ج: 1- عندما احتدمت المعركة بين بني إسرائيل وجيش سيسرا الذي لا يُقهر، وبدأت بوادر الكسرة لجيش سيسرا إذ أزعجهم الرب بالعواصف والبروق والأمطار، ووقفوا وجهًا لوجه أمام رجال إسرائيل الذين اندفعوا نحوهم، هرب سيسرا من ساحة القتال، ولجأ إلى خيمة حابر القيني وهو في ملء الثقة والأمان، على أنها الملجأ الأمين له في وقت الخطر هذا، ولاسيما أنه كان هناك اتفاق صلح بين يابين وبيت حابر القيني. وأيضًا قال سيسرا في نفسه أنه لن يفكر أحد أنه قد إختبئ في خيمة امرأة، وزاد يقينه بالأمان عندما استقبلته ياعيل بالترحاب، وقالت له: مِلْ يا سيدي مِلْ إليَّ. لا تخف، فدخل الخيمة وغطته باللحاف وطلب منها قليل من الماء فسقته لبنًا كثيرًا، ومع إجهاد المعركة استسلم للنعاس، بعد أن أوصاها أن تقف أمام باب الخيمة وإن جاء إليها أحد وسألها: أهنا رجل، تقول له: لا، ونام سيسرا فأخذت ياعيل وتد خيمة وضعته على صدغه بين العين والأذن، وضربت عليه بالمطرقة بكل قوتها مرة ومرات، فنفذ الوتد إلى الأرض، ومات سيسرا بيد امرأة، وترجع مهارتها في استخدام الوتد والمطرقة إلى أن النساء في ذلك العصر كن هن المكلفات بنصب الخيام.
2- حابر القيني من بني يثرون حمى موسى، سكن في المنطقة الفاصلة بين حاصور وكنعان، وكان مع زوجته ياعيل يتعاطفان مع شعب الله المطحون، الذي تلقى ضربات من كل اتجاه، فتارة من الشرق من ملك آرام وملك موآب، وتارة من الشمال من كنعان، وتارة من الجنوب من مديان، وتارة من الغرب من الفلسطينيين، فتجرأت ياعيل وقتلت سيسرا فألحقت به العار، إذ قُتل بيد امرأة، مثل أبيمالك الذي ألقت عليه امرأة حجر رحى من على السور فشجت جمجمته " فدعا حالًا الغلام حامل عدته وقال له إخترط سيفك واقتلني لئلا يقولوا عني قتله امرأة" (قض 9: 54) وهكذا كانت نهاية سيسرا.
ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "قد يعترض البعض على خداع ياعيل لسيسرا وعلى خيانته له وقتله بهذه الصورة، ولكن يجب أن نعلم أن الوحي يروي الأمور كما حدثت، ولا بُد أن ياعيل وزوجها كانا يريان مظالم يابين ملك كنعان وسيسرا قائده لشعب الله، والإساءات المريرة التي أساء بها إليهم، ولا بُد أنهما كان يعلمان أن الرب (يهوه) إله إسرائيل الذي عمل المعجزات مع موسى الذي صاهرهم من القدم، ومع يشوع، ومع شعبه بوجه عام، لا بُد أنه غاضب من أعمال يابين وسيسرا، وزاد إيمان ياعيل وزوجها بالله وثقتها في أن الكنعانيين قوم ظالمون ما رأوه من الهزيمة المخجلة لسيسرا وجميع قواته، وما رأوه من البروق والرعود وظواهر الطبيعة المختلفة التي أدت إلى الهزيمة، مما جعلهما يوقنان تمامًا أن الرب غاضب على الكنعانيين وعلى أعمالهم، ولعل (ياعيل) فكرت في أن قتلها لسيسرا إرضاء وتمجيد لله، وتخليصًا للشعب والأرض من الظلم والقسوة والطغيان.
ولأن كان هناك صلح بين يابين وبيت حابر القيني (ع 17) فأنه كان هناك صلح أعظم وروابط أوثق بين حابر القيني وقومه وبين بني إسرائيل... بل أن موسى النبي هو العامل في جذب القينيين إلى أرض كنعان، لأنه هو الذي طلب إلى (حوباب) ابن يثرون وأبي حابر أن يصحبه هو وبيته إلى أرض الموعد"(1).
3- لا أحد يستطيع أن ينكر أن ياعيل قد داست حق الضيافة، ولم تكن أمينة مع الرجل الذي ائتمنها على نفسه، في الوقت الذي كان فيه الإنسان يضحي بأولاده من أجل الحفاظ على ضيفه، فلوط البار أبدى استعداده للتضحية بشرف ابنتيه من أجل الحفاظ على ضيفيه.
وجاء في " كتاب السنن القويم": "نمدح ياعيل (قض 5: 24) على شجاعتها وميلها إلى شعب الله دون الميل إلى الكنعانيين، ولكننا لا نقدر أن نبررها في كل ما فعلته، فإنها قبلت سيسرا في خيمتها (ع 18) ومن عادة البدو ومن واجبات الضيافة عند جميع الناس وقاية الضيف وجعله في أمان مادام نزيلًا. ثم خدعته وقتله غدرًا وهو مستغرق بالنوم. إن الله يستعمل آلات بشرية، ولكن هذه الآلات ليست كاملة وأحيانًا تعمل ما ليس بحسب إرادته، فلا شك أن الرب يقدر أن يخلص شعبه من تسلط يابين وسيسرا بلا خطيئة الخديعة ونكث عهود الضيافة"(2).
_____
(1) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 72.
(2) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 3 ص 239.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/998.html
تقصير الرابط:
tak.la/zf86kgw