ويقول الأب جاك ماسون اليسوعي أن كاتب سفر التكوين قد دوَّنه وفق ثقافة زمانه، وأيضًا كاتب سفر الخروج الذي كتب بأن الأرنب يجتر(1).
ج: 1- جاء في سفر اللاويين أن الله كلم موسى وهرون ووضع لهما مواصفات الحيوانات الطاهرة التي يمكن تناول لحومها، وهو كل ما يشق ظلفًا ويجتر، ومنع عنهم أكل الوبر والأرنب قائلًا " الوبر. لأنه يجتر لكنه لا يشق ظلفًا فهو نجس لكم" (لا 11: 5، 6) والوبر أو الوبار حيوان صغير، له ذنب، ولونه أسود يميل إلى الصفرة، وأحيانًا يَتَّخِذ لون الأرض التي يعيش عليها فَيَتَخَفَّى ويصعب رؤيته، وهو في حجم الأرنب ويسكن بين الصخور، وقدماه الأماميتان بكل منهما أربع أصابع تنتهي بمخالب حادة، وقدماه الخلفيتان تنتهي كل منهما بثلاث أصابع تنتهي بمخالب حادة، وكلٍ من الوبر والأرنب يحرك فكه السفلي، فلهما نفس حركة الحيوانات المجترة كالجاموس والبقر، والمقصود بالاجترار إعادة الطعام بعد بلعه لمضغه جيدًا، وإعادة بلعه ثانية، وهي عملية مفيدة للحيوان إذ تمكنه من مضغ الطعام جيدًا وأيضًا طرد بعض المواد السامة العالقة بالنباتات.
2- يقول القس أنطونيوس فخري " الاجترار عبارة عن عملية استرجاع الطعام غير كامل الهضم من المعدة إلى الفم بهدف استكمال مضغه وإعادته مرة أخرى للمعدة لاستكمال هضمه. الأرنب حيوان مجتر لأنه يقوم بهذه العملية، ولكنه يمتلك معدة واحدة وليس 4 معدات (4 حجرات) لإتمام عملية الهضم كما يحدث في الحيوانات المجترة الكبيرة الجمال والبقر. ولهذا السبب يُقال خطأ أن الأرنب حيوان غير مجتر لامتلاكه معدة واحدة، مع أنها تقوم بعملية الاجترار بطريقة فريدة تظهر في هذا الحيوان وحده"(2)(3).
3- حرَّم الله أكل لحوم بعض الحيوانات والطيور حفاظًا على صحة الشعب، فبعض الحيوانات التي منع أكلها تقتاد على جثث الحيوانات، وأيضًا كان هذا المنع بهدف تميّيز شعب الله عن بقية الشعوب الوثنية، فمثلًا كانت بعض الشعوب الوثنية تقدم الخنزير كذبيحة، ولذلك جاء التحريم الإلهي من أكل لحم الخنازير. وأيضًا مُنعت الحيوانات الزاحفة، وهي تذكرنا بالحية القديمة التي تسببت في سقوط الإنسان.
4- أراد الله أن يعلم شعبه ما هو صحيح وما هو خطأ، فاستخدم معهم الحيوانات والطيور والأسماك كوسيلة تعليمية، حتى يتعود الشعب على فعل ما هو صحيح (محلَّل) والامتناع عما هو خاطئ (محرَّم)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا قال الرب لشعبه " أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم في الشعوب. فتميزون بين البهائم الطاهرة والنجسة وبين الطيور النجسة والطاهرة. فلا تدنسوا نفوسكم بالبهائم والطيور ولا بكل ما يدبُّ على الأرض مما ميَّزته لكم ليكون نجسًا" (لا 20: 24، 25) وإن كانت بعض الشعوب القديمة عرفت بعض الحيوانات المحرمة، فإن التوراة ربطت بين ما هو محرم بالفرائض الأدبية، كما هو واضح من النص السابق(4).
5- يقول القديس مارآفرام السرياني "الله القدوس الطاهر لم يخلق شيئًا نجسًا، وليس النجس شيئًا سوى معصية وصاياه. والحيوان غير الناطق بأسره، لكون لا عقل له (مثل عقل الإنسان)، فلا يمكنه أن يعصى وصية ولا أن يُطيعها، ولذلك، لا يمكن أن يوجد فيه نجس، لكون الذي خلقه طاهر، بل كل هذه الأقاويل والتحذيرات رموز وتعليم للنفس الناطقة (الإنسان) التي يمكنها أن تتطهَّر وتتنجَّس بالطاعة والمعصية"(5) وكان هذا التحريم في العهد القديم عندما كانت البشرية في طفولتها، ولكن عندما نضجت البشرية في العهد الجديد، فلم يعد في المسيحية شيئًا محرَّمًا من هذه الحيوانات والطيور والأسماك، بينما استمر هذا التحريم لدى غير المسيحيين.
6- تقول الأخت فيبي هاني كامل(6) " هناك حكمة إلهيَّة من أوامر الله لشعبه للتمييز بين الحيوانات الطاهرة والغير طاهرة:
أ - لقد أراد الله أن يميز شعبه القديم عن بقية الشعوب، فيجعله شعبًا مميزًا في عبادته وعقائده وعاداته.
ب- أراد الله أن يجتذب شعبه للطهارة الروحية الداخلية عن طريق الطهارة الجسدية الحسية.
جـ- أراد الله أن يُعلّم شعبه بعض الفضائل مثل الطاعة والخضوع لكلمته، والقناعة وقمع الجسد وعدم الشراهة.
د - حرَّمت بعض الشعوب أنواعًا من الحيوانات، فحرَّم المصريون أكل الجمل، وحرَّم المجوس أكل الأرنب، وأراد الله أن لا يشعر شعبه بأنهم أقل ثقافة من هذه الشعوب، أو يحاكونهم في عاداتهم، لذلك وضع لهم شريعة الطاهر والنجس من الحيوانات والطيور والكائنات البحرية.
هـ- كانت بعض الشعوب تقدس بعض الحيوانات، فمثلًا قدَّس اليونان والرومان الخنزير، وقدَّس المصريون العجول والصقور، فأراد الله أن يجنب شعبه هذه المعتقدات، فأوضح لهم أن بعض هذه الكائنات نجسة يجب تجنبها.
و - عُرفت بعض الحيوانات المحرمة بصفات رديئة، فعُرف الجمل بالحقد، والثعلب بالمكر، والخنزير بالتمرغ في الأوحال، فهو يشير للخاطئ الذي يتمرَّغ في خطاياه رافضًا التوبة، وعُرفت الوحوش بالافتراس، فهي تمثل الاعتداء على حرية وحياة الآخرين. فحرَّم الله على شعبه هذه الحيوانات حتى يشعروا بالاشمئزاز منها ويبغضون صفاتها، فلا تكن محل قبول لديهم.
ز - هذه الشريعة كانت تظهر أن الإنسان مازال تحت حكم الناموس الذي يلزمه بالخضوع لأحكام حرفية دقيقة.
ح - حرَّم الله شعبه أكل لحوم بعض هذه الحيوانات النجسة لأسباب صحية، فكثير من الحيوانات غير الطاهرة تتعرض لأمراض مشتركة بين الإنسان والحيوان"(7).
_____
(1) مقالات الوحي والإلهام والحقيقة في الكتاب المقدَّس بجريدة وطني في 6، 13، 20 فبراير 2005م.
(2) المراجع: كتاب تربية ورعاية الأرانب - أ. د. أبو بكر أحمد رئيس بحوث معهد الإنتاج الحيواني، وكتاب الرعاية الصحية للأرانب - أ. د. سليم أحمد محمد.
(3) الكتاب المقدَّس يتحدى الشكوك ص 140.
(4) راجع الخوري بولس الفغالي - المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ2 ص137.
(5) الأب يوحنا ثابت - تفسير لسفر الأحبار - منسوب إلى القديس أفرآم السرياني ص 50.
(6) معهد الكتاب المقدَّس بدمنهور.
(7) من أبحاث النقد الكتابي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/732.html
تقصير الرابط:
tak.la/3c5sdn6