St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1583- ما هو سراج الله الذي أضاء فوق رأس أيوب (أي 29: 3)؟ وكيف غسل أيوب خطواته باللبن، وهل سكب له الصخر زيتًا (أي 29: 6)؟

 

ج: 1- تأسَّف أيوب وتأسى على حياته الأولى وكيف كان يعيش وسط أسرته وقومه في غنى وعَظَمة وكرامة، أمَّا الآن فقد زال عنه كل هذا حتى صحته ساءت واعتلت، وبينما كان يتذكر أمجاده الأولى قال: "حِينَ أَضَاءَ سِرَاجَهُ عَلَى رَأْسِي، وَبِنُورِهِ سَلَكْتُ الظُّلْمَةَ" (أي 29: 3)، وهو يقصد بالسراج الشمس بلمعانها حيث تضيء الأرض ونورها يطرد الظلمة، فكان يتمتع أيوب فيما قبل بنور الشمس إذ تبعث في جسده الدفء وفي نفسه الأمل المُتجدِّد، أمَّا الآن فهو يشتهي القبر وظلمته لعله يتخلَّص من آلامه وأوجاعه وأصدقائه المتعبين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد قال بلدد الشوحي عن الإنسان الشرير قاصدًا أيوب: "النُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ، وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ" (أي 18: 6)، فوافقه أيوب أن هذا فعلًا ينطبق على الشرير قائلًا: "كَمْ يَنْطَفِئُ سِرَاجُ الأَشْرَارِ، وَيَأْتِي عَلَيْهِمْ بَوَارُهُمْ" (أي 21: 17). ثم يعلن هنا أمام بلدد أنه ليس شريرًا، إنما هو إنسان بار وسراج الله طالما أضاء فوق رأسه، فالله هو نور الصديقين، وفيما بعد صلى داود قائلًا: "لأَنَّكَ أَنْتَ تُضِيءُ سِرَاجِي. الرَّبُّ إِلهِي يُنِيرُ ظُلْمَتِي" (مز 18: 28).

     لقد أضاءت الوصايا الإلهيَّة حياة أيوب، فاستضاءت حياته بنور الوصية كقول المُرنِّم في المزمور الكبير: "سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي" (مز 119: 105)، وكقول الحكيم: "لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ" (أم 6: 23)، وحينما أضاء سراج الله حياة أيوب حينئذ قال: "وَبِنُورِهِ سَلَكْتُ الظُّلْمَةَ" وليس معنى هذا أن الظلمة هي التي سلكت، إنما أيوب هو الذي استطاع أن يسلك في الظلمة مستضيئًا بنور الوصية، وهذا ما أوضحته " الترجمة السبعينية": "حين أضاء سراجه على رأسي وبنوره سلكتُ في الظلمة".

     وفي "الترجمة القبطية": "يوقد مصباحه على رأسي، فأسلك الظلمة في نوره".

     وفي "الترجمة اليسوعية": "حينَ كانَ مصباحهُ يُضئُ على رأسي فأسلُكُ الظلمةَ في نورِهِ".

     وفي "ترجمة كتاب الحياة": "كانَ مصباحُ يُضئُ فوقَ رأسي. فأسلُكُ عَبرَ الظلمةِ في نُورهِ".

     وفي "الترجمة العربية المشتركة": "يُضئُ سراجَهُ فوقَ رأسي فأسلُكُ بنوره في الظلامِ".

 

2- يقول "القمص تادرس يعقوب": "كان النور المشرق منه هو نور الله الذي أضاء سراجه على رأسه، وكأن أيوب أشبه بمنارة، لا قيمة لها بدون السراج الإلهي. إنه مدين لله " النور الحقيقي " الذي قاده وسط الظلمة، يهبه تعزيات إلهيَّة وسط الأحزان، ويحفظه من العثرات...

 ويقول البابا غريغوريوس الكبير:

بتعبير " سراج " يقصد نور الكتاب المُقدَّس، هذا الذي يقول عنه (بطرس الرسول): "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وهي أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ" (2بط 1: 19)..."(1).

 

3- بينما كان أيوب يتذكَّر حياته الأولى ذكر الخيرات الكثيرة التي تمتع بها وعبَّر عن ذلك في صورة شعرية رائعة إذ قال: "إِذْ غَسَلْتُ خَطَوَاتِي بِاللَّبَنِ، وَالصَّخْرُ سَكَبَ لِي جَدَاوِلَ زَيْتٍ" (أي 29: 6).

وفي " الترجمة السبعينية": "عندما كانت طرقي ممتلئة بالزبد وحياتي تفيض لبنًا".

وفي " الترجمة القبطية": "فكانت طرقي تفيض دسمًا وجبالي تقطر لبنًا".

وهنا نقف أمام صورتين استعاريتين، الأولى: عندما قال أيوب: "غَسَلْتُ خَطَوَاتِي بِاللَّبَنِ " أي أن ثروته الحيوانية نمت وتكاثرت حتى صار اللبن يفيض بكثرة، وهكذا عندما تحدَّث يعقوب عن المسيا الفادي قال: "غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ، وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ. مُسْوَدُّ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ، وَمُبْيَضُّ الأَسْنَانِ مِنَ اللَّبَنِ" (تك 49: 11، 12)، وقال داود في تسبحته: "كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ، وَآثارُكَ تَقْطُرُ دَسَمًا. تَقْطُرُ مَرَاعِي الْبَرِّيَّةِ، وَتَتَنَطَّقُ الآكَامُ بِالْبَهْجَةِ. اكْتَسَتِ الْمُرُوجُ غَنَما،ً وَالأَوْدِيَةُ تَتَعَطَّفُ بُرًّا. تَهْتِفُ وَأَيْضًا تُغَنِّي" (مز 65: 11-13) فجميعها صور استعارية رائعة الجمال.

والصورة الاستعارية الثانية عندما قال: "وَالصَّخْرُ سَكَبَ لِي جَدَاوِلَ زَيْتٍ" (أي 29: 6) فشبَّه الصخر بإنسان يسكب له جداول من الزيت، وهو يقصد بالصخر معصرة الزيتون الصخريَّة التي تفيض بزيت الزيتون، وأيضًا الآكام الصخرية التي تنبت عليها أشجار الزيتون، والهدف إظهار الخيرات التي كان يعيش فيها أيوب، وهذا يتوافق مع ما جاء في الكتاب المُقدَّس في مواضع أخرى، فمثلًا عندما تحدَّث موسى النبي عن عناية الله بشعبه قال: "فَأَكَلَ ثِمَارَ الصَّحْرَاءِ، وَأَرْضَعَهُ عَسَلًا مِنْ حَجَرٍ، وَزَيْتًا مِنْ صَوَّانِ الصَّخْرِ" (تث 32: 13)، وقال المُرنِّم: "وَمِنَ الصَّخْرَةِ كُنْتُ أُشْبِعُكَ عَسَلًا" (مز 81: 16).

 

4- يقول "القمص تادرس يعقوب": "وهبه الله كل شيء بفيضٍ، فمن كثرة الأغنام خُيل إليه أنه كمن يغسل قدميه باللبن، ومن فيض ثمار أشجار الزيتون حسب كأن الصخور المحيطة به تفيض زيتًا. إلى أي شيء يشير غسل خطوات الإنسان باللبن أو الدسم، وسكب الصخور له جداول زيت، سوى إلى شعور المؤمن بالشبع الداخلي"(2).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1033.

(2) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1033.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1583.html

تقصير الرابط:
tak.la/8vjs3ab