قال الدكتور وسيم السيسي المعروف بولعه بالحضارة المصرية عدة مقالات في مجلة روزاليوسف، ففي مقاله(1) أتهم اليهود بأنهم سرقوا قانون مصر الأخلاقي وسمُّوه الوصايا العشر، وفي مقاله بتاريخ 6 يناير 2006 تكلم عن سمو اعترافات روح الميت أمام محكمة أوزيريس فكتب يقول "اقرأ ما هو أروع وأجمل من الوصايا العشر في محاكمة الروح أمام 42 قاضيًا برئاسة أوزيريس ، تقول روح المتوفي {لم أشرك بالله، ولم أقتُل، ولم أأمر بقتل أحد، ولم أزنِ، لم أشتهي زوجة جاري، لم أدنس نفسي، لم أكذب، لم أسرق، لم أشهد زورًا. لم أملأ قلبي حقدًا، لم أكن سببًا في دموع إنسان، لم أتسبب في شقاء حيوان، لم أُعذب نباتًا بأن نسيت أن أسقه ماء، أطمعت الجائع، رويت العطشان، كسوت العريان، كنت عينًا للأعمى، ويدًا للمشلول، ورجلًا للكسيح، ملأت قلبي بماعت " الحق والعدل والاستقامة".. " كما أورد سيادته قول جيمس هنري في كتابه فجر الضمير بأنه صُدم حينما لم يجد وصية " لا تكذب " ضمن الوصايا العشر، فاعتبر التوراة قانونًا أخلاقيًا ناقصًا... ثم تساءل: كيف يضع موسى ضمن الوصايا العشر وصية " لا تسرق " ثم يقوم هو بسرقة الوصايا؟
ج: قام أستاذي العزيز الشماس الأكليريكي ناجي ونيس أستاذ العهد القديم بكلية اللاهوت القبطية الأرثوذكسية بكريفلباخ بألمانيا بتفنيد الآراء السابقة وغيرها عبر خمس مقالات ثم نشر أجزاء منها في مجلة روزاليوسف، وتم طباعة هذه الردود في كتابه "محاولات سرقة أدب العهد القديم - الجزء الأول" ولهذا فأنني أتوجه بجزيل شكري لسيادته، وليسمح لي باقتباس بعض الأفكار، فدعونا نوضح الأمور الآتية:
1- لم يذكر الدكتور وسيم قانون مصر الأخلاقي الذي سرقه اليهود، ولو كان موسى قد سرق مضمون الوصايا العشر من الحضارة المصرية القديمة، فمن أين أتى بباقي الوصايا الأدبية والأخلاقية والطقسية؟! وهل الله الذي أعطى موسى هذه الوصايا الأدبية والأخلاقية والطقسية والتي تبلغ مئة ضعف الوصايا العشر يعجز عن إعطاء موسى هذه الوصايا..؟! وهل يمكن أن نبيًا في عظمة وأمانة وصدق موسى النبي يسمح لنفسه بالسرقة الأدبية، فيسرق الوصايا العشر من المصريين وينسبها لله..؟! وهل الله الذي عظم الصنيع مع موسى النبي، وتكلم معه وجهًا لوجه، وصنع بواسطته معجزات عجيبة بهذا المقدار يعجز عن أن يهبه الوصايا العشر؟!
2- هناك فرق بين ما جاء في اعترافات الميت وبين الوصايا العشر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فمثلًا بينما كانت روح الميت تعترف بأنها لم تشرك بالله فأنها كانت تعتقد بتعدد الآلهة، بينما جاء في الوصايا العشر ما ينهي عن عبادة آلهة أخرى أو صنع تماثيل أو صور لها "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. ولا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (خر 20: 3 - 5) فلو كان موسى قد سرق الوصايا من الحضارة الفرعونية ما كان يشدد على وحدانية الله، وما كان ينهي عن صنع التماثيل التي تميزت بها الحضارة الفرعونية.
3- لو أن موسى النبي أستمد الوصايا العشر من اعترافات روح الميت فلماذا لم يدرج من ضمن الوصايا العشر وصية تنهي عن الكذب كقول روح الميت " لم أكذب " هذا من جانب، ومن جانب فإن قول جيمس هنري برستيد James Henry Breasted بأن التوراة تعتبر قانونًا أخلاقيًا ناقصًا قول مردود، لأنه وإن كانت الوصايا العشر لا تضم وصية لا تكذب، فإن هذه الوصايا لا تمثل إلاَّ إصحاحًا واحدًا أو أكثر قليلا ً (خر 20، تث 5) من 187 إصحاحًا ضمتها التوراة، وقد ظهرت وصية عدم الكذب في مواضع أخرى " أبتعد عن كلام الكذب" (خر 23: 7).. " لا تقبل خبرًا كاذبًا ولا تضع يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم" (خر 23: 1).. " لا تسرقوا ولا تكذبوا ولا تغدروا أحدكم بصاحبه" (لا 19: 11).
4- لو سرق موسى النبي الوصايا العشر من اعترافات روح الميت فلماذا لا يضع وصية تحذر من الحقد كقول روح الميت " لم أملأ قلبي حقدًا "؟ وأيضًا لم يضع وصية للرفق بالحيوان كقول روح الميت " لم أتسبب في شقاء حيوان"، وكذلك لم يضع وصية للاهتمام بالنباتات كقول روح المعترف " لم أعذب نباتًا بأن نسيت أن أسقه ماء " ولم يضع وصية للتعاطف مع المحتاجين كقول روح الميت "أطعمت الجائع، رويت العطشان، كسوت العريان، كنت عينًا للأعمى، ويدًا للمشلول، ورجلًا للكسيح".
5- كانت هناك وصايا متداولة ومتعارف عليها في جميع الشعوب مثل النهي عن القتل والزنا وعدم اشتهاء ما للغير والنهي عن السرقة وشهادة الزور، فهذه الوصايا جاءت في اعترافات روح الميت "لم أقتل، لم أأمر بقتل أحد، لم أزنِ، لم أشتهي زوجة جاري، لم أسرق، لم أشهد زورًا" وجاءت في الوصايا العشر، فهل كان موسى في حاجة حتى يسرقها من الحضارة المصرية؟ كلاَّ... لأنها كانت مستقرة في ثقافات الشعوب، وكل ما فعله موسى النبي أنه قنن هذه الوصايا.
6- ضمت الوصايا العشر بعض الوصايا التي لا توجد في الحضارة المصرية مثل تقديس اسم الله " لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا. لأن الرب لا يُبرئ من نطق باسمه باطلًا" (تث 5: 11) ومثلها وصية تقديس يوم الرب " أحفظ يوم السبت لتقدسه كما أوصاك الرب إلهك. ستة أيام تشتغل وتعمل جميع عملك. وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك لا تعمل فيه عملًا ما. أنت وابنك وابنتك وعبدك وآمتك وثورك وحمارك. كل بهائمك ونزيلك الذي في أبوابك" (تث 5: 12 - 14) وأيضًا مثلها وصية إكرام الوالدين التي صاحبها وعد طول الأيام " أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك" (خر 20: 12) فيا تُرى من أي مصدر أقتبس موسى هذه الوصايا؟!!
7- يخلط الدكتور وسيم السيسي بين الوصايا العشر المدوَّنة على لوحي الشريعة وبين التوراة، فيقول " إن توراة موسى (الألواح والشريعة) في تابوت العهد فقدت. وحين فتحوا التابوت وجدوه فارغًا (ملوك إصحاح 8) وكان ذلك في عصر سليمان"(2).
والحقيقة أن لوحي الشهادة هما لوحي الحجر اللذان كتب الله عليهما الوصايا العشر، وهما جزء من التوراة، وما أكثر الأدلة على ذلك، فعقب إقامة موسى بالجبل أربعين يومًا أخذ " لوحي الشهادة لوحي حجر مكتوبين بأصبع الله" (خر 31: 18).. " واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين" (خر 32: 16) وعندما نزل إلى شعبه ووجده قد ضل وعبد العجل الذهبي " فحمى غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهما" (خر 32: 19) ثم عاد وصعد إلى الجبل أربعين يومًا أخرى " وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى" (خر 34: 29) [راجع أيضًا تث 25: 22، 9: 9 - 11، 10: 1 - 3] وهاذان اللوحان هما اللذان وضعهما موسى في التابوت بحسب الوصية الإلهية " وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك... وفي التابوت تضع الشهادة التي أعطيك" (خر 25: 16، 21) ولذلك دعى الله تابوت العهد بتابوت الشهادة " وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة" (خر 25: 22).
_____
(1) بتاريخ 4/11/2006.
(2) محاولات سرقة أدب العهد القديم جـ 1 ص 49.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/670.html
تقصير الرابط:
tak.la/g5cv7p8