مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس): الجزء الأول - مقدمة للنقد الكتابي
الفصل الثامن: مدرسة النقد الأعلى وإنكار الوحي
أ. حلمي القمص يعقوب

 

أنكرت مدارس النقد والتشكيك الوحي في كتابة الأسفار المقدسة فأدعى أصحاب مدرسة النقد الأعلى بأن هناك مصادر شتى إستعان بها موسى في كتابة أسفاره الخمسة، وبذلك فإن الموضوع لم يتعدى النقل ولا مجال للوحي الإلهي، وقال بعضهم أن الوحي هو إكتشاف الأنبياء عن طريق عقولهم وإرادتهم ما في عقل الله وإرادته، وذلك عن طريق الحفريات وإستنطاق الأرض، وقال البعض إن الوحي ما هو إلا خبرة ذاتية نتيجة عبقرية دينية، وبصيرة نافذة للنبى، وقال آخرون إن الوحي جزئى، فهو يشمل بعض أجزاء من الأسفار المقدسة مثل كلمات الله للأنبياء دون غيرها... إلخ.

والحقيقة أن الوحي واضح تماما في أسفار موسى الخمسة، مثلها مثل بقية الأسفار المقدسة، ويكفى أوامر الله الصريحة لموسى بأن يكتب، وأيضًا ما ورد في هذه الأسفار من نبوءات ورموز تحققت بعد مئات السنين مثل ما ورد بشأن صلب السيد المسيح، فهذا يؤكد حقيقة الوحي. أما قولهم بأن الأنبياء تعاملوا مع الوحي عن طريق الحفريات وإستنطاق الأرض، فهو أمر مردود عليه للأسباب الآتية:

1- لو أن الوحي يتخذ طريق الحفريات للإعلان عما في عقل الله وإرادته، فحتما كانت الآراء ستختلف، فما يراه أحد الأنبياء في هذه الحفريات قد يرى آخر عكسه.

2- لو كان الوحي يتخذ طريق الحفريات للإعلان عما في عقل الله وإرادته، فإن النبي قد يضفى على هذه الرؤية بعض من خياله الخصب ويتصور أنه واقع.

3- ما علاقة بسطاء الأنبياء مثل صيادي الأسماك بعلم الحفريات وإستنطاق الأرض؟!

4- كيف تفسر ما وضعه الوحي على أفواه الأنبياء فكتبوه رغم أنه كان فوق مستوى إدراك العقل البشري، مثل ولادة العذراء "هوذا العذراء تحبل وتلد إبنا" (أش 7: 14) ومثل الطفل المولود الذي يجمع بين البشرية والألوهية "يولد لنا ولد ونعطى إبنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى إسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (أش 9: 6) ؟!

والحقيقة أن أصحاب هذا الرأى قد خلطوا بين علم النفس والأمور اللاهوتية، فتعريف الوحي بالطريقة السابقة هو جمع بين "الحدس العقلى " كما عرفه "كانت " وبين "الحدس القلبى " كما عرفه "جان جاك روسو ". أما الوحي فهو شيء آخر يختلف تماما عن الحدس العقلى والحدس القلبى اللذان هما نابعان من الإنسان لا أكثر، بينما الوحي له الجانب الإنساني وله الجانب الإلهي أيضًا، ولذلك فإن علم الحفريات وإستنطاق الأرض ما هو إلا وسيلة إيضاح للوحي الإلهي، فمثلا عندما يتنبأ كل من أشعياء وأرميا عن خراب بابل وإزالتها من الوجود رغم العظمة التي كانت عليها، فإن علم الأثار يأتي ليؤكد لنا هذه الحقيقة فيكون كوسيلة إيضاح لما نطق به الوحس على فم أشعياء وأرميا.

وخلال يوميّ 25، 26/7/2004 م إنعقد مؤتمر "لتعارفوا " في عمان -الأردن وهو يمثل إحدى الحوارات الإسلامية المسيحية، وقد نظم هذا المؤتمر المركز الأردني للدراسات والمعلومات بالإشتراك مع جمعية الدعوة الإسلامية بطرابلس -ليبيا، ودار موضوع المؤتمر حول خطاب عربى إسلامى مسيحي مشترك للتعارف على الآخر، وحضر رئيس وزراء الأردن نائبا عن جلالة الملك عبد الله (راعى اللقاء) الجلسة الإفتتاحية، وكذلك كبار الساسة، وتكلم في الجلسة اإفتتاحية قداسة بطريرك السريان مارزكا عيواص، وغبطة بطريرك اللاتين ميشيل صباح نائبا عن بطريرك الموارنة، ونيافة الأنبا باخوميوس عن الكنيسة القبطية، وتكلم عن القادة الإسلاميين فضيلة مفتى القدس، وقاضى قضاة فلسطين، ومفتى سوريا، وألقيت سبع محاضرات تخللتها المناقشات (راجع مجلة الكرازة عدد 25، 26 للسنة بتاريخ 6/8/2004م) والأمر العجيب أن القس يوسف مسئول دائرة الإعلام في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وهو يلقي كلمته نيابة عن الكاردينال نصر الله صفير بطريرك الموارنة الكاثوليك قال إن الدين ليس له علاقة بالوحي، فلم يوافقه الأخوة المسلمون رأيه هذا، سواء كان هذا رأيه الخاص أو رأي طائفته، وتفضل نيافة الأنبا باخوميوس بالتعليق، إذ أوضح أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الدين عن الوحي، فجيث لا يوجد وحى لا وجود للدين، ولا دين بدون وحى، لأن إنفصال الدين عن الوحي معناه أن الأسفار المقدسة مثلها مثل أي كتابات أخرى بشرية محضة، وبالتالى تحتمل الخطأ والنقص والضعف... إلخ وتصبح قابلة للنقد والتصحيح. بينما الكتاب المقدَّس يعلمنا أن "كل الكتاب هو موحى به من الله" (2تى 3: 16).

ودعنا يا صديقي في هذا الفصل نتناول النقاط الآتية:

أولا: تعريف الوحي.

ثانيا: نظريات مرفوضة عن الوحي.

ثالثا: المفهوم الصحيح للوحي.

رابعا: أمثلة عملية على دور الوحي.

 

---