تصدير
يشكل سفر التثنية ثلاث خطابات طويلة والثاني أطولها، ألقاها موسى النبي في سهول موآب شرقي الأردن مقابل أريحا، في الشهرين الآخيرين من حياته، وشمل الخطاب الأول عرض لمعاملات الله مع بني إسرائيل في أرض مصر وفي البرية (تث 1 - 4: 4)، وفي الخطاب الثاني عرض موسى للشرائع والفرائض والأحكام التي تسلمها من الرب وسلَّمها لشعبه (تث 4: 4 - 26) ووجه موسى النبي خطابه الثالث لشيوخ إسرائيل مؤكدًا على بركات طاعة الوصية كما أفصح عن اللعنات التي تلحق بالرافضين للطاعة (تث 27 - 30) ويأتي الختام في (تث 31) ونشيد موسى في (تث 32) وبركته للأسباط (تث 33). أما الإصحاح الأخير وقد حوى خبر وفاة موسى فقد دوَّنه يشوع بن نون وضُم إلى سفر التثنية ليختم حياة رجل الله رئيس الأنبياء موسى الذي لم يقم نبي مثله في بني إسرائيل.
ويمثل سفر التثنية علاوة على أنه كتاب أحكام يستعين به القضاة والملوك والكهنة، فهو يمثل الشريعة الإلهيَّة التي تهدف إلى تعليم الشعب وتقديسه وبناؤه روحيًا، فهو منهج حياة للسالكين في دروب الملكوت، حيث يتمتع الإنسان ببركات طاعة الوصية.
ويظهر في السفر الوحدة الجوهرية وترابط إصحاحاته، كما يتميز السفر بالتعبيرات القوية المعبرة مثل " إسمع ياإٍسرائيل" (تث 9: 1).. " من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم" (تث 11: 13).. " فتنزعون الشر من بينكم" (تث 13: 5).
ومما لا شك فيه أن العقل هبة من الله للإنسان، فقد ميز الله الإنسان عن بقية الكائنات الحية التي تعيش على الأرض بالعقل، وبتعبير القديس غريغوريوس في القداس الإلهي " أعطيتني موهبة النطق " والنطق هو صورة العقل غير المرئي، والمسيحية تحترم العقل جدًا وتجله، ولأن للعقل الحدود التي يتعامل معها من ملموسات ومرئيات ومحسوسات، فإن الله وهب الإنسان إمكانية الإيمان بالأمور غير الملموسة وغير المرئية وغير المحسوسة، ليحلق الإنسان بهذا الإيمان فوق مستوى العقل. فالعقل يصل إلى حدود معينة والإيمان يُكمل المسيرة إلى الملكوت والأمور الميتافيزيقية، فليس ثمة تناقض بين العقل والإيمان، وإنما هي علاقة تكامل، وكما قال القديس الفيلسوف أغسطينوس أن الإيمان يحمل العقل حيثما كان، والعقل يحمل الإيمان إلى عالمنا المحسوس.. ولكن للأسف الشديد أن الإنسان في الغرب منذ القرن السابع عشر إنبهر بإنجازات العقل من خلال الثورة الصناعية، وزهد الغيبيات التي إرتبطت بالدين حينذاك، وعانى من الصراعات الدينية وبحور الدماء التي أغرقت أوروبا تحت شعار الدين، فكره الدين والكتاب المقدَّس، بل كره الله، وإلتجأ إلى العقل يؤلههه ويسيّده، وقَبِل كل ما يقبله العقل في الأسفار المقدَّسة، ورفض كل ما هو فوق مستوى العقل، ومن هنا وُلِد " النقد الكتابي " وحامت الشكوك من كل جانب حول كلمة الله المعطاة لنا كروح وحياة، ومازالت الحركة العقلانية تسأل ذات السؤال الذي سألته الحية قديمًا " أحقًا قال الله" (تك 3: 1) ونحن نقول مكتوب " كل الكتاب هو مُوحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملًا متأهبًا لكل عمل صالح" (2 تي 3: 16، 17).. " لأن كل ما سبق فكُتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعذية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (رو 15: 4).
ويقول تشارلس هنري ماكنتوش " فالله قد تكلم وتكلم لنا وكلمته كصخرة تصدمها أمواج الأفكار الكفرية فترتد عنها بكل وهن وعجز.. فلا تستطيع أية قوة أن تمس كلمة الله حتى إذا إجتمعت قوات الأرض والجحيم وتعاون الناس والأبالسة، فلا تستطيع كل هذه القوات مجتمعة أن تزعزع أو تؤثر في كلمة الله"(1).
كما يقول ماكنتوش أيضًا " العلاج الوحيد الشافي لهذا المرض.. الخضوع التام والطاعة الكاملة لسلطة الكتاب المقدَّس، ومعنى هذا أن يفتح الناس الكتاب المقدَّس.. لكي يأخذوا فكر الرب في كل أمر ويخضعوا للمكتوب في كل شيء. هذه هي حاجتنا الماسة في وقتنا الحاضر: الاحترام الكلي والخضوع التام في كل شيء لسلطان كلمة الله المطلق"(2).
ونتابع يا صديقي معًا الإجابة على الأسئلة المطروحة الخاصة بسفر التثنية، من خلال الفصول الآتية:
1 | الفصل الأول: تمهيد (الأسئلة من 834-840) |
2 | الفصل الثاني: مقدمة السفر والخطاب الأول (تث 1 - 4) (الأسئلة من 841-851) |
3 | الفصل الثالث: الخطاب الثاني (تث 5 - 26) (الأسئلة من 852-886) |
4 | الفصل الرابع: الخطاب الثالث (تث 27 - 30) (الأسئلة من 887-891) |
5 | الفصل الخامس: الختام (تث 31 - 34) (الأسئلة من 892-899) |
_____
(1) مذكرات على سفر التثنية ص 16
(2) مذكرات على سفر التثنية ص 12
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/index7b.html
تقصير الرابط:
tak.la/n9xc5s9