س بدون: هل تحوَّل داود الملك إلى بهلوان راقص: "حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا" (مز 30: 11) حتى: "أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الْكُوَّةِ وَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَطْفُرُ وَيَرْقُصُ أَمَامَ الرَّبِّ فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا" (2صم 6: 16)؟!
ج: 1ــ سبق الإجابة على هذا التساؤل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 6 س 638، جـ 9 س 1178.
2ـ بعد أن استولى داود على حصن يبـوس حوَّل المدينة إلى عاصمة لمملكته، فهيَ أنسب من حبرون التي ملك فيها من قبل لمدة سبع سنوات وستة أشهر على سبط يهوذا فقط (2صم 5: 5)، ولكن بعد أن توحَّدت الأسباط تحت راية داود كانت أورشليم أنسب للحكم لأنها أقرب للأسباط الشمالية من حبرون، ولكيما يجعلها داود محط الأنظار وإليها تهفو القلوب نقل إليها تابوت العهد فصارت العاصمة المدنية والدينية... وفي المحاولة الأولى لنقل التابوت من بيت أبيناداب بقرية يعاريم التي هيَ بعلة يهوذا بعد أن مكث هناك عشرون عامًا، حدثت حادثة مؤسفة، إذ أخطأ الشعب ووضعوا تابوت العهد على عجلة تشدها الثيران كأنه صنمًا (فقد تمثلوا بالفلسطينيين الذين أعادوا التابوت إلى قرية بيت شمس على عجلة جديدة تشدها الثيران ولا يسوقها أحد)، وإذ انشمصت الثيران ومدَّ عُزه يده ليسند التابوت فسقط ميتًا في الحال، لأنه خالف الوصية التي منعت اللاويين من مس التابوت (عد 4: 15)، أو حتى النظر إليه (عد 4: 20). فخاف داود ومال بالتابوت إلى بيت عوبيد أدوم الجتي، وإذ بارك الرب عوبيد، تشجع داود وانطلق في موكب عظيم ضم الآلاف، والكهنة حملوا التابوت على الأكتاف بحسب الوصية، فكان موكب صلاة وتسبيح وعزفت الموسيقى، وكانوا يذبحون كل ست خطوات ثورًا وعجلًا معلوفًا، ورقص داود أمــام التابوت وهو يقول: "حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا" (مز 30: 11)، وفي "الترجمة القبطي": "حوَّلت نوحي إلى فرح لي. مزقت مسحي ومنطقتني سرورًا"، وقصد داود بحزنه ونواحه بسبب موت عُزه، وقصد بفرحه ورقصه عندما نجح في نقل التابوت إلى أورشليم، وأيضًا قصد بحزنه ونواحه عندما حلَّ الوباء بالشعب نتيجة إحصاء داود للشعب، وقصد بفرحه ورقصه عندما توقف الملاك المُهلك عن إهلاك الشعب، وأرسل الله جاد النبي لداود بالأخبار السارة برفع الضربة عن الشعب، فرفع داود الذبائح على المذبح في بيدر أرونه اليبوسي وفرح داود بالرب الذي أنقذ الشعب من حُكم الموت بعد توبـة داود وتضرعــه (2صم 24: 17).
وعندما رقص داود كان رقصه رقصًا هادئًا رزينًا في حركات إيقاعية هادئة وقورة، وكان أعضاء السنهدرين وكبار الكهنة والقادة والرؤساء يشاركون في احتفالات عيد الفصح بالغناء والإنشاد والرقص والتواثب وبأيديهم المشاعل إلى ساعة متأخرة من الليل، وكان رقصهم وقورًا، وفي صعيد مصر يرقصون بالعصي (التحطيب) في وقار واتزان، وفي أثيوبيا يمارسون بعض الرقصات في عباداتهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكان الهنود الحُمر يرقصون بتحريك الأذرع وهُم جلوس، وفي القديم رقصت مريم النبية عندما نجا الشعب من يد فرعون، ورقصت ابنة يفتاح في استقبالها لأبيها العائد من الحرب منتصرًا على بني عمون، وخرجت بنات إسرائيل للقاء الملك شاول وهن يرقصن، ولم ترقص أي منهن رقصًا خليعًا... والدليل أن رقص داود لم يكن رقصًا خارجًا عن حدود اللياقة والأدب وثقافة العصر أن الرب لم يعاقب داود ولم يعاتبه على هذا، بل عاقب ميكال التي احتقرت زوجها فلم تنجب أولادًا، وعندما وصف الرب لإرميا رجوع بني إسرائيل من السبي قال له: "حِينَئِذٍ تَفْرَحُ الْعَذْرَاءُ بِالرَّقْصِ وَالشُّبَّانُ وَالشُّيُوخُ مَعًا. وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ مِنْ حُزْنِهِمْ" (إر 31: 13)، فقد كانت الفتيات والنسوة يرقصن معًا، بينما الشبان والرجال يرقصون معًا بمعزل عنهن.
وقول داود "حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا" أي نزعت عني ثياب الحزن ومنحتني ثياب الفرح... حللت عني رباطات خطاياي وأطلقتني حرًّا طليقًا، لذلك يلذ لي أن أرقص فرحًا وطربًا، رقصة القلب الفرح بعد أن زالت عنه كآبته، فقد آن له أن يفرح ويبتهج بإلهه ومُخلصه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1687b.html
تقصير الرابط:
tak.la/4szfm5f