قديم، و (142) عهد جديد، ويضم العهد القديم الأسفار القانونية الثانية ما عدا صلاة منسى وأسفار المكابيين، وفُقد منهـا معظم سفر التكوين (تك 1 : 1 ـ 46 : 28)، وجزء من سفر صموئيل الثاني، والمزامير من (105 - 117). أما العهد الجديد فكامل باستثناء الرسائل الرعوية الثلاثة ورسالة فليمون وجزء من رسالة العبرانيين من عب 9 : 14 حتى نهاية الرسالة، وأيضًا سفر الرؤيا. وتتكون كل صفحة من ثلاثة أعمدة وعدد السطور يتراوح من 40 - 44 سطرًا، وطول الصفحة مثل عرضها (11) بوصة، وشارك في نساختها اثنين من النسَّاخ، وهيَ محفوظة الآن في مكتبة الفاتيكان، تحت رقم (يوناني 1209) فتعد أقدم مخطوطة في مكتبة الفاتيكان، وسُمِح في سنة 1889م بأخذ صور فوتوغرافية لها، وتتميز المخطوطة بأن العهد الجديد مقسَّم إلى فصول باستثناء رسالة بطرس الثانية، واعتمدت الطبعات الحديثة للعهد الجديد اليوناني على هذه المخطوطة.
ويرجع تاريخ المخطوطة الفاتيكانية إلى نحو سنة 325م عندما أمر "الإمبراطور قسطنطين" يوسابيوس القيصري أن يُنسخ (50) نسخة من الكتاب المقدَّس على نفقة الدولة، وجاء في نص هذا التكليف: "قسطنطين الظافر مكسيموس أغسطس، إلى يوسابيوس. لقد سمحت عناية ورحمة الله مخلصنا أن يلتف عدد وفير حول الكنيسة المقدَّسة في المدينة التي تُدعى باسمي. ونظرًا لأن المدنية تتقدم بسرعة في سائر النواحي الأخرى، فيبدو أنه من الضروري جدًا أن يزداد أيضًا عدد الكنائس. لذلك أنقل إليكم عزمي في هذا الصدد. فقد رأيته مناسبًا أن أطلب من فطنتكم بأن تأمروا بنسخ خمسين نسخة من الكتاب المقدَّس، الذي تعرفون أن وجوده نافع وضروري جدًا لتعليم الكنيسة. على أن تُنسخ على رقوق خاصة بعناية خاصة، وبحجم مناسب سهل الحمل، وعلى أيدي نُسَّاخ أكفاء مدربين في فنهم. وقد تلقى رئيس الإيبارشية أيضًا تعليمات كتابية من حلمنا لكي يحرص على تقديم كل ما يلزم لإعداد هذه النسخ. والمطلوب منكم أن تبذلوا عناية خاصة لكي تكمل في أقصر وقت ممكن... وبمقتضى هذه الرسالة أعطيت لكم السلطة أيضًا لاستخدام عربتين من العربات العامة لنقلها، حتى بعد الانتهاء من كتابة هذه النسخ كتابة جميلة يسهل نقلها وتقديمها إليَّ لأطلع عليها أنا شخصيًا. ويمكن تكليف أحد شمامسة كنيستكم بهذه المهمة، وعند حضوره إلى هنا سوف أقدم له مكافأة سخية. ليحفظك الله أيها الأخ المحبوب"(815).
ونُسخت هذه النسخ الخمسين بخط جميل أنيق بدون زخرفة، ومنها النسخة الفاتيكانية هذه التي نُقلت من مصر إلى الفاتيكان في زمن غير معروف، ولكن المعروف أنه في سنة 1475م كانت ضمن محتويات مكتبة الفاتيكان ولذلك دُعيت بالفاتيكانية، وعندما تعرّضت إيطاليا للغزو الفرنسي على يد نابليون بونابرت نُقلت هذه المخطوطة إلى باريس سنة 1809م، ثم أعيدت إلى الفاتيكان سنة 1815م.
وتشمل نصف العهد القديم والعهد الجديد كله ما عدا رسالة تسالونيكي ورسالة يوحنـا الثانية، وتمثل الأناجيل فيها "النص الإسكندري" مع بعض تأثيرات من "النص الغربي"، وتتكون من (209) ورقة، منها 64 عهد قديم تمثل أجزاء من سفر أيوب والأمثال والجامعة وحكمة سليمان وحكمة يشوع بن سيراخ ونشيد الإنشاد، و (145) عهد جديد، ومقاس الورقة 27 × 33سم، والصفحة عمود واحد يشمل 40 - 46 سطرًا، وشارك في نساختها ثلاثة نسَّاخ، ثم قام بعض النسَّاخ الآخرين بأجراء بعض التصحيحات فيها، ويرجع تاريخها إلى منتصف القرن الرابع الميلادي.
ودُعيت هذه المخطوطة بالأفرايمية لأنه في القرن الثاني عشر وجد أحد النسَّاخ أن خطها قد بهت، فمحا كتابتها وكتب عليها عظات مار أفرام السرياني بالترجمة اليونانية، كما تعرّضت النسخة لنزع الكثير من أوراقها، وبعد مجهود خارق استطاع العلماء أن يمحو ما كتب حديثًا من عظات مار أفرام السرياني وقراءة النص الأول باستخدام بعض المواد الكيميائية مع استخدام الإضاءة الشديدة، وأعيد ترتيب الرقوق، ونشر النص كاملًا خلال الفترة من 1843 – 1845م، وهيَ الآن محفوظة فـي المكتبــة الوطنية في باريس تحت "مجلد يوناني رقم 91" ويرجع تاريخها إلى نحو سنة 450م.
ويقول "فيليب و. كومفرت": "كما كرَّس تشندورف حياته للعمل على اكتشاف المخطوطات وعلى إصدار طبعات دقيقة من العهد الجديــد اليونانــي، وهــو لم يكتشف المخطوطة السينائية فقط، لكنه أيضًا فك رموز رق المخطوطة الأفرايمية Ephraemi Rescriptus وقارنها بعدد لا يحصى من المخطوطات. وانتج عدة طبعات من العهد الجديد اليوناني (كانت الطبعة الثامنة هيَ الأفضل). وقد عمل بمساعدة العالِمين البريطانيين بروك وستكوت وفنتون هين مدة 28 عامًا لإنتاج كتاب بعنوان The New Testament in the Original Greek أي العهــد الجديــد في اليونانية الأصلية (1881م)"(816).
ودعنا يا صديقي نذكر مثلًا لمخطوطة أدخل النسَّاخ إليها بعض التصحيحات التي تصل إلى حد الإضافات:
حصل على هذه المخطوطة "ثيودور بيزا" Theodor Beza من دير القديس إيرينيؤس سنة 1562م، فدعيت بِاسمه، وتضم الأناجيل الأربعة بالترتيب الغربي (متى - يوحنا - لوقا - مرقس) وسفر الأعمال، ويرجع تاريخها إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي، ويتكون المجلد من (406) ورقة من أصل (510) ورقة أو أكثر قليلًا. وفي سنة 1581م أهداها "ثيودور بيزا" إلى مكتبة جامعة كمبريدج، وما زالت محفوظة بها، والنص مدوّن بلغتين هما اليونانية على الصفحات اليسرى واللاتينية على الصفحات اليمنى، وتشمل الصفحة 33 سطرًا، وهيَ تمثل النص الغربي.
ويقول "الدكتور القس فهيم عزيز" عن هذه المخطوطة: "ففيها من الإضافات والحذف ما يتعدى الكلمات إلى الجمل والحوادث أيضًا. فمثلًا يظهر عدد 5 بعد عدد 10 في إنجيل لوقا 6، وبين العددين 4 و 6 من نفس الأصحاح تظهر حادثة جديدة لا توجد في أي مكان آخر وهيَ: "وفي ذلك اليوم رأى يسوع إنسانًا يعمل في يوم السبت فقال له: "يا إنسان إن كنت تعرف ما أنت صانع فطوبى لك، ولكن إن كنت لا تعلم فأنت ملعون وكاسر الناموس". وهناك مَثَل آخر، ففي القصة "العشاء الرباني" كما وردت في إنجيل لوقا يحذف الكاتب الجزء الأخير في عدد 19 وعدد 20 وبذلك يزيل كل ذكر للكأس الثاني (لو 22 : 15 - 20). وفي (لو 23 : 53) يذكر أن يوسف الرامي بعد أن دفن جسد يسوع وضع أمام القبر حجرًا ضخمًا لا يستطيع عشرون رجلًا أن يزحزحوه. أما أشهر مثل هذه الإضافة فهو ما جاء بعد (مت 20 : 28) إذ يقول: "ولكن أطلبوا أن تزدادوا من كل ما هو صغير وأن تنقصوا من كل ما هو عظيم... " وقس على ذلك من الإضافات التي وُجدت في أعمال الرسل حتى أن حجم السفر يساوي 11/10 من السفر المعروف. هذه الزيادات توضح نوعية النص الغربي الذي تمثله هذه المخطوطة أوضح تمثيل"(817).
وبالطبع لا نخشى من مثل هذه التصحيحات في نسخة ما لأنها ليست هيَ النسخة الوحيدة في العالم، بل هناك آلاف النسخ التي يمكن ضبط النص عليها، وجميع ما جرى على هذه المخطوطة البيزية لا يمس أي عقيدة إيمانية، بل أن الناسخ أدخل بعض ما في الهامش إلى متن النص. أما النُقَّاد فيرون فيها كارثة تحطم ثقتنا في جميع المخطوطات... تلك هيَ نظرتهم القاصرة.
ودُعيت هكذا لاكتشافها في دير كلارومونت بفرنسا، واستقرت في المكتبة الوطنية في باريس وحُفظت تحت "مجلد يوناني رقم 107"، وترجع هذه المخطوطة للقرن الخامس، وتشمل رسائل بولس الرسول الأربعة عشر، وترد فيها رسالة العبرانيين بعد رسالة فليمون، وكُتبت المخطوطة باللغة اليونانية على الصفحات اليسرى، يقابلها باللاتينية على الصفحات اليمنى، وتشمل الصفحة (21) سطرًا، وتتكون المخطوطة من 533 ورقة، وهيَ مثل المخطوطة البيزية، فكليهما يمثل النص الغربي.
ودُعيت هكذا لاكتشافها في دير العذراء السريان بوادي النطرون، ويرجع تاريخها للقـرن السادس الميلادي، وتحوي (53) ورقة من الرقوق مدوَّن عليها جزء من إنجيل لوقا، وتعرّضت الكتابة للبهتان فأعيد الكتابة عليها (Ralimpsest) في القرن التاسع الميلادي، حيث كُتب عليها مقال للقديس ساويرس الأنطاكي باللغة السريانية، والمخطوطة محفوظة الآن في المتحف البريطاني منذ سنة 1847م.
ويرجع تاريخها للقرن السادس، وكتبت بحروف فضية على رقوق أرجوانية.
حصل عليها "شارلز فرير" من مصر سنة 1906م، وتضم الأناجيل الأربعة بالترتيب الغربي (متى - يوحنا - لوقا - مرقس) ويرجع تاريخها للقرن الرابع أو القرن الخامس الميلادي، وتتكون من 187 ورقة مدوَّن عليها عمود واحد يشمل 30 سطرًا، وهيَ محفوظة الآن في قاعة فرير للفنون بمعهد سيمثسونيان في واشنطن، وتعتبر ثاني أهم المخطوطات الخاصة بالعهد الجديد في أمريكا بعد البردية P46 التي حُفِظ منها (30) ورقة في جامعة متشجن وسبق الحديث عنها.
وترجع للقرن الخامس، وتشمل إنجيلي لوقا ويوحنا، وهيَ الآن بمكتبة بيروبونت مورجان بنيويورك.
_____
(808) قصة الكتاب المقدَّس ص 200، 201.
(809) أورده بارت إيهرمان - ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 151.
(810) أورده بارت إيهرمان - ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 152.
(811) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 83.
(812) أورده القمص عبد المسيح بسيط - مخطوطات العهد الجديد والنص الأصلي ص 133.
(813) أورده بارت إيهرمان - ترجمة فادي المرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 153.
(814) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 83.
(815) أورده القمص عبد المسيح بسيط ـ مخطوطات العهد الجديد والنص الأصلي ص 19.
(816) قصة الكتاب المقدَّس ص 201.
(817) المدخل إلى العهد الجديد ص 124، 125.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/111.html
تقصير الرابط:
tak.la/qk6fb3f