يرى " الخوري بولس الفغالي " أن شخصًا مجهولًا هو الذي أنشد النشيد وآخر زاد عليه، ونُسب النشيد لدبورة وهي لم تقله، فقال " أن الكاتب شخص مجهول، ألَّف قصيدته قرب أحد المعابد، ولكن جاء من زاد عليها (قض 5: 1 - 5، 12) وجعلها في فم دبورة وباراق بن أبينوعم"(1).
كما قال أيضًا أنه " نشيد بطولي وصلنا على لسان دبورة. ألَّفه شاعر مجهول، فتكلم باسم شعبه ليمجد الله لعظمة أعماله"(2).
وقال بعض النُقَّاد أن الذين أنشدوا النشيد هم رؤساء يساكر الذين ساروا مع دبورة، ووجهوا الحديث لها ولباراق (قض 5: 12).
ج: لم يعتمد النُقَّاد في آرائهم على حجج مقنعة، فما هو دليلهم على أن الذي ألَّف القصيدة شخص مجهول كان بقرب أحد المعابد، وجاء آخر وأزاد عليها، وجعلها في فم دبورة وباراق؟! وما هي حجة القائلين بأن النشيد من تأليف رؤساء يساكر..؟! إنها مجرد تخمينات بلا أدلة قاطعة... لماذا لا تكون دبورة هي التي ألَّفت هذا النشيد، وواضح من النشيد أن الذي ألَّفه شخص عاين الأحداث وانفعل بها، ومن كانت مشاعره متقدة لتحرير شعبه مثل هذه النبية العظيمة دبورة..؟! إنها شابهت مريم النبية التي عبرت البحر الأحمر وشاهدت بعينيها وقوف المياه كسور على اليمين وعلى اليسار، وشاهدت غرق فرعون ومركباته، وكيف غاصوا في اليم في قاع البحر، فأمسكت الدف بيديها وأخذت تنشد نشيدها الخالد. وأيضًا تجد النشيد يحكم على الأسباط التي تخاذلت ولم تشارك في المعركة، فمن يقدر أن يحكم على هذه الأسباط أكثر من دبورة العارفة بأحوال الشعب كله. وليس بالأمر الغريب أن تخاطب دبورة نفسها أو تخاطب باراق " استيقظي استيقظي يا دبورة استيقظي استيقظي وتكلمي بنشيد قم يا باراق واسب سبيك يا ابن أبينوعم" (قض 5: 12) ولاسيما أن النصوص القديمة للشرق الأدنى استخدمت نفس الأسلوب.
وجاء في " كتاب السنن القويم": "استيقظي استيقظي يا دبورة: نبهت نفسها بالنداء المكرَّر تنشيطًا لها وإغراءً بإكمال النشيد فيما يشجع الشعب ويزيده ابتهاجًا... ومخاطبة الإنسان نفسه من بديع اللغات الساميَّة وهو يكثر في أشعارها، وهو وافر في أشعار القدماء والمحدثين، وعدَّهُ البديعيون نوعًا من التجريد وهو أن يُجرّد الإنسان من نفسه شخصًا آخر يخاطبه كأنه يخاطب غيره"(3) وأيضًا الذي يؤلَّف نشيدًا بهذه الروعة لا بُد أنه إنسان صالح، فكيف ينتحل شخصية دبورة وينطق بلسانها؟!
2- جاء في " كتاب السنن القويم": "فترنمت دبورة: ذكر الكاتب هذه المترنمة باسمها مجردة من كل ألقاب الشرف والنعوت العظيمة فدل على أنه مؤرخ يذكر الواقع بلا هوى... والأغنية التي ترنمت بها أو القصيدة التي أنشدتها بالغناء هي ناظمتها خلافًا لبعضهم (خلافًا لما قاله البعض).. بذل بعضهم الجهد في أن يبين أنها ليست لدبورة وأنها من أشعار المتأخرين عنها لأنها تشتمل على صور من صور كلام المتأخرين، ولكن المحقّقين... لم يقفوا على إثر يؤيد دعوى القائل بتأخرها عن زمن النبية، والذي حمل ذلك القائل على هذا أنها لم يسبق لها نظير في البلاغة ولكن هذا ليس بدليل على أنها بعد عهد دبورة"(4).
وقال " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "دلت الإثباتات القاطعة أن صاحبة هذه الترنيمة دبورة، وقد أوحى الرب إليها بها، ولقنتها لباراق، فترنما بها أمام الشعب، وكان الشعب كباره وصغاره يرنمون معهما أو يرددونها بعدهما، ابتهاجًا بالنصر العظيم"(5).
وقال " زينون كوسيدوفسكي " الذي طالما هاجم الكتاب المقدَّس: "أثبت التحليل اللغوي بأن هذا النص واحد من أقدم أثار الأدب العبري القديم. بل ويفترض أنه ظهر في الزمن الذي حدثت فيه الأحداث التي نتكلم عنها، ولذلك فهو يعطي صورة حقيقية لحياة الإسرائيليين في أول فترة احتلالهم فلسطين"(6).
_____
(1) تعرَّف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 103.
(2) التاريخ الاشتراعي تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 172.
(3) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 3 ص 246.
(4) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 3 ص 241.
(5) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 74.
(6) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 210.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/999.html
تقصير الرابط:
tak.la/7v6zgz2