يقول ليوتاكسل " بيد أن المؤَلف المقدَّس سها عن قول كلمة عرفان أو مديح في جراءة الأميرة الشابة التي جاءت تعوم في نهر كان يعج بالتماسيح، وهو ضرب من الشجاعة تستحق الأميرة عليه مديح القارئ، علاوة على هذا كان قصر فرعون في ممفيس " بحري النيل الأوسط " والمسافة بين ممفيس وجاسان التي أستوطنها اليهود، تبلغ أكثر من ثماني كيلو مترًا... " ولكن الأميرة ظهرت على أي حال، وفي الوقت المناسب، فكل شيء في الكون يقع وفق مشيئة يهوه التوراتي، أي أن مشيئته هي التي رمت صغار اليهود في النيل طعامًا لتماسيحه، بيد أنه شاء أن ينقذ هذا الطفل وفقًا لخططه المستقبلية. وغني عن القول أيضًا، أن يهوه نفسه أرسل ابنة فرعون لتستحم على بعد ثمانين كيلو مترًا من قصر أبيها، وكان قبل ذلك قد جعلها تتجاوز خوفها من التماسيح والجواميس النهرية"(1).
ج: 1- من المتعارف عليه في التاريخ الفرعوني أن الأميرات كن ينزلن إلى مياه النيل للاستحمام، ومن الطبيعي أن المكان المختار كان بعيدًا عن التماسيح، أو أنهم وضعوا الحواجز التي تمنع التماسيح من الاقتراب منهم.
2- إن كانت ممفيس العاصمة تبعد عن أرض جاسان بثمانين كيلو مترًا، فإنه كان هناك مقرًا أو أكثر لملك مصر في عدة أماكن، ولا يمكن القول بأن النيل لم يصل إلى أرض جاسان، بل أن فرعًا من فرعي النيل كان يروي تلك الأراضي، ومن المتعارف عليه أن الناس يطلقون اسم النيل على فرع النيل.
3- كان المصريون يعبدون التماسيح، ولذلك أمر فرعون بطرح ذكور أطفال بني إسرائيل في النهر، وهذا يعكس عبادته للتماسيح، وتقديم ذبائح بشرية لها، وهذه خطيئة فرعون وشعبه، ولا تعبر عن مشيئة الله، وهناك فرق بين مشيئة الله وبين سماحه، فمشيئة الله هي مشيئة خيّرة على الدوام، لا تشاء إلاَّ الخير ولا تصنع إلاَّ الخير، فهي خيّره في هدفها وفي وسيلتها. أما الشرور فهي ليست من مشيئة الله، ولكنها تحدث بسماح من الله ضابط كل شيء، لتزكية إيمان أبنائه كما حدث مع أيوب البار، وهو يُحوّل الشر إلى خير كما حدث مع يوسف الصديق، وهو يؤدب أولاده بالكوارث وهذا واضح في سفر القضاة، إذ كلما انفلت شعبه في حياة الشر والرذيلة كان يترك الشعوب المحيطة تستعبدهم وتذلهم، وعندما كانوا يتوبون كان يرسل لهم من يخلصهم. إذًا إلقاء الأطفال في النهر لم يكن من مشيئة الله الخيّرة، ولكن من شرور الفراعنة، والله عاقبهم على هذه الخطية في ضربة الأبكار.
4- يقول البعض أن يوكابد أم موسى كانت تدرك شفقة ابنة فرعون على بني إسرائيل وأطفالهم، ولذلك تفتك ذهنها عن هذه الخطة الذكية التي أنقذت أبنها من الموت المحقق، والحقيقة أننا لا نعرف بالضبط إن كانت ابنة فرعون كانت تتعطف على بني إسرائيل وأطفالهم ككل نظرًا لما قاسوه من عبودية المصريين المرة، فهذا أمر وارد، ومن الممكن أيضًا أن يكون الله قد أعطى الطفل موسى نعمة في عينيها، وصراخه قد شق قلبها وحرك عاطفة الأمومة لديها، وربما كانت عاقرًا وحُرمت من الأطفال، ولذلك لم تكتفِ بإنقاذه من الموت المحقق، إنما تبنته ودفعته لأمه لترضعه وتربيه وهي تدفع أجرة لها، ثم أخذته ليقيم معها في القصر الملكي كأحد الأمراء.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 168.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/577.html
تقصير الرابط:
tak.la/cn5ff9a