ج: بالطبع لم يأخذ موسى النبي تصميم خيمة الاجتماع أو محتوياتها من المعابد المصرية القديمة، وذلك لأسباب عديدة، نذكر منها ما يلي:
1- أُقيمت خيمة الاجتماع بحسب الوصية الإلهية، وبحسب المثال الذي أراه الرب لموسى على الجبل، لتكون مسكنًا للرب وسط شعبه " فيصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أُريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون" (خر 25: 8، 9) لقد أوضح الله لموسى جميع تفصيلات الخيمة ومشتملاتها والمواد المستخدمة في إقامتها، فخرجت خيمة الاجتماع للوجود مختلفة كثيرًا جدًا عن المعابد المصرية، ولكن مجرد وجود جزء من الخيمة باسم قدس الأقداس يعني أن موسى النبي أختلس تصميم الخيمة من المعابد المصرية.
2- دُعيت خيمة الاجتماع بأربعة أسماء وهي:
أ - المسكن (خر 26: 1) لأن الله كان يسكن من خلال الخيمة وسط شعبه.
ب- مسكن الشهادة (خر 38: 21، عد 1: 50) لأنها حوت لوحي الشهادة.
جـ- خيمة الاجتماع (خر 33: 8، 40: 34، 35) لأن الله كان يجتمع مع شعبه من خلال هذه الخيمة.
د - بيت الرب (يش 6: 24) الذي يلتقي فيه الإنسان بالله.
وهذه الأسماء كلها أو بعضها لم تُطلق من قبل على المعابد المصرية القديمة.
3- أُقيمت خيمة الاجتماع من ألواح خشب السنط المغشاة بالذهب، فكان طول كل لوح عشرة أذرع وعرضه ذراع ونصف، وكان لكل لوح رجلان يرتكزان على قاعدتين من الفضة، وترابطت هذه الألواح عبر عوارض خشبية مغشاة بالذهب. وكانت الخيمة عبارة عن متوازي مستطيلات تتجه ناحية الغرب، فيبلغ عرضها من الغرب والشرق عشرة أذرع، ويبلغ طولها من الشمال والجنوب ثلاثون ذراعًا، وتنقسم الخيمة إلى قدس الأقداس من ناحية الغرب بطول عشرة أذرع وعرض عشرة أذرع، والقدس بطول عشرون ذراعًا وعرض عشرة أذرع. هذا بالإضافة للفناء الخارجي من جهة الشرق، فواضح جدًا أن تصميم خيمة الاجتماع هذا يختلف عن تصميم المعابد المصرية التي كانت تتكون غالبًا من أربعة أجزاء هي:
أولًا: مكان تواجد الشعب، وهو مكان فسيح، وبه مكان مخصص لتقديم الذبائح، وفي هذا المكان كان العابدون يقفون وهم يطرقون بنظرهم لأسفل تعظيمًا لفرعون الذي كانوا يؤلهونه.
ثانيًا: بهو الأعمدة، حيث كان يُقام أكبر عدد ممكن من الأعمدة المرتفعة، التي تعكس الصوت، فعندما يتكلم الكهنة يتردد الصدى مرات عديدة بعدد الأعمدة المقامة. وفي هذا البهو كانت الإضاءة تأتي خافتة من خلال فتحات ليست متسعة بسقف المعبد.
ثالثًا: المكان الذي يقيم فيه الكهنة شعائرهم الدينية، ويكاد أن يكون مظلمًا.
رابعًا: وهو ما يُعبَر عنه بقدس الأقداس حيث تمثال فرعون الذي يؤلّهونه.
إذًا فالإنسان المصري القديم كان يدخل المعبد بين تماثيل ضخمة، وكان المعبد يتميز بجدرانه الضخمة التي تضم العديد من الحجرات، فأين كل هذا من خيمة الاجتماع وبساطتها؟!!
4- كان للخيمة غطاء مكوَّن من أربع طبقات، تتميز الطبقة الأولى بالألوان الأربعة البديعة المغطاة بالكاروبيم، فالذي يتطلع إلى هذه الطبقة من القدس أو قدس الأقداس كأنه ينظر للسماء بجمالها، وطول هذا الغطاء 40 ذراعًا وعرضه 28 ذراعًا. والطبقة الثانية منسوجة من شعر الماعز بطول 44 ذراعًا وعرض 30 ذراعًا، فهي بذلك تغطي الطبقة الأولى تمامًا فتحميها من أية عوامل خارجية، وكانت تدعي " غطاء للخيمة". والطبقة الثالثة من جلود الكباش المصبوغة باللون الأحمر علامة الفداء بالدم. أما الطبقة الرابعة وهي من أعلى فمصنوعة من جلد التُّخس، ورغم أن هذه الطبقة لا جمال لها، فهي تشبه النفس البشرية التي تقول " أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيار قيدار كشقق سليمان لا تنظرن إليَّ لكوني سوداء لأن الشمس قد لوحتني" (نش 1: 5، 6).
5- كان للخيمة سور خارجي مكوَّن من ستائر كتانية مُعلَّقة بين أعمدة بطول 100 ذراع وعرض 50 ذراع تحيط بالخيمة، وهذه الستائر البيضاء تشير للطهارة التي يجب أن تحيط ببيت الله، وبهذا السور باب متسع من جهة الشرق له ستارة ذو أربعة ألوان بديعة، وهي اللون الأسمانجوني (الأزرق السماوي) والأرجواني (البرتقالي الملوكي) والقرمزي (الأحمر القاني) والأبيض، ويبلغ اتساع هذا الباب عشرون ذراعًا وارتفاعه بارتفاع سور الخيمة خمسة أذرع، وكون هذا الباب متسعًا، ولا يمثل بابًا مغلقًا من الخشب أو المعدن، فهو بهذا يشير لمحبة الله المتسعة. ولم نسمع قط أنه كان هناك معبدًا مصريًا محاطًا بسور من الستائر البيضاء، ولا معبدًا له باب من ستارة كهذه، فالسور شاهد على أن موسى لم يقتبس خيمة الاجتماع من المعابد المصرية.
6- صُنعت الخيمة من الخشب والذهب والفضة والنحاس والقماش والجلود، بينما بُنيت المعابد من الأحجار، وكانت الخيمة تنتقل مع بني إٍسرائيل من مكان إلى آخر، فلو أقتبس موسى من الحضارة المصرية لكان يبني معبدًا ولو بسيطًا من الأحجار في كل مكان يحل فيه الشعب، ولكن هذا لم يحدث.
7- كان لخيمة الاجتماع ثلاثة مداخل، الأول وهو في السور الخارجي، ومنه يدخل الشعب إلى الدار، وهو عبارة عن ستارة يرفعها الداخل ويعبر، فلا يحتاج إلى أن يقرع ويفتح له آخر، إنما يعبر إلى الداخل في أي وقت يشاء في هدوء وسكون البرية، يقدم صلواته وذبائحه، ويلتقي بمذبح المحرقة المصنوع من خشب السنط المغشى بالنحاس وتُقدم عليه ذبائح الصباح والمساء، وكافة أنواع الذبائح الأخرى مثل ذبائح السبوت والمواسم والأعياد، وذبائح المحرقة والخطية والإثم والسلامة والدقيق... إلخ والنار لا تنطفئ عليه، والذي في الدار يُبصر أيضًا الكاهن وهو يغتسل من المرحضة النحاسية قبل أن يدخل إلى القدس لتقديم طقوس العبادة. أما المدخل الثاني فهو يفصل بين الدار والقدس ولا يعبره إلاَّ الكاهن أو رئيس الكهنة فقط، وهو عبارة أيضًا عن ستارة. والمدخل الثالث يفصل بين القدس وقدس الأقداس ولا يعبر منه إلاَّ رئيس الكهنة في يوم الكفارة العظيم، ويُدعى هذا الفاصل بالحجاب الحاجز ومكوَّن من ستارة بديعة ذات الألوان الأربعة. بينما لم نسمع قط أنه كان هناك معبدًا مصريًا له مداخل ذات ستائر كهذه.
8- كان في داخل القدس المنارة الذهبية ذات السرج السبعة التي تضاء بزيت الزيتون النقي إشارة لروح الله القدوس الذي ينير ظلمة نفوسنا، ومذبح البخور الذي يُصعد عليه الكاهن البخور، ومائدة خبز الوجوه الذهبية التي يوضع عليها اثنا عشر رغيفًا بعدد أسباط إسرائيل، يأكلها الكهنة كل سبت ويضعون بدلًا منها أرغفة جديدة، وتُدعى بخبز الكهنة فهل سمع أحد أنه كان هناك معبدًا مصريًا وُجد داخله منارة ذهبية أو مذبح للبخور أو مائدة لخبز الوجوه؟!!
9- كان في داخل قدس الأقداس تابوت العهد المصنوع من خشب السنط والمغشى بالذهب، ويعلون كاروبان، وداخله لوحي الشهادة المكتوبان بإصبع الله، وقسط المن، وعصا هرون التي أفرخت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولا يمثل أمام التابوت إلاَّ رئيس الكهنة في يوم الكفارة العظيم، وهو يقدم البخور، وينضح بالدم على التابوت، وقدمه مربوطة بسلسلة، لئلا يسقط ميتًا في الحضرة الإلهية فيسحبونه، لأنه لا يدخل إنسان في هذا المكان ويعيش. بينما كان المصريون يضعون في قدس الأقداس تمثال لفرعون الذي يؤلّهونه، ومرات كثيرة كانت الشياطين تتكلم من خلال هذه الأصنام.
10- نلتقي من خلال خيمة الاجتماع بثلاثيات عديدة مثل:
أ - تكونت الخيمة من ثلاثة أجزاء وهي الدار الخارجية، والقدس، وقدس الأقداس.
ب- استخدمت ثلاثة أنواع من المعادن في إقامة الخيمة وهي الذهب الذي يشير لجوهر اللاهوت، والفضة وتشير للفداء، والنحاس يشير للعدل الإلهي.
جـ- استخدمت ثلاث سوائل داخل الخيمة وهي الماء للاغتسال، والدم للتطهير، والزيت لإنارة السرج.
د - كان في القدس ثلاثة أشياء وهي المنارة الذهبية ومذبح البخور الذهبي ومائدة خبز الوجوه.
هـ- كان للخيمة ثلاثة أبواب، وهي باب الدار، وباب القدس، وباب قدس الأقداس.
و - قُدمت الذبائح في خيمة الاجتماع من ثلاثة أنواع، وهي الماشية والأغنام (خراف أو ماعز) والطيور (الحمام أو اليمام).
ز - كان هناك ثلاث عائلات من سبط لاوي يقومون بخدمة خيمة الاجتماع وهم بنو مراري، وبنو جرشون، وبنو قهات.
_____
(1) شارك في إجابة هذا السؤال الأخ الإكليريكي عماد رزق الله خليل - إكليريكية شبين الكوم، والأخ فادي منير سامي بالإسكندرية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/694.html
تقصير الرابط:
tak.la/v6srgnn