س 1657 : كيف يقدر الشرير الخاطف أن يهين الله: " لأَنَّ الشِّرِّيرَ يَفْتَخِرُ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ. وَالْخَاطِفُ يُجَدِّفُ. يُهِينُ الرَّبَّ" (مز 10 : 3).. " لِمَاذَا أَهَانَ الشِّرِّيرُ اللهَ. لِمَاذَا قَالَ فِي قَلْبِهِ لاَ تُطَالِبُ" (مز 10 : 13)؟
ج : 1ــ لا يقدم الشرير لله الاحترام اللائق بربوبيته، إنما يتفاخر بما يصنعه من آثام وشهوات رديئة، كقول المُرنّم: " يُبِقُّونَ يَتَكَلَّمُونَ بِوَقَاحَةٍ. كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ يَفْتَخِرُونَ" (مز 94 : 4)، وفي صَّلاة حَنَّة أم صموئيل النبي قالت: " لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ" (1صم 2 : 3).. مثل هؤلاء الأشرار المفتخرين بآثامهم قال عنهم داود النبي: " لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهِمْ صِدْقٌ. جَوْفُهُمْ هُوَّةٌ. حَلْقُهُــمْ قَبْـرٌ مَفْتُوحٌ. أَلْسِنَتُهُمْ صَقَلُوهَا" (مز 5 : 9).. " سَنُّوا أَلْسِنَتَهُمْ كَحَيَّةٍ. حُمَةُ الأُفْعُوَانِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ" (مز 140 : 3)، وقال عنهم بولس الرسول: " حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ" (رو 3 : 13)، وقال يهوذا عن دينونة هؤلاء الذين تفوَّهوا بكلمات صعبة ضد الله: " لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ" (يه 15).
2ــ لا أحد يستطيع أن يهين الله، لأن اللاهوت منزَّه عن أي ألم أو أية انفعالات بشرية، فالمقصود هنا بإهانة الله أي الحديث بأسلوب غير لائق وغير مهذَّب على الله مع الاستهانة بوصاياه وأحكامه وعدم طاعة أوامره، ومن الطبيعي من يستهين بأوامر الملك فأنه يستهين بالملك نفسه، وفي الحقيقة أن المتفوهين ضد الله والمجدفين عليه سيرتد ذلك عليهم، أما الله فهو منزَّه عن كل هذه التجاديف، مُبارك من جميع الطغمات السمائية...
قال المُرنّم: " لأَنَّ الشِّرِّيرَ يَفْتَخِرُ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ"، فلا يعترف الشرير إلاَّ بنفسه، مستخدمًا لسانه كسلاح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كما جاء في نفس المزمور: " فَمُهُ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَغِشًّا وَظُلْمًا. تَحْتَ لِسَانِهِ مَشَقَّةٌ وَإِثْمٌ" (مز 10 : 7)، وعوضًا أن يشعر الإنسان بالعار والخزي بسبب هذه الخطايا وتلك الشهوات، ويتوب عنها، فإذ به يسرُّ ويتفاخر ويتباهى ويزهو بشهوات نفسه أمام الأشرار الذين يتملقونه ويمتدحونه. ويرمقونه بنظرات الإعجاب، فيزداد افتخارًا وتباهيًا بشهواته وشروره، ويقول "القديس أُغسطينوس": " إن تعمق الشرير في شره يزيد من كبريائه حتى أنه يقول عن نفسه {لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ} (ع6). وهذا يقابله قول الرسول عن الشرير أنه { يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ} (2تس 2 : 4). ومن هنا فالشرير يرغب دائمًا في مديح الناس، بينما الأبرار يهربون من المديح، لكن الشرير يطلب المديح متظاهرًا أنه يستحق المديح حتى {يضل ولو أمكن المختارين}" (132).
ويقول "الأب متى المسكين" : " وكأن الشرير لا يخجل بل يفتخر بأطماعه الأنانية دون أن يفكر في أن يداري نفسه بل يفتخر بأنه حصل على كل ما تصبو إليه نفسه دون أن يُتعب نفسه بخصوص الله.
" وَالْخَاطِفُ يُجَدِّفُ. يُهِينُ الرَّبَّ " يمتلك بالقوة وبدون عدل، وحينما يتعدى على الفقير فهو في الحقيقة يجدف على يهوه، بل وأكثر من ذلك تُحسب محاولة جادة منه لاحتقار الله وإهانته" (133).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": " وكأنه لا يكتفي الأشرار بأنهم في خزي وعار يصنعون الشر، وإنما في كبريائهم يفتخرون بالشر ويتباهون بشهواتهم الدنيئة. أمَّا ما هو أشر فهو تحويل الشر إلى صورة خير، فيُظهرون الرذائل كأنها فضائل. إن غضبوا وثاروا حسبوا هذا شجاعة وصراحة وتمسكًا بالحق، وإن سقطوا في الشهوات الجسدية حسبوا هذا نضوجًا وخبرة حياة وانفتاح فكر. وكما يقول النبي: " وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا. الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا. الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا" (إش 5 : 20) (134).
" وَالْخَاطِفُ يُجَدِّفُ. يُهِينُ الرَّبَّ".. الخاطف هو من يغتصب ما يملكه الآخرون مستهينًا بالعدل الإلهي والمحبة الأخوية، فيغتصب ما ليس له دون خشية وكأنه لا يوجد هناك إله يراقب ويسجل ويحاسب ويدين، فينطبق عليـه قول الكتـاب: " لأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ الْجُنُودِ... وَاسْتَهَانُوا بِكَلاَمِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ" (إش 5 : 24)، وقال المُرنّم في الآية السابقة: " فِي كِبْرِيَاءِ الشِّرِّيرِ يَحْتَرِقُ الْمِسْكِينُ" (مز 10 : 2)، وفي الآية اللاحقة قال: " الشِّرِّيرُ حَسَبَ تَشَامُخِ أَنْفِهِ يَقُولُ لاَ يُطَالِبُ. كُلُّ أَفْكَارِهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ" (مز 10 : 5)، فالشرير يتكبر وينتفخ ويظلم ويرذل ويذل المسكين، مستهينًا بخالقه " ظَالِمُ الْفَقِيرِ يُعَيِّرُ خَالِقَهُ وَيُمَجِّدُهُ رَاحِمُ الْمِسْكِينِ" (أم 14: 31)، ويظن الإنسان الشرير أنه لا يوجد إله لهـذا الكون: " كُلُّ أَفْكَارِهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ"، ويتغافل الشرير أن ما نفعله مع الفقراء والمساكين إنما نفعله مع الرب الإله نفسه: ": الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ" (مت 25 : 40).
" لِمَاذَا قَالَ فِي قَلْبِهِ لاَ تُطَالِبُ".. وفي "ترجمة كتاب الحياة": " لماذا يستهين الشرير بالله قائلًا في قلبه. أنك لا تحاسبه؟" (مز 10 : 13).. وكأن الله لن يطالب الخاطئ بدفع ثمن خطيته، ولن يحاسب الشرير على كبرياء قلبه، ويقول "القس وليم مارش": " ويتساءل المُرنّم كيف يسمح الله أن يتجاسر الشرير ويستهين بالعلي كأنما يحسب أنه لن يُطالَب. إذًا فالحياة فوضى ولا نظام أدبيًا فيها، بل الحق للقوة الغاشمة وكما يفعل السمك القوي يأكل الضعيف والحيوانات الكاسرة تفترس فرائسها، فهل كذلك يكون الإنسان؟. ولكن شكرًا لله ليس الأمر كذلك بل هناك يوم الدين" (135).
_____
(132) أورده القمص بيشوي كامل - تأملات في المزامير لأباء الكنيسة (مز 1 - 10) ص 78.
(133) المزامير - دراسة وشرح وتفسير جـ 2 ص 96.
(134) تفسير المزامير جـ 1 ص 195.
(135) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 6 ص 24.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1657.html
تقصير الرابط:
tak.la/k3mv423