ويقول ناجح المعموري " أكد جيمس برستيد James Henry Breasted على أن بني إسرائيل بدو رُحَّل طبعت الصحراء الثقيلة أخلاقهم وسلوكهم بطابعها. وطغت عليهم القسوة والصلابة، وعرف الإله يهوه أن شفرة التهديد ضرورية جدًا، وهذا ما حصل له في تجليه فوق جبل سيناء، لأنه كان تجليًا له وظيفة ردعية... إنه الإعلان اليهوي وبطريقة الإله الخاصة للإمساك بالحشود وتحديد حركتهم وتقليص تمردهم، لأن الإله اليهودي كثيرًا ما واجه المتاعب مع بنيه بسبب الانتفاضات والثورات التي أربكت مسار الديانة الجديدة"(1).
ويقول دكتور محمد مهران " وتصوُّر التوراة الله -أو يهوه- على أنه إله بركاني... ويعلن " برستيد " ذلك، بأن خروج العبرانيين من مصر قد صحبته خوارق، لاشك في أنها ذات صيغة بركانية، بالمظهر الغريب الذي ظهر به " يهوه " في صورة " عمود نار " أو " عمود من دخان " ثم تجليه فوق سيناء نهارًا مُحدثًا للرعد والبرق والسحاب الكثيف، هي بالبداهة ظواهر بركانية، وعلى ذلك كان من المعترف به منذ زمن بعيد أن " يهوه " ليس إلاَّ إلهًا محليًا للبراكين، وكان مقره المختار سيناء"(2).
ويقول د. سيد القمني " وقد ألمح الباحثون إلى ارتباط (يهوه) بالبراكين، وعدُّوه إلهًا بركانيًا... نجد صفات (يهوه) في التوراة صفات بركانية دون لبس، فهو قد ظهر أولًا لموسى في هيئة نار في عليقة، كما كان يتمثل لموسى وأتباعه إبان رحلة الخروج " نهارًا في عمود سحاب... وليلًا في عمود نار" (خر 13: 21) وهو المشهد الذي تتجلى به البراكين... كما خلعت التوراة على (يهوه) صفات، ليست سوى صفات مسئول كبير عن البراكين وهولها في تصوُّر العقل القديم، فهي تصفه بأنه " إله يسخط كل يوم" (مز 7: 11) وأنه " يمطر... فخاخًا نارًا وكبريتًا وريح السموم" (مز 11: 6).. وأنه إذا غضب " صعد دخان من أنفه ونار من فمه" (مز 18: 8) وأنه إذا تجلى صاحَبته " رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل... وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الآتون. وارتجف كل الجبل جدًا" (خر 19: 16 - 18) أما صفته الدائمة التوراتية في نصوص التوراة فهي " الرب إلهك هو نار آكلة" (تث 4: 24)"(3).
ويقول زينون كوسيدوفسكي " أن هذا وبلا شك وصف لجبل بركاني يلفظ ناره بصوت وضجيج، رأى فيه الإسرائيليون ظاهرة ربانية غير طبيعية من ظواهر يهوه"(4).
ج: 1- تجلى الرب على جبل سيناء بعد خروج بني إٍسرائيل من أرض مصر بنحو ثلاثة شهور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وبعد أن ولدوا وأقاموا في مصر الخضراء سنوات عمرهم. إذًا قول الناقد بأنهم " بدو رُحَّل طبعت الصحراء الثقيلة أخلاقهم وسلوكهم بطباعها " قول جانبه الصواب، لأن عهدهم بالصحراء قريب جدًا، فلم تتمكن الصحراء بعد من أن تطبع طبيعتها عليهم.
2- قال الكتاب " لأن إلهنا نار آكلة" (عب 12: 19) وقال عن ملائكته "الصانع ملائكته رياحًا وخدامه نار ملتهبة" (مز 104: 4) ولذلك كان من علامات الحضرة الإلهية الضباب والنار كقول المزمور " السحاب والضباب حوله... قدامه تذهب نار" (مز 97: 2، 3) وإذ كان شعب الله مازال في مرحلة الطفولة لذلك ظهر الله لهم بهذه الطريقة، فارتعد الشعب " صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جدًا. فارتعد كل الشعب الذي في المحلة... وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار. وصعد دخانه كدخان الآتون وارتجف كل الجبل جدًا" (خر 19: 16، 18).
3- قال المزمور " الله قاض عادل وإله يسخط في كل يوم" (مز 7: 11) فهو يسخط على الأشرار المتمسكين بشرهم، فما علاقة السخط بالبراكين؟! وعندما قال المزمور " يُمطر على الأشرار فخاخًا نارًا وكبريتًا وريح السموم" (مز 11: 6) فإنه كان يشير إلى ما حدث لمدينة سدوم نتيجة شرها " فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء" (تك 19: 24) وعندما قال المزمور " صعد دخان من أنفه ونار من فمه أكلت" (مز 18: 8) أشار لشدة النقمة الإلهية. ويقول القمص تادرس يعقوب " هذا التصوير يعلن غضب الله لا كانفعال للانتقام ولكن بكونه العدالة التي لا تقبل الظلم، والقداسة التي لا تطيق الخطية... دينونة الله وعدالته نار تزيد الذهب والفضة بهاء ونقاوة، وتحرق الخشب والعشب. أيضًا كلمة الله نارًا آكلة، تحرق فينا الأشواك الخانقة للنفس وكل ما هو شر لتلهب القلب بنار الحب الإلهي، فلا تقدر مياه العالم أن تطفئها"(5).
4- يقول القديس أثناسيوس الرسولي " الأبواق تبعث في الإنسان اليقظة والرهبة أكثر من أي صوت آخر، أو آلة أخرى، وكانت هذه الطريقة لتعليمهم، إذ كان لا يزالون أطفالًا"(6).
5- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " كانت النار والدخان والسحاب والرعود والبروق واهتزازات الجبل علامات طبيعية تبرهن على خضوع قوى الطبيعة لخالقها، وكان صوت البوق علامة أخرى في شبه الأشياء الصناعية، فكانت المعجزة لا تحتمل شكًا أو ريبًا"(7).
6- قول الناقد " لأن الإله اليهودي كثيرًا ما واجه المتاعب مع بنيه بسبب الانتفاضات والثورات " فيه انتقاص من عظمة الله، فهو ينسب الله لليهودية، وكأن هناك آلهة عديدة الإله اليهودي والإله المسيحي والإله الفرعوني، وكأن الناقد يتبرر من هذا الإله، مع أن القرآن يؤكد أن الله واحد هو إله الكل، وفي كل مرة يؤذن للصلاة يقول " لا إله إلاَّ الله". ثم من هم شعب بني إسرائيل حتى يسببوا المتاعب لعظمته..؟! ففي لحظة يستطيع أن يفنيهم بل ويفني الكون كله، فلا يصح ولا يليق أن نعادل المخلوق بالخالق.
7- إن كان من مظاهر البركان الحمم الملتهبة، فإن هذا لم يحدث قط عند نزول الله على جبل سيناء، وإن كان البركان يرتبط بجوف الأرض فإن نزول الله صاحبه ظواهر ترتبط بالغلاف الجوي مثل الرعود والبروق والسحاب الكثيف، وبذلك فإن قول النُقَّاد بأن يهوه إله بركاني وأنه ظهر في البركان قول غير صحيح. ثم لو كان ما حدث على الجبل هو انفجار بركاني فكيف صعد موسى إلى وسط البركان ولم يحترق؟!!
8- قول النُقَّاد بأن يهوه إله بركاني محلي مقره المختار سيناء، يُكذّبه عمل الله العجيب مع شعبه في أرض مصر ثم في أرض كنعان، فيهوه هو إله الكون كله وليس إله مكان محدَّد كما يظن هؤلاء النُقَّاد.
9- كيف يؤمن كل من ناجح المعموري ودكتور محمد مهران بالقرآن وينكران ما جاء به؟ ألم يصوّر القرآن ظهور الله لموسى على الجبل تصويرًا مقاربًا لما جاء في التوراة؟! " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن أستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى للجبل جعله دكًّا وخرَّ موسى صعقًا" (سورة الأعراف 143).
_____
(1) التوراة السياسي السلطة اليهودية ص 170، 171 .
(2) تاريخ الشرق الأدنى القديم - تاريخ اليهود ص 238.
(3) قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 170، 171.
(4) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 140.
(5) تفسير المزامير من المزمور 11 إلى المزمور 20 ص 287.
(6) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر الخروج ص 125.
(7) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الخروج ص 212.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/657.html
تقصير الرابط:
tak.la/t67bwwn