قال البعض أن موسى مصري الأصل وليس عبرانيًا، وأنه كان قائدًا عسكريًا من أتباع ديانة آتون التي أسسها الفرعون إخناتون ونادت بالتوحيد، ولما هلك إخناتون قام الكهنة بتبديد كل ما بناه إخناتون واضطهدوا أتباعه فتفرقوا، ولكن موسى اختار اليهود تلك الفئة المضطهدة وقادهم للحرية، واختيار موسى لليهود هو الذي أعطى فكرة اختيار يهوه لشعبه في التوراة، واليهود في ثورة غضب قتلوا قائدهم موسى، ومن أوجه التشابه بين الديانتين الآتونية والموسوية وحدانية الله، وإن كانت وحدانية إخناتون أعم وأشمل، لأنه رأى آتون إلهًا لكل الأمم. أما اليهود فقد آمنوا بإله عنصري للشعب اليهودي فقط(1).
ويقول زينون كوسيدوفسكي " يمكن الافتراض أن أكبر تأثير تعرض له موسى كان تأثير الفرعون إخناتون المبشر بالوحدانية، ومؤسس ديانة الإله آتون الذي هو إله الشمس. غرف موسى من مناهل الحكمة المصرية في هليوبوليس ، وليس من المستبعد أن يكون مذهبه الديني مرتبطًا بطقوس عبادة آتون"(2).
ج: 1- سبق الرد على هذا التساؤل(3).
2- من جهة التشابه يقول القس مكسيموس وصفي " يخطئ من يظن أن الإنسان بدأ بتعدد الآلهة وانتهى بالإله الواحد، إذ أن دراسة عقيدة المصريين القدماء تدحض ذلك الزعم تمامًا، فالمصري القديم يؤمن بالإله الواحد ويسجل في كتاب الموتى كثيرًا من التسابيح للإله الواحد، وإن كان هناك اختلاف شاسع بينهم وبين إيمان العبرانيين بالإله الواحد، ففي فكر المصريين تتجسد قدرات الإله العظيم في عدة آلهة متخصصة. وتتشابه درجة الرقي اللاهوتي عن الإله الواحد مع إيمان العبرانيين ويتضح ذلك من نظرة فرعون إلى إله موسى، وتظهر عقيدتهم السامية في أزلية الإله الواحد وأنه خلق كل الأشياء، وجاء في أحد التسابيح: {أنك لا تكف عن جذب ملايين الأشكال في ذاتك في حين أنك باق في وحدانيتك، وأن المخلوقات تعيش بأنفاسك، أنت الإله الأزلي هذا هو اسمك} ووصلت عقيدة المصريين إلى ذروتها في عهد أمنحتب الرابع (إخناتون) الذي كفر بتعدد الآلهة وشيد معبدًا في تل العمارنة لعبادة الإله الواحد (آتون) الشمس، جاعلًا الشمس هي مصدر الحياة"(4).
3- لم يكن توحيد إخناتون نقيًا، فقد اعتبر نفسه ابن الإله، فجاء في قصيدته " والخير في أثر كل قدم منذ أن خلقت العالم وأوجدتهم لابنك، الذي وُلِد من لحمك، ملك الوجه القبلي والوجه البحري (إخناتون)"(5).
4- لم يكن إخناتون نبيًا، ولم يتحدث بوحي إلهي، ويقول قليني نجيب عن إخناتون " فهل كانت دعوته من خلال وحي إلهي أم أنه استقى مبادئ الوحدانية من العبرانيين الموجودين بمصر؟ فإذا كانت من وحي الله فلماذا لم يعلن الله عن نفسه صراحة دون حاجة إلى قرص الشمس؟! ولماذا لا نرى صدى وامتداد لهذه الدعوة عند المصريين من بعد؟! وبتعبير آخر إذا كانت دعوته سماوية فلماذا لا تؤازرها النعمة الإلهية لنشر الحق بين المصريين القدماء. وإذا كانت دعوة إلهية في زمن موسى فلماذا لم يوّحد النبيان (إخناتون وموسى) دعوتهما، بل وما الداعي لوجود موسى أصلًا إذا كان إخناتون صاحب رسالة سماوية؟!!"(6).
5- ذكر سفر التثنية صعود موسى إلى جبل " نبو " وموته، ولم يرد في الكتاب المقدَّس أي إشارة إلى أن اليهود قتلوا موسى، بل جاء العكس تمامًا " وأيضًا الرجل موسى كان عظيمًا جدًا في أرض مصر في عيون عبيد فرعون وعيون الشعب" (خر 11: 3) وقال الله ليشوع " لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك" (يش 1: 5) فلو كان موسى قد قُتل ما كان الله يعطي هذا الوعد ليشوع، وأيضًا لم يذكر فراس السواح المرجع الذي اعتمد عليه في مقولته هذه بأن موسى قُتل بيد شعبه.
_____
(1) راجع فراس السواح - مغامرة العقل الأولى.
(2) ترجمة محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 140.
(3) فيرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 4 إجابة السؤال 270 ص 38 - 42.
(4) المرشد الجغرافي التاريخي للعهد القديم ص 57.
(5) قليني نجيب - فرعون موسى ص 28.
(6) فرعون موسى ص 28.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/569.html
تقصير الرابط:
tak.la/hg28gz4