س 1650 : من هو "كوش البنياميني" الذي بسببه وضع داود المزمور السابع؟ وهل الله يجلس وسط القبائل: " وَمَجْمَعُ الْقَبَائِلِ يُحِيطُ بِكَ، فَعُدْ فَوْقَهَا إِلَى الْعُلَى" (مز 7 : 7)؟
يقول "المستشار محمد سعيد العشماوي": " فهذا الفهم يرى أن الرب إله قبيلة، أو إله أب القبيلة إبراهيم أو يعقوب أو إسرائيل وأنه يتفوق على آلهة القبائل الأخرى، كالعمونيين والأدوميين والحثيين والكنعانيين. أما الله الواحد الأحد، فهو غير الآلهة، لا يكون معهم ولا يُقارن بهم. وهذا يعني أن التوحيد العبراني توحيد لإله القبيلة، لكنه ليس توحيدًا خالصًا، ينفي وجود أي إله آخر. وإذ حدث خلط في الفكر الديني عامة، بين إله قبلي... وبين آلهة القبائل الأخرى، فقد أدى ذلك إلى اضطراب واحتراب في مفهوم الألوهية" (108).
ج : 1ـ "كوش البنياميني" الذي جاء في عنوان المزمور هو إنسان مقاوم لداود النبي، وغالبًا ما يكون هو "شاول الملك" وهو من سبط بنيامين أو أحد أتباعه مثل "شمعي بن جيرا" الذي سبَّ داود وقذفه بالحجارة أثناء هروبه من أورشليم عندما قام عليه أبشالوم ليغتصب العرش، أو "دواغ الأدومي" الذي وشى بداود وأخيمالك لدى شاول، ودُعيَ بنياميني نظرًا لتعصبه للملك شاول، وكان سبط بنيامين من أكثر الأسباط معارضة لداود، فنظروا إليه على أنه مغتصب العرش، ومعنى " كوش" أي أسود أو محترق بالشمس.
وطالما طُورد داود من شاول الملك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حتى أن هناك سبعة مزامير لداود دعاها القديس أُغسطينوس "مزامير الطريد"، فقد أنشدها داود وهو مُطارد من وجه شاول، وهــيَ (مز 7، 34، 52، 54، 56، 57، 142)، ويقول "الأب متى المسكين": " صاحب المزمور هوجم من أعداء لا يرحمون يحاولون أن يقضوا على حياته، يتهمونه بجرائم شنيعة وهو بحزن يحتج لأنه برئ تمام البراءة، ويدعوا الله كقاضٍ أعلى أن يفحص قضيته. وفي العنوان يشير إلى الحالة التي كُتب فيها المزمور وتسمَّى: شجايون لداود التي بها ترنّم للرب بخصوص الكلام الذي قاله كوش البنياميني وكلمة شجايون قد تعنِ شعرًا عاطفيًا بحالة اختطاف كُتِب تحت تأثير عاطفة شديدة تُظهر أصلها وكيانه. أما كوش فلم يُذكر عنه أي شيء في أي موضع آخر في العهد القديم. ويظهر أنه كان رجلًا من سبط بنيامين قريبًا جدًا من شاول وأنه دسَّ قولًا لشـاول أن داود يخطط لقتل الملك شاول، أقوالًا بلا أساس هيجت عليه عقله الملتهب. ومن هذه التهم يشتكي داود. أنظر: (1صم 24 : 9)..
أما كوش نفسه فلا نعرف عنه كما قلنا شيئًا ولا يجوز أن يكون كوشي أو أثيوبي كما يقول جيروم، وكون اسم كوش غير معروف، فذلك يوضح أن المزمور ضارب في القِدَم. فالمزمور إذًا يرجع إلى هذه المدة التي كان شاول يحاول هو وجماعته أن يصطادوا داود من مكان إلى مكان. والمزمور يعرض مشاعر داود الخاصة جدًا ويعكس حال تلك المدة كما ذكرنا في سفر صموئيل الأول سابقًا" (109).
2ـ قال داود النبي: " قُمْ يا رب بِغَضَبِكَ. ارْتَفِعْ عَلَى سَخَطِ مُضَايِقِيَّ وَانْتَبِهْ لِي... وَمَجْمَعُ الْقَبَائِلِ يُحِيطُ بِكَ فَعُدْ فَوْقَهَا إلَى الْعُلَى" (مز 7 : 6، 7)، وفي "الترجمة القبطية": " استيقظ أيها الرب إلهي بالأمر الذي أوصيت ومجمع الشعوب يحوط بك. ولأجل هذا أرجع إلى العلاء" فداود يستغيث بالله من مبغضيه الذين يسخطون عليه ويضايقونه جدًا، ويتهمونه أنه يسعى لقتل شاول واغتصاب العرش (1صم 24 : 9 - 11)، وكأن المحكمة قد انعقدت، وهوذا منصة القضاء قد نُصبت، والقبائل والشعوب يقفون أمامها. ثم يدعو داود الله للجلوس على المنصة ليرتفع بعدله فوق كل هذه القبائل والشعوب ولتكن كلمته هيَ الفيصل... وفي مزمور آخر يصف نفس الموقف قائلًا لله: " لأَنَّكَ أَقَمْتَ حَقِّي وَدَعْوَايَ. جَلَسْتَ عَلَى الْكُرْسِيِّ قَاضِيًا عَادِلًا... أَمَّا الرَّبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ يَجْلِسُ ثَبَّتَ لِلْقَضَاءِ كُرْسِيَّهُ. وَهُوَ يَقْضِي لِلْمَسْكُونَةِ بِالْعَدْلِ. يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ" (مز 9 : 4، 7، 8)، وعندما يدعو داود الله للارتفاع فوق الكل، فهو بهذا يمجد اسمه القدوس كقاضٍ عادل منتصر يسود فوق الكل.
3ـ تحمل الآية أيضًا معنى بلاغي رائع، فيقـول داود الشاعــر الرقيق: " مَجْمَعُ الْقَبَائِلِ يُحِيطُ بِكَ" مع أنه يؤمن ويعرف أن الله غير محدود وغير متناه، لا تحده أية حدود ولا نهاية له، فالآية تصوّر المحكمة السمائية المُزمعة أن تنعقد لمعاقبة الشعوب والقبائل، ويقدم داود اِلتماسه لله ليسود فوق كل هذه القبائل والشعوب، حتى يأخذ العدل مجراه ولا يُهزَم أمام الباطل، وجاءت في "ترجمة كتـاب الحياة": " لتُحِطْ بِكَ جَمَاعةُ الشُّعوبِ فتحكُمها من منصَّةِ القضاء العاليةِ" (مز 7 : 7).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": " يرى المرتل من شدة حزنه كأن الديان قد ترك منصة القضاء إلى حين، وها هو يتوسل إليه أن يقوم ليفصل في قضيته. لقد سلم كل شيء بين يديه. يحكم بينه وبين أعدائه. صمتْ الله يعلن عن طول أناته، لكن إذ يسيئ الأشرار فهم طول أناة الله فيطأوا قديسيه في التراب تحت أقدامهم. يقوم الله ويقضي" (110).
_____
(108) الأصول المصرية لليهودية ص 201.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1650.html
تقصير الرابط:
tak.la/qn75mph