يقول جيمس فريزر " إن واضع هذه الشريعة شخص أسطوري مصدره الخلق الشعبي والخيال الكهنوتي"(1) ويرى د. سيد القمني(2) إن التوراة في البداية كانت عبارة عن روايات شفهية بالإضافة إلى كتابات متناثرة، وجمعت سنة 440 ق.م. من أربعة مصادر بحسب نظرية فلهاوزن، فكتبت بأيدي مختلفة وعقليات مختلفة، مما أدى إلى ظهور نوع من التضارب والتناقض، ويستشهد الدكتور سيد القمني بما ورد في مقدمة الطبعة (اليسوعية) الكاثوليكية للكتاب المقدَّس الصادر في عام 1960م بأنه {ما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته كتب كل التوراة منذ قصة الخليقة، أو إنه أشرف على وضع النص الذي كتبه عديدون بعده، بل يجب القول: إن ازديادًا تدريجيًا حدث}(3).
وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية بنظرية المصادر وأن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، إنما جمعت التوراة بواسطة عزرا الكاتب سنة 400 ق.م.(4)(5).
ج: 1- يدعى سفر التكوين في العبرية باسم " بيراشيت " وهي ترجمة أول كلمتين في السفر " في البدء " أي أنها تعني الابتداء أو الرأس أو الباكورة، ودعى السفر في اليونانية " جنسيس " Genesis أو التكوين أو بداية الأمور، أو زمن الخلائق، وذلك لأنه يحدثنا عن أصل الكون وأصل الحياة وأصل الإنسان وأصل الآباء.
2- أما عن أقسام سفر التكوين الرئيسية فهي:
1- قصة الخلق (إصحاح 1، 2) 6- برج بابل (الإصحاح الحادي عشر)
2- قصة السقوط (الإصحاح الثالث) 7- حياة إبراهيم ولوط (الإصحاح 12-24)
3- تاريخ آدم وذريته إلى نوح 8- حياة إسحق وإسماعيل
(إصحاح 4، 5) (إصحاح 25 - 27)
4- قصة الطوفان (إصحاح 6 - 9) 9- حياة يعقوب وعيسو (إصحاح 28-36)
5- مواليد نوح (الإصحاح العاشر) 10- حياة يوسف (أصحاح 37 - 50) (ويتخللها قصة يهوذا وثامار في الإصحاح 38)
3- كُتب سفر التكوين مع الأسفار الأربعة التالية خلال الأربعين سنة الأخيرة من حياة موسى النبي الذي عاش 120 عامًا، ويبقى هناك احتمالًا أن موسى يكون قد كتب سفر التكوين قبل هذا التاريخ أي وهو في البرية قبل الخروج، بينما كتب الأسفار الأربعة التاريخية بعد الخروج من مصر.
4- كاتب السفر بلا منازع هو موسى النبي، وقد سبق وتناولنا هذا الموضوع بصورة تفصيلية، حيث جاءت نصوص واضحة وصريحة وقاطعة بأن موسى النبي هو الذي كتب التوراة (خر 17: 14، 24: 4، 7، 34: 27، عد 33: 2، تث 31: 9، 19، 22، 24 - 26).
وشهد رجال العهد القديم على أن موسى النبي هو كاتب التوراة (يش 1: 7، 8: 31، 23: 6، 1مل 2: 3، 2 مل 14: 6، عز 3: 2، 6، 18، نح 1: 7، 8: 1، دا 9: 13، ملا 4: 4).
وشهد السيد المسيح بأن موسى هو كاتب التوراة (يو 7: 22، مر 7: 10، مر 1: 44، يو 3: 14، يو 7: 19، مت 19: 8، مر 12: 26، يو 5: 46، لو 24: 27).
وشهد رجال العهد الجديد بأن موسى هو كاتب التوراة (مر 12: 19، يو 1: 45، أع 7: 20 - 44، 15: 21، 13: 39، 28: 23، رو 10: 5، 1كو 9: 9، 2 كو 3: 15، رؤ 15: 3)(10).
وأن شخصية موسى هي الشخصية الرئيسية بلا منازع في الأسفار الأربعة من الخروج للتثنية، وموسى النبي قد سبق الروح القدس وأعدَّه فتهذب بكل حكمة المصريين (أع 7: 22)، وعاش في هدوء البرية أربعين عامًا فكان لديه وفرة من الوقت ولذلك قال رافين أنه من المحتمل أن يكون موسى قد كتب سفر التكوين خلال فترة وجوده في قصر فرعون أو في البرية.
ويقول جوش مكدويل " أيضًا موسى كان لديه الوقت ليسجل هذا التاريخ فقد قضى أربعين عامًا في مصر، وأربعين عامًا في مديان، وكان هناك وفرة من الوقت في هاتين الفترتين لكي يكتب سفر التكوين(6) أن موسى كان متفوقًا ومستعدًا لتأليف عمل مثل الأسفار الخمسة نراه في المؤهلات التالية:
(أ) التعليم: لقد تدرب موسى في المدارس المتطورة جدًا في البلاط الملكي المصري، وبدون شك أن هذا كان يشمل معرفة الكتابة.
(ب) التقاليد: بدون شك أنه تعرَّف على تقاليد التاريخ العبري القديم وعلاقة العبرانيين مع الله.
(جـ) المعرفة الجغرافية: كان موسى عنده معرفة كاملة بمناخ وجغرافية مصر وسيناء كما ظهر في أسفار التوراة الخمسة.
(د) الباعث أو المحرك: كمنشئ لأمة إسرائيل، فقد كان لديه أكثر من دافع كاف أن يعطي الأمة أساسات أخلاقية ودينية.
(هـ) الوقت: إن أربعين سنة من التجول في برية سيناء أمدته بفرصة كافية لكي يكتب هذا العمل.
في الوقت الذي فيه كان العبيد غير المتعلمين الذي يعملون في مناجم الفيروز المصرية يكتبون سجلاتهم على حوائط النفق، فليس من المعقول أن رجلًا له خلفيات موسى يفشل في تسجيل تفاصيل واحد من أهم العصور"(7).
وقد ذكر موسى النبي العديد من العادات المصرية القديمة ويقول " أ. أ مكراي".. " ولما كان موسى قد تهذب بكل حكمة المصريين وكان المصريون بارعون في الكتابة منذ أكثر من ألف عام قبل هذا التاريخ، فلا يُستغرب مطلقًا أن يكون موسى قادرًا على حفظ سجلات دقيقة، وعلى كتابة الأسفار المنسوبة إليه"(8).
ونود التأكيد على النقاط الآتية للتأكيد على أن موسى النبي هو كاتب سفر التكوين:
أ - شهد السيد المسيح أن موسى النبي كتب سفر التكوين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وذلك عندما قال لليهود " أعطاكم موسى الختان ليس أنه من موسى بل من الآباء" (يو 7: 22) لأن أمر الله لإبراهيم بالختان ورد في هذا السفر (تك 17: 10).
ب - يعتبر سفر الخروج مكملًا لسفر التكوين، ولذلك بدأ بحرف العطف" و"وبدأ يذكر أسماء بني إسرائيل الذي جاءوا إلى مصر "وهذه أسماء بني إسرائيل الذي جاءوا إلى مصر" (خر 1: 1) كما أن كل من سفر الخروج والتكوين كتبا بأسلوب واحد، وحيث أن سفر الخروج صرَّح بأن موسى هو كاتبه " فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكارًا في الكتاب" (خر 17: 14) " فكتب موسى جميع أقوال الرب" (خر 24: 4) " وقال الرب لموسى أكتب لنفسك هذه الكلمات" (خر 34: 27) إذًا لا بُد أن يكون كاتب سفر التكوين أيضًا هو هو موسى النبي وليس أحد سواه.
جـ- أكد التقليد اليهودي أن موسى هو كاتب سفر التكوين والأسفار الأربعة التالية، وأيضًا تسلَّم آباء الكنيسة عبر التقليد بأن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة، ومن هؤلاء الآباء الذي أفصحوا عن هذا إيريناؤس، وترتليان، وأكليمنضس السكندري، وجيروم، وأثناسيوس الرسولي، كما يرى علماء الكتاب المحافظون بأن موسى هو كاتب سفر التكوين، لأن الله لم يميز أحدًا كما ميَّز موسى بالحديث معه " فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين" (عد 12: 8).
د - كتب موسى النبي سفر التكوين نثرًا وليس شعرًا كما درجت أساطير ذاك العصر على ذلك.
5- نقول للدكتور سيد القمني كيف تنكر نسبة التوراة لموسى النبي، مع أن القرآن قد دعى التوراة صحف موسى " أم لم يُنبأ بما في صُحف موسى" (النجم 36).. لقد كتب موسى النبي التوراة بالوحي الإلهي فهي معصومة من أي خطأ، ولا يمكن أن يوجد فيها تناقض ولا تضارب. أما أرباب النقد من علماء الغرب فلم ينكروا نسبة التوراة لموسى فقط، بل أنكروا الوحي الإلهي، وكذلك المعجزات الكتابية، وكل هذه الآراء تخالف ما جاء في القرآن، فلماذا يتبنى بعض الكتَّاب المسلمين هذه الآراء، مع أنها تخالف القرآن الذي يؤمنون به.
6- ليس العبرة بما يراه بعض الأخوة الكاثوليك أو الكنيسة الكاثوليكية، إنما الفيصل هو في كلمة الكتاب المقدَّس ذاته، ولا أدري كيف بعد أن صرَّح السيد المسيح وشهد مرارًا وتكرارًا بصورة مختلفة بأن موسى النبي هو هو كاتب التوراة، يأتي من ينكر هذا؟!!
_____
(1) الفولكلور الجزء الثالث ص 19.
(2) بناء على ما كتبه سبتينو موسكاتي في كتابه الحضارات السامية القديمة ص 153، 157، وأنيس فريحة في كتابه دراسات في التاريخ ص 198، وفراس السواح في كتابه مغامرة العقل الأولى ص 108.
(3) راجع د. سيد القمني - الأسطورة والتراث ص 171، 172، 189، 190.
(4) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 1 ص 176 - 185، والخوري بولس الفغالي.
(5) المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 16، وتعرف على العهد القديم ص 61، 71.
(6) Raven, OTI, 93, 94.
(7) برهان يتطلب قرارًا ص 410.
(8) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 407.
(9) ملاحظة: تم مناقشة 307 سؤالًا في الأجزاء الأربعة السابقة.
(10) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 1 ص 186 - 194.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/308.html
تقصير الرابط:
tak.la/qdnhg29