ج: 1- يحمل السؤال شيئًا من المغالطة، فعند موت ناداب وأبيهو " قال موسى لهرون وألعازر وإيثامار إبنيه لا تكشفوا رؤوسكم ولا تشقوا ثيابكم لئلا تموتوا ويُسخط على كل الجماعة. وأما أخوتكم كل بيت إسرائيل فيبكون على الحريق الذي أحرقه الرب" (لا 10: 6) لقد كان من عادات الحزن في ذلك الزمان كشف الرؤوس ونكش الشعر وتمزيق الثياب، وقد أراد الله أن يخلص شعبه ويحرره من تلك العادات الرديئة، فلا يليق بأولاد الله التشبه بشعوب الأرض، ومع هذا فإن الله لم يمنع هرون وابنيه الأحياء من ذرف الدموع على مصابهم الأليم، بل أن الله كلَّم هرون مباشرة بدون وسيط حتى يُشعره بأنه مازال مقبولًا مع ابنيه الأحياء ككهنة لله العلي، وأعطاهم وصية التحذير من شرب الخمر (لا 10: 8، 9).
أما بالنسبة للكهنة فالله لم يمنعهم من لمس جثث أقربائهم من الدرجة الأولى " وقال الرب لموسى كلم الكهنة بني هرون وقل لهم. لا يتنجس أحد منكم لميت من قومه. إلاَّ لأقربائه الأقرب إليه أمه وأبيه وابنه وابنته وأخيه وأخته العذراء" (خر 21: 1 - 3) ولم يستثنى من هذا إلاَّ رئيس الكهنة " والكاهن الأعظم بين إخوته الذي صُب على رأسه دهن المسحة... لا يأتي إلى نفس ميتة ولا يتنجس لأبيه أو أمه" (لا 21: 10، 11).
2- يقول القديس جيروم " قيل {لا تشقوا ثيابكم} (ع 6) أي لا تحزنوا كالوثنيين لئلا تموتوا، لأنه بالنسبة لنا الخطية هي موت، وإننا نجد في نفس السفر -سفر اللاويين- نصًا يبدو للبعض قاسيًا لكنه ضروري للإيمان، إذ يُمنع رئيس الكهنة من الاقتراب من الأجساد الميتة التي لوالده، ووالدته أو إخوته أو حتى أولاده (لا 21: 10 - 12) حتى لا تتشتت النفس التي تنشغل بتقديم ذبيحة لله بأي حزن بل تكون بكليتها مكرسة للأسرار الإلهية. ألم نتعلم ذات الدرس في الإنجيل بكلمات أخرى؟! ألم يُمنع التلميذ من توديع بيته ودفن أبيه الميت (لو 9: 59 - 62)؟!"(1).
3- يقول القمص تادرس يعقوب " بلا شك تأثر هرون وابناه لما نظروا ما حدث لأبني هرون الآخرين ناداب وأبيهو، وقد جاءتهم الوصية ترفعهم فوق المشاعر الطبيعية، إذ قيل لهم {لا تكشفوا رؤوسكم ولا تشقوا ثيابكم لئلا تموتوا..} (ع 6، 7) أي كأب وكأخين يحملون مشاعر إنسانية لكنهم ككهنة الرب لا يكبتون هذه المشاعر ولا يحطمونها، وإنما يرتفعون بها لتقديمها لا للأقرباء حسب الدم فحسب بل نحو الكل، فيعيشون يخدمون كل الجماعة كأخوة وأبناء لهم. الكاهن الحقيقي يرتفع بكل أحاسيسه ومشاعره لخدمة الله في كل إنسان ولا يحد قلبه بأخوته حسب الدم"(2).
4- يقول الشماس الدكتور حمدي صادق " ونظرًا لوصية الرب للكهنة بعدم لمس ميت منعًا للنجاسة (لكي ينزع من الشعب عبادة الأموات التي كانت عند الفراعنة) لذا دعا موسى ابني عم هذين الكاهنين، وهما ليسا من الكهنة، ليرفعاهما في ملابسهما إلى خارج المحلة، ويوضح الكتاب أن نار الله لم تحرقهما حرقًا بل يقول الكتاب أكلتهما فماتا. نُزعت روحيهما لكن الجسد لم يحترق بدليل عدم احتراق القمصان... نار الله حتى في غيرته ليست كنيراننا الحقودة الملتهبة بل هي مترفقة لتزيل الفساد فقط (هذه النار كانت بقصد التأديب جسديًا لا الهلاك الروحي) ولئلا يخطئ هرون وأبناه الآخران بسهو أن يشقوا الثياب في حزن أو يكشفوا رؤوسهم بما لا يليق بالكاهن وكرامة الكهنوت إذ يجب أن يكون الكاهن ذو قلب قوي لا يرضخ للمؤثرات والظروف. لذا حذرهم الرب من ذلك لئلا يموتوا أو يتسببوا في سخط الرب على كل الجماعة فثبات الكاهن وكرامة كهنوته في الكنيسة هما مصدر بركة للكل، وبالعكس التهاون يفسد أحوال الرعية ويسخط الرب عليها، لكن موسى طبعًا سمح لباقي الشعب بأن يقوموا بواجب العزاء والرثاء والبكاء"(3).
_____
(1) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر اللاويين ص 94.
(2) المرجع السابق ص 94.
(3) تفسير سفر اللاويين ص 57، 58.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/731.html
تقصير الرابط:
tak.la/jktd35g