يقول ليوتاكسل " إنها قطعًا " شجرة الحياة " العتيقة نفسها التي كانت تشغل بال... الوهيم أكثر من أي شخص آخر، فينبغي منع آدم وحواء من الوصول إليها بأي طريقة كانت، ومهما كلف الأمر، ولكن أي فكرة وحشية هي فكرة خلق هذه الشجرة..؟ ألم يكن من الأفضل لو لم يزرعها؟ وذلك الكروبيم ولهيب السيف المتقلب عند بوابة جنة عدن، ما هذا الهراء أيضًا؟ ألم يستطع يهوه الكلي القدرة أن يقضي بكلمة واحدة على تلك الشجرة، التي فقد وجودها كل مغزى"(1).
ويقول زينون كوسيدوفسكي " فالله طرد آدم وحواء من الجنة ليس فقط لعدم انصياعهما لأوامره، بل لخوفه من أن يأكلا من شجرة الحياة فيخلدون"(2).
ويقول د. كارم محمود " وَصَفَ النص التوراتي الرب بمحدودية القدرة، ويتمثل ذلك في إقامة الكروبيم والسيف ذا اللهيب المتقلب لحراسة طريق شجرة الحياة، خشية أن يعود إليها الإنسان فيستلب الخلود كما سلب المعرفة، والرب هكذا لا يكون قادرًا على حماية ملكوته وصفاته"(3).
ج: 1- إجابة على الجزء الأول من السؤال، يقول الكتاب " وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل. وشجرة الحياة في وسط الجنة" (تك 2: 9).. لقد أوجد الله شجرة الحياة، وجعلها في وسط الجنة، وليست بعيدة عنها، لكيما يأكل منها الإنسان، ولكن على ما يبدو أن الإنسان قد انصرف عنها، وبعد أن أكل الإنسان من الشجرة المُحرَّمة التي نهى الله عن الأكل منها وهي شجرة معرفة الخير والشر " قال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها. فطُرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" (تك 3: 22 - 24) وكروبيم اسم جمع مفرده " كروب " وهي كلمة عبرية تعني " ذو الحكمة " وكان الكاروب يحمل لهيب سيف متقلب أي سيف لامع يشع منه اللهب في جميع الاتجاهات، وعندما نتمعن في هذه القصة ندرك حقيقة محبة الله للإنسان، فمن محبته لم يسمح له بالأكل من شجرة الحياة بعد السقوط لئلا يحيا إلى الأبد في خطيته، ولك يا صديقي أن تتصوَّر الأرض، وقد أمسي سكانها لا يموتون، وهم مغروسون في الشر حتى أصبحوا عتاة فيه... أليس هذا هو الجحيم بعينه..؟! أنظر إلى ما يعانيه الإنسان في شيخوخته من متاعب وأمراض وآلام، حتى أن الشاعر يقول:
المرء يأمل أن يعيش وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حتى لا يرى شيئًا يسره
لذلك طرد الله الإنسان من الفردوس، لحين إصلاح الخطأ، وتقديم الفدية، ثم أعاده إليه ثانية، فبشر اللص اليمين وهو على عود الصليب قائلًا له " اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43).
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث " هل كان الله يخاف أن آدم يصير ندًا له بأكله من شجرة الحياة، لذلك منعه عنها وجعل ملاكًا يحرسها (تك 3: 22)؟ طبعًا إن الله لا يمكن أن يخشى هذا المخلوق الترابي ندًا له، فالله غير محدود في كمالاته، فلماذا منع الإنسان عن شجرة الحياة؟ لقد منعه عن شجرة الحياة، لأن الحياة لا تتفق مع حالة الخطية التي كان فيها الإنسان. الخطية هي موت روحي، وجزاؤها هو الموت الأبدي، يجب التخلص أولًا من حالة الخطية، ومن عقوبة الخطية، حتى يحيا الإنسان الحياة الحقيقية إلى الأبد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... وكأن الله يقول لآدم: ما دمت في حالة الخطية، فأنت في هذه الحالة ممنوع من الحياة، لأن " أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23) أنت لا تستحق الحياة في هذا الوضع، وليس من صالحك أن تستمر حيًّا في هذا الوضع... إنما انتظر التوبة والفداء، وبعد ذلك ستحيا إلى الأبد. إنه منع الحياة عن المحكوم عليه بالموت. وعدم ربط الحياة الأبدية بالخطية"(4).
2- إجابة على الجزء الثاني من السؤال: لماذا لم يفنِ الله شجرة الحياة ويبدها، بل أقام كاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة..؟ لقد حدث هذا لكيما يتطلع آدم من بعيد إلى موطنه السعيد الذي طُرد منه، وإلى شجرة الحياة التي مُنع من الأكل منها، فيستبد به الحنين لذاك الوطن القريب المكان البعيد المنال، فيندم على ما بدر منه ويحزن، ويشعر بحاجته إلى المخلص الذي يخلصه وينتشله من التعاسة والشقاء. أما لو أفنى الله شجرة الحياة، وآتاه آدم عن جنة عدن، فمع مرور الأيام والسنون سينسى آدم بيته الذي طُرد منه، والصورة الرائعة التي جُبل عليها، والحياة الملوكية التي عاش فيها... لقد قصد الله أن تكون صورة شجرة الحياة محفورة بقوة في ذهن البشرية لذلك ذكرها في سفر الرؤيا، مشجعًا الإنسان الذي تعب من الهزيمة أن يسعى إلى النصرة باسم إلهه " من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ 2: 7) وعندما جاء ذكر أورشليم السمائية في سفر الرؤيا قال " وفي وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تصنع إثنتى عشرة ثمرة. وتعطي كل شهر ثمرها. وورق الشجرة لشفاء الأمم" (رؤ 22: 2).
3- إجابة على الجزء الثالث من السؤال نقول أن الله كلي القدرة، ومن مظاهر قدرة الله أنه يستخدم ملائكته في أداء رسائله، ويمد كل ملاك بالقوة التي يحتاج إليها، فملاك واحد قتل كل أبكار المصريين، وملاك واحد أهلك 185 ألفًا من جيش سنحاريب، فاستخدام الكاروبيم لهذه الرسالة لا ينم على الإطلاق عن عجز الله أو محدودية قدرته، وإن الكاروبيم يفوق خالقه قوة، فهذه هي الأفكار المغلوطة... لقد قصد الله تبارك اسمه أن يرى أبونا آدم الكاروبيم بالسيف يقف في طريق شجرة الحياة ليتعلم أن معصيته جلبت عليه أيضًا الخصومة مع الطغمات السمائية.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 39.
(2) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 14.
(3) أساطير التوراة وتراث الشرق الأدنى القديم ص 181، 182.
(4) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص 11.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/358.html
تقصير الرابط:
tak.la/spnnpz5