س 1705: قال داود النبي: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي جَعَلَ الرَّبَّ مُتَّكَلَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْغَطَارِيسِ وَالْمُنْحَرِفِينَ إِلَى الْكَذِب" (مز 40: 4) فماذا يعني بالغطاريس..؟ وهل طلب الله محرقة وذبيحة خطية (لا 12: 8) أم أنه لم يطلب تقديم ذبيحة (مز 40: 6، أر 7: 21 - 23)؟ (البهريز جـ1 س152 ص 106).
ج: 1- قال داود النبي: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي جَعَلَ الرَّبَّ مُتَّكَلَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْغَطَارِيسِ وَالْمُنْحَرِفِينَ إِلَى الْكَذِب" وكلمة " الْغَطَارِيسِ" تشير للعبادات الوثنية الباطلة، ولذلك جاءت في "الترجمة القبطي": "ولم ينظر إلى الأباطيل و (لا إلى) الوساوس الكاذبة" فقد غبط داود الرجل الذي جعل الله متكله ولم يلتفت إلى عبادة الأصنام والأفكار الوثنية الباطلة.
ويقول "الأب متى المسكين": "وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْغَطَارِيسِ: هنا يستخدم صاحب المزمور لغة من يُقال عنهم أنهم ذهبوا وراء الأصنام، أنظر (تث 29: 18): "لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ سِبْطٌ قَلْبُهُ الْيَوْمَ مُنْصَرِفٌ عَنِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِكَيْ يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ الأُمَمِ. لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ أَصْلٌ يُثْمِرُ عَلْقَمًا وَأَفْسَنْتِينًا ". سعيد هو الإنسان الذي لا يُغش ولا يتوه فيحتقر معونة الرب ويطلـب وصايا رجل العالم الذي يفتخر بقوته" (330).
وبعض الترجمات الأخرى جاءت فيها كلمة " الْغَطَارِيسِ" بالمتكبرين الطغاة، فجاء في "الترجمة اليسوعية": "ولم يلتفتْ إلى المتكبرينَ والمنحازينَ إلى الكذبِ".
وفي "ترجمة كتابة الحياة": "لم يلتفتْ إلى المتكبرينَ والمنحرفينَ إلى الكذبِ".
وفي "الترجمة العربية المشتركة": "ولا يداري الطغاة الكاذبينَ".
ونحن نعلم أن الترجمات لا تتطابق في الكلمات والحروف، ولكنها تحمل نفس روح النص، وقال الكتاب بوضوح كامل: "لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي" (2كو 3: 6)، فالإنسان الذي وضع رجائه وثقته في إلهه لا يلتفت إلى الكبرياء والكذب، وهاتان الخطيتان هما أول الخطايا التي يبغضها الرب: "هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ... عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ.." (أم 6: 16، 17).
2- بينما كان يتحدث داود عن الطاعة الكاملة والتكريس وثقب أذن العبد المُحب لسيده قال: "مُحْرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لَمْ تَطْلُبْ" (مز 40: 6) ويؤيد هذا ما جاء في سفر إرميا (إر 7: 21 - 23) وشواهد أخرى، بينما جاء في سفر اللاويين عن الذبيحة التي تقدمها المرأة بعد ولادتها وتطهيرها: "وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ الْوَاحِدَ مُحْرَقَةً وَالآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ فَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ" (لا 12: 8)، فالله لم يكن في حاجة إلى طقوس ميتة، وما قيمة الذبائح التي يقدمها الإنسان مهما علا شأنها وقيمتها إذا كان قلبه منصرف عن الله؟!، وأيهما أهم تقديم الذبائح أم طاعة الوصية؟! قال صموئيل النبي لشاول الذي خالف الوصية: "هَلْ مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِالْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا بِاسْتِمَاعِ صَوْتِ الرَّبِّ. هُوَذَا الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ" (1صم 15: 22)، وقال الرب لشعبه في سفر إشعياء: "لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ. وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي" (إش 1: 11، 12)، وقال الله أيضًا لشعبه في سفر هوشع: "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ" (هو 6: 6) (راجع أيضًا عا 5: 22، مي 6: 6، 7).
وخلال فترة السبي لم يطلب الله من شعبه أن يقدم ذبائح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وأيضًا الذبائح ليست كفايتها في ذاتها: "لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا" (عب 10: 4) فالناموس الموسوي بذبائحه كان ظلًا للناموس الإنجيلي بدم المسيح، فكل هذه الذبائح على أنواعها هيَ مجرد رموز لذبيحة الصليب، فعندما يضع الفنان بعض الخطوط الأولى في لوحته، فهذه بمثابة ظلال، تكتمل باكتمال اللوحة بجميع ألوانها، هكذا رسم الله الذبائح الدموية في الناموس الموسوي كظل، ثم أكمله في العهد الجديد بواسطة دم المسيح كقول القديس غريغوريوس النيزنزي (راجع تفسير سفر المزامير جـ 1 - إعداد راهب من دير المحرق ص 570، 571).
ويقول "القس وليم مارش": "يتعمق المُرنّم في فهم المعاني الروحية، ويرى أن الأهمية ليست للذبيحة ولا للتقدمة بل أن نفتح أذاننا لقبول كلامه ونصغى إليه بانتباه. وهكذا يفسر معنى تخشُّعه أمام الله تعالى فهو لا يطلب منا مثل هذه العبادة الخارجية... ولكنه... يرى مسرة الرب في عمل مشيئته وأن إتمام الشريعة هو في وضعها في أعماق القلب والسير بموجبها يومًا بعد يوم" (331).
وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بتفصيل أكثر فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 1 س 34، وجـ 6 س 721.
_____
(330) المزامير - دراسة وشرح وتفسير جـ 2 ص 406.
(331) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 6 ص 144.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1705.html
تقصير الرابط:
tak.la/fkw9ph6